نكتب ولا نكتب ...!

 

د-مراد الصوادقي

alsawadiqi@maktoob.com

تمضي السنون ونحن منهمكون بموضوعات تبعدنا عن العصر الذي  من المفروض أن نعيشه ونتعامل معه بطاقاتنا وقدراتنا المتنوعة، لكي ننتمي إليه ونترك بصمات وجودنا الفعال عليه. ويظهر أننا لم نتعرف على عصرنا عن قرب، فأمضينا الوقت في محاولة التخلص من تبعات  ومستحقات لم تدفعها الأجيال السابقة ولم تتفاعل معها بصراحة ورؤية موضوعية ذات قيمة حضارية وقوة دفع إلى الأمام, وإنما حولتها إلى أوحال وأطيان تتساقط فيها الأجيال تباعا.

وبعد أن مضت خمسة سنوات ونصف من الطرح والكشف والتصريح والقدح والمدح وكل أنواع التفاعلات السلبية ومهاراتها، أصبح من المفيد أن نتساءل وماذا بعد؟

هل سنمضي على ذات الحال ؟

هل استفدنا من تجربتنا وحققنا قواعد ذات قيمة حضارية ومعاصرة مربحة؟

إن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا في مجتمعنا من أقصاه إلى أقصاه، هو غياب التفكير التقني المعاصر الذي يوفر القوة اللازمة للحياة في عالم تحرك العقل فيه إلى أقصى المديات، وأصبح ما يعطيه اليوم قديما بعد بضعة اشهر, وما تطرحه المصانع في الأسواق من مخترعات تكون قديمة وغير مربحة بعد ستة أشهر أو اقل. ونحن في هذا الخضم الإختراعي الإبداعي التقني الفوار على جميع الأصعدة والمستويات منشغلين بما لا يؤمن من خوف أو يغني من جوع.

عقولنا منهمكة بحماقات الكراسي وقال فلان وذكر فلان، والجوع قادم والتأخر يسير بسرعة مطردة إلى الوراء والمسافة بين النور والظلام تزداد اتساعا. فنحن في كل يوم نزداد تأخرا بسبب السرعة الفائقة لمسيرات التقدم من حولنا، ولنسيان المواكبة وروح الابتكار.

فأين العقل التقني عندنا؟

وأين العقول التي تخترع وتصنع؟

نحن بحاجة إلى صناعات غذائية تقينا من غائلة الجوع القادمة، وبحاجة إلى ثورة تقنية وصناعية على جميع المستويات. نريد عقلية تقنية في الصحافة والكتابة والمدرسة والجامعة لكي نعبر عن أنفسنا ونقوم بدورنا الإنساني الذي يساهم في تحقيق وجدودنا. نريد الخرجين من الجامعات أن يضعوا عقولهم مع بعضها لكي يبنوا الوجود الصحيح لأمتهم، وأن يؤسسوا المصانع والشركات وأن يتفاعلوا بإيجابية من أجل أن يضخوا مسيرة التعبير الحقيقي عن أمتهم. نريد من الجامعات أن تكون عناصر تفاعل خلاق في المجتمع الذي هي فيه, ولا نريد جامعات معزولة عن مجتمعها.

نريد أن نكتب بهذه الاتجاهات وليس بأساليب بالية داستها عجلات العصر الذي نحسب أننا فيه. فماذا نتوقع من كتاباتنا إذا أغفلت هذه الموضوعات أن تكون "إنها كتابات فوق الماء" وصرخات في مهب الريح, فعن أي دور للكتابة نحن نتحدث وبأي قدرة يمكننا أن نعبر عن قيمة الكلمة في حياتنا ونحن لا نقرأ بسبب سقوط كتاباتنا خارج فضاءات العصر.

لو انشغلنا بالتقنية والاختراع والبناء والتفاعل الإنساني الخلاق بعيدا عن أخلاق الكراسي ونداءات النفوس المسكونة بالشرور، لأنتجنا كتابات ذات قيمة حضارية واجتماعية، ولتواصلنا مع مفردات عصرنا وقدرات الوجود الإنساني الفياض من حولنا. لكننا ترانا كالأسماك التي تسبح في مياه الضلال والبهتان ولا تعترف بأنها من بني الإنسان, ولهذا فقد قيمته عندنا الإنسان.

وعليه فلكي نكون ونبدع ما ينفعنا وينتمي إلى عصرنا، من واجبنا أن ندرك مفردات الزمن الذي نريد أن نكون فيه، وأن نتخلص من سلبية اقترابنا من  ذاتنا وموضوعنا، وأن نتفهم قوانين العصر ونرتقي إلى مستويات التفكير التقني والإبداع التكنولوجي ونوظفها،ونصب فيها طاقتنا لتظهر بقوة وغزارة وتأثير مثلما يحصل في بلاد الدنيا المتقدمة علينا كثيرا. وقد يقول قائل أن العقل المتقدم أفضل من عقلنا وهذا غير صحيح، فعقولنا حضارية ولديها من قدرات الإبداع ما يميزها، لكنها موظفة في الهدر والسلب والدمار والدخول في أنفاق البهتان، وفقا لتأثيرات النشأة الخاطئة ومصالح الرموز الضارة في مجتمعنا المدمى بالحرمان والعوز والقهر والطغيان.

وختاما، فتحقيق النهوض والأمن والسلام يكون بالارتقاء إلى مستوى التفاعل التقني وصب الطاقات في سبل تأكيد الإرادة العلمية والتكنولوجية الخلاقة، التي تحرر العقول من ضلالات الهدر وتضعها على طريق الحرية والقوة والرفاهية والنمو الاقتصادي والمعرفي المفيد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com