هل استقبلوا الحريري نكاية بشيعة لبنان وحزب الله؟

  

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

أجزم بأن الصهاينة لا يخافون أحداً كخوفهم من شيعة لبنان، على الرغم من قلة عديدهم وضآلة تسليحهم وشح مواردهم وكثرة أعدائهم، وكل الأسلحة الأمريكية المتطورة والمعونات الأوروبية السخية والتنازلات العربية المذلة لم ولن  تذهب الروع عن نفوس الصهاينة، وكل قراطيس الحاخامات التي يتلونها آناء الليل وأطراف النهار لن تعيد لنفوسهم الطمأنينة، لماذا؟ لأنهم كانوا يظنون بأنهم وحدهم الشعب المعجزة، الذي استطاع بقدراته المحدودة وإسناد منقطع النظير من أقوى دول العالم من النهوض من هوة الشتات والمجازر والاضطهاد ليؤسسوا دولتهم في فلسطين فيطردوا سكانها العرب، ويهزموا جيوش الأنظمة العربية المرة تلو الأخرى… ثم حدثت المعجزة الحقيقية، عندما تأسس حزب الله، تلك الفئة المؤمنة القليلة، التي روعت ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، أجبرتها على الانسحاب المهين، وهزمتها على أرض المعركة، وفرضت عليها شروطها في صفقات تبادل الأسرى.

لم يكن شيعة لبنان قبل الإمام موسى الصدر شيئاً مذكوراً، كانوا أكبر الطوائف عدداً، وأقلهم تأثيراً في السياسة، وأشدهم فقراً، وأدناهم ذكراً، وصفوهم بـ"المتاولة" تحقيراً لهم، سدوا في وجوههم سبل العيش، اضطروهم للهجرة إلى مجاهل أفريقيا والأمريكيتين، ثم حضر الإمام موسى الصدر، وبدأت المعجزة، لذلك غيبوه، وما بدأه الصدر أكمله حزب الله، بالاعتماد على الله أولاً وهمة المؤمنين ودعم إيران الإسلامية، قاوم الصهاينة الغزاة وشيد المؤسسات الإجتماعية والصحية والخيرية، وخلال أقل من ربع قرن انتشل شيعة لبنان أنفسهم وبقيادة الإمام الصدر ثم حزب الله من هوة النسيان والعوز والحرمان إلى ذرى العزة والكبرياء والعيش الكريم.

حطم حزب الله عجرفة الكيان الصهيوني الغاصب وكشف زيف "معجزته"، مما اضطر حلفاؤه الأمريكان لاقتراف أعظم المحرمات في عرفهم السياسي، وهي اللجوء للدين لكسب المزيد من الدعم والتأييد للصهاينة، فأسسوا حركة المحافظين الجدد التي تزعم بأن سيطرة الصهاينة على فلسطين المحتلة وقهرهم العرب والمسلمين شرط ضروري وملزم لعودة المسيح عليه السلام، وادعى دجالهم الأكبر الرئيس بوش بأنه كليم الله، وسارع لاحتلال العراق لا لـ"تحرير" العراقيين بل لإحكام الطوق حول إيران ومنعها من التواصل برياً مع حزب الله.

حمل حلفاء أمريكا والكيان الصهيوني وعلى رأسهم النظام الوهابي الراعي للإرهاب في السعودية حزب الله المسئولية عن حرب تموز 2006م، وبرؤا ساحة الصهاينة من جرائم العدوان على المدنيين بالأسلحة المحرمة دولياً وتدميرهم للبنية التحتية لمناطق الشيعة في لبنان، واصطف الكيان الوهابي الغاصب للحكم في بلاد نجد والحجاز مع الكيان الصهيوني في وصفه لمقاومة حزب الله بـ"المغامرة"، وكان ذلك أيضاً الموقف المعلن أو الضمني لأتباع السعودية في لبنان، والمنضوين ضمن كتلة المستقبل، التي يترأسها سعد الحريري، وتضم حلفاء للكيان الصهيوني من فترة الحرب الأهلية.

ليس خافياً على أحد مدى العداء الذي تكنه السعودية لكل الشيعة، وبالأخص شيعة لبنان وحزب الله، فقد سعت السعودية من خلال عائلة الحريري للسيطرة على سياسة واقتصاد لبنان والقضاء على المعجزة الشيعية اللبنانية، لئلا يمتد تأثيرها لشيعة السعودية والخليج بل وكل الأمة الإسلامية، ولكن كل مناورات أتباع السعودية في لبنان ورهانهم على عدوان الكيان الصهيوني والدعم الأمريكي باءت بالفشل بفضل التوفيق الرباني وصمود المقاومة وجماهيرها الشيعية.

لا ينفك قادة الشيعة المشاركون في الحكومة من إذلالنا أمام الوهابية، فعندما هلك ملك الوهابية فهد توافدوا زرافات ووحداناً لتقديم فروض التعزية بوفاة أحد أشد الناس عداوة لأتباع أهل البيت، ثم قرأنا عن رفض الملك الوهابي الحالي استقبال رئيس الحكومة الشيعي، على الرغم من توسلات المالكي لنيل الحظوة الوهابية باطلاق سراح الإرهابيين السعوديين الذين تسللوا للعراق لقتل الشيعة العزل، وهاهو المالكي اليوم يستقبل بحرارة الحريري، صنيعة السعودية الوهابية.

كنا نتأمل مشاركة قادة شيعة العراق في احتفال حزب الله باستلام أسرى وجثامين شهداء المقاومة نتيجة صفقة تبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني، التي اعتبرها حتى أعداء الشيعة نصراً مؤزراً لحزب الله، لكنهم بدلاً من ذلك استقبلوا سعد الحريري ألد أعداء الشيعة وحزب الله في لبنان.

لم استغرب ترحيب المالكي بالحريري، فقد عودنا أن يكون شديداً على الشيعة المجاهدين رحيماً بأعدائهم، فلا قيمة للمالكي ولترحيبه، وفي ميزان الإيمان أصغر مقاوم في لبنان أعظم مرات لا تحصى ولا تعد من كل شيعة الحكومة العراقية، ولكني متحير من استقبال المرجع السيد السيستاني لعدو الشيعة وحزب الله، وأسأل ما السبب؟ لا يمكن أن يكون ذلك من قبيل المجاملة لأن المرجع لا تأخذه في الحق لومة لائم، واستبعد أن يكون ذلك بهدف مناظرة الوهابي الحريري لأنه من أقل الناس فهماً للفقه السني، فما بالك بالفقه الجعفري، وحتماً لم يفد الحريري على المرجع السيستاني لإعلان تحوله إلى المذهب الجعفري، على الرغم من أن عدداً من قادة سنة لبنان تشيعوا لأن ليس لهم من ذرية غير البنات ويخشون من استئثار أخوانهم بإرثهم.

السيف والمال هما السلاحان المفضلان للوهابية، ومنذ نشوء البدعة الوهابية الشيطانية وحكامها يمتشقون سيوف البغي للقضاء على التشيع وإفناء الشيعة، وهم يتحالفون مع أمريكا والصهيونية وغيرهم من أعداء الإسلام في سبيل تحقيق هذا الهدف، وتبريراً لذلك يفتون مراراً وتكراراً بأن التشيع أسوء من اليهودية والنصرانية بل حتى الوثنية، والمال هو الوسيلة الرئيسة لآل الحريري في شراء ولاء اللبنانيين لنظام آل سعود وسياساته المعادية للشيعة والمفرطة بحقوق العرب والمسلمين، لذا هو ليس بأفضل من السماسرة أو الوسطاء في الصفقات التجارية. 

إذا كان الحريري يظن بأنه سيكيد لشيعة لبنان ومقاومتهم بزيارة بعض قادة الشيعة في العراق فهو واهم جداً، لأن لا قيمة البتة لزيارته، ولأن لا أحد يضاهي مكانة شيعة لبنان ومقاومتهم في نفوس شيعة العراق بل كل المسلمين الصادقين والمنصفين. شيعة لبنان ومقاومتهم  صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأثبتوا بأنهم عندما يرددون ياليتنا كنا معك يا أباعبد الله الحسين جادون، وهم بالفعل في عداد أنصار وأصحاب الحسين في العقيدة والجهاد، وقد فازوا فوزاً عظيماً، وهم الأجدر بأن يقلدهم شيعة العراق في تآخيهم وتراحمهم وتضامنهم وتنظيمهم وفي وقوفهم بوجه الاحتلال الأجنبي وإجباره على الانسحاب وفي عدم تهاونهم في تحصيل حقوقهم السياسية والاقتصادية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com