|
ثورة يوليوثورة الكرامة العربية
فتحي بالحاج تهل علينا ذكرى ثورة يوليوفي وضع عربي مأزوم . والحديث عن هذه الثورة التي جاءت بالاستقلال إلى أغلب الأقاليم العربية يثير في نفوسنا ألما كبيرا نحن الذين لم نعش أمجادها ومعاركها ضد الحضور الأجنبي عندما نرى أن أقاليم عربية فقدت استقلالها وتخضع من جديد تحت الاحتلال المباشر ناهيك عن التدخلات السافرة لقوى الهيمنة في ما تبقى من الأقاليم الأخرى فهي صاحبة القرار الأول والأخير للعديد من الدول وفقدت السيادة الوطنية معناها الحقيقي. تهل علينا ذكرى ثورة يوليووقد تحول الوطن العربي إلى بؤر للصراعات الطائفية والقبلية، والى مسرح للصراع بين تجار الموت. إن الهدف من الحديث عن ثورة يوليوالتي حوصرت وضربت وشوهت وأسقطت من موقع القيادة من قبل من قبل قوى الحلف الثلاثي الإقليمية والاستبداد والهيمنة الأجنبية، هوالتأكيد أولا وأكثر من أي وقت مضى من أن ثورة يوليوعند تفجرها كانت المعبر الوحيد المتاح إلى بناء مستقبل عربي آمن. وأن الذين عادوها ووقفوا ضدها وخذلوها في فترات كانت الأمة في أشد الحاجة إلى من يقف مع خيار الثورة وخيار مقاومة الهيمنة الأجنبية كانوا على خطأ مهما كانت المبررات. ونهدف ثانيا إلى التأكيد من أن لا مستقبل عربي بدون الأخذ بالمبادئ وبالأهداف التي رفعتها وعملت على تكريسها دعت ثورة يوليو. إن الانقلاب الخطير الذي حصل في مصر وفي الوطن العربي وهذا الانهيار الفظيع الذي أصاب النظام الرسمي العربي بعد غياب عبد الناصر وإزاحة الثورة من دفة القيادة في 1970 أدى إلى هذه الانهيارات الكبرى التي أصابت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والى خضوع كل مقدرات الأمة للسيطرة الأجنبية. ونهدف التأكيد ثالثا أن الذين يقودون حملات التشويه ويتجاسرون على مبادئ الثورة وعلى قياداتها هم أولئك الذين كونوا هذا الحلف الغير مقدس وساهموا في ضرب الثورة وهم الذين يحكمون الواقع العربي منذ أربعة عقود فخربوا ما أنجزته الثورة وهم فأرجعوا جحافل المستعمرين بعد أن طردتهم ثورة يوليو. وزرعوا الخوف والذل في النفوس بعد ارفع رأسك يا أخي. وبالرغم من الهجمة الشرسة على عبد الناصر وثورة يوليومنذ قرابة من نصف قرن شاركت فيها جهات عربية وغربية فان تجربة يوليولازالت ملتصقة في الوعي العربي الجمعي بقيم العزة والكرامة وبإرادة التحدي والمقاومة بحثا عن الحياة الحرة.. لازالت ثورة يوليوومفجرها ها جمال عبد الناصر يتمتعان بشعبية غير محدودة لدى الجماهير العربية على الرغم من عجز التيار الناصري في توظيف هذا الزخم الجماهيري..وتحويله إلى حركة جماهيرية فاعلة. لقد فتحت ثورة يوليوكما يقول الدكتور صفوت حاتم للجماهير العربية بوابة التاريخ التي كانت مغلقة دونهم لقرون طويلة. لقد عاشت الجماهير العربية مع عبد الناصر أحلاما كبيرة عن الوحدة العربية والكرامة وعاشت معه رغبتها الجامحة في العودة كفاعلة في تاريخ البشرية بعد أن طردوا من ساحة الفعل والمشاركة في صنع التاريخ خلال أزمنة الانحطاط. وهكذا يتجلى لنا الدور الأساسي للناصريين هوإرجاع الجماهير العربية إلى ساحة الفعل السياسي والنضالي حتى تتمكن الأمة من رفع سقف مطالبها إلى مستوى ما فعلته ثورة يوليووالعجز عن إيقاف مسلسل انهيار والانحدار للأمة العربية. ضد قيم الخوف والهزيمة اتّسم الوضع العربي قبل 1952 بالركود والانحطاط فلئن تمكنت بعض الدول العربية ومنها مصر من الحصول على استقلال فان هذا الاستقلال كان صوريا ذلك أنه لم يتجاوز شكلية الالتحاق بمنظمة الأمم المتحدة التي عقبت ما كان عرف بعصبة الأمم فهذه الدول حديثة التأسيس والمتوافقة شكلا ومضمونا مع اتفاقية سايس ـ بيكو.هذه الدول المستقلة كانت بعيدة عن الحركة السياسية والنضالية في الوطن العربي وإرادة مقاومة التواجد الاستعماري. لذا ظلت هذه الدول بعيدة كل البعد على حركة التحرر الوطني العربي. بل تعمل على إضعافها من خلال إغراء المناضلين والمجاهدين من أبناء الأمة بمناصب في الدولة الجديدة مقابل تخليهم على مبدأ النضال من أجل الوحدة. وفي هذا الإطار قد يتحول أسلوب الإغراء بالمناصب الوزارية إلى أسلوب التهديد الملاحقة والسجن والتصفية الجسدية. في مواجهة هذا الواقع حاولت الأمة العربية من خلال المناضلين التصدي إلى الهجمة الاستعمارية وسعت لتحرير الأرض واستعادة إمكانيات العرب المهدورة والمنهوبة من قبل الدوائر الاستعمارية. لقد امتدت على طول ساحة الوطن العربي حركات عديدة كلها تعبر بشكل وبآخر على إرادة هذه الأمة ورغبته في الحياة الحرة الكريمة بعيدا على كل إشكال الهيمنة الأجنبية. فمن خلال المواجهة مع الحركة الطورانية ومن خلال المواجهة مع الحركة الصهيونية تكونت هنا وهناك على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حركات مسلحة كلها تدافع عن الهوية القومية وعن إمكانيات الأمة العربية المادية والثقافية. وكانت حرب 1948 الاختبار الحقيقي للنظام الرسمي العربي التجزيئي وأيضا لحركات المقاومة العربية. في هذه الحرب ظهرت حقيقة الأنظمة العربية التي قالوا عنها مستقلة وفاعلية المنظمات القومية التي حاولت أن تتصدى للعدوومقدرتها في رد العدوان. لئن كشفت هذه الحرب حقيقة الأنظمة العربية التي يقال عنها مستقلة فإنها أظهرت أيضا عجز حركة المقاومة العربية وبان بالكاشف ضعفها التنظيمي والسياسي والحركي. فعبد الناصر المحاصر في الفالوجة وعى أن العدوالحقيقي هوالذي يسيطر على أجهزة الحكم فالهزيمة هي نتيجة لعجز الأنظمة العربية في الوفاء بالتزامات ولقد كانت عاجزة بحكم تكوينها ونشأتها عن القيام بمهام قومية تتجاوز حجمها ودورها. وعى عبد الناصر أن الجندي العربي المقاتل المؤمن بقضيته يحتاج إلى قيادة سياسية مناضلة لتحقيق النصر المطلوب. إن الفترة الممتدة من 1948 إلى 1952 ستبقى من أخصب فترات الاختمار الثوري في تاريخنا العربي. لأن في هذه الفترة التي اتسمت على مستوى رسمي عربي بالهزيمة وجلد الذات وبحالة من الانهيارات النفسية والاجتماعية والثقافية. لكنها كانت الفترة الخصبة التي ولدت فيها العديد من التيارات السياسية الثورية والقومية ردّا على الهزيمة وعلى النكبة.الدراسة المتأنية لهذه المرحلة تكشف لنا الطاقات الثورية التي كانت تختزنها مصر والأمة العربية. ولم تكن ثورة يوليوإلا تتويجا لهذا المخاض الثوري الذي تمكن عبد الناصر من تحويله إلى وضعية ثورية. هذا الميلاد الثوري أأوقف محاولة التيار الإقليمي إلى الظهور إلى الواجهة لبث دعوته المسمومة أن ابتعدوا على فكرة العروبة فذلك أريح لكم. كانت ثورة يوليوثارا للنفوس العربية الجريحة في 1948جاءت لتستعيد ثقة الإنسان العربي بنفسه ومقدرته على الفعل في مواجهة العدوان. فالخوف الذي سيطر على النفوس سنين طويلة كسر مع فجر 23 من يوليو. فبعد سنوات القهر والعبودية التي اتبعتها الحكومات العربية المتتالية والقوات الاستعمارية الممتدة من المحيط إلى الخليج جاء عبد الناصر ليرفع صوته عاليا أن ارفع راسك يا أخي ليطلق نداءا في دنيا العروبة الساكن أن آن الأوان لهذه الأمة أن تستفيق وأن مصدر يقظتها ونهظتها لا تتأتى إلا بالعودة إلى الإنسان العربي. فكل شيء يبدأ بالإنسان.. تربية الإنسان تربية جديدة متحررة من كل قيود الخوف والقمع. الإنسان المتحدي الذي ينفض عنه غبار الذل المخيم منذ سنين انه الخوف الذي شل حركة الأمة. إن الاستعمار هوالذي كبل الإنسان العربي وزرع فيه الإحساس بالدونية والذل والهوان. فحالة العبودية والركود ناتجة عن هذا التواجد الاستعماري في كل أوجه الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية فكان أن صاح صيحة الإنسان العربي المقموع المغلوب عن أمره. فقال في خطاب له في 27 فبفري 1953 " على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل. إن الشعوب التي تساوم المستعمر على حرياتها توقع في نفس الوقت وثيقة عبوديتها لذلك فان أول أهدافنا الجلاء بدون قيد وشرط " وعبد الناصر يعلم أن طرد الاستعمار ورحيله لا يمكن أن يتأتى إلا عبر التضحية والنضال فتوجه إلى الإنسان العربي قائد حركة التغيير والتثوير ليحرره من الخوف ومن العبودية التي سيطرت بعد الهزيمة. رأى ضرورة خلق الإنسان العربي العامل المؤمن بقضيته المتحرر من الخوف المستعد لدفع ثمن الحرية فكان أن نبه الى ضرورة التخلص من كل مظاهر الاستعباد. والتخلص من الإحساس بالدونية. ففي خطاب بجامعة القاهرة يوم 3 ديسمبر 1953 نراه يقول : " ولكي يكون الشعب قويا يجب أن يكره الاستبداد وينفر من الاستعباد ولا يعرف للخوف والفزع معنى" وانصب جهد عبد الناصر على محاولة إنقاذ نفسية الإنسان العربي من الانهيار والضياع . مع ثورة يوليودخلت الجماهير العربية ساحة المواجهة وقادت المعارك الحقيقية. يقول صفوت حاتم " لقد تمكن عبد الناصر من إيقاظ الوعي العربي مؤكدا على ضرورة التخلص من موروثات عهود الاحتلال والحكم الأجنبي وما أفرزه من قيم الخوف من الحاكمين والتقوقع على الذات وعدم المبالاة والهروب من مواجهة الظالمين ... ثورة ضد التبعية وقوى الهيمنة العالمية جاءت ثورة 1952 لتقطع مع مرحلة الهزيمة والعجز وهكذا كانت ثورة 1952 ثورة ضد الحضور الاستعماري المباشر وغير المباشر وضد الحضور العسكري وضد الحضور الثقافي. ثورة ضد هزيمة الدول العربية في مواجهة زرع "إسرائيل" في قلب الوطن العربي، وانكشاف ارتباط عدد من الحكومات العربية بالقوى الاستعمارية. ولئن بدأ التغيير الثوري من مصر فذلك يعود إلى الدور الأساسي والمركزي لمصر داخل الوطن العربي. فبدايات النهضة انطلقت أيضا من مصر لتشع على باقي أرجاء الوطن. مع ثورة 1952 عاشت الأمة العربية محاولة جدية محاولة جدية للتغيير الثوري، وتجربة صادقة لإعطاء مضامين جديدة للتغيير النهضوي في الوطن العربي. فالمحاولة تمت عن طريق توظيف إمكانيات الدولة القطرية العسكرية والاقتصادية لصالح القضايا القومية. وتمكن عبد الناصر فعلا من فرض نمط من العلاقات أجبر فيها الحكام العرب على الأخذ بعين الاعتبار أولوية القضايا القومية على المصالح القطرية. وقد خاض عبد الناصر صاحب الحس الثوري الراقي تجربة نامية متطورة مستخدما أسلوبا ثوريا جديدا في الحقل السياسي العربي. فمن خلال الارتطام بالواقع اكتشف عبد الناصر أن التنمية والاستقلال السياسي والتقدم لا يمكن أن يتحققا الا من خلال النظرة القومية الشاملة بما تعنيه من استعادة إمكانيات الأمة المادية والثقافية من قبل قوى الهيمنة الأجنبية. فمنذ قيام الثورة بإعلان المبادئ الست وحرب 1956 إلى إعلان أول تجربة وحدوي في الوطن العربي 1958 بين مصر وسوريا إلى نكسة 1967 وحرب الاستنزاف إلى نجدة اليمن كانت كلها حروبا مفتوحة بدون استثناء ضد التبعية بكل أشكالها من أجل التحرر السياسي والاقتصادي. فهوالقائد العربي الذي واجه الوجود الاستعماري المباشر والاستعمار الجديد الخفي فلا يضلله الأسلوب. يعرض عليه ما هوأشد الحاجة إليه المساعدات المادية والقروض مقابل أن يسكت على الوجود الاستعماري وعلى مشاريع التجزئة والتفتيت فيقول لا. وهوالقائد العربي الذي واجه الاستعمار من موقع قيادته لدولة إقليمية فلا تخدعه الحدود، ويعرض عليه ما هوأشد الحاجة اليه استقرار السلطة مقابل أن يكف عن المطالبة بالوحدة العربية فيقول لا ويخوض معركة الوحدة العربية في ساحتها الحقيقية . الثورة أدخلت الجماهير العربية طرفا أصيلا في الصراع مثلت ثورة يوليوطموحات الجماهير الشعبية وقوى الشعب العاملة فكانت ولازالت صوت القاعدة العريضة من الجماهير داخل مصر وفي الوطن العربي وفي الشعوب المناضلة من أجل الحرية ثورة يوليوبالنسبة للجماهير داخل مصر انجازات محسوسة فهي الإصلاح الزراعي وتوزيع الملكية على صغار الفلاحين.. هي التأميم ومشاركة العمال في أرباح المنشآت الصناعية ومقاومة الاستغلال .. ثورة يوليوهي التعليم المجاني وتوسيع قاعدة التعليم لدى الجماهير الفقيرة.. أما بالنسبة للجماهير العربية فثورة يوليوالعربية هي العزة والكرامة هي ارفع رأسك يا أخي فقد ولى عصر الاستعباد.. هي إنقاذ نفسية العربي من حالة الانهيار والانكسار بعد نكبة 1948..ثورة يوليوالعربية هوالتحرر والاستقلال لأغلب الأقاليم العربية من قبضة المستعمرين فقد كانت وراء كل حركات التحرر في الوطن العربي ساعدت بالمال والعتاد والرجال..انجازات ثورة يوليوالعربية هوالتعليم المجاني في مصر لكل الطلاب العرب.. ثورة يوليوالعربية 300 ألف مدرس على امتداد الوطن العربي يقاومون الجهل والتخلف.. ينشرون العلم والمعرفة.. ثورة يوليوالعربية هي مقاومة التخلف هي مقاومة نظم الاستبداد ونظم الإمامة والعمامة. لقد عاشت الجماهير العربية مع ثورة يوليوالمعارك الحقيقة فقد حولت أفكار الوحدة العربية والقومية العربية التي كانت موجودة قبل ثورة يوليوإلى معارك يومية ضد أعداءها: الاستعمار.. الرجعية العربية.. الشعوبية.. ثورة يوليوتجاوزت الشعارات إلى التطبيق في المواجهة القوى القطرية فتحت معركة التوحيد القومي في مواجهة قوى الاستعمار فتحت معركة الاستقلال في مواجهة قوى الاستغلال فتحت معركة العدل الاجتماعي والتنمية المستقلة لقد استطاع عبد الناصر تحويل هذه الشعارات إلي حياة يومية وتمكن بفضل حنكته السياسية من أن يحولها إلى هم يومي يعيشه الإنسان العربي وحولها إلى مهام يومية على طول ساحة الوطن العربي. وأصبحت الجماهير التي تجلبها الشعارات إلى جماهير فاعلة محققة لهذه الشعارات ومدافعة عنها ضد غزوخارجي فلم يكتف بالتنظير والخطب الحماسية بل هويقود معارك حقيقية: معركة الأحلاف الأجنبية.. معركة السويس .. معركة الوحدة مع سوريا وقيام الجمهورية المتحدة .. معركة الانفصال.. معركة الجزائر .. معركة اليمن .. معركة بناء السد العالي .. معركة بناء الاشتراكية .. معركة الحصار الاقتصادي.. معركة إزالة آثار العدوان.. معركة الاستنزاف.. معركة فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية. إن عملية التغيير التي قادها عبد الناصر أحدثت قطيعة منهجية ومعرفية مع ما كان سائدا عربيا فكرا وسياسة وأساليب عمل أنظمة ومنظمات. وضع مكونات الواقع العربي كله محل نساؤل . فيقلب المعارك التي فتحها عبد الناصر على كل الواجهات ومن خلال للالتحام مع الجماهير العربية تمكن عبدا لناصر من تأسيس رؤية جديدة أعهم مافيها هوإدخال الجماهير كعنصر وكعامل محدد في قلب المعادلات السياسية العربية الرسمية ، بعيدا عن سياسة الندب والعويل، وتمكن من إدخال الجماهير العربية طرفا فاعلا في عملية الصراع السياسي. لم يتمرس وراء الثرثرة الفكرية، بل التحم بالجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وأصبحت من هذه الرؤية الجديدة وهذا المشروع. لذا فان المتصدين لبناء المستقبل العربي مطالبون بالالتحام بالجماهير العربية والتعبير عن معاناتها عن آمالها وآلامها. وإدخالها كطرف جديد في الصراع الدائر بين قوى المستقبل الوحدوي الديمقراطي وقوى الارتداد الطائفي القبلي. مهما كانت الأخطاء والسلبيات التي شابت تجربة عبد الناصر، ومهما كان حجم المؤامرات التي مني بها مشروعه التاريخي، إلا أن حلم المساواة والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية تبقى في الصدور والنفوس ولا يمكن اقتلاعها لقد كان سهلا عليهم الانقضاض على منجزاته المادية بعد وفاته، واحدا بعد الآخر, ولكنهم سيظلون عاجزين عن نزع انجازه الرائع الذي زرعه في قلوب الشعب العربي .. بعث الكرامة العربية. في الوطن العربي عديد من المنظمات والشخصيات حاولت تبني تجربة عبد الناصر والانتساب إليها ولكنها لم ترق بعد الى مرحلة التعبير عن الناصرية كتجربة وكرؤية للنضال. المخيف أن هذه المجموعات بقيت تنوس بين القطرية والقومية بين الإصلاحية والثورية ولكنها تلازم مكانها. فقد اكتفى البعض بحزب قطري منغمس في مشاكله الداخلية والقطرية بعيدا عن هموم أمته العربية، بينما حلق البعض الآخر عاليا مترفعين عن المشكلات الآنية والقضايا اليومية للجماهير العربية وعدم الوقوف مع الجماهير في معاناتهم في مواجهة بطش السلطة المحلية وقد جانب الصواب كلتي التجربتين. وهنا ننبه إلى ضرورة المسك بالحلقة الأساسية في التجربة عبد الناصر وفي ممارسته الثورية وضرورة الانتباه إلى هذه المقدرة الفذة التي يتمتع بها عبد الناصر في التعامل مع الظروف وفي مقدرته الثورية الخلاقة في إيجاد الحلول المناسبة بعيدا عن التحنط والجمود. ان عبد الناصر في كل مرة وجد نفسه أمام سد إلا واستطاع أن يجد الحل المناسب لتجاوز السد . ما بال التيار الناصري يراوح مكانه وكأنه ليس ابن هذه التجربة الفذة ؟ ما بال التيار الناصري رهين الولاءات الشخصية والذاتية والصراعات المميتة والحوارات العقيمة؟ ما بال التيار الناصري والمفروض وليد هذه التجربة الفذة يتشظى وعاجز عن المسك بالحلقة الأساسية في تجربة عبد الناصر؟؟ إن عبد الناصر لم يضع تناقضا بين القطرية والقومية بل فككهما في مهام عينية دون تناقض وتعارض وصراع ودفع بقواه في أتون المعارك. كانت كل معركة مفتوحة "قطرية" وقومية تصب في صالح المعارك الأخرى المفتوحة ومن خلال المعارك لا خارجها تكتسب التجربة وتزداد صلابة المناضلين.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |