ألمغفور له الملا مصطفى البرزاني :نموذج رائع للقيادة والوفاء للشعب الكردي

 

 

  طعمة ألسعدي/ لندن
talsaadi815@yahoo.co.uk

 فكرت مليا"، وتعبت ذهنيا، وعجزت عن الأجابة عن سؤال واحد وهو: لماذا لم يستطع العراقيون  الألتفاف حول قائد رمز طوال القرن العشرين ولحد الآن بملء ارادتهم واختيارهم وقناعتهم، وليس بوسائل الترهيب والترغيب التي استخدمها صدام وحزب البعث، ففشلا وانتهيا الى مزبلة التأريخ.

 لم يتحقق لنا ذلك لحد الآن، ونحن على ابواب انتهاء العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

 فكرت بقادة تأريخيين من التأريخ الحديث عظم شأنهم في حياتهم،  وكثرت عظمتهم بعد مماتهم، وأصبحوا نموذجا" ليس لقيادة شعوبهم فقط، ولكن أصبحوا رمزا" للبشرية وعنوانا" ونبراسا" مضيئا" لا يمكن تجاهله كالشمس المشرقة التي تنير دروب العالمين.

 وبعد أن فكرت وفكرت، تولدت لي قناعة تفيد بأن من الأفضل أن أنظر وأبحث قريبا"، لا بعيدا". حيث لا فائدة من الكلام عن الصين او روسيا أو أميركا أو الأرجنتين أو ألمانيا، لا استخفافا" بتجارب تلك الشعوب، ولكن لأبعد عامل التباعد الجغرافي والمحيط والبيئة والتراث والطباع. وهداني تفكيري الى الكتابة عن قائد فذ ترك بصماته وفرض احترامه حتى التقديس ومن داخل الحدود الجغرافية لدولة العراق. ولم يكن هنالك شخص يستحق أن أكتب عنه الا الملا مصطفى البرزاني رحمه الله.

 ان شعبا" بدون قيادة يشبه قطيع غنم بدون راعي. والقيادة قد تكون متمثلة في فرد يتخذ منه الشعب رمزا"، كالمهاتما غاندي ونلسون مانديلا وهوشي منه وديغول وبسمارك وغيرهم.  أو أحزابا" تتناوب السلطة بالطرق السلمية الديمقراطية عن طريق صناديق الأقتراع، كما هي الحال في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وبالمقابل لن ينجح قائد مهما عظم، ومهما منحه الله عز وجل من صفات قيادية جليلة، في قيادة شعب مشاكس لا يلتزم بمبدأ وليس لديه التزام بالمبادىء والقيم و شعور بالمواطنه الحقة وحب الوطن والتضحية من أجله. ولا يمكن حكم المشاكسين الا بالقوة الرادعة العادلة. فهي دواءهم ووسيلة جلبهم الى سواء السبيل. والقائد المحظوظ هو من يحظى بشعب مطيع لقائده طالما كان القائد باذلا" قصارى جهده لتحقيق أماني وتطلعات شعبه. وهذا ما تحقق للمرحوم الملا مصطفى حيث أحبه اخوتنا الكرد حبا" جما" يستحقه استنادا" الى أفعاله التي تستحق أن تكون مثلا" يحتذى به لمن يطمح القيادة في أي مكان في العالم.

 وليس كل الناس يصلحون للقيادة في أي موقع منها، مهما صغر أو كبر. ناهيك عن قيادة شعب أو أمة بكاملها. فللقيادة متطلبات لا تتوفر في الناس جميعا"، وهي هبة من الله لايمنحها الا لعدد قليل من البشر.

 من صفات القائد الناجح الشجاعة الفائقة، الهيبة والوقار، الحنكة،  الصرامة والصلابة،والحكمة والرصانة، والصبر في مواجهة الخطوب والمآسي، وايجاد المخارج من المآزق الصعبة القاتلة، والتضحية ونكران الذات، والعدل المطلق، والكرم والتواضع، ونكران الذات والنزاهة،  وانصاف الفقير والضعيف، ورعاية ذوي الأحتياجات الخاصة والأرامل واليتامى والمسنين، عن طريق حزبه أو حكومته. ويأتي على رأس كل ذلك  تبني القضية التي يقود شعبه أو حزبه من أجلها بحيث تصبح هذه القضية شغل القائد الشاغل الذي لا يشاطره شيء آخر فيها ليل نهار، بما في ذلك الرغبات الشخصية ومطامع الدنيا الفانية بكل ما فيها من مغريات يتساقط أمامها كبار الرجال وان رغبوا عنها. أي بمعنى آخر يهب القائد حياته للشعب الذي يقوده وقضيته. وضبط النفس وتطويعها لخدمة قضية الشعب أو الحزب لا يستطيع تحقيقها كل من طمح للقيادة أو تصدى لها. منح الله المرحوم ملا مصطفى كل هذه الصفات. وهيأ له شعبا" وطنيا" مطيعا" عدا القليل منهم.

 كنا نرى بعض البعثيين ما أن أصبح أحدهم عضوا" في الحزب (رفيقا")، حتى علا أنفه الى أعنان السماء. والكثير منهم لا يساوي نملة أو حشرات المراحيض . لأنهم يتخلون عن ضمائرهم ويغدرون بأهلهم وجارهم وأصدقائهم، ويسقطون أخلاقيا" ارضاء" لطاغية شاذ مجرم يستعبدهم  ويقودهم من هلاك الى هلاك. ويقود البلاد من خراب الى خراب. وخرب حزبه قبل تخريب أي شيء آخر. كما رأينا بعد التحرير أناسا" مغمورين مجهولين جاءت بهم الأقدار عن طريق القوائم الأنتخابية التي انتخبها الناس، دون أن يعلموا من سيكون ممثلهم،  يصبحون مفسدين في الأرض مستغلين مناصبهم التي تجعل منهم خدما" للشعب، وليس سراقا" يساهمون في الفساد والأثراء الغير مشروع، أيا كان منصبهم،وزراء كانوا أو وكلاء وزارات أو نوابا" أو موظفين كبارا" أو صغارا" في الدولة.

نعود الى موضوعنا فنقول: شارك المرحوم الملا مصطفى البرزاني (14 آذار1903- 1 آذار  1979) في كل ثورات الشعب الكردي في القرن العشرين من أجل تحقيق الحرية وألحصول على حقوق الشعب الكردي كالحكم الذاتي أو الفدرالي وبناء الدولة الكردية. وقاد الثورة الكردية بين عامي 1943-1945. وكافح وناضل في كردستان ايران من عام 1945 الى 1947، حيث شارك بتأسيس جمهورية مهاباد في كردستان ايران.  وقاتل القوات الأيرانية من شهر آذار حتى منتصف شهر حزيران 1947 بعد سقوط جمهورية مهاباد. ثم قاد ثورة أيلول 1961-1975 . وأصبح الأب الروحي للشعب الكردي، ليس في كردستان العراق فقط، بل حيثما وجد الكرد سواء في كردستان ايران أو تركيا أو سوريا، وبقية الأقليات الكردية في لبنان ودول الأتحاد السوفيتي السابق كأذربيجان وطاجكستان وتركمانستان ودول المهجر في شتى أنحاء العالم.

ان أخلاق الملا مصطفى وصفاته هي التي جعلت منه قائدا" اسطوريا للشعب الكردي يقارن بالمهاتما غاندي ونلسون منديلا وغيرهم من أعلام التأريخ. فكيف حقق هذا القائد العظيم هذه المكانة في قلوب شعبه؟

لاشك أن صلابته الفولاذية في الكفاح والقتال من أجل تحقيق أهداف الشعب الكردي، وايمانه المطلق بعدالة قضيته، اضافة الى نشأته في عشيرة تبنت قضية الشعب الكردي كجده المرحوم الشيخ سعيد وابنه الشيخ محمد سعيد الذي قاد ثورة ضد الأنكليز عام 1926. وكأخيه الملا أحمد البرزاني الذي قاد الحركة الكردية من عام 1931 الى أن أخمدتها الحكومة العراقية عام 1935، هذه العوامل كانت من أهم أسباب نجاحه كقائد سياسي وعسكري.  ولكنه كان انسانا" رائعا" يتمتع بكل صفات القيادة كما أسلفنا واليكم نماذج بسيطة من مواقفه:

 كان السيد خضر ملا عثمان شابا" يقوم بطحن الحنطة لنقلها الى بيتهم فجاءته مفرزة من الجيش أو الشرطة العراقية عام 1945 (بعد أن قرر القائد الملا مصطفى البرزاني سحب قواته الى مكان آمن، لعدم توازن القوى بينه وبين القوات البريطانية والقوات الحكومية العراقية) تسأل (المفرزة) ان كان قد رأى الملا مصطفى وجماعته يمرون من ذلك المكان ؟ وكانوا قد مروا فعلا" قبل  عدة ساعات، فنفى السيد خضر أنهم مروا من هناك. وبعد أن ذهبت المفرزة قال في نفسه ان هؤلاء يريدون شرا" بقائدنا الملا مصطفى وجماعته، و أنه من المستحيل له اللحاق بهم  اذا سلك طريقهم. ولم يكن أمامه الا صعود الجبل الذي يفصل بينه وبينهم وقتئذ.  ويتطلب ذلك ساعات طويلة من المشي المرهق صعودا" ونزولا" . فمشى السيد خضر تاركا الحنطة والطحين والمؤونه التي كان ينتظرها أهله مضحيا" بكل ذلك من أجل قضية شعبه . ولما وصل الى الملا مصطفى أخبره أن القوات الحكومية سألت عنهم. فسأله الملا مصطفى وماذا قلت لهم؟ قال السيد خضر: قلت لهم أني لم أركم وأنكم لم تمروا من هنا أبدا". فقال له القائد: ان شعبا" فيه مثل خضر لا خوف عليه، وستنتصر قضيتنا مهما طال الزمان. ورافق السيد خضر عثمان ملا مصطفى  في مسيرته الطويله التي استمرت ثلاثة عشر عاما" حتى العودة بعد ثورة 14 تموز 1958 على ظهر الباخرة جورجيا من ميناء أوديسا على البحر الأسود،  بعد غربة استمرت لمدة سنتين في ايران، وغربة أخرى  في الأتحاد السوفيتي دامت أكثر من أحد عشر عاما". وكتبت أغلب مواقف الملا مصطفى البرزاني المذكورة أدناه  نقلا" عن السيد خضر أطال الله في عمره،  وعن طريق ابنه البار الأخ الكريم خسرو خضر عثمان. وأبدأ أولا" بفقرة مما كتبه الدكتور خالد يونس عن الملا مصطفى رحمه الله.

1- يقول الدكتور خالد يونس في ثلاث مقالات عن المرحوم الملا مصطفى بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده:

 (كنا مجموعة من أساتذة معهد الكوادر العائد للثورة الكردية، التقينا بسيادته عام 1974 في حاجي عمران، وأخبرناه عن طريقة تدريبنا وتدريسنا للكوادر الذين تخرجوا من المعهد. شعر بالغبطة الكبيرة، وقال بإعتزاز: "إعلموا ياأبنائي أن المال لايصنع الشرف، ولا يقول أحد أن فلان شريف لأنه غني. المسؤولية الوطنية والنضال الوطني الديمقراطي من أجل الحرية والكرامة تحفظ لنا الشرف". وقال بوقار وبنفس مليئة بالثقة والاطمئنان، هذه القصة الرائعة: "طلب مني رئيس الوزراء العراقي الأسبق في العهد البائد نوري السعيد أن أكف عن النضال، وعرض علي وعلى أبنائي المال الكثير والقصور والوظائف العالية فرفضتُ ذلك قطعا. واستغرب الرجل نوري السعيد متسائلا لماذا يا بارزاني؟ فجاوبته بلا تردد وبشكل حاسم: للإنسان شيئان عزيزان، الشرف والحياة. فإماّ أن يضحي الإنسان بحياته من أجل شرفه أو يضحي بشرفه من أجل حياته. وأنا أضحي بحياتي من أجل شرفي، لأنه لا حياة بلا شرف، فالشرف باق والحياة فانية، وشرفي هو كرامة الشعب الكردي").

 كم من قادتنا السياسيين يتمتعون بمثل هذه الأخلاق،  وخصوصا" ذلك الذي يتباكى على السلطة، وأخذ يوزع الأموال والرشاوي في المحافظات (بعد زياراته المشبوهة لدول الجوار العربية، فأصبح غنيا" جدا" وانقلبت أحواله المادية بعد التحرير) . كل ذلك من أجل كرسي الحكم الذي فشل فيه كسلفه، وليس كمن خلفه، ذلك المنصب الذي لو دام لغيره لما وصل اليه؟

 2- بعد أن شعر باستحالة تحقيق النصر في ثورته بين عامي 1943 و1945 بسبب مشاركة القوات البريطانية والقوات العراقية في القتال ضده، وتفوق قوات بريطانيا في عز قوتها وانتصاراتها أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية،  والقوات الحكومية جوا" وبرا" بكل أنواع الأسلحة، اضافة الى العداء التركي الأيراني لثورته (أي أنه كان محاطا" بالأعداء من كل جانب)  قرر الحفاظ على خيرة مقاتليه وعددهم خمسمائة مقاتل، قسمهم الى خمسة سرايا  ليكونوا نواة" لثورة جديدة في وقت لاحق. فبدأ مسيرته الطويلة بهم متنقلا" بين تركيا وايران والعراق بسلاح بسيط ومؤونة قليلة جدا"، حتى جاع هو وأتباعه ومرت عليهم أياما" دون غذاء . ومع كل ذلك منع جنوده من البيش مركة وقادتهم من سرقة أي شيء من القرى التي مروا بها، تركية كانت أم كردية ام ايرانية. ولا شك أنه بذر بذور الأحترام والمحبة بهذه الطريقة في نفوس سكان تلك المناطق وهم من الأكراد أيضا"، والا لأعتبره الناس قائد عصابة (كصدام) وليس قائدا" سياسيا" وعسكريا مرموقا". وبقي مع مقاتليه في ايران مناضلا" مقاتلا" من أجل القضية الكردية، وتولى وزارة الدفاع في جمهورية مهاباد التي أسسها أكراد ايران. و كانت محمية من قبل الأتحاد السوفيتي، ثم تخلى عنها  السوفيت فأحتلتها ايران مجددا". ورفض تسليم أسلحته للقوات الأيرانية بعد سقوط جمهورية مهاباد رفضا" قاطعا"، فبدأت هذه القوات بملاحقته وأتباعه الأبطال برا" وجوا" . فضاقت بهم السبل، حتى عبر بهم نهر آراكس (من منطقة سارانوج الأيرانية الى الأتحاد السوفيتي بين 15 و18  حزيران عام 1947) . ويصب هذا النهرفي بحيرة أخ تيول، في منطقة ناكتشيفان جنوب غرب القسم الغربي من أذربيجان التي كانت تحت سيطرة  الأتحاد السوفيتي السابق في ملحمة لم يشهد لها التأريخ مثيلا" ابتدأت عام 1945 وأستمرت حتى العبور الى الأتحاد السوفيتي في منتصف حزيران 1947، وهم جياع وسلاحهم قليل وذخيرتهم عند العبور  ثلاثة عشر الف اطلاقة  وعدد قليل من البنادق تركوها مخبأة في الجانب الأيراني، وكان بينهم جرحى ومرضى، دون أن يفقد مقاتلا" واحدا". أمر يكاد أن لا يصدق.
  وكانت توجيهاته لمقاتليه في تحركاته داخل كردستان العراق أو كردستان تركيا أو ايران (اضربوا من أجل التخويف والتحذير فقط، ولا تقتلوا أحدا" قدر الأمكان)،  لكي لا يترك دم أحد في أرض المعركة حتى من الأعداء مما يولد الأحقاد وحب الثأر. وانها لحكمة ما بعدها حكمة،  وبعد نظر قل نظيره لقائد فذ محنك وانسان تملأ قلبه الأنسانية الحقة.
 فاليقرأ هذه المقالة قادة الميليشيات، وجماعة الأرهابيين بن لادن والظواهري، والمجرمون الذين يتخذون من الدين ستارا" لقتل الأبرياء في كافة أنحاء العراق من اطفال ورجال ونساء، ممن يسمون أنفسهم زورا" وبهتانا" : أنصار الأسلام، جيش محمد، جيش ثورة العشرين، كتائب عمر وبعض الأسماء التي تنتحل اسم الله عز وجل عنوانا" لخداع الناس وتضليلهم، وغير ذلك من الأسماء الأسلامية التي ليس لهم بها أية صلة مما يذكرني بتلك التي تضع القرآن على صدرها وهي فاسقة (فالأسلام بريء من هؤلاء) وممن يسمون أنفسهم المقاومة الشريفة جدا". وحقا" قيل ان الأناء ينضح مما فيه. واذا كان في انائك مفاسد الدنيا، فلن ينضح منها الا الفساد والشر والشؤم.
 3- وفي واقعة أخرى قام أحد أعضاء البيش مركة بسلب ما حمله بائع مكسرات وزبيب متجول على بغله، من شدة جوعه ورفاقه . فأشتكى ذلك المظلوم الى المرحوم القائد البرزاني . فغضب غضبا" لم يشهد له أصحابه مثيلا" من قبل، حتى تطاير الشرر من عينيه من شدة الغضب كما نقول نحن العرب.  فجمع المقاتلين  وسألهم عمن فعل هذا العمل الشائن؟ ولم يجرؤ أحد على الأعتراف بذنبه خوف أن يبطش به القائد وهو في هذه الحالة من الغضب العارم. ثم تبرع شخص كان يسميه المقاتلون البيش مركه (الذئب)، وادعى كذبا" أنه فعل ذلك لينال عقاب ذنب لم يقترفه ! والسبب في ذلك أنه كان مستعدا" للتضحية بنفسه من أجل اطفاء غضب قائده ومعلمه وزعيمه خشية أن يصيب القائد مكروها" من شدة غضبه لا سمح الله.  فضربه المرحوم ملا مصطفى ضربا" كاد أن يودي بحياته ثم قال لأتباعه: ان من يفعل مثل هذا بمثل هذا الفقير  لن ير الخير . ثم سأل المجني عليه كم كان ثمن بضاعتك؟ فأجابه ان ثمنها كذا.  فأعطاه أضعاف المبلغ وأرضاه.
 4- في حادثة أخرى حدثت في السبعينات من القرن الماضي،  جاءه مزارع تبغ من قلعة دزة وشكى له كثرة الضرائب الكمركية التي يدفعها  الى البيش مركه عدة مرات لحين ايصال تبغه من منطقته المحررة الى السليمانية. وعندما اعترض المزارع في احدى نقاط البيش مركه،  قام أحدهم بضربه براحة يده على وجهه. فعاقب المسؤولين عن تلك المنطقة وعوضه ماليا"، وقال له تعال واضربني كفا" (راشدي) لأن الله سيحاسبني على ايذائك على يد أتباعي. ولم يترك الرجل حتى ضرب الفلاح المعتدى عليه (القائد )، بعد تردد طويل،  ضربة خفيفه وخرج من عنده راضيا" متعجبا" من سمو أخلاقه وعدالته وتواضعه وكرمه وانصافه للمظلوم.

(قيل لصدام يوما" في مدينة كربلاء في أواسط السبعينات من القرن الماضي كما أذكر : ان أفراد الأمن يؤذون الناس فأجابهم - اﺤﭽوا عليﱠ ولا ﺗﺤﭽون على ألأمناء- وهذا تفويض مطلق من صدام لرجال أمنه ألذين سمعوه بدون شك لأيذاء الناس، وترك لهم الحبل على الغارب كما نقول. فقارن بين هذا الوضيع الذي يكره شعبه، وذلك القائد العظيم الذي يحب شعبه حبا" لا حدود له).

 5- من المعلوم أن المجرم ناظم كزار، ودون أدنى شك بالأتفاق مع المجرم صدام، حاول قتل الملا مصطفى البرزاني بواسطة وفد يتكون من تسعة أفراد من رجال الدين مدعين أنهم  يحملون رسالة من القيادة العراقية حول الحكم الذاتي ( حسب اتفاق 11 آذار 1970). وكان ذلك في يوم 29 أيلول 1971، في منطقة حاج عمران. وكان الوفد يحمل عبوة متفجرات تم تفجيرها في مقر الملا مصطفى. ولم تنقذ الملا مصطفى الا العناية الألهية حيث تم تفجير القنبلة عندما كان أحد أتباعه يقدم القهوة له،  فقتل الرجل وحال بين القائد وشرور صدام وناظم كزار بارادة الهية وتوقيت غريب عجيب جعل ذلك الشهيد يستشهد وينجو البرزاني بارادة الهية.

 وردا" على جريمة ناظم كزار أعدت قوات البيش مركة طريقة لقتله بواسطة قنبلة موقوته ؟ يتم تفجيرها أمام بيت ناظم كزار للقضاء عليه انتقاما" من جريمته البشعة . ولما تم اعلام الملا مصطفى بذلك رفض الخطة رفضا" قاطعا" قائلا" : وما ذنب أفراد عائلته وأولاده أو المارة اذا قتلوا في هذا التفجير؟ وماذا سأقول لرب العالمين على قتل هؤلاء الأبرياء؟

 ليتعلم الأرهابيون أدعياء الأسلام زورا" وبهتانا"،  والصداميون درسا" آخر في الدين والنبل والأنسانية التي لا حدود لها. ان موقف الملا مصطفى هذا هو من صميم الأسلام، وهو ما يرضي الله ورسوله وكل انسان قويم أصيل.

 6- بعد ثورة أيلول 1961، وصل خبر للملا مصطفى عن طريق قنواته داخل الحكومة العراقية يفيد أن القوات الحكومية عرفت مكانه وسيتم قصف مقره فجر اليوم التالي. وبناء" على تلك المعلومات نصحه أفراد حمايته بالذهاب الى مغارة قريبة للأحتماء بها من الهجوم.  ففعل الرجل وسار نحو الكهف قبل الفجر طبعا". ولما وصل المكان سمع بكاء أطفال وأصوات نساء يأتي من بين الأشجار القريبة، فسأل من هؤلاء؟ قيل له انهم الناس الذين كانو يسكنون الكهف الذي نحن ذاهبون اليه من أجل حمايتك. فغضب غضبا" شديدا" ووبخهم كثيرا"، وأمرهم باعادتهم الى الكهف وقال: اني جالس على هذه الصخرة على هذا الجبل، فلتقصفني طائرات الحكومة ولن أتحرك منها أبدا".

 أنا أقضي حياتي وأضحي بكل شيء عزيز علي من أجل شعبي الكردي وأنتم تجبرون هؤلاء الفقراء الذين أناضل من أجلهم على ترك مسكنهم من أجلي؟ والله لن أدخل الكهف أبدا" ولتقصفني الطائرات في مكاني هذا على هذه الصخرة، على هذا الجبل.

 7- أختمها بموقف رائع من الملا مصطفى ضد صدام:  من المعلوم أن صدام حسين كان مغرورا" مهووسا" بالزعامة والكبرياء والنرجسية. ولم يكسر كبرياءه أحد  بشكل مذل الآ الملا مصطفى البرزاني أثناء مفاوضات السلام التي انتهت بتوقيع بيان 11 آذار حول الحكم الذاتي،  فقال له مرة، بعد أن وضع غليون سكائره الطويل (المستخدم في كردستان ) في بطن صدام : أأنت ابن حسين، أم ابن ابراهيم الحسن؟ فهل هنالك اهانة أكثر من هذه لكسر غرور وتحطيم نفسية (ألسيد النائب)؟ اضافة الى الألقاب التي استنبطها له الأنتهازي الدائم المقيم في دمشق منذ عام 1979،  ويتقلب لونا وفكرا حسب العطاء والتوجيهات؟

 وختاما" أرجو أن يتعض قادتنا السياسيون بسلوكية هذا القائد العظيم، ليس هم فقط، بل كثير ممن من يدعي أنه اسلامي، متحزب كان أم ارهابيا"،  أو كثير من رجال الدين، وضعوا العمامة أم ألقوها وتفندنوا (صاروا أفندية).

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com