اللاجئ  مواطن . . حاضر  . . غائب

 

علاء الكاشف

  كلما وقعت كارثة طبيعية أو انفجرت حرب في أي مكان في العالم, تنقل وسائل الاعلام العالمية مآسي نزوح مئات الآلاف من اللاجئين من منطقة الخطر. وبعد هدوء العاصفة وانشغال وسائل الاعلام بحدث جديد في بقعة ثانية على الكرة الأرضية, تبتعد عدسات الكاميرات والتقارير الصحافية عن المشردين, وتتركهم يلملمون اجزاء ما تبقى من حياتهم المحطمة. وتختلف تفاصيل قصة كل مهجر عن الآخر, لكن المأساة تبقى نفسها: انعدام الأمان وفقدان الوطن والخوف من المستقبل المجهول. ومنذ عام 2000, أقر مجلس الأمن في الأمم المتحدة بأن يكون 20 حزيران يوماً للاجئين. وفي عامه الثامن , تركز "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" في هذا اليوم على أهمية اعطاء كل مهجر ولاجئ"مكاناً يدعى الوطن".

ولكن هل سألنا انفسنا من هم اللاجئون . اللاجئون، تعريفاً، هم الأشخاص الذين يخرجون إلى قارعة الطريق رغما عن إرادتهم، وتؤدي الصراعات وممارسات الاضطهاد إلى تشريدهم من قراهم ومدنهم وتشتيت شمل أسرهم , يوما بعد آخر تستمر معاناتهم بالهجرة الى الخارج طلبا للامان يعانون من نقص شديد في سبل العيش فضلا عن فقدانهم لأبسط الخدمات الإنسانية، والتعطيل الوظيفي والتربوي مما يؤثر سلبيا حتى على مستقبل الأطفال ومصدر العيش بالنسبة للكبار.فضلا عن تأثيراته النفسية والاجتماعية على العائلة وتأثيراته الاقتصادية على الدول المضيفة وقد أدت الحرب الأميركية في العراق والأعمال الإرهابية وممارسات النظام السابق، سواء بطريق مباشرة أو غير مباشرة، إلى نزوح اكثر من أربعة ملايين عراقي ، واضطر اغلبهم إلى مغادرة بلدهم وسط ظروف معاشية صعبة.

 لاجئو العراق وسياسات الدول

 إنّ الاختيار بين مصير مروع وآخر مروع مثله، ليس فيه أي تخيير. لكن هذا هو الخيار الذي تعرضه اغلب الدول على لاجئو العراق أي أن «يختاروا» بين الشقاء في الدولة لأجلٍ غير مسمى (ويتراوح هذا الشقاء بين ان تسكن في سجونها دون أي أمل في الخروج او مواجهة مصيرك بالتشرد في الدولة دون أي غطاء شرعي) ، أو العودة إلى العراق ومواجهة احتمال الموت. وهنا بدأت معاناة البعض منهم بسبب عدم منحهم حق الإقامة كلاجئين وتدريجياَ وضعت شروط وقوانين غير طبيعية وبخاصة السويد والنرويج وحتى لبنان وغيرهم المحامية مادلن سيليتز المسؤولة عن التنسيق في منظمة العفو الدولية ــ صرحت بأن السويد اصدر عدد من القرارات المتعلقة بحق اللجوء تخالف في نظرنا التزامات السويد الدولية وتعني به تخلي السويد عن التزاماتها الدولية وسياستها الايجابية تجاه اللاجئين وهو حديث جاء بسبب قرار سلطات الهجرة في السويد التأكيد على إبعاد طالبي اللجوء من العراق والصومال وأفغانستان وهو مخالف للوائح حقوق الإنسان، أما المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين هاتس ماتسين فقد قالت أن عودة العراقيين إلى بلدهم أمراً سابقاً لأوانه ودولة السويد ليست الدولة الوحيدة التي أخذت تضغط بهذا الاتجاه ونضرب مثلاً ملموساً على دولة النرويج فقد تدفق إليها عامي 1998 ـ 1999 أكثر من 300 آلاف لاجئ أكثريتهم من الكورد العراقيين إلا أن السلطات أصدرت قراراً سياسياً بعدم منحهم حق اللجوء وها قد مرت حوالي ( 10) سنوات والقرار باق وقد قطعت المساعدات الاجتماعية عن أكثريتهم وهم غير مقبولين في معسكرات اللاجئين وصدرت قرارات بالطرد من النرويج وحتى الذين قبلوا كلاجئين وبوجود عمل خاص اشترط عليهم التوجه إلى السفارة العراقية لإسقاط جنسيتهم العراقية كشرط منحهم الجواز النرويجي على الرغم من انتهاء المدة القانونية (7) سنوات، وهي شرط لمنح الجنسية لطالبي اللجوء.

اما عن لبنان فتشير التقديرات إلى أن عدد اللاجئين العراقيين في لبنان يناهز الـ 50,000 يقبع 580 منهم خلف قضبان السجون.

فالسلطات اللبنانية تقوم باعتقال اللاجئين الذين يفتقرون للوثائق القانونية والثبوتية ويعاملون كمهاجرين لا شرعيين ويتعرضون للسجن والغرامات والتسفير, ومن المعلوم ان السلطات اللبنانية لا تجبر اللاجئين العراقيين على العودة الى العراق عنوة ، ولكنها تجبرهم على الاختيار بين شرين : اما على العودة إلى بلادهم او المكوث في السجون لفترات طويلة.

وفي لقاء خاص مع رئيس جمعية عدل ورحمة في لبنان ( هادي العيا ) تحدث عن أوضاع اللاجئين العراقيين بالقول يعيش اللاجئون العراقيون أوضاعاً معيشية صعبة خصوصا من موجود منهم في سجن (روميه) حيث يعاني السجناء ظلماً في هذا السجن لأن الماء ينقصهم ولا يمكنهم النوم بطريقة إنسانية والعمل القضائي بطيء ومشكلتهم تتلخص في انتهاء فترة الإقامة او الفيزة او الدخول غير الشرعي والجواز المزور وأضاف (العيا) ان السجناء العراقيون من مختلف الطبقات والطوائف حيث التقيت بضابط في الجيش العراقي الجديد وآخر طبيب ومهندسين ومثقفين عدة وعند سؤالهم عن سبب مجيئهم يقولون لقد غرر بنا عن طريق مكتب في بغداد تدعي أنها تسهل اللجوء الى أوربا عن طريق لبنان وعند مجيئنا الى هنا اكتشفنا انه لا وجود لذلك وقد دفعنا اكثر من عشرة آلاف دولار دون فائدة.

اما عن دور السفارة العراقية يتحدث بالقول ان السفارة العراقية تأتي وتطلب منهم العودة للعراق وعلى حساب الحكومة ولكن اغلبهم يرفض العودة لانه لم يبق له من الأموال ليعيش في العراق فكيف يعود خالي الوفاض الى أهله وهو معلق كل آماله على الخروج الى أوربا لذا تراه يفضل السجن على الرجوع الى العراق, ويضيف (العيا) هناك من يفضل الرجوع الى العراق على البقاء في السجن ويقول على لسان احد اللاجئين في سجن روميه (لم يخبرني أحد كم سأبقى في السجن. وإذا لم أقدر على تنظيم وضعي فسوف أعود إلى العراق. وإذا عدت إلى العراق فسوف أُقتَل. لكنّ الأفضل لي أن أعود واموت في العراق على أن أقضي يوماً واحداً آخر هنا واموت مع المجرمين لقد اجبرتني الظروف على مغادرة العراق وسأعود اليه مجبورا).

وليست الغالبية من العراقيين رهن الاحتجاز فقط، لكنهم أيضاً غير معترف بهم رسمياً كلاجئين ومحظور عليهم العمل. وقد نفدت مدّخرات الكثيرين منهم، وهم عرضة للاستغلال والإساءة من قبل أصحاب العمل، وملاك العقارات. وبعضهم لا يظهرون علناً ولا يلحقون أولادهم بالمدارس مع ازدياد تدهور أوضاعهم وضيق الحال.

 اللاجئون العراقيون الكورد والأبعاد القسري

 مشكلة اللاجئين العراقيين لا تقتصر على  الدول الاسكندنافية بل تمتد على امتداد الكرة الارضية فلا يوجد دولة الا ووجد فيها لاجئ عراقي دفعته الظروف الى  البحث عن وطن يلمه بين جنباته واللاجئين الكورد كانت لهم حصة لا تقل عن باقي العراقيين فقد وصلت الى عشرات بل مئات الآلاف من المشردين والمهجرين يستجدون العطف والرحمة من المنظمات الدولية والدول التي افتقدت الى الانسانية وتعامل اللاجئ العراقي على انه مشرد ومنبوذ على ارضها فلا يمكن ان ننسى مأساة الكورد الفيلية في مخيم أزنا ومخيمات أخرى بأيران والتي تـفتقر لأبسط مقـومات الحياة في هذا البرد القارس بعد أن اوقفت الأمم المتحدة مساعداتها وقطعت عنهم أيضاً الحصص الغذائية حيث يعيشون بلا امل وبلا هوية او وطن ولمدة تزيد على 24 سنة ,ولا يكاد يمر اسبوع الا ونسمع او نشاهد خبرا او تصريحا يتعلق باللاجئين العراقيين ومشاكلهم والمصاعب التي يعانون منها في ديار الغربة دون ان نجد التفاتة الى اوضاع هؤلاء اللاجئين خصوصا وان دول اوربية اصبحت لا تستقبل لاجئين عراقيين وبالاخص اللاجئين الكورد لكون اقليم كوردستان وعلى حد قولهم يتمتع بظروف اقتصادية وامنية طبيعية تتميز عن باقي اجزاء العراق الاخرى الامر الذي جعل الحكومة البريطانية تقوم بحمل لاعادة اللاجئين الكورد الى اقليم كوردستان وان هذا القراريشمل حوالي 8000 ثمانية آلاف لاجئ كوردي وصلوا الاراضي البريطانية خلال السنوات السابقة ولم يتم تسوية اوضاعهم القانونية الى حد اليوم .

 ماذا بعد العودة الى الوطن

 لا يوجد لاجئ خرج من العراق الا وتمنى ان يعود الى هذا الوطن بعد ان يستتب فيه الامن ويعود افضل مما كان ومهما بعد الطائر عن بيته لابد ان يأتي يوم ويعود اليه ولا يخفى اننا نتمنى ان يعود اللاجئ العراقي الى ارض الوطن اليوم قبل غد ولكن .. هل ان الوقت الان هو المناسب لعودة اللاجئين الى ارض الوطن ؟ وهل الاستقرار الأمني والتقدم الحاصل لاقليم كوردستان يشجع على عودة العوائل ؟ وهل أصبح اقتصاد العراق قوي بهذا الشكل ليستوعب اعداد العائدين الى العراق ؟ ان هذا الأجراء الذي لو تم بحجة ان اقليم كوردستان او بعض مناطق العراق تتمتع بهذا الاستقرار فمن شأنه ان يخلق مشكلة كبيرة ليست للمجبرين على العودة وعوائلهم فقط بل للحكومة الاتحادية والإقليمية التي تعاني ما تعانيه من مشاكل والتي لم تستطع مع الأسف حل او توفير الحلول للمواطنين من حيث مشاكل السكن والغلاء ونقص الخدمات الأساسية هي العناوين العريضة لمعاناة الغالبية العظمى من السكان.

 معاناة اللاجئ مسؤولية من ؟

 بالتأكيد، ليست هذه المشكلة صنيعة دولة معينة ولا يمكننا اتهام هذه الدولة او تلك بأنها تمارس دورا سلبيا تجاه اللاجئين العراقيين دون غيرهم ، ولا يمكن أن يتوقّع أحد أن تتحمل هذه الدولة وحدها عبء اللاجئين، أو أن تلتزم بإمدادهم بمحل إقامة دائم. فهذه مسؤولية دولية ومسؤولية الحكومة العراقية بالاستجابة السريعة والسخية لمساعدة اللاجئين في دول العالم المختلفة وخصوصاً الأردن التي يتعرض العراقيون فيها الى معاملة سيئة من قبل الحكومة الاردنية وهم عرضة للترحيل في أي وقت اضافة الى المعاملة السيئة والطائفية في المطارات والمعابر الحدودية على الرغم من انهم اغنوا الاقتصاد الاردني والجانب التعليمي والطبي والثقافي الذي شهد تطور هائلا بفعل الكوادر العراقية .

إلا أن المسؤولية لا تتحملها فقط الحكومة العراقية والمنظمات الدولية والإنسانية. فبما أنّ الدول تواجه واقع وجود اللاجئين على أراضيها، فعليها الالتزام، باعتبارها عضواً في المجتمع الدولي، بإمدادهم ببعض الحقوق الأساسية، خاصة الحق في عدم الإعادة القسرية... وهو الحق في عدم الإعادة إلى حيث يواجه الشخص الاضطهاد أو التعذيب أو الموت. ونظرياً، لا تعيد الدول اللاجئين العراقيين إلى العراق رغما عن ارادتهم . إلا أنه من حيث الممارسة، تكره السلطات اللاجئين على (اختيار) العودة ، بدء من اعتقال طالبي اللجوء العراقيين الذين ليست لديهم تأشيرات نافذة، ثم احتجازهم، ثم (تخيير) من هم رهن الاحتجاز بين العودة إلى العراق أو البقاء في السجون لأجلٍ غير مسمى... 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com