|
قناة الجزيره .. واللعب على الحبال
قحطان المعموري دأبت قناة الجزيره الفضائيه ومنذ تأسيسها عام 1996 على الألتزام بالخطاب القومي ـ الأسلاموي الذي يعتمد على إثارة المشاهد العربي (قومياً) و(دينياً) من خلال تأويلات سياسيه وطائفيه للمبادئ الأسلاميه وإبراز مايمكن إبرازه من جوانب تشجع على التكفير وتحث على تهميش الآخر رغم شعارها الأخاذ كونها (قناة الرأي والرأي الآخر), معتمدةً في ذلك على بعض رجال الدين المتشددين المعروفين بتأريخهم السياسي السابق وأمتداداتهم من العاملين في القناة نفسها وممن هم في مركز صنع القرارفيها من حيث التوجيه والتوجه, وقد قدمت القناة بخطابها الأعلامي هذا صوره مشوهه ومغايره لللأسلام الحقيقي كونه رساله سماويه تدعو الى الخير والمساواة والتسامح بين الشعوب والأديان المختلفه. وبعد سقوط النظام الديكتاتوري في العراق (والذي لعبت دولة قطر التي تبث الجزيره منها دوراًمهماً في أسقاطه), سعت الجزيره بقوه بعد ان كشفت علاقتها وبشخص مديرها العام وبعض موظفيها بالحكومه العراقيه وأجهزتها المخابراتيه، سعت الى تكثيف خطابها القوماني الأسلاموي الطائفي المعادي للعراق وذلك من خلال التركيز على النقاط السلبيه التي تكتنف بعض جوانب العمليه السياسيه الوليده حديثاً والخارجه تواً من أنقاض نظام ديكتاتوري بغيض, ومحاولة فبركة التقارير والأخبار المثيره والعزف على الوتر الطائفي المقيت عن طريق التباكي كذباً على مصير طائفه دينيه كبيره في العراق وعلى عروبة العراق من خلال تهويل الخطر (الفارسي) ضد المنطقه برمتها . وتعزيزاً لنهجها هذا فأنها سعت ومن خلال برامجها الحواريه المختلفه كالأتجاه المعاكس وشاهد على العصر والمشهد العراقي مثلاً الى أستضافة أشخاص من بقايا النظام السابق ومن الموالين له ممن فقدوا نفوذهم ومصالحهم لبث سمومهم ومحاولة تلميع صورة ذلك النظام والتشكيك بصحة جرائمه التي تم كشفها بعد السقوط والتي من أبرزها المقابر الجماعيه التي ملئت البلاد طولاً وعرضاً ناهيك عن الجرائم الموثقه تأريخياً والمعروفه دولياً كالأنفال وحلبجه وقمع الأنتفاضه الشعبيه. ولم يتوقف جهد الجزيره عند هذا الحد بل تعداه الى الدفاع عن القوى الأرهابيه في أكثر من بلد عربي وفي العراق على وجه الخصوص، حيث اقام بعض موظفو مكاتبها علاقات مع جماعات أرهابيه معروفه وقدموا لها المساعدات الأعلاميه التقنيه بحجة (المقاومه) ضد القوات ألأمريكيه والتي تتخذ من قطر أكبر قاعده عسكريه لها علماً بأن هذه الجماعات بعيده كل البعد عن المقاومه التي يكن لها الجميع كل الأحترام ولم تكن سوى مجاميع لقتله وذباحين لأناس أبرياء وحسب فتاوى تكفيريه بائسه ولعل الكثير يتذكر تلك الأفلام التي كانت تعرضها الجزيره لحفلات القتل وجز الرقاب، ليس للأمريكيين بل لعراقيين وعرب عزٌل ومدنيين أجانب وتقديمها كسبق اعلامي مثير . لقد قلنا في موضوع سابق حول الجزيره وعند تناولنا إحدى حلقات برنامج الأتجاه المعاكس الذي أستضاف فيه الدكتوره وفاء سلطان بأن هناك صراعاً خفياً وخلف الكواليس يدور رحاه بين إتجاهات سياسيه مختلفه يحملها بعض العاملين في القناة من معدي البرامج الحواريه وتحديداً الأتجاهات الأسلاميه والقوميه والعلمانيه، حيث يحاول كل إتجاه تسويق خطابه السياسي وابرازه من خلال البرنامج الذي يعده والشخصيات التي يستضيفها لغرض تعزيز هذا الخطاب وتقديمه للمشاهد العربي . لقد برز ذلك جلياً في برنامج (شاهد على العصر) الذي يعده ويقدمه (الأخواني المصري) أحمد منصور, حيث إستضاف أخيراً وفي عدة حلقات السيد حامد علوان الجبوري الذي شغل مناصب حزبيه بعثيه عديده إضافةً الى مناصب حكوميه في العراق منها مكتب رئاسة الجمهوريه، وزارة الثقافه والأعلام، وزارة الخارجيه، وزير دوله، وكان آخرها منصب سفير العراق في المملكه المتحده حيث فضل البقاء هناك لاجئاً ولم يعد الى العراق بعد إنتهاء عمله مما حدا بصدام حسين الى إجبار عائلته وعشيرة (الجبور) التي ينتمي اليها وفي محافظة بابل الى إعلان البراءه منه ومن على صفحات الصحف العراقيه آنذاك . لقد كان عنوان حلقة البرنامج هو (حزب البعث وحركة القوميين العرب)، إلا ان المتتبع لحلقات البرنامج ومايدور فيه من حوارات لايجد تطابقاً كبيراً بين العنوان وبين مايدور فعلاً من نقاش وحوارات بين مقدم البرنامج والشاهد على عصره . لقد كان برنامجاً جريئاً حول شخصية صدام حسين ...ولكن مهلاً لاتتعجلوا، فأنه ليس صدام حسين الذي تطبل له الجزيره مدافعةً عنه وعن نظامه المقبور, وليس صدام حسين الذي إتشحت القناة بالسواد عزاءاً له ولبسن مذيعاته السواد حزناً عليه بعد أعدامه, وليس صدام القائد الضروره وحامي البوابه الشرقيه وقائد الحمله الأيمانيه و(المدافع) عن الماجدات العراقيات والحق العربي وغيرها من الألقاب التي أسبغها عليه الأعلام المحلي المؤدلج والأعلام العربي القابض لكوبونات النفط. لقد كان برنامجاً (ويالهول المفاجأه) حول شخصية صدام الحقيقيه التي يعرفها العراقيون قبل غيرهم، وعن ممارساته التي يندى لها الجبين, ومنذ أن كان نائبا للرئيس وحتى سقوطه المدوي كدكتاتور بشع . لقد كان الأجدى أن يكون عنوان البرنامج (شاهد على جرائم صدام وعصره) وليس عن حزب البعث وحركة القوميين العرب والذي لم يستطع الضيف وهو الذي غادر هذه الحركه مع أقرانه في العراق قبل حوالي الاربعة عقود ملتحقين بحزب البعث (العراقي) حيث يقودهم أنصاف المتعلمين والأميين, أقول لم يستطع أن يتحدث عن هذه الحركه ونضالاتها في العراق والبلدان العربيه الأخرى وهي (الحركه ) التي أضافت الشئ الكثير للفكر العربي والنضال القومي . لقد كانت أجاباته مبتسره وأحياناً بنعم أو لا, مستعيناً بمقدم البرنامج في بعض التفاصيل سرداً أو تأريخاً . إن قراءه سريعه للمعلومات التي طرحت في البرنامج تكشف بوضوح عن تلك النزعه الشريره والعدوانيه التي كانت تطبع شخصية صدام حسين ، أنه ببساطه وبدم بارد يتآمر على رئيسه ويغتال ولده، يقتل رفاقه المقربين في الحزب والدوله ويلقي بآخرين في زنازين فرديه ولسنوات عده (حردان، عماش، عبدالخالق السامرائي، الشيخلي، الحمداني، الركابي، وغيرهم)، يغتال الرموز الدينيه في البلاد ( الشيخ عبد العزيز البدري أحد قادة الأخوان المسلمين والعلاٌمه الصدر وأخته)، يصدر القوانين بتصفية الشيوعيين والأسلاميين على حدٍ سواء، يخطط لأغتيال الملا مصطفى البرزاني اثناء وجوده في بغداد ضيفاً عليه، يصدر الأوامر بأغتصاب زوجات المسؤولين ممن يشك بولائه له ويصور ذلك على أفلام فديو حيث يشاهدها سوية مع المسؤولين لغرض تحطيمهم نفسياً وتهديد الآخرين بالأسلوب نفسه، كل هذا بعض من جرائمه الدخليه، اما عربياً ودولياُ فأن جرائمه كثيره (وكما وضحها البرنامج بالتفصيل) ولعل أبرزها إسقاط طائرة وزير الخارجيه الجزائري أحمد بن يحيى اثناء قيامه بجهود الوساطه لايقاف الحرب العراقيه الأيرانيه، إفشال مشروع الوحده مع سوريا وتصفية المتحمسين له في الحزب والدوله، الأتصال بالرديكاليين العرب وأستخدامهم (كبنادق إيجار) مثل أبونضال ووديع حداد الذي جلب للمخابرات العراقيه فكرة (التذويب بالأسيد) لاستخدامها ضد معارضي السلطه والتي سبق وأن مورست ضد الشهيد فرج الله الحلو، شكوك الحكومه الجزائريه بتسميمه رئيسها الأسبق، أضافة لحروبه الثلاثه المجنونه والتي خلفت ورائها مئات الألوف من الضحايا والمفقودين والأسرى والأرامل واليتامى . لقد فوجئ الكثير من المشاهدين بما أقدمت عليه الجزيره في هذا البرنامج حيث نشرت الغسيل الوسخ (وما اكثره) لصدام حسين، لكن العارفين بطبيعة هذه القناة لم يفاجئوا بذلك حيث حاول أحمد منصور مدفوعاً بعداء حزبه (الأخوان المسلمين) للأتجاه القومي عامة والناصري خصوصاً الى تصفية الحسابات القديمه معهم لاسيما وأن القوميين البعثيين يحكمون في سوريا والعراق أضافة الى بعض المنظمات الفلسطينيه ذات الجذور والتفكير القومي، ولهؤلاء جميعا موقفهم السلبي من جماعة الأخوان المسلمين أينما وجدوا . ربما يقول البعض من المدافعين عن القناة وتوجهاتها بأن عرض مثل هذا البرنامج هو نوع من الحرفيه والمهنيه الأعلاميه، ولكن دعونا نتساءل، هل إن الحرفيه والمهنيه هي عمليه انتقائيه أم سياسه أعلاميه ثابته؟ أين المهنيه والموضوعيه في مواضيع هامه مثل الشأن العراقي، الأرهاب في السعوديه والجزائر، العلاقات الأسرائيليه القطريه، التلميع المستمر لللأخوان المسلمين في مصر، الأحداث الأخيره في المغرب ... والخ من المواضيع الحساسه التي تهم المواطن العربي بشكل كبير؟؟ وهل اتشحت الجزيره بالسواد مع مذيعاتها عند وفاة قاده عرب كبار لعبوا دوراً كبيراً في تاريخ شعوبهم خاصه والشعوب العربيه عامه مثل حكيم العرب الشيخ زايد، الملك حسين، عرفات، حافظ الأسد أمير الكويت وغيرهم مثلما فعلت ذلك مع الديكتاتور المقبور وشيخ الذباحين الزرقاوي؟؟ إن محاولة الجزيره باللعب على الحبال لأرضاء هذا الطرف او ذاك هو أمر لايجديها نفعاً فحقيقة القناة باتت معروفه للجميع ولايمكن أن يغير برنامج عابر من نظرة الكثير من المشاهدين العرب لها، كونه قناة بعيده عن الموضوعيه ومتحيزه سياسياً بأمتياز .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |