|
الديمقراطية .. (13)
هلال آل فخرالدين تسييس المذاهب وتقلب العلماء(تقلب الولاءات ): يذهب الاستاذ القاضي توفيق الفكيكي في كتابه القيم مذاهب ابتدعتها السياسة انه كانت الغلبة للسياسة في ابراز المذاهب واعلاء شائنها واتساع دائرتها كما وان هناك مذاهب ماتت واندثرت على الرغم من رجحان كفتها في ازمان سياسية وبروز علمائها واستقواء منطقهم لا ان تغير الاوضاع السياسية الى غير منهجها ادى الى اضمحلالها واندثارها . وحيث كانت السياسة تلعب دورها في صياغت المذاهب وتوجهاتها وذلك لما كانت السطلنات السياسية تدعم مذهب معين وتتحالف مع لتوافقه مع اهدافها وتلبيةاحلامها واهوائها فتسبغ عليه العطاء وتبذل له الدعم وتعين رجاله كقضاة وائمة مساجد وخطباء ومدرسين وتنفق عليهم وتجزل لهم العطايا وتوفر لهم الدعم المادي والسياسي والحماية والتشجيع .لذلك نرى غالبيت العلماء كان سائرا في ظل السلاطين والحكام وسائر في ركابهم ومتبع لا اؤامرهم ومنفذ لسياساتهم. لذلك ترى الكثير من العلماء يتلون تبعا للوضع السياسي والمصالح المادية . جاء في وفيات الاعيان لابن خلكان ج3 ص299 حكي عن ابو بكر المبارك المعروف بابن الدهان انه تفقه على مذهب ابي حنيفه بعدان كان حنبليا ثم شغر منصب تدريس النحو في المدرسه النظامية وشرط الواقف ان لا يوضف الا شافعي المذهب فانتقل الى مذهب الشافعي وتولاه وفي ذلك يقول المؤيد ابو البركات بن يزيد التكريتي : من مبلغ عني الوجيه رسالة وان كان لا تجدي اليه الرسائل تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل وذلك لما اعوزتك المأكل وما اخترت قول الشافعي تدينا ولكنما تهوى الذي منه حاصل وعما قليل انت لاشك صائر الى مالك فافطن لما انا قائل ابتداع السياسة للمذاهب(كسب الشرعية): لانظمة الحكم كافة علاقة بالمؤسسة الدينية ورجالها وخصوصا اذا كان في نظريات تلك الفئة الدينية مايمنح الشرعية للنظام وبالاخص اذا كان النظام جديدا فهو يحتاج الى من يدعم سلطاته وسلطانه بوشائج الدين لتقوية نفوذه والحصول على الشرعية ..وكما هو واضح فان الخلافة او الامامة لاتكون الى في قريش للحديث النبوي المتواتر والصحيح (كلهم من قريش) وبما ان الاتراك ليسوا من العرب ولامن قريش فطمعوا بالخلافة اسوة بغيرهم ولم يكن غير المذهب الحنفي يجوزلغير العربي ارتقاء سدة الخلافة فتمسك الاتراك بالمذهب الحنفي وقلدوا الاحناف المناصب وفرضوا الحنفية فرضا فيما احتلوه من الممالك وفتحوه من الشعوب فأنتشرالمذهب الحنفي بقوة السيف وبسنابك الخيل . فلذلك تلاحظ ان التغيرات السياسية كانت لها الاثر الفعال في خلق المذاهب وابتداع الطرائق الصوفية. يذكر خالد زيارة في كتابه كاتب السلطان ص38 ( تغيرت المذاهب تبعا لتغير السلطة السياسية حيث كانت مصر شافعيه وعندما احتلها الاتراك غيروا كثيرا من السلطات الدينية ولذلك امتنع كثيرا من علماء الشوافع عن الافتاء في الامور الشرعية تبعا للاجرائات التي اصدرها العثمانيون المتعلقة بالاحكام امثال الفقيه محمد الشويكي الذي افتى ثم امتنع في الدوله العثمانية والغزي صاحب الكواكب السائرة في اعيان المئه العاشره ج2 ص26 وكذلك بالنسبه الى ابن حنظل الذي انكف عن مناصب الدولة العثمانية وذلك تفاديا للوقوع في المهالك ) نفس المصدر السابق ج2 ص48 . ومنحت الوظائف الدينيه البارزة-في مصر - الى الاحناف فقد امر ان يتقدم الامام الحنفي فيصلي بالمحراب الكبير الملاصق للمنبر قبل الامام الشافعي ) نفس المصدر ج2 ص198 . ويذكر خالد زيارة ( لقد قاوم علماء مصر زمنا طويلا مظاهر الهيمنة العثمانية وعبرو عن ذلك بطرق شتى من تمسكهم بالمذهب الشافعي الى رفضهم للنظام المدرسي العثماني وفقدانهم للدور الاجتماعي اديا الى اضعافهم وانكارهم ) كاتب السلطان ص124 والى هذا يشير العلامه علي مبارك في الخطط التوفيقية ج4 ص67 وانتشر المذهب الحنفي وتوسع المنتسبون اليه من العلماء وطلبة العلم وقد حدث هذا التطور بعد سنه 1863 ( بسبب حصر الفتوى بهذا المذهب فاثرة كثير من طلاب العلم لقصد التعيش بالفتوى ثم انتقلة المشيخة الى اهله وكثرت مراتبهم وانحصرت الوظائف فيهم وزدادت رغبة الطلبة فيه خصوصا بعد سنه ثمانين بعد المائتين والالف فدخل الناس فيه افواجا وانتقل اليه كثير بعد الانهيار في المذاهب الاخرى بل انتقل اليه بعض المدرسين طلبا للمعاش وبعضهم يشتغل به مع عدم هجر مذهبه فصار اشهر المذاهب بعد ان لم يكن كذلك ) كذلك استاثرو بمنصب قاضي قافلة الحج الشامي ان يكون حنفيا ..الغزي لطف السمر وقطف الثمرح1 ص 376 وكذلك استغل العثمانيون ان يكون المفتي المدينة دمشق الحنفي روميا من بلاد الروم -العثمانيه- ملاحق لطف السمروقطف الثمر ج1 ص 730 . حتى ان الامر وصل في الدولة العثمانية انه يجب حتى على المفتي الحنفي-حسب مذهب العثمانيين- ان يفتي حسب الطريقة والتقاليد التي احدثها العثمانيون وادخلوها حيث كان قاضي مصر ومفتي الحنفية على طرابلس الذي انكر عليه قضاة الاروام - العثمانيون- بسبب افتائه بمذهبه الراجح عنده وكاتبو السلطان وجرحوه بما هو بريء منه فارسل السلطان يامر بقتله او نفيه ) نفس المصدر ج2 ص213 ويقول العلامة العبيدي (ان صفحات التاريخ حافلة بتيارات سياسية تحولت الى مذاهب اسلامية) . وهنا يشير المفكر جمال البنا ماوصلت اليه احوال المسلمين من نبذ النص واعتماد التأويل وما جره من التفرق وظهور المذاهب : "كيف يفهمون القرآن؟ يقولون اين عباس قال كذا، ومقاتل قال كذا، مجاهد قال كذا. ابن تيمية قال كذا، الحديث صحيح أم خاطئ يقولون البخاري قال كذا … مسلم قال كذا …. إذن هؤلاء لا يفكرون بعقولهم .. لا بالقرآن نفسه بل بكلام المفسرين، ولا بتأكدنا من صدق الأحاديث بل لمجرد أنهم قالوا كذا وكذا … وكل هذه المذاهب، هل كانت موجودة في عهد الرسول من شافعية وحنبلية ؟ كانت غير موجودة، كل هذا من إبداع الفقهاء فهذا هو إسلام الفقهاء..." تحريف الشرع تبعا للتعصب المذهبي: الملاحظة الواضحة على منهج مدرسة السقيفة سواء قديما ام حديثا في اطارها العام لاتخرج عن وأد الفكر وقمع الحوار ومصادرة الحق وتأويل النصوص تبعا للعصبية والتطرف او طمسها حيث ادى ظاهر الالتزام بهذا المنهج المعوج بل المدمر في الخروج عن ميزان الشرع حتى اصبح النص الوارد في الكتاب او السنة عند بعضهم لايعمل به إن خالفه رئيس المذهب الذي اصبحت اقوله سنة منزلة ومخالفته بدعة محرمة وعدم اتباعه كفرا ومروقا عن صحيح الدين حتى قالوا أن كتاب الله تنسخه مخالفة أقوال علماء المذهب وقديما قال عبيد الله بن الحسن الكرخي :(الاصل ان كل اية تخالف قول اصحابنا فانها محمولة على النسخ او على الترجيح والاولى على التاويل من جهة التوفيق .الاصل ان كل خبر يجيىء بخلاف قول اصحابنا فانه يحمل على النسخ او يحمل على انه معارض بمثله ثم صار الى دليل اخر او ترجيح فيه بما يحتج به اصحابنا من وجوه الترجيح او يحمل على التوفيق )الدكتور مصطفى سعيد الجن نقلا عن اصول الكرخي ص84 القاهرة 1972 . يبين لنا هذا النص مدى الارتباط بالمذهبية والالتزام باقوال علماء المذهب حتى وان خالفت النصوص وهم يتمحلون ويخضعون الكتاب لموافقة اهوائهم وعند امتنع النص القراني فانهم ينسخونه ويعملون بما جاء عن اصحاب المذهب ..! وحديثا يقول الدكتور مصطفى سعيد في اثر الخلاف في قواعد الاصول ص9 ((فهم مدفوعون وراء المذهبية تعصبا ويطرحون الدليل ويأولونه تاويلا بعيدا لا يتفق مع الحقيقة فهذه هي المذهبية التي يبغضها الله ورسوله )..!! المفكر جمال البنا يؤكد أن على المسلم أن ينطلق من "القرآن" لأنه أساس الدين الإسلامي. والقرآن ليس بحاجة للمفسّرين. ولا للفقهاء. القرآن متاحُ للمسلم العادي، الذي ليس عليه حتى أن يحفظه بأكمله. فكل سورةْ من القرآن تشتمل على الدين كلّه، ولم يكن الصحابة أنفسهم يحفظون أكثر من عشر سور. ان البنا ينكر العمل بالاحاديث المكذوبة والضعيفة المناقضة لنصوص القران انه يعترض على الأحاديث الضعيفة أو غير المسندة يشكّك جمال البنّا في هذا الكمّ الهائل من الأحاديث الذي نشأ في عصر فرقةٍ ونزاع وحروب بين المسلمين، فربما ابتكرت بعض الفِرَق من "الأحاديث" ما يؤيّد صحة دعوتها. ولكن ذلك لا يميّز البنّا فعلاً. ما يميّز البنا فعلاً هو أن أصول "الإسناد" عنده منقطعة كلياً عن أصول الإسناد التقليدية. فالأساس، في نظره، ليس صدق الرواة والثقة بهم، بل صدق الحديث بقياس القرآن. فلا يُسند الحديث سوى إتفاقه مع القرآن، وكل حديث لا يتوافق مع القرآن لا يُعتدّ به. "الأصل" هو القرآن، وكل ما يناقض القرآن ليس مقدّساً حتى لو كان منسوباً إلى رواة موثوقين. واخيرا اختم هذا البحث بكلمة خطيرة لحجة الاسلام الغزالي :(ومن لم يسمع اختلاف المذاهب وتظليل أهلها بعضهم لبعض كان امره اهون ممن سمع فها هو هائم لايشخص به طالب التميز بين الحق والباطل). وفي هذا الصدد من التعصيب المقيت كان يؤكدا امام السلفية أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالي: (لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشوري: ٢١) والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالي: (قُلْ أَرَأَيتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً) (يونس: ٥٩).
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |