يا قادة الشيعة في الحكومة العراقية راياتكم بيضاء!

 

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

 أيدينا نحن شيعة العراق خالية خاوية، نمدها للمصالحة الوطنية مع أدعياء الأخوة فتعود مضرجة بالدماء مبتورة الأصابع، كلما أردنا مصافحة أبناء قوميتنا، تمنعوا لأننا في أعينهم من المنبوذين، من حقنا أن تمتلأ أيدينا خبزاً وماءً وعطاءً مما رزق الله هذه البلاد لكنها اليوم أشبه بخابيات مصر الفرعونية في زمن السبع سنابل العجاف، والرجفة ملازمة لأيدينا ولا فرق بين شبابنا وشيوخنا في شدة الإرتعاش، فهل هو ضعف متأصل فينا أم عارض أصابنا من عوارض الدهر أم ماذا؟

ليس من حق أحد التخوف من الشيعة، سواء كانوا حاكمين أو محكومين، إذ ليس من  شيم الشيعة ظلم الآخرين، لأن من صلب عقيدتهم التي يتميزون بها إقامة العدل، وهم عقائدياً ملزمون بعدم القبول بأقل من العدل في معاملة الآخرين لهم، سواء كانوا اكثرية وأقلية، ومن المفجع تعرض الشيعة للحرمان من كافة أو معظم الحقوق الأساسية في جميع الدول الإسلامية والعربية  فيما عدا إيران، فهم مضطهدون أما بصورة رسمية منهجية في السعودية والبحرين أو بفعل مكائد قيادات سنية كما هو الحال في لبنان أو نتيجة تنازلات لبعض قادة الشيعة كما هو الأمر في العراق.

في قوة الشيعة مصلحة للعراقيين والعرب والمسلمين أجمعين، لأنهم يشكلون عددياً ثلثي العراقيين وحوالي ثلث العرب شرق البحر الأبيض المتوسط، وهم همزة الوصل بين العرب والمسلمين في وسط أسيا، والساعون لإضعافهم أعداء للإسلام والعروبة، وإن تلبسوا بلباس الدين، أو تقنعوا بشعارات عروبية، وتكمن قوة الشيعة في التزامهم بقيم ومباديء العدالة والمساواة واستعدادهم للدفاع عن حقوقهم مهما بلغت التضحيات، وأوضح مثال على ذلك موقف حزب الله من العدو الصهيوني، وكلما ازداد تمسك الشيعة بهذه المباديء السامية كلما ازداد احترام وتقدير المنصفين لهم وحسب لهم الأعداء ألف حساب، ونجد مثالاً آخر للشيعة الأقوياء في الباكستان، وهم أقلية مضطهدة، والباكستان المعقل الرئيس بعد السعودية لأعداء الشيعة المذهبيين من الوهابية، ويتعرضون بين الحين والآخر لهجمات إرهابية، يردون عليها صاعاً بصاع، والباديء أظلم، لذا يخشاهم الإرهابيون في الباكستان على الرغم من كونهم أقلية أكثر مما يخشى الإرهابيون في العراق الشيعة وهم أكثرية ساحقة.

من الملاحظ بأن موقف الشيعة العرب يضعف بدرجة كبيرة عندما يدخلون عمليات المساومة السياسية على المستويين الدولي والإقليمي وكذلك عندما يشاركون في العملية السياسية المحلية على خلفية إقليمية أو دولية، والمثال على ذلك هو شيعة العراق والبحرين، والسبب في هذا الضعف هو تخاذل بعض قياداتهم السياسية وتخوف بعض قادتهم الدينيين من إثارة الفتن وكذلك معاداة أمريكا وحلفائها الأوروبيين للشيعة على المستوى الدولي، وهكذا نجد أن الشيعة العراقيين والبحرينيين وعلى الرغم من كونهم أكثرية مطلقة في بلديهما يتصرفان كأقلية إقليمية حتى في تعاملهما مع الأقليات التي تشاركهما الوطن، ويرد إلى ذهني هنا تصريح أحد قادة الحركات السنية العراقية بأنه حتى لو كان الشيعة أكثرية في العراق فهم أقلية في المنطقة العربية وكأنه قرأ عقلية بعض قادة الشيعة فراح يلوح مهدداً بنظرائه في المذهب من العرب، وفي الحقيقة فإن تهديده أجوف، ومن يعرف حكام العرب جيداً يدرك بأن مصدري قوتهم الوحيدين هما المال والمخابرات، فيما أكثر ما يخشونه هو استهدافهم من مخابرات أجنبية أو جماعة منظمة تنظيماً جيداً، ولا طاقة لهم على الحروب كما أثبتوا في كل حروبهم القصيرة جداً مع الكيان الصهيوني، والاستثناء الوحيد على هذه القاعدة حرب النظام الصدامي على إيران الإسلامية، والتي ما استمرت ثمان سنوات لو لم يكن وقودها شيعة العراق، وباستطاعة الشيعة في العراق تحييد أي قوة معادية مصدرها الدول العربية الغنية بالنفط من خلال تهديدها بالرد بالمثل وإنزال القصاص العادل والرادع بحق كل عراقي تثبت عليه تهمة العمل لهذه الدول.

     على مدى خمس سنوات مضت تعرض الشيعة في وسط العراق لحملة تطهير مذهبي، ذهب ضحيتها مئات الألاف من الشيعة المدنيين العزل، وتعرض الملايين منهم للتهجير القسري إلى مناطق أخرى داخل العراق أو إلى دول مجاورة، اقترفت هذه الفظائع في ظل حكومة تمثلت فيها غالبية التنظيمات السياسية المكونة للإئتلاف الشيعي، وفي ظل عدم مبالاة قوات الإحتلال، التي يتهمها الكثيرون بإثارة النزاع الطائفي بين العراقيين عمداً وقصداً لتحويل اهتمام غلاة السنة من الوهابيين التكفيريين وأتباعهم من الصراع مع الغرب إلى الاقتتال الطائفي مع الشيعة، فهل هذه الحقائق الناصعة غائبة عن عقول المتسلطين علينا من الشيعة أم أن لديهم حسابات خاصة لا ندركها؟

   نحن شيعة العراق أقوياء ولكننا نرى أنفسنا ضعفاء، عقيدتنا صحيحة إنسانية وعقلانية ومع ذلك نطلب من مخالفينا شهادة حسن إيماننا وصدق معتقداتنا، قتلونا واضطهدونا على مدى أربعة عشر قرناً، ونطلب من قتلتنا وجلادينا صكوك غفران لا لذنب اقترفناه بل لمجرد كوننا نختلف عنهم. 

الشيعة أكثرية في العراق، لا تنقصهم الشجاعة، ولا الموارد المالية، ولا الكفاءات العلمية، ولهم مطالب مشروعة فلماذا يتصرفون، وبالأخص بعض قادة التنظيمات الشيعية، وكأنهم أقلية ضعيفة مغلوبة على أمرها، يفرحون بأقل القليل من الحقوق مقابل رضا الأطراف الأخرى، وعندما يبتزهم ويهددهم الآخرون يسارعون إلى التنازل عن المزيد من حقوق العراقيين بشكل عام وأبناء طائفتهم بصورة خاصة، فتارة يقدمون كل شيء عدا الاستقلال التام للأكراد مقابل تحالف سياسي مرحلي، وتارة أخرى يغفرون أبشع الجرائم للإرهابيين السنة امتثالاً لأوامر المحتلين الأمريكان وحفاظاً على مناصبهم، ونحن مضطرون للحديث باللغة الطائفية لأن المحاصصة الطائفية هي الغالبة على الوضع السياسي.

استطراداً على هذه المعطيات نستنتج بإن شهداء وجرحى الشيعة من زوار الإمام الكاظم عليه السلام بالأمس هم ضحايا الاستضعاف الشيعي لأنفسهم بقدر ما هم ضحايا لشرور الإرهابيين الطائفيين، وإذا كنا جميعاً نشارك في التفكير والتصرف كمستضعفين، فإن المسئولية الكبرى عن ذلك تقع على قادة الشيعة الذين لا نجد بينهم أحداً يدافع عن حقوق الشيعة الأساسية والعادلة كما يدافع قادة الفئات الأخرى في العملية السياسية عن مطالبهم الباطلة، مما شجع أعداءنا على التمادي في تعدياتهم السافرة وجرائمهم الإرهابية المعلنة وسبابهم الطائفي المتواصل للشيعة.

أنا اتهم قادة الشيعة في هذه الحكومة بخيانة شيعة العراق لأنهم ضعفوا أمام المحتلين والأكراد والسنة والأعراب، وقبلوا بظلم الشيعة مقابل الاحتفاظ بمناصبهم، وهؤلاء القادة تنازلوا عن حقوق الشيعة، وسكتوا على تدنيس مقدساتهم، وصالحوا أعدائهم، وغفروا لذباحيهم، وسلموا قتلتهم الوهابيين لحكومتهم، وأعادوا البعثييين لمناصبهم، وتذللوا لأعدائهم المذهبيين، وصافحوا المتأمرين على أخوتهم، وهم الآن يريدون جعل أرض الشيعة المقدسة في العراق معسكرات للمحتلين الأمريكان لتركيع بقية الشيعة للهيمنة الأمريكية كما هم راكعون الآن.

  لن نستطيع نحن الشيعة تغيير ما بنا من ضعف حتى نغير ما بأنفسنا، وأول تغيير ضروري هو طرد هذه القيادات التي رفعت رايات الاستسلام البيضاء المخزية والمذلة أمام جميع أعدائنا ومنافسينا في الداخل والخارج، وهو فرض تحتمه علينا أرواح شهدائنا الأبرياء الذين قضوا بالأمس في شوارع بغداد ومن قبلهم مئات الألاف في كل مدن وقرى الوسط والجنوب بسبب أصحاب هذه الرايات البيضاء، أخزاهم الله!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com