التعامل مع المستقبل!

 

يوسف الفضل

yousif432000@yahoo.ca

لا يمكن التعامل مع المستقبل من دون التعامل مع الحاضر. ولا يمكن التعامل مع الحاضر والمستقبل من دون فهم عميق وشامل للواقع الحالي بكل أبعاده السياسية والتقنية والتجارية والعسكرية والثقافية والتأريخية العالمية. فعالم اليوم أضحى قرية في ترابطه وتشابك المصالح فيه. فهل بامكان فرد ان يحيط بكل هذه المعارف؟ وهل بامكان جماعة ان تقوم بهذه المهمة؟

هناك شكوك مشروعة تلقي بضلالها فتجعلنا غير واثقين من قدرة أي فرد او جماعة في التعامل مع العالم المعاصر والمستقبل الذي تلفه ابعاد مجهولة لما يكتنف الحاضر من متغيرات سريعة يصعب على الدول الكبرى ذات المؤسسات استيعابها والتنبؤ بنتائجها المستقبلية! والنتيجة المنطقية بالنسبة الى هذا الموضوع هو اللجوء الى المؤسسات والخبرات المختصة والمنهجية العلمية في التعامل مع الحاضر والأبعاد المستقبلية المحتملة. وهذا يدفع بالضرورة الى تهميش دور الأحزاب والكتل والسياسيين التقليديين ولكن من دون اقصائهم.

أقول يمكن للجيدين من السياسيين ان يقوموا بدور تكميلي لدور المؤسسات الفكرية المتخصصة بمختلف المجالات من خلال تطبيق النتائج التي توصلت لها الدراسات او اختيار الأفضل من الأحتمالات! ولكن هذا ليس بالضرورة متيسرأ لكل المتصدين للعملية السياسية الجارية في العراق بعد خروجه من الكابوس الصدامي لعقود من الزمن! فهناك عدد غير قليل من المتصدين لا يملكون امكانات اولية ذهنية وثقافية للتعامل مع ضخامة العمل الذي يواجههم ويتطلب قرارات ومواقف سيتقرر فيها مصير العراق لفترة غير قصيرة من الزمن! هذه المشكلة يجب التعامل معها بواقعية وايجاد حل مناسب لها سريعأ وحتى لو كان حل مجلس النواب خيارأ عمليأ لأستئصالها والا ستكون احد المعرقلات الرئيسية لعمل الدولة وسلامة المجتمع!

وان هذا الحديث لا يخص العراق فحسب بل يشمل العديد من الدول والفئات وخاصة التي تصنف بالثورية تارة والوطنية تارة اخرى والأسلامية ثالثة!

الطاقة النووية والأسلحة النووية ومنظمة التجارة العالمية والعولمة والأستثمارات الأجنبية والتنمية المستدامة والتهديدات للبيئة ومشكلة النمو السكاني المفرط والموارد الطبيعية المتوفرة المحدودة من طاقة وماء ومعادن وغذاء وخدمات كلها تحتاج الى حل للفترة الحالية والمستقبلية على المستوى العالمي! ان هذه المواضيع تجعل كل البشر على الكرة الأرضية ومن دون استثناء او تمييز معنيين بوضع الحلول المناسبة لها! نعم هناك مصالح لبعض الدول والتي تريد لها موقعأ متميزأ والأستئثار بمزايا اقتصادية من خلال هيمنتها السياسية والعسكرية. وهناك دول لا تملك القوة او الأرادة او المعرفة او احد المفردات المذكورة آنفأ مما يجعلها عرضة للأستهداف! فمثلأ معارضة الولايات المتحدة لبروتوكول كيوتو للحد من تلوث الجو بثاني أكسيد الكاربون لم تلتزم به ولا تزال تعارضه ولكن موقفها اضحى ضعيفأ وعلى وشك ان يتبدل قريبأ بسبب تراكم الأدلة العلمية من جهة والأجماع الدولي من جهة أخرى!

الموضوع الذي أثار في نفسي الرغبة للكتابة هو ما تجري فصول أحداثه في المجتمع الدولي بخصوص البرنامج النووي الأيراني. والحلقات التي تضيق وتنفرج اعلاميأ واقتصاديأ وعسكريأ بين ايران وحلفاءها من جهة والمجتمع العالمي بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى.

ايران تدعي انها تطور برنامجأ نوويأ سلميأ وانها قد عزفت عن نرنامج نووي عسكري سابق عام 2003 حسب المعلومات التي تناقلتها وسائل الأعلام وشهد به تقرير لأجهزة الأستخبارات الأمريكية! واذا كان الأمر كذلك فهذا حق مشروع لا لبس فيه على اساس كل المواثيق والأعراف الدولية. فاليابان والمانيا ومعظم دول العالم تمتلك برامج نووية وحتى امكانات لتطوير اسلحة نووية ولكنها لا تعتزم انتاج هذه الأسلحة المحرمة دوليأ لما لها من آثار كارثية على البشر والحياة بشكل عام على الكرة الأرضية! فهناك وعي وادراك عميق نتيجة الخبرة المرة التي مرت بها كل من اليابان والمانيا بأن الحروب تجر الكوارث والويلات على الجميع! وان التنافس المهني والعمل الخير هو الباقي والذي يقدر له السيادة كما ورد في القرآن الكريم ان الزبد يذهب جفاءأ وان ما ينفع الناس يمكث في الأرض!

أقول ان على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ان يحاسب اسرائيل على امتلاكها للسلاح النووي ومن نفس منطلق الحرص على سلامة العالم من اسلحة الدمار الشامل! وعليه ان يضغط على اسرائيل مثلما يفعل مع ايران بان تخضع لتفتيش المنظمة الدولية لبرامج الطاقة النووية! وعلى المجتمع الدولي ان يضع برنامجأ عمليأ للتخلص من كل اسلحة الدمار الشامل لكل الدول التي تملكه لتبرهن على حسن نواياه!

اليس الأسلحة النووية كلها تمتلك خاصية الدمار الشامل وليس الأيرانية فحسب؟ والا يصعب تفسير الضغط على ايران بالأنصياع لقوانين هم انفسهم لا يلتزمون بتطبيقها ويضعون دولهم فوقه!

اقول ان من حق الأيرانيون تطوير برنامجأ نوويأ سلميأ وان دول وشعوب المنطقة تحتاج الى هذه التقنية لما يتوقع من حاجة كبيرة للطاقة للمستقبل المنظور. ولعل الشفافية في ذلك البرنامج ضرورة ملحة لسد الذرائع التي تحاول بعض الجهات الأستفادة منها لأغراض اخرى تخدم مصالحها. ولعل اليوم الذي ستتخندق فيه جميع او معظم دول العالم مع هذا الحق المشروع والضغط على الدول التي تمتلك السلاح النووي الى التخلي عنه ليس ببعيد لأن امتلاك مثل هذه الأسلحة ستعتبر اداة ابتزاز وهيمنة غير مقبولة لكل دول العالم! وسيكون موقف الولايات المتحدة والدول التي تقف بجانبها نشازأ تمامأ كما اضحى موقفها من معاهدة كيوتو للحد من انبعاث الغازات المسببة للأحتباس الحراري!

بعد حين ستختلف الأوضاع الميدانية حيث ستتوفر التقنية النووية لمعظم دول العالم بسبب الحاجة للطاقة النووية للأغراض السلمية! وحينذاك سوف لا يكون منطق الوصاية والأبتزاز ممكنأ وستنزل الدول التي تملك القوة وتمارس فرض ارادتها على دول العالم الأقل قوة وارادة عن دورها. وبذلك يمكن تجنيب شعوبأ عديدة ويلات الحروب والمعانات والتي يمكن تجنبها بالحكمة والصبر!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com