حين يعلو صوت المواطن فعلى السياسي أن ينحني

 

عباس سرحان

abbasmsarhan@gmail.com

حين سارع المواطنون نحو صناديق الاقتراع في ظل ظروف غاية في الخطورة، لانتخاب ممثليهم في البرلمان، وبعد أن كانت هذه الممارسة الحرة قد غابت عن المشهد السياسي العراقي طوال عمر الدولة العراقية، فإن عوامل عديدة دفعت بالمواطنين للحضور اللافت في المراكز الانتخابية، وإذا كان رأي المرجعية الدينية العليا ألتي دعمت العملية السياسية، يأتي في مقدمة هذه العوامل، ويكاد يطغى عليها، فهذا لايعني أن أسبابا أخرى لم تكن حاضرة ايضا لتدفع بالناخب العراقي إلى إنجاح العملية الانتخابية ومن ثم العملية السياسية، من بينها أن العراقيين أرادوا إنجاح الرهان والوقوف بوجه القوى ألتي كانت تعمل على إيقاف عجلة الزمن، ووضعوا المصاعب كلها في كفة ومستقبلهم في كفة أخرى، ومن الطبيعي أن ترجح الكفة الأخرى إذا كان الشعب العراقي هو المعني بالترجيح من عدمه، فشعب العراق يحب التواصل مع الحياة ويميل للتطور ومواكبة العصر.

ولكن مع هذا السبب الرئيس كان هناك سبب ربما لم يفصح عنه الناخبون في وقته، لأن التحديات كانت كبيرة وقت الانتخابات، غير أنه سبب مهم وربما كان دافعا قويا لكل ناخب وإن لم يُصرح به.

الذين قصدوا المراكز الانتخابية في القرى والأرياف واولئك الشباب الذين ظهروا على شاشات التلفاز وهم يبثون الحماس بالإهازيج الشعبية على الطريقة العراقية المعروفة، كان معظمهم أو كلهم بلا عمل، ولم تكن ملامح المستقبل قد تكشفت أمامهم، وبينما كانوا يسيرون نحو المراكز الانتخابية، كانت صورة العراق المتخلف خدماتيا وعمرانيا تحيط بهم من كل جانب، وقد حمل كل منهم صورة في داخله لعراق آخر.

العراق الذي كان يحلم بها الناخبون العراقيون خال من الفساد المالي والإداري والمحسوبية. يُحترم في المواطن في دوائر الدولة، ولايحار أهله بلقمة العيش وتنتعش فيه الزراعة والصناعة والخدمات، ولاتنقطع فيه الكهرباء أغلب ساعات اليوم، ولايشكو فيه الناس من قلة الدواء وتلوث مياه الشرب، كما هو خال من أي فارق طبقي أو وظيفي فاحش في العراق الذي حملوه معهم لصناديق الاقتراع.

كل هذه أحلام وتمنيات مشروعة وجميلة غير أنها كبيرة، ومشكلة الأحلام الكبيرة أنها لاتتحقق بسرعة ولن تتحقق إلا بعمل جماعي، وهذا الأخير مفقود إلى الآن ولايشكل سمة صغيرة في الأداء الحكومي، فبينما تعمل جهات من أجل تخفيف معاناة المواطنين وتذليل الصعوبات التي تواجههم يوميا، تعمل جهات أخرى برؤى فئوية وأنانية وتسعى بكل قوة لحصد مكاسب غير مشروعة على حساب راحة المواطنين وغناهم، وهذه العوامل جعلت المواطن العراقي يشعر بالإحباط وخيبة الأمل من الأداء الرسمي ومن ممثليه الذين انتخبهم تحت أزيز الرصاص، سيما وهو يرى أعضاء البرلمان الذين يتجادلون بعنف عند مناقشتهم للقوانين الخاصة بخدمة المواطن، يصوتون بسرعة البرق على القوانين التي تقضي برفع مخصصاتهم وإضافة امتيازات جديدة لهم.

ألمشكلة إذن هي عدم ثقة بين المواطن العراقي وممثله، ألذي يفترض أنه يدافع عنه، بسبب ماشهده المواطنون خلال الفترة الماضية من عمر البرلمان والحكومة من تجاهل لمعاناتهم وعدم السعي الجاد لحلها، وعدم الثقة هذا تتحمل سببه مؤسسات سياسية وخدمية حكومية في بغداد أولا  وفي المحافظات بدرجة أدنى، لأن المواطن العراقي مازال يلقي باللائمة على الحكومة المركزية وعلى البرلمان حتى وإن جوبه بتصرف خاطئ من قبل موظف مغمور في أقصى ناحية، لأنه مازال يعتقد أن البناء المؤسساتي للدولة يقوم على النظام المركزي السابق، ولم يحدث فيه نوع من التراخي في القبضة المركزية، أتاح للمسؤلين المحليين صلاحيات معتبرة لمواجهة حالات الفسادة وللقيام بالإعمار بعد أن خُصصت لهم أموال كبيرة من خلال الموازنات العامة.

المواطن العراقي ألذي هو ناخب وفقا لاصطلاحات العملية الانتخابية من حقه أن ينتقد بشدة أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، كما من حقه أن يصرخ بأعلى صوته للمطالبة بحقوقه السياسية والإقتصادية، ومن واجب الساسة أن ينحنوا ويصمتوا حين يعلوا صوت المواطن، لأنه جاء بهم من اجل أن يحققوا مكاسب له ويحلوا مشكلاته، لا أن يحلوا مشاكلهم المادية والسلطوية.

ولكن مع كل مايسجله المواطنون من ملاحظات على أداء مؤسسات الدولة وكل مايرونه من تدني في أدائها، ومع أنهم الرقم الأول في الدولة ولابد أن تؤخذ رغابتهم وحاجاتهم بنظر الاعتبار دائما، ومن قبل اي حكومة عراقية ستشكل فيما بعد، إلا أن المواطن العراقي لايمكنه أن ينأى بنفسه عن تحمل مسؤلية إدامة العملية السياسية، وهي مسؤلية كبيرة لاتسقط عنه مهما كانت الأسباب، لأنه من يحدد لون الحكومة. وطالما نعتقد أن هناك خيرين في مكان ما يعملون من أجل العراق والمواطن العراقي، فيبدو أن الإنكفاء وفسح المجال للذين لاتهمهم إلا مصالحم كي يصلوا للسلطة أو يواصلوا بقاءهم فيها طامة كبرى، لأن عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات يعني أن الإختيار سيكون بيد طرف أو أطراف أخرى لاتهمها مصلحة المواطنين ولا مصلحة العراق.

إذن يحتاج النظام الديمقراطي ألذي مازال يتأسس في العراق إلى أن يشعر المواطني العراقي انه معني بما يجري حوله، ولايهزم مع أول صدمة ويتراجع، فهذا الشعور ينقصه الإصرار والحرص على الوطن، كما إنه" تآمر" غير مقصود على منجزات التغيير.

مايجب علينا دائما هو أن نحضر بقوة ولا نكون سهلي الإنقياد وسريعي التنازل عن مكاسبنا، فهذه مشاعر ومواقف لاتخدم البلد ولن تحقق لنا شيئا مما نريده، والأمر من هذا أن من نعترض عليهم بعزوفنا عن المشاركة في الانتخابات سيبقون أو يصلون رغما عنا طالما كنا بعيدين عن ممارسة حقنا الانتخابي.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com