|
ديمقراطية "بيولوجية"..و..ديمقراطية بـ"التَبَني"!
محمود حمد من فرائدها الكثيرة أفادتنا الآنسة (أوبرا وينفري!)..بان.. الأبناء صنفان: · ابن "بيولوجي".. · وابن بـ"التبني"..( ويستعار هؤلاء الأبناء عادة من دور الرعاية الاجتماعية!!).. ووفق رواية احد ضيوف الآنسة أوبرا: يشكل هؤلاء أكثر من نصف المجتمع الأمريكي.. ومن فرط هيامنا بـ"الديالكتيك"..ذهبنا بعيدا مع "فتوى" الآنسة (أوبرا)، فوجدنا إن كل ما حولنا ينتمي إلى احد هذين الصنفين من "الانتماء".. · الأول "بيولوجي ".. · والآخر "بالتبني".. ابتداء من المواقف ..ومرورا بالأفكار ..ودون الانتهاء بالأحزاب والحركات السياسية..والعقائد..والتيارات الفنية والأدبية.. والشعارات..والأزياء..والسلوكيات..و.."الديمقراطيات"..وغيرها.. فهناك: · "ديمقراطية بيولوجية".. · و"ديمقراطية بالتبني"..! فـ"الديمقراطية البيولوجية ": هي : صيرورة مولود طبيعي في رحم مجتمع مؤهل وناضج .. أي أنها : نتاج تطور العلاقات في مجتمع معين..وتبلور تلك "الديمقراطية" كتعبير عن تلك "العلاقات" في حياة الناس اليومية قبل أن تتحول إلى تشريعات ونصوص ذات مكانة مرموقة في المنظومة القيمية لذلك المجتمع..وهي بذلك .."نتاج جينات" تشكلت من صلب المجتمع ، وفي رحم ذلك المجتمع ..لهذا فهي جزء عضوي من مكوناته ..وتعبر عن خصوصيته ، وسلوكيته ، وثقافته ،ومنظومته القيمية ، ورؤيته ،ومنهجياته ..فهي بمثابة "البشرة" التي تحفظ أعضاء وأحشاء الجسم الحي ..وتعبر عن هويته المفصوحة للآخرين! إذن..فـ"الديمقراطية البيولوجية" نظام متكامل ( مضمون وشكل ) و( بنية تحتية وبنية فوقية) ..ومولود معافى..نما بشكل تكاملي وتراكمي في قرارة الرحم (المجتمع ) من النطفة ( الضرورة ) إلى لحظة المخاض فالولادة..رغم تنوعها تبعا لخصائص المجتمع الذي تَمورُ وتنشأ في أحشائه..فالديمقرطية الفرنسية غيرها في بلاد السكسون .. وتختلف عن ما هي عليه في موطن جوته.. وتأخذ ألوانا أخرى عنها في بلد العم سام .. أو عند الفلمنكيين .. أو الطليان.. أو ورثة سقراط الأثينيين.. أو أحفاد المهاتما غاندي.. وغيرهم .. من منتجي"الديمقراطية البيولوجية" والذين هم ثمارها في ذات الوقت!. أما "الديمقراطية بالتبني" فهي استعارة يضطر لها المجتمع "العقيم" أو يفرضها صاحب السطوة عليه، بسبب نقص في قدرته على الإنجاب..كالمجتمعات التي لم تنضج قواها الاجتماعية بعد..او التي يصاب جهازها التناسلي بورم خبيث ( نظام متخلف ومتعسف يمتد لعقود أو قرون من الزمن)..يطفئ فيه طاقة الإنجاب الطبيعي لمولود صالح كالديمقراطية.. وإذ يقرر المجتمع "العقيم" تبني "ديمقراطية " ما..فان عليه زيارة "دار الأيتام! " واختيار المُتَبَنى المناسب ..هل هو ذكر أم أنثى؟! ..رضيع أم صبي؟!..اسمر أم أشقر؟!..خامل أم مشاكس؟!.. ولاشك إن مدبرة منزل الأيتام تبذل جهدا تسويقيا بارعا لتسويق هذا المُتَبَنى أو ذاك..إلى الزبون "العقيم"..وهو بلا شك يَتصبب عرقا ويُقَلِبُ عينيه بوجوه من حوله خجلا ..لشعوره بالعجز عن إنجاب "ابن بيولوجي"..يُعصِمُه من هذه الجلسة المُذِلَّة لاستعارة " إبنٌ" من صُلبٍ ورَحمٍ غريبين! وفي تجربتنا العراقية .. فان المجتمع "العقيم" العاجز عن إنجاب "ديمقراطية بيولوجية"..لم يحضا بحق زيارة " دار الأيتام!" واختيار " ديمقراطية بالتبني" كما هي حال غيره ممن حرموا من نعمة القدرة على الإنجاب.. بل فرض عليه أن يتبنى "ديمقراطية غامضة " رغم انفه .. ليس له رأي في اختيار جنسها.. أو لونها ..أو عمرها ..أو نسبها ..أو سلوكها.. بل أنها سيقت إليه ..مُكَفَنة بـ"حجاب أفغاني ثقيل" .. وبدلا من أن يزفها أوليائها الجدد..من "الملجئ الغريب " بالزغاريد..سيقت إليه مكبلة بالمجنزرات التي جابت بها الطرق النازفة..وبَشَّرَتْ بها في النهارات الثاغبة..والليالي الناشجة.. لذلك جاءت " الديمقراطية المُتَبَناة قَسراً " ..شاحبةً ، وغامضةً ، ومهلهلةً ..ومُدِّدَت في غرفة العناية المُرَكَزَةِ منذ لحظة استيرادها ونشرها على حبال "الفوضى الخلاقة"! ورُبَّ مُعترض يقول: نحن ورثة الحضارات..ولا يجوز اتهام مجتمعنا بعدم الأهلية وعدم النضج !.. وسوف أتطابق بالرؤية مع النصف الأول من الاعتراض..وأتساءل من اجل إضاءة النصف الثاني منه..متسائلاً: · هل التماهي والإذعان للأصنام (السياسية) المتطرفة..شاهد على نضج المجتمع؟! · هل اختيار النواب – المتنابذين ،أو الصم والبكم، أو التنابلة، أو المرتزقة- دليلا على نضج المجتمع؟..(مع الاعتزاز بالقليل من النواب الذين اغنوا دورهم النيابي).. · هل اختيار– الكثير – من أعضاء المجالس المحلية– المندحرين أو المتخلفين - في المدن والقرى دليل على أهلية المجتمع..رغم إنهم من صلب المجتمع ..لكن ..المجتمع غير المؤهل..؟! · هل احتضان بعض المُجَمعات السكانية للمنظمات الإرهابية والميليشيات لذبح العراقيين..مؤشر على نضج المجتمع؟! · هل المجتمع الذي ينتج "امرأة مُعَبَئَة بالمتفجرات"..مجتمع مؤهل؟! · هل المجتمع الذي ينهب ويحرق بيوته ومؤسساته وتاريخه ومستقبله..مجتمع ناضج ومؤهل؟! أقول ذلك.. لأننا بحاجة إلى الاعتراف الشجاع ..بأن مجتمعنا غير ناضج ..وغير مؤهل ولذلك فرضت عليه " الديمقراطية المُتَبَناة قَسراً " مثلما فرضت عليه الدكتاتورية من قبل! وهو بحاجة إلى استثمار هامش الحراك التنموي الهَش ، وغرسه كبذور في "الطين الحري" ..ولاشك أن تلك البذور "البيولوجية" النقية ..ستنضج مع الزمن وتَلِدُ "ديمقراطية بيولوجية"..وتبدد الدخان الحالك لـ" الديمقراطية المُتَبَناة قَسراً"!! ولكن.. خير ما في " الديمقراطية المُتَبَناة قَسراً ".. أنها تعجز عن ستر عورات المُتَسترين بها..فـ: · حال سخونة الحوار تحت سقف " الديمقراطية المتبناة قسرا " واختلاف الفرقاء على "حَرْفٍ" صغير في سِفْرِ الوطن الكبير.. تطفح إلى السطح ضغائنهم الموروثة من زمن "القائد الضرورة".. في هذا الزمن الذي تكاثر فيه "القادة الضروريين"..وانتشرت معهم "ثقافة": من لم يكن معنا فهو ضدنا!.. · ومع أدنى اختلاف..يتعالى صليل سيوفهم – التي اعتقدنا أنها في طريقها لان تكون محاريثا للأرض البكر..ليزدهي حقل الوطن ..كل الوطن!.. · ولحظة نشوء غمامة في سماء السياسة..تُكَشِر قوى من بين صفوف – العملية السياسية - عن أنيابها لنهش ما اكتسبه العراقيون من حقوق ..بدمائهم وصبرهم..وتفوح من أنفاسهم رائحة الكيمياوي الذي أباد أهلنا في حلبجة والأنفال!.. · وحال بزوغ الرأي الآخر..تخرج من الكهوف ديدان الكراهية المُغْبِرة واللزجة..تنفث سموما شوفينية في رئة الوطن..لتُفْزعُ أهلنا المشردين من بيوتهم – في أطوار التعسف المتعاقبة -!.. · وعند أول تساؤل أو موقف مُعارض ..تسري في أجواء الحياة الملبدة بالخوف والمفخخات خُطَب الوعيد والتخوين.. · وقبل أن يكتمل نشوء فكرة غير مألوفة في حياتنا السياسية..تفوح على الفور رائحة الدم في الشوارع وينضح القيح من الشعارات المزمجرة فوق الوجوه المُهَدِدَة.. · ومع تبلور أدنى موقف "مُغايِّر"..تتلاشى بشكل خاطف ..صورة الناس " المتوافقين" الذين نعرفهم.. وتطغى صورة كالحة.. ( بدل وجوههم التي سوَّقوها لنا أمام الكاميرات).. وتتلبد صورة – المُستَحوِذ- المدجج بالحقد والسلاح والنوايا المريبة..والمتنكر للآخرين..على وجه الوطن!.. فترتعد قلوب الأمهات العراقيات في حلك النوايا المريبة للأخوة الأعداء..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |