الشخصية الوطنية والكاتب الباحث المناضل فاتح رسول وداعاً

 

 

                                             أحمد رجب

ahmad44rajab@hotmail.com

أخي ورفيقي وصديقي الأستاذ فاتح رسول في ذمة الخلود.

في يوم 23/7/2008 توقف القلب الكبير للمناضل والشخصية الوطنية والكاتب الباحث فاتح رسول (أبو آسوس) عن النبض بعد معاناة مريرة مع مرض مفاجيء ودخوله مستشفى جراحة القلب في أربيل وإجراء عملية جراحية له لم تكلل بالنجاح إذ ساءت  صحته وبعد الإتصال مع المؤسسات الرسمية في السويد والإعلان عن تدهور صحته أرسلت مؤسسات الضمان والتأمين على الحياة طائرة إسعافات خاصة إلى أربيل وتم نقله إلى مستشفى في العاصمة ستوكهولم حيث وافته المنية إثر نوبة قلبية ألمت به في السويد.

وفاتح رسول سياسي كوردي بارز وقائد أنصاري ومناضل عنيد ضد الأنظمة الرجعية والدكتاتورية والقوى الإقطاعية في العراق وكوردستان، وهو غني عن التعريف ليس في كوردستان فحسب، وإنّما على نطاق العراق، فهو شخصية كوردية وطنية، ومنذ عمر الصبا والشباب انخرط وهو في السادسة عشرة من عمره كما ورد ذلك في نعي المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكوردستاني في معترك النضال الوطني، وأصبح عضوا في الحزب الشيوعي العراقي، واستمر في نضاله كادرا وقائداً حزبياً في مجالات النضال المختلفة، وتعّرض للفصل والإعتقال، وحكم عليه لأول مرة سنة واحدة بالسجن بتهمة دفاعه عن البارزانيين، وتم فصله نهائياً من الدراسة في الثانوية (الأعدادية) عام 1949 وحكم عليه في المحكمة العرفية العسكرية ببغداد بالسجن سنة واحدة، وسنة أخرى تحت المراقبة بتهمة إنتمائه للحزب الشيوعي العراقي، وفي عام 1955 حكم عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات، وثلاثة أشهر تحت المراقبة وقبل إندلاع ثورة 14 تمّوز 1958 بثمانية أشهر أطلق سراحه.

بعد المؤامرة القذرة في 8 شباط الأسود عام 1963 ومجيء البعثيين إلى حكم العراق إضطرإلى الإختفاء والتشرد والتوجه إلى جبال كوردستان الشماء حتى عام 1970.

وعند إشتداد الحملة الهيستيرية للنظام الدكتاتوري الأرعن على الحركة الوطنية عامةً وتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي خاصةً إضطرّ مرة أخرى التوجه للجبال في بداية عام 1979 وعاش حياة في غاية الشدة والصعوبة إلى أواسط عام 1986 قائداً ميدانياً.

وأصبح الأستاذ فاتح رسول في عام 1960 عضواً في أقليم كوردستان للحزب الشيوعي العراقي، وكان لفترة من الزمن السكرتير الأول لـ (لجنة أقليم كوردستان) ومن عام 1973 وحتى إنعقاد المؤتمر الرابع للحزب عام 1985 عضواً قيادياً في اللجنة المركزية.

وللاستاذ فاتح رسول كتب كثيرة تتحدث عن التاريخ الحديث وتاريخ الحركة الوطنية الكوردستانية، وهو الذي يقول:

تحررت شعوب عديدة في الماضي بنضالها الدؤوب وكفاحها المستمر حيث ساعدتها العوامل التاريخية والجغرافية وظروف التطور الإجتماعي من تشكيل دولها والمضي في تقويتها وترسيخها وإلى جانب هذه الشعوب المتحررة بقت شعوب تناضل في سبيل إستقلالها ونيل حقوقها المغتصبة من قبل الأعداء والمحتلين الذين يحاولون بطرق مختلفة من تشديد الخناق على المطالبين بالحقوق وتعقيد الأوضاع ومن أجل ذلك يدفعون بإتجاه إشعال الفتن والنزاعات القومية.

وبالنظر من أهمية تحرر وإستقلال الشعوب خاض الشعب الكوردي في جميع أجزاء وطنه المحتل من قبل الأعداء كفاحاً عنيداً وشاقاً قلّ نظيره حاله حال الشعوب الأخرى في العالم.

ويضيف الباحث فاتح رسول ويقول :

تعد حركة التحرر الكوردستاني من أقدم حركات التحرر في الشرق الأوسط، حيث أنّها ومنذ أكثر من قرن، كمعبّرة عن أماني وأهداف تطلعات أمتنا، واجهت السلطات الإستعمارية والإحتلال الأجنبي بهدف إيصال شعب كوردستان إلى حق تقرير المصير والإستقلال الوطني.

والأستاذ فاتح رسول بصفته قائداً شيوعياً في الميدان،وفي التنظيم الحزبي وتنظيم الكفاح المسلح، وهو المطلع على كل سياسة حزبه الشيوعي العراقي وسياسة الأحزاب الصديقة والعدوة، ينتقد هذا الطرف أو ذاك، ويكتشف مكنونات ما يدور في خلد وعقول الأطراف، ويكشف الأسرار التي رافقت المسيرة الثورية والكفاح المسلح ومحاولات هذا الحزب أو ذاك الإستئثار على ساحة النضال ضد مواقع النظام الدكتاتوري، ويشير بصراحة إلى المساومات والمفاوضات بين الأحزاب والسلطة القمعية في بغداد، ويحلل هذه الأمور ويعطي الأجوبة حسب تقديره ورؤيته ويقّيم عالياً الجهود من أجل ترسيخ الإخاء بين الأحزاب الكوردستانية والعراقية، والأحزاب الكوردستانية في الأجزاء المحتلة والمستقطعة من كوردستان، وينتقد بشدة التوجهات ذات الطابع العدواني بين الأطراف السياسية، وانّ إنتقاداته من أجل تصحيح المسيرة الثورية لحركة الشعب الكوردستاني التحررية، والإشارة إلى الأخطاء التي رافقتها، والأستاذ فاتح يريد من نظرته ورؤيته وإنتقاداته للأطراف المتصارعة والمتحاربة والمساومة للدكتاتورية بناء صرح أخوي للتفاهم والحوار، والإبتعاد عن كل مايسيء للحركة، وإنتقاداته ليست من أجل التجريح، وانّما من أجل التقويم والإستفادة، وكتبه موجودة في الأسواق والمكتبات.

يقول الباحث والمؤرخ فاتح رسول: بعد أن ركنت إلى الإستراحة قليلاً في مملكة السويد وصلتني كل الدفاتر والوثائق من موسكو(كانت محفوظة عند أولادي الذين كانوا يدرسون هناك)، وبدأت بإعدادها بغية نشرها، كتجربة مساهمتي في الحركة الوطنية القومية في أحلك فترات تأريخها، نيتي وغرضي من هذا العمل هما أن أضع كل الوثائق والتجارب المرة العسيرة للسنوات الأخيرة في مسار تأريخ كفاحنا القومي في مجموعة من الصفحات المكتوبة وأعرضها على أبناء الأمة الكوردية والمثقفين والمخلصين، آملاً أن تكون محّفزة للبحث عن الصفحات المفقودة لتأريخ أمتنا المجزأة الأوصال.

وبصدد مسيرة شعبنا الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي الثورية يقول:

أنّ مسيرة تلك القافلة التي إستشهد فيها الآلاف من المناضلين ستمتد وتمتد، وقد تركت للجيل الحالي كثيراً من الحكم ودروس الكيف ولماذا، والإيجابية والسلبية والمفجعة، والنافعة والهامة. أنّ المهمة التأريخية الواقعة على عواتق المثقفين المخلصين ومناضلي الأمة الكوردية هي أن يرّتبوا جميع حوادث وتجارب تلك السنوات المريرة، ويدّونوها بروح نقدية موضوعية، ويقدموها إلى الأجيال القادمة للإنتفاع بها، ولتكون قافلة كفاحهم أكثر نتاجاً ونجاحاً من قافلتنا.

في (الأجزاء الثلاثة) لكتاب صفحات من تاريخ الشعب الكوردي للاستاذ فاتح رسول يتعرف المرء، وخاصةً الذين لا علم لهم بالأحداث الدامية التي شهدها العراق،  ويخصص فصلاً تحت عنوان (عادت حليمة إلى عاداتها القديمة) ويشير إلى عودة حزب البعث في العراق إثر إنقلاب مشبوه في السابع عشر من تموز 1968 على زمام الأمور، كما يشير بأن الحزب الشيوعي العراقي قد إتخذ موقفاً إيجابياً ازاء أي قرار أو خطوة أو موقف يتبدى فيه شيء من مصالح الجماهير.

عرف البعثيون كيفية التعامل مع الأحزاب والأحداث عند قدومهم، فهم ينتمون إلى حزب يعج تأريخه كلياً بالأعمال الإرهابية والممارسات العدائية والشوفينية والنزعة العنصرية، وكانت الجماهير العراقية تنظر إلى زمرة البعثيين، بأنّها زمرة تمثل قوة شوفينية وإرهابية، وتأريخها الماضي مليء بالجرائم والقتل والتآمر، فالجماهير لا تنسى حمامات الدم وأعمالها الوحشية، ومجزرة الثامن من شباط الأسود عام 1963، وكانوا مثار الخوف والحذر وعدم الثقة والإعتماد من قبل غالبية الجماهير والقوى السياسية العراقية.

وحزب البعث عمل على تعزيز العلاقات مع الدول المختلفة التي تراعي مصالحه، كما عمل بنفس طويل، وكتمان شديد، وإختيار أساليب وطرق مختلفة لتعزيز مواقعهم وتثبيتها، وتعزيز مراكزهم بشكل جيد، لكي لا يفقدوا مرة أخرى زمام الحكم !، ولتحقيق هذه الإستراتيجية إنتهجوا سياسة (الغاية تبرر الوسيلة)، وإذا شعر البعثيون بأي خطر يتم القضاء عليه بكل ما كانوا يمتلكون من قوة وإقتدار، وكان هدفهم الأول يتركز على القضاء والإجهاز على ثورة 11 أيلول التحررية 1961 في كوردستان، وكانت خطتهم الثانية إضعاف الحزب الشيوعي العراقي، والقضاء عليه حسب أحلامهم وتفكيرهم العنصري الشوفيني.

وحول بيان )11) آذار ذكر الكاتب والباحث فاتح رسول: بأنَ إتفاقية الحادي عشر من آذار 1970 كان إنتصاراً عظيماً ومكسباً هاماً للحركة الثورية والديموقراطية وجميع القوى التقدمية العراقية، إلا أنّ النظام الحاكم بدأ منذ البداية يخطط ويتآمرلإفساد الإتفاقية، فأخذ يضع العراقيل والمعوقات في طريق تنفيذها، ومع إخفاق ثورة أيلول وإنهيارها أثر إتفاقية الجزائر المشؤومة في شهر آذار 1975 كشف البعثيون عن وجوههم أكثر فأكثر، فتمزقت الأقنعة عن معظم الأهداف والنزعات المخفية، وقد لاحت المؤامرات والمخططات الشوفينية، ونوازع الحقد والكراهية ومعاداة الأمة الكوردية والديموقراطية كالبدر شاخصاً.

وخصص المؤرخ والباحث فصلاً عن الإرهاب الوحشي فيقول:

أخذت الحملات والضربات الموجهة لتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي مدى أوسع، فالنظام الفاشي وسّع من نطاق حملته الشعواء من خلال تدمير وتصفية المناطق التنظيمية واحدة تلو الأخرى، إبتداءً من محافظة البصرة حيث تساق يومياً مئات من الرفاق والمؤيدين إلى دوائر الأمن والإستخبارات ومقرات البعث وجميع المنظمات التابعة له، وكانوا يتعّرضون إلى أبشع أساليب وأشكال التعذيب الجسدي والنفسي، طالبين منهم إفشاء الأسرار الحزبية والتخّلي عن العمل السياسي مع الحزب الشيوعي، والتوقيع على تعهد بعدم العودة مرة أخرى إلى الحياة الحزبية، بإستثناء العمل تحت راية البعث العراقي!، ووصلت الحملة إلى بغداد، وتحولت المدارس والكليات والمعامل والنوادي والدوائر الحكومية والنقابات ومقرات حزب البعث إلى فروع التحقيقات الأمنية مع أستخدام كافة وسائل وأدوات التعذيب.

كان وضع العراق مأساوياً والنظام البعثي يجلب الويلات والكوارث في كل يوم، وتأتي الإعتقالات الكيفية والتعذيب الوحشي للوطنيين والشيوعيين من سائر القوميات والإعدامات وحربه القذرة في كوردستان في أولوياته، وبالمقابل أنّ العلاقات بين الأحزاب الكوردستانية تمر بفترة عصيبة وشائكة، ويلعب الحزب الشيوعي العراقي دوراً مشرفاً في إيجاد أرضية لجمع الأحزاب المتقاتلة وحل مشاكلها بالطرق السلمية.

وهنا سجل المؤرخ والباحث فاتح رسول قائلاً:

يجب ان لا ننسى هذه الحقائق، بأن نقدم قبل اي شيء على تعزيز التعاون والتنسيق فيما بيننا. وان نعمل من اجل ان تلتقي دائماً خطواتنا ومواقفنا الرئيسية، وأن يجري الاهتمام الجيد بالمنظمات الحزبية وتشكيلات حرب العصابات، والمزيد من نشاطاتهم وفعالياتهم.

لم (ينسى) الكاتب الباحث فاتح رسول معاناة الكورد الفيليين، وبهذا الصدد سجل نقطة هامة حولهم عندما أشار إلى حادثة جامعة المستنصرية ورمي رمّانة يدوية على طارق عزيز النائب الثاني لرئيس الوزراء الذي كان يتحدث للطلبة، وعلى إثر تلك العملية قتل أثنين من الطلبة، وأصيب طارق عزيز وعدد من الموجودين حوله.

ولم يلبث طويلاً ظهر صدام الدكتاتور على شاشة التلفزيون، وهو في حالة هيستيرية متشنجة، فصبّ جام غضبه وحقده الشوفيني الدفين في قلبه لدرجة أنّه كان خارج التصور والعقل وقال: "لن أدع قطرة من الدماء التي أريقت أن تمرّ دون أن نثأر وننتقم أضعاف مضاعفة، نقتلهم ونبيدهم ونقضي على {{نسلهم}} ونجتث آثار المشبوهين والمجرمين من الجذور، وبالضبط بدأ الهجوم الإرهابي ضد الكورد الفيليين،

فأبادوا عدداً منهم، ثمّ بدأوا بشن حملة إرهابية واسعة النطاق ضدهم، وجرت بحقهم عمليات النهب والسلب، والإستيلاء على أموالهم المنقولة وغير المنقوله، وإعتقال الأبرياء منهم وتجريدهم من كل ما يمتلكون من مستلزمات الحياة، وإلقائهم جياعاً عراة على الحدود العراقية ـ الإيرانية، وقد مات عدد من الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى جرّاء التعب والأعياء والبرد الشديد والجوع والعطش في الطريق، وانّ النظام خلق أرضية وفرصة مواتية وملائمة جداً لإستئصال جذور كل الكورد الفيليين في بغداد وجنوب العراق، بحجة وذريعة واهية زاعماً ان هؤلاء الكورد هم من الأجانب وليسوا من العراقيين، ان الشوفينيين العنصريين فعلوا ما في قدرتهم، وأستولوا على ممتلكاتهم ومنازلهم وأسباب حياتهم، وشرّدوهم وهجّروهم عنوةً علماً: {{ أنّ الأخوة الكورد الفيليين يعيشون في بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون }}.

لقد قام النظام الجائر في بغداد في عام 1972 فقط بترحيل ما يقارب أربعين ألف كوردي فيلي بذريعة عدم عراقيتهم ونهبت ممتلكاتهم.لا يخفى ان النظام البعثي العنصري بدأ بعد إتفاقية الحادي عشر من آذار 1970 بملاحقة ومطاردة الأخوة الفيليين، وأستمر النظام على الإستيلاء على ممتلكاتهم وتجريدهم من هوياتهم ووثائق التجنس الأخرى، فمن خانقين وجلولاء والسعدية حتى مندلي ـ بغداد، بدرة وجصان، على الغربي، العمارة والبصرة....الخ أخذ الفاشيون المجرمون يهجرون آلاف الكورد إلى الخارج، حيث باتوا دون مأوى وعمل ولا أرض، ولا وطن فهم يعيشون حالة التشرد والغربة والإغتراب.

يقول الكاتب في موضوع {الإنتفاضة وتطور نشاطات قوى بيشمه ركة كوردستان}:

في بداية عام 1982 تضافرت مجموعة من الحوادث المختلفة والعوامل الأساسية لإنتفاضة الجماهير، كسوق آلاف الشباب والطلبة والموظفين تحت طائلة الضرب والتعذيب إلى أتون الحرب التدميرية بين إيران والعراق.

أن ترحيل آلاف العوائل وإبعادهم من أرض آبائهم وأجدادهم إلى المجمعات القسرية المحرومة من المستلزمات الأساسية للحياة، إضافةً إلى الإعتقال والإختطاف والملاحقة والإبادة الجماعية يومياً ومضايقة الجماهير من قبل أجهزة النظام وفرق الإعدامات كان سبباً في إرتفاع الأصوات المخلصة من كل جانب لتوحيد وتنظيم القوى، وكانت قوى المعارضة تواصل حملتها الإعلامية من خلال النشر والدعاية والبيانات وإذاعتها لفضح وتعرية النظام وكانت تحث الجماهير للإنتفاضة ومواجهة النظام وتركيعه وكسر أيدي الإعتداء والجريمة وشل تحركه.

ساقت أجهزة النظام في مدينة السليمانية عدداً كبيراً من الطلبة والموظفين والعمال والأهالي إلى الشوارع تحت شعارات البعث التي تمجد قادسية صدام، ولكن فلت رأس الحبل وزمام المظاهرة من أيدي عملاء النظام، فأخذت جماهير مدينة الإندفاع والفداء تهتف بسقوط النظام الدكتاتوري وإيقاف حربه غير المشروعة بين العراق وإيران.

لقد بدأ الإرهابيون القامعون القتلة التابعون للنظام بشن الهجمات والحملات الوحشية على المتظاهرين لقمعها وإخماد أصواتهم. وفي مدينة أربيل قامت تظاهرة كبيرة تردّد نفس الشعارات التي اطلقتها الجماهير الثائرة في تظاهرة مدينة السليمانية وكانت لها إنعكاساتها في إلهاب حماس الجماهير والوقوف ضد النظام القمعي.

لقد هجم القتلة الإرهابيون التابعون للنظام وقواتهم المسلحة على المتظاهرين وأعتقلوا عدداً كبيراً منهم وللتهديد والتخويف أعدموا مباشرة اثنين من المتظاهرين وسط شارع في المدينة.

وتكررت المظاهرات في مدن وقصبات كوردستان، في قلعة دزة، والمجمعات القسرية في زاراوه، به سته سين، رانية، في حلبجة، وكويه، وقد ردّ النظام على المتظاهرين والجماهير العزل الأبرياء بإطلاق النيران، فسقط شهيدان في حلبجة، وشكرية قادر في كويه، وأمتدت التظاهرات إلى بكره جو وشقلاوه وصلاح الدين وجوارقورنه، وسيد صادق، وماوه ت، وأستشهد أربعة أبناء شجعان في جوارقورنه وإمرأة مسنة (بيروز حسن) في ماوه ت.

كما أن مدينة النار وشعلة باباكركر الأبدية، كركوك المحتلة الواقعة تحت العقب الحديدية، هذه المدينة التي يطمع فيها أعداء الكورد وكوردستان منذ سنوات طويلة، ويريدون اقتطاعها من كوردستان بشكل جنوني، نهضت هذه المدينة وتظاهرت في 9/5/1982 وتقاطرت الجماهير على الشوارع، ورددوا نفس شعارات المدن والقصبات الكوردستانية الأخرى، وهتفت الجماهير: أنّ كركوك جزء من أرض كوردستان، فالشوفينيون لا يستطيعون اقتطاعها منها فكانت أرضاً كوردياً أبداً، وستظل للكورد أبداً.

لقد شملت الإنتفاضة المقدسة الشجاعة التي إنطلقت في ربيع عام 1982 كل أرجاء كوردستان، حتى أن إندفاعها وصل إلى مدينة بغداد.

 

لم ينس الكاتب حلبجة ـ الحرب ـ الأنفال ويخصص لها صفحات يقول في مستهلها:

حلبجة، الحرب، الأنفال ثلاث مفردات قصيرة، لكن لكل واحدة منها تركت من ورائها الكوارث والتشرد، والعديد من القصص والروايات والمسرحيات الدراماتيكية، والآلام والدموع والحسرات وتهيج الذكرى والقلق، وتبقى تلك الآثار ما بقي الإنسان على وجه البسيطة، حيث كتبت عنها مئات الصفحات من الشعر والوثائق والتحليلات ونشرت الصور والملصقات.

ان ما قام به الأستاذ فاتح رسول من جمع الأخبار والأحداث والوقائع والوثائق بلا شك مهمة صعبة، ومما يضفي أهمية على كتاباته، هو قربه من الأحداث وصياغة وتحليل القرارات، بصفته عضواً قيادياً في الحزب الشيوعي العراقي من بداية الأحداث في عام 1978 إلى منتصف عام 1986، فهو يكتب عن الحقبة السوداء لنظام بغداد الدكتاتوري الذي قام بإعتقال المئات بل الآلاف من الوطنيين ولا سيّما من الشيوعيين ومن القوميات وفي مقدمتها الكورد، وتسويق هؤلاء الضحايا للحرب القذرة مع إيران والمعتقلات، ومن ثمّ إعدام الأبرياء الذين لم يقترفوا جرماً، ولم يكتف أزلام البعث بعملهم الدنيء هذا، إذ قاموا برمي الجثث في الأنهر، وفي المقابر الجماعية التي تشهد على الجرائم البشعة والمروعة لحزب عنصري شوفيني حاقد حكم العراق على مدى أكثر من أربعين سنة.

ويتحدث الباحث فاتح رسول بصراحة وصدق عن الفترة العصيبة في حياة الحزب الشيوعي العراقي والشيوعيين العراقيين عند ترك ""الجبهة"" مع البعث والتوجه إلى جبال كوردستان الشماء وخوض تجربة الكفاح المسلح ضد ركائز ومؤسسات النظام الدموي للبعثيين، إذ لم يكن لدى الحزب المال، وأفتقر إلى السلاح، حقاً كانت بدايات صعبة للرفاق الملتحقين ولقيادتهم.

يجد المرء في كتب الأستاذ فاتح رسول السرد الواقعي والحقيقي للبدايات الصعبة والشاقة لجمهرة كبيرة من المناضلين الأشداء ضد الدكتاتورية المجرمة والأفكار العنصرية والشوفينية، وقد تركوا عوائلهم وأطفالهم ووظائفهم ومدارسهم وكلياتهم وحياتهم الخاصة ولجأوا إلى جبال كوردستان، ليعيشوا حياةً جديدة، ويواجهوا مشاكل لا تعد ولا تحصى، سياسية واجتماعية واقتصادية، والعيش في الكهوف والأكواخ والبيوت الطينية، ولكنهم رغم كل المصاعب كانوا على أحر من الجمر للتضحية في سبيل الشعب والوطن والمباديء السامية، لقد كانوا من العرب والكورد والتركمان والكلدو الآشور السريان والأرمن، والإيزديين والصابئة المندائيين، مسلمين ومسيحيين. بدايات صعبة وشاقة تطورت شيئاً فشيئاً، وبدأ الكل ينتظم في خلايا ولجان حزبية، وعسكرياً في المفرزة، والفصيل، والسرية، والفوج، والقاطع، والمكتب العسكري وتم تقسيم العمل العسكري في الكفاح المسلح للحزب الشيوعي العراقي، وتشكلت (3) قواطع لإدارة وقيادة العمل والكفاح المسلح، وهذه القواطع هي: قاطع بادينان ويشرف على دهوك والموصل، وقاطع أربيل، وقاطع السليمانية وكركوك ويشرف على السليمانية وكركوك ومناطق كرميان، إضافةً للمناطق التي أستقطعها النظام الفاشي ضمن سياسته القذرة والسيئة الصيت: التهجير والتعريب والتبعيث، وخاصةً في محافظات ديالى وصلاح الدين.

يشير الرفيق فاتح رسول إلى سعي الحزب الشيوعي العراقي لجمع القوى الوطنية عامةً والكوردستانية خاصةً في جبهة وطنية ديموقراطية قوية، والعمل والإتفاق على برنامج وطني يؤدي إلى جمع جميع الطاقات وتوجيهها ضد نظام البعث الهمجي، والإسراع بإسقاطه، كما توّفرت لديه كل الرسائل المتبادلة بين حشع والقوى والأحزاب الاخرى، وهو يحتفظ بالبيانات والبلاغات الصادرة من كل الأطراف حول النظام القمعي، ومحاولاته العديدة للإندساس وزرع عناصرها الأمنية والمخابراتية والإستخبارية في صفوف الأحزاب، وحول الحرب العراقية ـ الإيرانية والكوارث التي تجرها على الشعب والوطن، وحول نوعية العلاقة مع البلدان المحتلة لكوردستان.

وعن كشف الرسائل يقول البعض:

 أن كشف الرسائل والبيانات والأسرار من قبل قيادي سابق في اللجنة المركزية لـ (حشع) غير محبذة، لعلها تؤدي إلى الصراعات والنزاعات الجديدة بين زعامات القوى والأحزاب التي تقاتلت في الماضي لفرض الوجود والإستئثار بالساحة الكوردستانية، وإخضاع الآخرين للسير حسب بوصلتها، ولا بد للشعب أن يتعرف من قريب على تلك الأحداث الدموية والمأساوية التي حصدت حياة خيرة أبناء الشعب من كل الأحزاب، ومن الضروري عدم نسيان تلك الأيام السوداء، وأخذ التجربة منها، وأن لا يكون أبناء القوميات العراقية المتآخية وقوداً للمصالح الشخصية التافهة وأفكارالحزبية الضيقة.

ان نشر الرسائل الشخصية من قبل المؤلف الذي جمعها خلال فترة تواجده في قيادة الحزب وقيادة البيشمه ركة الأنصار، أو كشف الأسرار التي تجمعت عنده والتي حصل عليها في لقاءاته مع قادة القوى والأحزاب، أو في زياراته المتكررة إليهم بصفته ممثلاً للحزب الشيوعي العراقي، وعن طريق رفاقة وأصدقائه دليل على مصداقيته كي يتعرف الجميع على الغايات وما كان يدور في خلد القادة الذين كانوا يخططون لشن الهجوم والحرب على منافسيهم، ولا شك أن أصحاب تلك الرسائل يستقبلون  ما تمّ تدوينه في الكتاب بالأشمئزاز، ولا يرتاحون أبداً من المؤلف، وينتقدون هذا العمل، ولكن بالمقابل فان أكثرية الناس يريدون قراءة الرسائل والمستمسكات والوثائق التي استطاع المؤلف الحفاظ عليها من التلف والضياع رغم الظروف القاسية التي مرت عليه، وهناك عدد غير قليل يثنون على جهود الكاتب الباحث.

ان المعارك الجانبية، أو معارك الثأر والإنتقام التي سميت بمعارك ""إقتتال الأخوة"" زوراً وبهتاناً تحتاج إلى كتابات أوسع وأشمل، لكي يتأكد الجميع بأنّ تلك المعارك لم تكن في يوم من الأيام أخوية، إذ أراد فرسانها ومروجيها إزالة الأخوة، وقد ساهمت بفعالية لا مثيل لها من تسهيل الأمور للنظام البعثي الغوغائي من توجيه ضربات موجعة لعموم الشعب وقواه الوطنية، ونشر بذور التفرقة والشقاق داخل قوات البيشمه ركة الأنصار، الأمر الذي أدّى إلى ضعف كبير في الحركة الوطنية، واستطاع النظام الجائر من عقد صفقات الهدنة والمساومة مع بعض القوى باسم (المفاوضات) لكي يتمكن عند فرطها من توجيه ضربات أقوى شراسة، وقد برهنت الأيام التي تلت تلك المفاوضات صحة هذا الرأي، إذ قامت السلطة الدموية بنصب كمائن ووضع خطط إجرامية للتصفية الجسدية

 وإغتيال عدد من البيشمه ركة والمسؤولين الكورد.

تحدث الأستاذ فاتح رسول حول الحرب العراقية ـ الإيرانية بإسهاب، وحقاً كانت الحرب القذرة بين العراق وإيران كارثة حصدت أرواح المئات والألوف من مواطني البلدين، وأدت إلى إعاقة مليون شخص تقريباً، وكانت حقيقةً حرباً عدوانية جاءت نتيجةً طبيعية لكامل نهج النظام المعادي للشعب، وتمت بدفع من الدوائر الإمبريالية والرجعية، نزولاً لنزوات الطاغية صدام حسين.

 ويجب هنا أن لا ننسى بأنّ الحزب الشيوعي العراقي قد تنبأ منذ مطلع عام 1979 بأن النظام الدكتاتوري في العراق يفتعل الخصومة ضد إيران بهدف تحويل أنظار الجماهير عن أزمته التي تشتد يوماً بعد يوم، وعزلته عن الشعب الناجمة عن إرتداده وممالاته لقوى الشر والرجعية في المنطقة، خصوصاً الدوائر الرجعية في السعودية والخليج.

وقد إتخذت هذه الحرب المدمرة صورة إعدامات جماعية لقوى المعارضة ورافضي الحرب، وتدميرها مئات القرى الكوردستانية، واستخدمت سياسة الأرض المحروقة، وإفراغ مناطق واسعة من السكان وتهجيرهم بالقوة، كما استخدمت الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً ضد سكان قرى كوردستان المحررة من سيطرة النظام.

وختاماً لا بدّ من الإشارة إلى قيم وإخلاقية مؤسسات الضمان الإجتماعي والتأمين على الحياة في السويد لخدمة وتقديرالمواطن السويدي والعمل بشتى الطرق لراحته والسهر على صحته، فإرسال طائرة إسعافات خاصة مع طيّارين وطبيب وممرضتين ليس بالقليل، وهو دليل لا يقبل الشك يشهد على سلاسة وشفافية التعامل في هذا الإطار، وتجدر الإشارة أنّ الطائرة حملت أيضاً أحد أبناء الفقيد.

سيقام مجلس الفاتحة للرفيق الفقيد فاتح رسول (أبو آسوس) يوم السبت 26/7/2008  من الساعة الثانية بعد الظهر إلى الساعة السابعة في قاعة تينستا تريف :

  في ستوكهولم.Tenestaträff

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com