|
ملاحظات في الاتفاقية المقترحة بين العراق والولايات المتحدة
فؤاد قاسم الأمير لقد حاولت جهدي، منذ عدة شهور، أن احصل على مسودة المعاهدة التي تريد الحكومة الحالية أن توقعها مع المحتل الأميركي، لكي يكون بإمكاني دراستها والكتابة عنها، كما فعلت عندما حصلت على "مسودة قانون النفط والغاز" المعدة في 15/1/2007 والتي كانت من الأمور "السرية جداً"، وأخرجتها للعلن في 31/1/2007 مع دراسة حولها، وأثارت ما أثارت، ولا تزال مسودة القانون المشؤوم "مسودة"، لم تعرض على مجلس النواب كما أوضحت في كتابَيَّ عن قانون النفط والغاز. لكني لم أفلح بالمرة هذه المرة، فالذين يتلذذون بممارسة اعمالهم وخططهم في الظلام وضعوا طوقاً "أمنياً" صارماً عليها. لعلهم أخذوا عبرةً من التجربة التي انتهت بها "مسودة قانون النفط والغاز" عندما تم فضحها، ولذا أُتخذت كافة الإجراءات اللازمة لمنع امكان تسريب مسودة الإتفاقية، ولكن ذلك لم يمنع أن يقوم العديد من الكتاب بالكتابة عما يجري مع المحتل في الخفاء عن هذه الإتفاقية بدون أن تتوفر لديهم نصوص واضحة مخطوطة، معتمدين في ذلك على ثقافتهم وحسهم الوطني. أي أن أي عمل يتم في الخفاء سيكون مضراً وإلا تم عمله في العلن. كما وإن أي شئ يتم مع المحتل ومن قبل سلطة تعاونت معه بشكل مطلق، وانخرها الفساد المالي والإداري، وقعدت عن خدمة الجماهير تماماً، لا يمكن إلا ان ينتج ضرراً ابلغ، أما إذا تم الإثنان، أي العمل في الظلام ومع المحتل، فلا يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلا الى مأساة للشعب العراقي. لقد سمعت الجماهير الكثير ممن تكلم عن "الوطنية" و"الشفافية"، و"الحكمة"، و"عدم الغوغائية" في الحصول على حقوق الشعب العراقي وإنهاء الإحتلال بالطرق السلمية، وهي الآن – وبعد خمس سنوات – تعرف ما المقصود حال معرفة الشخص القائل. إن الطرق السلمية في الحصول على الحقوق لم تكن في يوم من الأيام تعني الخنوع، فهي "مقاومة" وليست معاونة المحتل. فإنك لن تقرأ أو تسمع أن "غاندي" أيّد ضرب شعبه من قبل الإحتلال البريطاني، أو الأفظع من ذلك أنه تعاون معه في ضرب الذين إرتأوا مقاومة غير سلمية، أو الذين خالفوهم في الرأي. كذلك لن تجده في مواقف "مانديلا" السلمية التي أدت به إلى السجن الطويل لمقاومته السلمية في تحرير بلاده جنوب افريقيا ومقاومة الإضطهاد العنصري الذي كان جارياً فيها. كما لن تجده عند مارتن لوثر كنك في مقاومته للإضطهاد العنصري للسود في الولايات المتحدة، وإنتصر في ذلك رغم مصرعه على أيدي المخابرات الأميركية، كذلك أن مقاومته كانت سلمية بشكل إستثنائي، ولكنه لم يذعن أو يساوم أو يختلق الأعذار. وهؤلاء هم أبطال "النضال السلمي" للوصول إلى غاياتهم والمعروفون على نطاق عالمي، وهم أبعد ما يكونون من مواقف من استلم الحكم في العراق منذ أول يوم للإحتلال وإلى هذا اليوم. هناك ازمة ثقة عميقة في العراق، بين الناس وحاكميهم، ولذا توجّس الناس سوءاً بالمعاهدة مع المحتل، وما تسرب لاحقاً كان أسوأ بكثير من توقعات الناس. الأمر الذي أدى أن يقول المتحدث بإسم الحكومة العراقية، إن للعراقيين مسودة إتفاقية اخرى، وهو ضحك على ذقون من لا يمكن الضحك على ذقونهم، إذ سبق أن تمت مفاوضات طويلة جداً ولايمكن ان تكون هناك مسودتان، وإذا كان الأمر كذلك فأعلمونا صيغتكم!!. لم أستطع لحد الآن أن أحصل على نصوص كاملة للإتفاقية، ولكن توصلت في هذه الفترة إلى أنه كان من الواجب علي أن أكتب حتى بدون الإطلاع على النص الكامل. ماذا يمكن أن يكون شكل أية معاهدة أمنية تتم بين المجموعة الحاكمة الحالية والمحتل الأمريكي الوحشي؟ ستكون بالتأكيد معاهدة خنوع مهما بذلت المحاولات لتزويقها. وهي أمر لا يقبله أو يحتاجه العراق مهما كان شكلها، فهي في كل الأحوال "إنتقاص" للسيادة المنقوصة حالياً إلى أبعد الحدود. إن ما سأكتبه في هذه الدراسة عن "المعاهدة"، المرفوضة رفضاً تاماً من قبلي وبأي شكل جاءت، هو لتوضيح الزيف الذي يمارس يومياً في محاولة الدفاع عنها، وهذا التوضيح هو في الأصل للجماهير في أمور تعرفها بالسليقة ولكن تحتاج إلى تفصيل، وإلى أعضاء مجلس النواب والسياسيين الذين يعارضون المعاهدة أو الذين لم يحزموا أمرهم لحد الآن، وإلى الجماهير والنواب الوطنيين، عفيفي اليد والنفس، إلا أنهم يعتقدون أن في المعاهدة إفادة. لابد لي من أن اقدم احترامي واعتزازي العميق، وبإجلال كبير، لجميع القوى التي خرجت لتعارض هذه المعاهدة رغم عدم نشرها، إذ أنها لم تعترض على لا شيء او عن شئ قد يكون حسناً، فهي قد عرفت خلال تجربة السنوات الخمسة الماضية، والعقود التي قبلها أنه لا يمكن أن نجني خيراً في التعاهد مع الأميركان وخصوصاً تحت قيادة بوش الكاذبة الجاهلة المتغطرسة الوحشية. وأود هنا أيضاً أن أذكر أن العديد جداً من الوطنيين كتبوا، ومنذ شهور، العديد من المقالات المهمة ضد هذه المعاهدة وذلك على ضوء توقعاتهم لما ستكون عليه، أو على ضوء القليل مما تسرب عنها، مثل الأستاذ صائب خليل الذي كتب ما يزيد عن (20) مقالاً قيماً، ذا تحليل دقيق وأسلوب شيّق، ولا انسى كتابات السيدة هيفاء زنكنه والسادة علاء اللامي ومحمد عارف ومحمد حسن المالكي ورائد جرار وغيرهم وغيرهم في كتاباتهم القيمة، ذات المهنية الصحفية العالية، والتي اعترف بإفتقاري لها، وانني أدين لهؤلاء بكثير من المعلومات الواردة في هذه الدراسة. إنني لا أعرف هؤلاء الكتاب معرفة شخصية، ولكني أقرأ لهم بشغف وإعجاب وتفهم رغم بعد المسافات عنهم، فهم في قلب العراق دائماً. الفصل الأول البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وعلاقته بالعراق سنستعرض في هذا الفصل كل القرارات الصادرة عن "الحالة" العراقية، ومنذ إحتلال العراق للكويت ولحد الآن، والتي في غالبيتها العظمى تقع تحت طائل البند السابع، وسنرى إن البند السابع يصف "الحالة" في تلك الدولة، ويطبق عندما تكون "الحالة" عدواناً أو تعريض السلم العالمي للخطر. إن "الحالة" العراقية الآن، إذا كانت تستوجب أن تكون تحت طائلة البند السابع، فإن الإحتلال هو من يتحمل التبعات المترتبة عليه. إن الإحتلال والحكومة العراقية تستهدفان إستغفال الرأي العام العراقي، بأن الإحتلال "يتكرم" على العراق بإخراجه من طائلة البند السابع، في حين إن الولايات المتحدة، وليس العراق، هي المقصودة بقرارات مجلس الأمن التي صدرت بعد الإحتلال. لم أقرأ لحد الآن مقالاً واحداً، يدافع عن المعاهدة وبصراحة، فما كتب مؤخراً، لما يمكن أن يسمّى دفاعاً عن الإتفاقية هو بالواقع دفاع عن سياسة بوش الرعناء، ولقد تصدى لها السيد صائب خليل في مقالاته الرائعة، لكني قرأت العديد من "التصريحات"، التي تقول إن المعاهدة ضرورية لإخراج العراق من البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، مع تصريحات عامة جداً وفضفاضة حول اهميتها للعراق و"حمايته"، وإنها (أي المعاهدة) هي الوسيلة الوحيدة لتحرير العراق من الهيمنة الأجنبية!!. سنناقش جميع هذه الأمور، ولكني سأبدأ بموضوع "البند السابع"، الذي أجمع مؤيدوا المعاهدة على أهميته!!. ولعل من التصريحات المهمة جداً بهذا الخصوص، هو تصريح السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية، فإشارة إلى إجتماعه مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية العاملة في العراق في 29/5/2008، نقل موقع "البديل العراقي" في 31/5/2008 الخبر التالي: "أكد رئيس الجمهورية أهمية الإتفاقية الأمنية طويلة المدى مع الولايات المتحدة، لما لها من أثر في مساعدة العراق في الخروج من طائلة البند السابع من قرارت مجلس الأمن الدولي، لأنها تحول دون السيطرة على الموارد النفطية، حسب قوله"، ولا يذكر السيد رئيس الجمهورية كيف تحول دون السيطرة على الموارد النفطية؟. ويستمر الخبر ليقول: "دعا السيد الطالباني الجهات والأطراف العراقية المعارضة لعقد هذه الإتفاقية إلى ممارسة حقها وفق الأطر الدستورية، وأن لا تجر البلاد إلى أزمات جديدة، في إشارة منه إلى دعوة الرئيس التيار الصدري أتباعه إلى التظاهر ضد الإتفاقية"، وكأن الإعتصامات والتظاهرات هي أمور لا تقع وفق الأطر الدستورية، وهي في الواقع في صلبها، وهي مضمونة ضمن الدساتير العالمية والدستور العراقي الحالي. وقال السيد الرئيس أيضاً للإعلاميين "نحن مجبورون على التفاوض، أما أن نقبل بالوضع الحالي ببقاء قوات التحالف وبإستمرار القرارات الدولية وبقاء العراق تحت طائلة البند السابع، أو يجب أن نجد مخرجاً، وهذه الإتفاقية تهدف إلى أن تكون هي المخرج لتخليص العراق من تبعات الإحتلال وإستعادة سيادة العراق، وإستعادة سيطرة العراق على ثروته الوطنية". وهنا أود أن أذكر أضافة قالها السيد رئيس الجمهورية، "وبالنسبة لسماحة السيد حسن نصرالله ليس له الحق في التدخل في شؤون العراق الداخلية، كما نحن لم نتدخل في شؤون لبنان الداخلية. العراق بلد مستقل، بلد الحضارة. وكل الذين يدعون الجهاد والوطنية تعلموا منا. النجف الأشرف هو المدرسة التي خرّجت المناضلين والمجاهدين وعلماء الدين الشيعة منهم خصوصاً، فلا يجوز للتلاميذ أن يفرضوا آراءهم على مدرّسيهم وأساتذتهم". سوف نرى في هذه الدراسة موقف "المدرسين والأساتذة" من المعاهدة، وهل أن "التلاميذ" يفرضون آراءهم عليهم أم العكس. ولو كان السيد حسن نصرالله قد أيّد المعاهدة، هل كان الأمر سيكون تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي، إذ لم نسمع إستنكاراً لكوشنير وزير الخارجية الفرنسي عندما أيّد المعاهدة في زيارته الأخيرة للعراق. هل نعتبر أن بوش وكوندوليزا رايس والسياسيين الأميركان هم ضمن "البيت العراقي"، وإن تصريحاتهم ليست تدخلاً في الشأن العراقي؟. وهل أن حسن نصرالله بعيد عن هذا البيت وهو يعرف إن المعاهدة ستؤدي إلى ضرر كبير بالتيار المعارض للهيمنة الأميركية والإسرائيلية؟؟. وهل من المفروض على جيران العراق سوريا، والأردن والسعودية وإيران وبقية البلاد العربية أن لا تبدي رأيها بأمر سيمسها مباشرة؟؟. لقد أيدت إسرائيل الإتفاقية من خلال سياسييها وصحفها، ولكننا لم نسمع إستنكاراً لهذا "التدخل" الإسرائيلي. هل إن التدخل في شؤون العراق هو تعبير يطلق فقط على معارضي الإتفاقية من غير العراقيين ولا يطلق على مؤيديها، والمفروض العكس، إذ ظهر أن هناك شبه إجماع شعبي عراقي على معارضتها. إضافة لذلك كنت أتوقع إن الأخوة الكورد، وبقية القوى الوطنية العراقية، آخر من يتكلم عن "التدخل الخارجي"، فلقد كانوا، وكنا معهم، نطلب من قوى التحرر في العالم "التدخل" في مساندة الكورد وبقية الشعب العراقي للإحتجاج على ظلم حكم صدام. واليوم نطلب نحن المعارضون العراقيون للإتفاقية نفس الشئ، من قوى التحرر في العالم. والتصريح الآخر الذي أود الإشارة إليه، هو ما أكد عليه السيد رئيس الوزراء نوري المالكي، ومنذ توقيعه مع بوش، بالأحرف الأولى، على ما عُرف بـ"الشراكة الإستراتيجية"، في أواخر تشرين الثاني/2007، والذي يمكن إعتباره البداية المعلنة بوضوح للمعاهدة "المشؤومة"، التي تسمح بوجود عسكري طويل الأمد في العراق بزعم حمايته من "تهديدات خارجية للعراق وضمان إستقراره الداخلي". وجاء التوقيع على هذا الإتفاق الذي وصف في حينه بأنه "إعلان مبادئ عراقية – أميركية للصداقة والتعاون"، خلال الإتصال بين المالكي وبوش عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. علماً إن هذا الإتفاق هو نفسه الذي كان قد أقترح في آب/2007 وأعلن عنه في أيلول/2007 وذلك بعد مناقشات مستفيضة وطويلة بقى فيها ساترفيلد في بغداد لمدة أشهر. لقد برر السيد رئيس الوزراء توقيع هذه "الإتفاقية" بقوله: "كان لابد أن ندخل في حوار مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة من أجل أن نحقق المطالب وهي أولاً: خروج العراق من البند السابع، ثانياً التمديد الأخير للقوات المتعددة الجنسيات فقط لعام 2008 ينتهي معها وجود العراق تحت البند السابع.... هذا كله يحتاج إلى إتفاقية ولقد أبرمنا إتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة تعهدت بموجبها إخراج العراق من البند السابع". نحن لم نسمع عن هذه المفاوضات مع المجتمع الدولي، (ومن هو هذا المجتمع)، ومع الأمم المتحدة من أجل "خروج العراق" من البند السابع. وهل أشار علينا هذا المجتمع الدولي والأمم المتحدة بضرورة توقيعنا على معاهدة مع الولايات المتحدة لكي نخرج من هذا البند "المشؤوم". والآن تقول المعلومات المتوفرة حالياً أن نصوص المعاهدة الحالية لا تظهر بوضوح خروجنا من البند السابع، فهل فعلاً تعهدت الولايات المتحدة بذلك وتنصلت عن تعهدها كما هي العادة وكما هو متوقع منها، أم أنها لم تتعهد وهو الأمر المنطقي كما سنوضح لاحقاً. وهنا سأذكر أمثلة أخرى على تصريحات بعض المسؤولين، عن البند السابع وعلاقته بالإتفاقية، وسأرجع لاحقاً على تصريحات أخرى لمناقشتها. يقول السيد وزير الخارجية هوشيار زيباري ".... ستحتوي رسالة السيد رئيس الوزراء إلى رئيس مجلس الأمن الأولى على طلب صريح وواضح برغبة الحكومة في تمديد أخير للمتعددة الجنسيات، وإنها ستدخل مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة للخروج من طائلة البند السابع عبر إتفاقية ستراتيجية طويلة الأمد". وقالت النائبة عن الإئتلاف العراقي السيدة ليلى الخفاجي "قضية إخراج العراق من طائلة البند السابع قضية تبناها الإئتلاف الموحد منذ البداية، وهو يرى إن الإتفاق مع واشنطن التي تتزعم القوات متعددة الجنسيات مهم جداً لإخراج العراق من وصاية الأمم المتحدة"، علماً أن البيان الإنتخابي في الإنتخابات الأخيرة التي أعطت "الإئتلاف" حصة الأسد من النواب، كان قد أكد على جدولة إنسحاب القوات المحتلة، وتناسى "الإئتلاف" هذا الأمر حالما إستلم السلطة!!. أما الشيخ جلال الدين صغير فقد قال: "إن هناك ضرورة لعقد إتفاقية امنية ستحمل نهاية الوجود الأجنبي حسب البند السابع للأمم المتحدة، وبذلك لابد من علاجات"!!!. كما أن نواب آخرون مثل السادة محمود عثمان (عن التحالف الكردستاني)، وعدنان الدليمي (عن التوافق)، وعزالدين الدولة (عن التوافق) وقاسم داوود (عن الإئتلاف)، وغيرهم كانوا قد تحدثوا بنفس المعنى. كما يظهر فإن التأريخ يعيد نفسه، لقد ضغطت بريطانيا على جميع السادة العراقيين وبقية الشعب العراقي في بداية الإحتلال البريطاني، لتوقيع إتفاقيات أمنية، وتم لها ذلك ولكن بمقاومة عالية من العراقيين، في السنوات 1922 و1924 و1926، مهددة بأن في حالة عدم توقيع الإتفاقية فإن ولاية الموصل (والتي كانت تضم جميع المحافظات الشمالية الحالية بإستثناء كركوك)، ستضيع من العراق. كان المحتل يقول مرة إن تركيا ستأخذ الموصل، ومرة أخرى يقول انها ستفقد بإعطائها الى فرنسا، ولذا فإن على العراقيين أن يوقعوا معه المعاهدة لكي يضمنوا بقاء الموصل. وبعد ذلك استعمل مختلف الطرق للضغط على العراقيين لتوقيع معاهدة (1930)، وقال في حالة عدم توقيعها، سيكون من غير الممكن دخول العراق عصبة الأمم. وفي كل هذه السنوات كان مطلب العراقيين الأُوَل إلغاء هذه المعاهدات للحصول على الإستقلال الكامل وإخراج البريطانيين من قاعدتي الحبانية والشعيبة. ووصل صبر العراقيين مداه عندما قام حلفاء بريطانيا بتوقيع معاهدة بورتسموث في سنة 1948 بحجة الحماية من "المبادئ الهدامة" و"الخطر الشيوعي" والإتحاد السوفياتي، وقام العراقيون بوثبتهم الكبرى التي أسقطت المعاهدة وأذلت بريطانيا وحلفاءها. ولايزال صدى الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري يؤبن، في جامع الحيدرخانه، أخاه الشهيد جعفر الذي سقط في هذه الوثبة، يرن في آذان من وعى ذلك العهد، وأني هنا إذ أذكر بعض الأبيات فقط لأوضح للقارئ إن ما حدث في ذلك الزمان يتكرر الآن وسيحدث في المستقبل... يقول الجواهري: أتـعــلـــم أم أنـت لا تـعـــلـم بأن جـراح الضحـايــا فـم فــم ليس كـالـمـدعي قـــولـــة وليـس كـآخــر يـستـرحـم يصيح على المـدقعين الجيـــاع أريقــوا دمـــاءكم تطعموا ويهتف بالنفـــر الـمهـطعــيــن أهـينــوا لئــامـكم تُـكرمـوا إلى أن يقول..... تـقـحّــم، لُــعنت، فمـا تـرتـجي من العيش عن وردة تُحرم؟ أأوجـع مــن أنّـك الـمــزدرى وأقـتــل من أنّــكَ المـعـــدم يقولــون مَن هـــم أولاء الرعاع فـــأفـهـمـهــم بدمٍ مــن هُــم وأنّـــك أشـــرف مــن خيــرهــم وكـعبـــك من خــده أكـــرم أليس هذا الزمن هو من ذلك العصر؟ إن الشعب العراقي لم يكتف بذلك في حينه، إذ إنتفض في 1952، وخرج في مظاهرات عاصفة إثر العدوان الثلاثي على مصر في 1956 وأخيراً أسقط "حلف بغداد" لاحقاً في ثورة تموز/ 1958 وأنهى حكم حلفاء الولايات المتحدة وبريطانيا، ليكون العراق ضمن دول الحياد الإيجابي. إني أستغرب عندما أقرأ مقالة يقول كاتبها، إن لديه صديقاً شارك ضمن الجماهير الغفيرة ضد معاهدة بورتسموث وهو لا يعرف محتواها، وعندما عرف محتواها وجدها جيدة، لذا يريد الإنتظار لحين معرفة المعاهدة الحالية ليجزم رأيه. إنني أجزم إن هذا الشخص لم يقرأ لحد الآن معاهدة بورتسموث لأنه لو كان قد قرأها فعلاً ووجدها جيدة، فهنا الكارثة الكبرى لمن يدعي الوطنية. لقد كانت معاهدة تربط العراق بالمحور الغربي ضد المحور الشرقي لمدة (20) سنة وتبقى القواعد البريطانية في العراق وتسمح للعسكري الأجنبي في التحرك في العراق بحجة محاربة "الحركات الهدامة"، في الوقت الذي كان فيه العالم الثالث، بعد الحرب العالمية الثانية، يشتعل للتحرر من الإستعمار. ولغرض تزويد القارئ بالمعلومات المتعلقة بوثبة كانون الثاني/1948 ضد معاهدة بورتسموث، فإن الكثير الكثير من المشاركين في الوثبة كانوا قد إطلعوا على المعاهدة في حينه. لقد وُقّعت المعاهدة في بورتسموث/إنكلترا في 15/1/1948 من قبل صالح جبر رئيس وزراء العراق وبيفن وزير خارجية بريطانيا، وقام السيد جمال بابان وزير العدلية بنشرها في العراق في 16/1/1948، حيث اعتبر إن من الأمور السياسية الطبيعية أن تُنشر المعاهدات الدولية بنفس اليوم في كلا البلدين. ودُرست المعاهدة دراسة مستفيضة من قبل القوى السياسية العراقية، وسأشير هنا فقط إلى ما جاء في دراسات الأحزاب السياسية العلنية. فقد صدر بيان حزب الإستقلال المؤرخ في كانون الثاني/1948، (حوالي 20/1/1948)، مستعرضاً بالتفصيل بنود المعاهدة، متوصلاً إلى الإستنتاج، "يظهر للشعب العراقي الكريم إن المعاهدة الجديدة أشد وطأة من سابقتها وإن العراق أمام كارثة وطنية... ويدعو الشعب إلى رفضها، والعمل على مقاومتها". أما حزب الأحرار، فقد أصدر في 28/1/1948 بيانه المستفيض، بعد دراسته لبنود هذه المعاهدة ليصل إلى النتيجة: "لقد درس الحزب المعاهدة الجديدة، وإطلع على نصها باللغة الإنكليزية، فوجدها مجموعة قيود وأصفاد يراد بها تكبيل العراق وربط مصيره بالسياسة البريطانية المحفوفة بالمخاطر والأهوال في هذا العالم المضطرب دون أن تكون له مصلحة". واصدر الحزب الوطني الديمقراطي في 18/1/1948، بيانه الذي تضمن دراسة مفصلة للمعاهدة، ليقول "وهكذا تم في تكتم مريب بعد وصول الوفد العراقي إلى إنكلترا لتكبيل العراق بقيود جديدة، وإلغاء سيادته، وربطه بعجلة الإستعمار البريطاني ربطاً محكماً، فجاءت ضربة على أماني الشعب العراقي". ألسنا الآن في نفس ذلك الماضي؟!، ومن يريد أن يطّلع عليه، ليقرا السفر الكبير القيّم للأستاذ عبدالرزاق الحسني" تأريخ الوزارات العراقية!!. كما أستغرب أيضاً أن أقرأ مقالة في مدح نوري السعيد من أنه "باني العراق الجديد". إن نوري السعيد "هادم" العراق، ولولاه ولولا أمثاله لكان العراق الآن ينعم بديمقراطية مثالية وفي وضع عالٍ من الرفاه الإقتصادي. إذ كان العراق مملوءاً بقادة سياسيين من الطراز الأول، طريقهم في تحرير بلادهم من خلال العمل الديمقراطي ومجالس النواب، ومنهم كامل الجادرجي، جعفر ابو التمن، محمد مهدي كبه، ابراهيم كبه، عبدالفتاح ابراهيم، محمد حديد، حسين جميل، مولود مخلص ويوسف سلمان وحسين محمد الشبيبي وعبدالجبار الجومرد وعبدالهادي الظاهر وزكي محمد بسيم وعبدالمحسن السعدون وسعد صالح ومحمد فائق السامرائي ومحمد صديق شنشل وماجد مصطفى وصادق البصام وطه الهاشمي ومحمد رضا الشبيبي وجعفر البدر وخدوري خدوري وعزيز شريف وتوفيق منير، وغيرهم وغيرهم، وكان لدى العراق احزاب سياسية علنية من الطراز الأول تؤمن بالعمل الديمقراطي، ولكن نوري السعيد وأمثاله مثل الوصي عبدالإله لم يكونوا ليسمحوا بمقدار ذرة من العمل الديمقراطي، فحلّوا الأحزاب وحلّوا مجالس النواب المزورة أصلاً، والتي لم يستطع أن يصل فيها أكثر من (10-15) نائب من المعارضة ولكن حتى هذا العدد الضئيل لم يقبل به نوري السعيد. لقد ربطوا العراق بالغرب بصورة مطلقة وأبعدوه عن محيطه العربي، وتآمروا على قادة الدول العربية، وأنهوا إمكان قيام نظام ديمقراطي، ولقد كان موجوداً فعلاً، وإضطرت الجماهير للعمل السري والتحضير لإنقلابات. فهو "هادم" وليس "باني" العراق. كما استغرب من مقالات ومقولات تمدح صدام حسين لأن الإحتلال الذي جاء العراق ووضع نظامه مع بعض العراقيين الذين جاؤا معه بعد سقوط صدام، نفـّذ من الفظائع والمآسي والآلام والإجرام والقتل أضعاف ما قام به صدام ونظامه بمراحل. يجب أن نعرف إن في حالة وجود جريمتين، الثانية أفظع من الأولى، لا تجعل من الجريمة الأولى عملاً خيراً!!!. * * * لنرجع الآن إلى قصة البند السابع، والذي يدعي "البعض" أن المعاهدة "الإستراتيجية" مع الولايات المتحدة، ستنهي العراق من "طائلته"، وهل ان هذا الأمر صحيح؟ ليعذرني القارئ إن رآني أتوسع في هذا الموضوع، ولكن – بإعتقادي – هذا التوسع هو أمر ضروري لإعطاء الصورة الكاملة، في هذا الوضع المشوّه. 1- ما هو البند/ الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إن الترجمة العربية التي إستخدمتها وثائق الأمم المتحدة لهذا الأمر هو "الفصل" وليس "البند"، ولكني سأستخدم كلمة "البند"، إذ هي الكلمة المتعارف عليها في القاموس السياسي العراقي. يتألف ميثاق الأمم المتحدة من (19) بند مع مذكرة تمهيدية وديباجة. وإن ما يتعلق بدور مجلس الأمن في النزاعات والعدوان، يقع في ثلاثة بنود، الخامس والسادس والسابع. إن مجلس الأمن يحدد في قراراته نوع النزاع أو العدوان وفيما إذا كان يقع ضمن البند السابع أم لا. أ- البند الخامس. وهو تحت عنوان "في مجلس الأمن: تأليفه"، ويتألف من عشر مواد، من المادة (23) إلى المادة (32) من ميثاق الأمم المتحدة. تتحدث المادة (23) عن أن مجلس الأمن يتألف من خمسة عشر عضواً من أعضاء الأمم المتحدة، منها خمسة، وهم الصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، أعضاء دائمين، وتنتخب الهيئة العامة للأمم المتحدة عشرة أعضاء غير دائمين. و"تعهد الهيئة العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على إن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات"، وكما جاء في المادة (24). أما المادة (27) فيقول: "يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد، وتصدر قراراته في المسائل الإجرائية، (وهي ترجمة Procedural matters في النسخة الإنكليزية)، بموافقة تسعة من أعضائه. أما قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة فإنها تكون بموافقة أصوات تسعة من أعضائه تكون بينها أصوات الأعضاء الدائميين متفقة". والمسائل الإجرائية Procedures كما معرّفة في المواد (28-32)، هي أمور شكلية متعلقة بتشكيل المجلس وإجتماعاته وإختيار رئيسه وعلاقته بأعضاء الجمعية العامة. من هذا نرى إن جميع القرارات، (عدا الشكلية)، تتطلب موافقة جميع الأعضاء دائمي العضوية، أي ان لكل منهم حق النقض الكامل (الفيتو). ب- البند السادس ويقع تحت عنوان: "حل المنازعات حلاً سلمياً" يتألف هذا البند من ست مواد، من المادة (33) إلى المادة (38) من ميثاق الأمم المتحدة. ويمكن إيجاز مواد هذا البند، بأن ميثاق الأمم المتحدة يطلب من الأطراف المتنازعة "حل أي نزاع من شأن إستمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر، وأن يلتمسوا حله بدءاً بالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية الرضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية وغيرها". ولمجلس الأمن "الحق بأن يفحص أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى إحتكاك دولي أو قد يثير نزاعاً لكي يقرر ما إذا كان إستمرار النزاع أو الموقف سوف يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي"، وله الحق بأن يوصي طريقة الحل وما يراه مناسباً، "بضمنه عرض الموضوع على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة". ويطلب البند السادس من الدول وفي حالة إخفاقها في حل النزاعات بالوسائل السلمية المذكورة "فيجب عليها عند ذاك عرض الموضوع على مجلس الأمن ليقدم مقترحاته". في كل الأحوال فإن الحل يكون بطريقة رضائية وسلمية وذلك عند وضع الموضوع تحت البند السادس. ج- البند السابع وهو موضوع في ميثاق الأمم المتحدة تحت عنوان "الإجراءات المتخذة في حالة تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان". يقع هذا البند في (13) مادة، من المادة (39) وإلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة. فالمادة (39) تقول: "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو الإخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، ويقدم توصياته أو يقرر ما يجب إتخاذه طبقاً للمادتين 41، 42 – من نفس البند – لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادة الأمن إلى نصابه". والمادة (40) تتحدث عن "تدابير مؤقتة منعاً لتفاقم الوضع". أما المادة (41) فتذكر: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب إتخاذه من التدابير التي لا تتطلب إستخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته مثل المقاطعة بأنواعها جزئياً أو كلياً". ولكن في حالة رؤيته بأن هذه التدابير لم تفِ بالغرض فعند ذاك يلجأ إلى المادة (42) في إستخدام القوات العسكرية وما يلزم "لحفظ السلم والأمن الدولي وإعادته إلى نصابه". أما المواد الباقية في هذا البند فهي تتعلق بتعهد الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة في التعاون والمساهمة. وكذلك تتحدث حول التفاصيل والترتيبات المتعلقة بتنفيذ المادة (42)، وتؤكد المادة (48) على الأعمال اللازمة "لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي"، وضرورة التعاون الدولي مع المجلس بهذا الخصوص. من الواضح إن البند السابع يتحدث عن قيام المجلس في إصدار قرارات محددة لحالات محددة وهي "تهديد السلم والأمن الدولي والإخلال به ووقوع العدوان" ومتابعة تنفيذها، وكذلك عن دور المجلس ومتابعة تنفيذها الأمن الدولي في "حفظ السلم والأمن الدولي". د- مفهوم العدوان وتهديد السلم والأمن الدولي يجب أن نؤكد هنا إن مفاهيم "العدوان"، و"تهديد السلم الدولي"، هي ما يتوصل إليه المجلس ويقوله في قرارات محددة بتأريخ صدوره بغض النظر عن رأي العالم بهذه القرارات. قد يتوصل المجلس إلى مفاهيم مختلفة (ضمن إزدواجية المعايير)، وذلك في حالات مشابهة ولكن في ظروف وتحالفات وتواريخ مختلفة. وقد نختلف إختلافاً جذرياً مع هذه المفاهيم في مواقف عديدة وفي حوادث عالمية مختلفة، وهذا حال الدول النامية والعالم الثالث على مدى عهد الأمم المتحدة، ولذا توجد هذه الهوة العميقة بين مجلس الأمن، وبالأخص الدول دائمة العضوية، وبين الدول النامية. إضافة لذلك فإن القرارات تتباين بين عقد وآخر إعتماداً على قوة وتماسك دول العالم الثالث، وكذلك على وجود أكثر من قطب مؤثر ضمن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وكما كان عليه الأمر في الستينيات والسبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات، حيث كان لقوى العالم الثالث ودول عدم الإنحياز تأثير، كما كان للإتحاد السوفياتي وجود ملحوظ على المسرح السياسي العالمي. في كل الأحوال تتم القرارات بالأساس على توافقات وتسويات ومساومات في أروقة مجلس الأمن وخارجه، وبالذات بين الدول الخمسة دائمة العضوية، والتي لكل منها حق النقض الكامل (الفيتو)، وذلك للوصول إلى نتيجة يمكن على أثرها من الوصول إلى إصدار قرار، أو عدمه، وتحديد، (أو عدم تحديد)، البند الخاص بالقرار. لهذا نرى مثلاً أن في حالة العدوان الثلاثي الواضح على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في سنة 1956، والذي هدد فعلاً الأمن والسلم الدولي بالإضافة إلى كونه عدوان واضح، لم يستطع المجلس أن يصل إلى قرار، وأحال الأمر برمته إلى هيئة الأمم المتحدة، بسبب وجود "الفيتو" الفرنسي والبريطاني، وتم حل الصراع عملياً من خارج الأمم المتحدة ومجلس الأمن وذلك بسبب التهديد السوفياتي والتدخل الأميركي في صالح إنسحاب المعتدين الثلاثة. علماً إن قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة هي في الواقع ليست بقرارات وإنما توصيات ليس فيها إلزام قانوني أو دولي، عدا الإلزام المعنوي الذي ليس له معنى في العلاقات الدولية من الناحية العملية، فهو لا يلزم الدولة "المعتدية". ونرى كذلك إن جميع قرارات مجلس الأمن التي صدرت ضد "الإعتداءات" الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والتي أرادت في ظروف معينة، إعطاء حقوق مغتصبة لهذا الشعب، لم يتضمنها البند السابع، بسبب الفيتو الأميركي في أكثر الحالات، ولذا يضطر للوصول إلى أدنى حدود الأدانة وطلب إتخاذ إجراءات غير ملزمة من إسرائيل. وأحسن مثال لذلك هو القرار المشهور (242) الذي صدر في 22/11/1967، فإنه يشير إلى المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تقول "إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب أو أن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك إتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العالمي" وهي أمور عامة، ولم يأت القرار لا من بعيد ولا من قريب على البند السابع. لهذا كانت النتيجة عدم إنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة (كذلك السورية واللبنانية)، رغم مرور ما يزيد عن أربعين سنة على صدوره، بينما اضطر العراق إلى الإنسحاب خلال سبعة أشهر من إحتلال الكويت. وكحالة مغايرة نرى إن القرار (54) والذي صدر في 15/7/1948، تحت البند السابع، إثْر دخول الجيوش العربية إلى فلسطين، فإنه استعمل التهديد بإستعمال القوة العسكرية، (والمقصود ضد الجيوش العربية)، في حالة عدم الإنسحاب، وانسحبت الجيوش العربية وانتهى "العدوان العربي"!!، وبهذا استنفذ القرار مفعوله، ولم يصدر قرار يلغي البند السابع، فالأمر قد إنتهى مفعوله بإستكمال تنفيذه، ولا توجد حاجة إلى قرار آخر. أما قرارات الحرب الكورية، فلم تشر إلى البند السابع وصدرت جميعها بغياب الإتحاد السوفياتي، وفي قسم منها بغياب مصر والهند كذلك، ولذا يعتبر دخول القوات الأميركية غير شرعي، بالرغم من وجود قرارات مجلس الأمن (82) في 25/6/1950، والقرار (84) والقرار (85) في 31/7/1950 الذي يطلب من كوريا الشمالية إيقاف زحفها والإنسحاب إلى خط عرض (38)، ويطلب من الدول الأعضاء في مجلس الأمن مساعدة حكومة كوريا الجنوبية. وفي كل الأحوال لم يصدر قرار بعد أن تمت الهدنة، واعتبر الأمر منتهياً بصدور الهدنة. اما القرارات التي صدرت من مجلس الأمن حول الحرب العراقية – الإيرانية فتثير الإستغراب، إذ لم يصدر بتاتاً أي قرار يشير إلى البند السابع، رغم إن الجيوش العراقية دخلت إيران، والجيوش الإيرانية دخلت العراق، وصدرت قرارات من مجلس الأمن (القرار 620 في 26/8/1988 والقرار 612 في 9/5/1988) تقول إن كلا الجانبين إستعمل الأسلحة الكيمياوية في النزاع ويطلب إيقاف إستعمالها، ولكن لم يشر في جميع القرارات إلى البند السابع. أما القرار المرقم (479) في 28/9/1980 فإنه يطلب إيقاف الحرب مشيراً إلى المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة، وهي ضمن البند الخامس الذي أشرنا إليه سابقاً، وهي فقرة عامة تتكلم عن علاقة مجلس الأمن بالهيئة العامة للأمم المتحدة وكما مبين في (1 أ) أعلاه. هذا الموقف من أعضاء مجلس الأمن، كأنه يريد أن يقول ما ينطبق عليه المثل العراقي "نارهم تأكل حطبهم". ولقد قالها كيسنجر بصراحة عندما سؤال "مَن مِن الجانبين العراقي أو الإيراني تريد له أن يربح الحرب؟"، أجاب مباشرة "أريد الخسارة لكليهما"!!، وهو ما تم فعلاً للدولتين الوحيدتين في الشرق الأوسط اللتين كان بإمكانهما النهوض إلى مصاف الدول الصناعية. في هذه الفقرة من الدراسة يجب أن نوضح إن البند السابع يشخص الحالة، وليس الدولة، فهو يشخص فيما إذا كانت الحالة "عدوان" أو "تهديد للسلم والأمن العالمي"، وإن ذكر اسم الدولة يأتي بعد تحديد الحالة وفيما إذا كانت يتطلب إدخالها ضمن البند السابع. وإن هذا البند يُرفع تلقائياً بعد إنتهاء مفعول هذه الحالة وترجع الأمور إلى نصابها، ولم أجد أي قرار، في مجمل قرارات الأمن، يقول لقد تم رفع البند السابع، فهو يرفع تلقائياً بعد إنتهاء حالة "العدوان" أو "تهديد السلم والأمن العالمي"، ويعترف مجلس الأمن إن الحالة انتهت بدون وجود داعي لذكر إن البند السابع قد رفع. وسنوضح ذلك عند التكلم عن الحالة العراقية. إضافة لذلك فقد يحدث عدوان واضح من الدول دائمة العضوية على دولة عضو بهيئة الأمم ويتم إحتلالها، ولا يصدر المجلس أية إدانة، ناهيك عن وضع الحالة تحت البند السابع. وأحسن مثال هو العدوان الأميركي على العراق وإحتلاله في 2003، إذ إن المجلس كان عاجزاً عن إصدار قرار إدانة بسبب الفيتو الأميركي. لقد حاولت الولايات المتحدة بشتى الطرق والإغراءات والرشاوى إصدار قرار من مجلس الأمن يسمح لها بالإحتلال أو غزو العراق، أو "تحريره" كما تقول، وفشلت بذلك لمعارضة فرنسا وروسيا والصين وإحتمال إستخدام الفيتو، ولكن رغم ذلك قامت بالعدوان بالتعاون مع بريطانيا وعدد آخر من الدول، وبالمقابل لم يستطع المجلس أن يصدر قرار بإدانة العدوان لإحتمال الفيتو من قبل الولايات المتحدة أو بريطانيا. لو أراد العراق أن يقاضي الولايات المتحدة في المحاكم الدولية لإستطاع ذلك وإحتمالات النجاح عالية، ولكن سيجابه بمشكلة أخرى نتيجة عدم إلتزام وإعتراف الولايات المتحدة بالمواثيق الدولية، وكما سنوضحه في فصل آخر. طبعاً هذه الفرضية خيالية، إذ لا يمكن للحكومة الحالية أن تقاضي الولايات المتحدة، وأصلاً لا يوجد لديها الرغبة في ذلك، فهي حليفة لها وتريد أن تعقد معاهدة "صداقة" أمنية طويلة الأمد معها!!. 2- القرارات الصادرة من مجلس الأمن حول العراق في خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت (8) سنوات، أصدر مجلس الأمن (9) قرارات و(10) بيانات فقط، لم يتطرق في أي منها إلى البند السابع، وكما بيّنا في الصفحات السابقة. ولكن أصدر نفس المجلس، وخلال سبعة أشهر فقط، وهي الفترة الواقعة بين دخول الجيش العراقي الكويت في 2/8/1990، وبين انسحابه من الكويت في 27/2/1990، (12) قراراً شديد اللهجة، كلها تقع ضمن البند السابع. وصدر أيضاً بعد الإنسحاب من الكويت وإلى حين إحتلال العراق في آذار/ 2003، (50) قراراً من مجلس الأمن (بالإضافة إلى مذكرة التفاهم) التي صدرت في سنة 1996. جميعها عدا إثنين منها، تقع تحت البند السابع. هذا بالإضافة إلى ما أصدرته مختلف منظمات الأمم المتحدة من قرارات إدانة للعراق. لقد أصدرت الأمم المتحدة في سنة 1997 ما سمته "الكتاب الأزرق"، والذي تضمن جميع وثائق الأمم المتحدة، بضمنها قرارات مجلس الأمن الخاصة بالنزاع العراقي الكويتي ويغطي الفترة 1990-1996. وفي الفقرات أدناه إيجاز لبعض القرارات المهمة، والتي تتعلق بالوضع الحالي للعراق والعلاقة بالبند السابع. أ- القرارات الصادرة بين دخول الكويت والإنسحاب منه. صدر القرار الأول من مجلس الأمن برقم (660) في 2/8/1990، أي بنفس يوم إحتلال العراق الكويت، وصدر بموجب البند السابع (المادتين 39 و40)، وذلك لأن هذا الإحتلال أُعتبر "عدواناً" على دولة أخرى. فالقرار أدان الغزو العراقي للكويت وطالب العراق بسحب قواته فوراً ودون قيد وشرط إلى المواقع التي كانت فيها في الأول من آب/ 1990، وطلب من الكويت والعراق البدء فوراً في مفاوضات لحل خلافاتهما، وأيّد جهود الجامعة العربية بهذا الخصوص. وعندما رفض العراق هذا القرار وقبلت الكويت به، صدر أيضاً ووفق البند السابع القرار المهم (661) في 6/8/1990، الذي تضمن المقاطعة الإقتصادية التامة على العراق والعراقيين سواء بالنسبة للتجارة أو توفير الأموال، مع التأكيد بأن هذا القرارا "لا يمنع من تقديم المساعدة إلى الحكومة الشرعية في الكويت"، وحماية الأصول التي تملكها حكومة الكويت ووكالاتها، وعدم الإعتراف بأي نظام تقيمه سلطة الإحتلال. ثم جاء القرار (665) في 25/8/1990، لإستكمال الحصار البحري والبري على العراق. وبإستمرار رفض العراق للقرارات أعلاه، صدرت قرارات أخرى أهمها القرار (678) في 29/11/1990، الذي سمح بمنح العراق فرصته الأخيرة، وأذن للدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت، بأن تستخدم جميع الوسائل اللازمة لتنفيذ القرار (660) المشار إليه أعلاه (أي إخراج العراق من الكويت)، ما لم ينفذ العراق إنسحابه في أو قبل (15) كانون الثاني/ 1991، وهو إعلان صريح بالموافقة على إستخدام القوة العسكرية لإجبار العراق على إنسحابه من الكويت. إن البند السابع في هذه القرارات كان مبنياً على مسألة إنسحاب العراق من الكويت فقط، ولم يكن هناك أي قرار بخلاف ذلك، لذا فإن البند السابع سقط وإنتهى مفعوله في 27/2/1991، بإكمال الإنسحاب. ولكن لم ترد الولايات المتحدة، والكثير من دول العالم، أن ينتهي الأمر بهذا الشكل، إذ أرادت إستمراره، وإستمرت مأساة العراق وكما سنرى في الفقرة التالية. ب- القرارات الصادرة من فترة إنسحاب العراق إلى إحتلاله. لو نظرنا إلى الـ(50) قراراً، التي أصدرها مجلس الأمن في هذه الفترة، وجميعها تقريباً ضمن البند السابع، لوجدنا بأن مأساة القرار لم تنته بخروج العراق من الكويت، وإنما أزدادت أضعافاً. لقد إمتازت، ما سميت "حرب تحرير الكويت"، بوحشية متناهية ضد الجيش العراقي المنهار في داخل الكويت وعند إنسحابه، بضمنها طمر الجنود العراقيين وهم أحياء في خنادقهم في الكويت، والأهم من ذلك فإن العمليات العسكرية تجاوزت مسألة "تحرير الكويت"، كما مطلوب في قرارات مجلس الأمن التي أشرنا إليها، إلى تحطيم البنية التحتية وجميع المصانع والمرافق والمؤسسات العراقية والتي ليس لها علاقة بهذا "التحرير"، وإنما المقصود منها كان هدم جميع ما شيده العراقيون في تأريخهم الحديث. فلقد برهنت الأحداث إن أمريكا و(إسرائيل)، لم يقصدا إخراج العراق من الكويت فحسب، ولا حتى إسقاط النظام الصدامي في العراق، وإنما قصدا الشعب العراقي ومنجزاته، ففي الوقت الذي أعطت الإدارة الأميركية المؤشرات بأنها ستؤيد إنتفاضة الشعب العراقي، وتحركت الجماهير في إنتفاضتي الجنوب والشمال لإسقاط النظام، ووضح أن إنهيار النظام وزواله بات قريباً جداً، تحركت القوات الأميركية لإنقاذه، ولم تقف هذه القوات موقف المتفرج فحسب وإنما ساعدت وشاركت النظام الصدامي في قمعه الدموي الوحشي لهاتين الإنتفاضتين، وكما موضح في كتابي "العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة"، الذي صدر بطبعته الأولى في حزيران/2004 وطبعته الثانية في كانون الأول/2005. لم ترد أمريكا وإسرائيل إسقاط النظام وإنما أرادتا إضعافه لكي يركع وينفذ ما يريدان. الحرب لم تكن ضد النظام وإنما ضد الشعب الذي تحمل ما تحمل، وجاءت قرارات مجلس الأمن في هذه الفترة لتؤكد ذلك ولتزيد من معاناة هذا الشعب وتحميله الهموم والمآسي. والعجيب إن أكبر مؤيدي الإحتلال الأمريكي وإستمرار بقائه إلى أبد الآبدين حالياً هم القيادات الحاكمة الحالية من الحزبين الكورديين والحزبين الإسلاميين "الشيعيين" والذين كانت "جماهيرهم" أكثر من تحمل المعاناة والقتل والقمع وخصوصاً في نهاية حرب الكويت وقمع الإنتفاضتين في الشمال وفي الجنوب. والأعجب إن الأميركان هم الذي خانوا الكورد في 1975 وإنهارت بعد ذاك الثورة الكوردية في حينه، وكذلك خانوا الكورد حيث قمعت الإنتفاضة الكوردية بوحشية متناهية، ولكن نرى قياداتهم اليوم أكثر العراقيين "ثقة" بالأميركان وتسعى جاهدة إلى تحقيق "الحلم" الأميركي بتكبيل العراق من خلال ما يسمى "الإتفاقية الإستراتيجية"، وإنني متأكد إن الأميركان سيخونوهم مرة ثالثة ورابعة وخامسة لو إستمروا في الإعتماد على أميركا بدلاً من التفاهم مع الجماهير العربية العراقية في إنهاء الوجود الاميركي. لقد صدر القرار (686) في 2/3/1991، تحت البند السابع، وطلب أن يضطلع العراق بإلغاء إجراءاته التي تزعم ضم الكويت، وأن يقبل من حيث المبدأ مسؤوليته عن أية أضرار ناجمة بالنسبة للكويت ودول ثالثة ورعاياها وشركاتها، وان يقوم بإطلاق سراح جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة، وأن يعيد جثث الموتى، وأن يبدأ على الفور بإعادة كافة الممتلكات الكويتية (المنهوبة). ثم جاء القرار المشؤوم المرقم (687) في 3/4/1991، وطبعاً تحت البند السابع ليدخل العراق في صعوبات ومتاهات كثيرة جداً ليس لها علاقة بإحتلال الكويت في معظم بنوده. يعتبر هذا القرار اقسى وأطول قرار صدر من مجلس الأمن لذلك الحين ويمكن تسميته "أبو القرارات"، ولقد تضمن (34) مادة. سأذكر أدناه، وبإيجاز أهم متطلباته لما لها علاقة بالبند السابع في حينه وإلى حد الآن: (1) الإعتراف بالحدود الدولية مع الكويت، والأمور ذات العلاقة حسب إتفاق 4/10/1963، والذي سجل لدى الأمم المتحدة ونشرته الأمم المتحدة في الوثيقة 7063، مجموعة المعاهدات 1964. ونلاحظ هنا إنه يشير إلى إتفاق إعتراف العراق بالكويت في سنة 1963، وإلى الحدود المتفق عليها في حينه!! وغير المعروفة للعراقيين، وهو لا يشير إلى الحدود التي كانت قد وضعتها بريطانيا للكويت عندما أعطتها "الإستقلال". وبهذا تم إعطاء أراضٍ أكبر للكويت بإتجاه الشمال مما أفقد العراق جزءاً من حقل الرميلة الجنوبي وقسماً من أم قصر!!!. ويطلب هذا القرار أيضاً تخطيط الحدود النهائية بين البلدين حسب ما جاء أعلاه. (2) يدعو العراق بأن يؤكد دون أي شرط إلتزامه ببروتوكول جنيف لحظر الإستعمال الحربي للغازات السامة وللحرب البايولوجية. من الملاحظ أن الولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول لا تلتزم بهذا البروتوكول. (3) يقبل العراق، دون أي شرط، القيام وتحت إشراف دولي تدمير وإزالة جميع الأسلحة الكيمياوية والبايولوجية والصواريخ التي يزيد مداها عن (150)كم. ويطلب أيضاً تشكيل لجنة خاصة للتفتيش. ويطبق نفس الشيء على الأسلحة النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. (4) عودة الممتلكات الكويتية. وتحمل العراق كافة الأضرار بالنسبة للكويت والدول الأخرى. (5) إنشاء صندوق للتعويضات وعلى أساس إستقطاع نسبة مؤية من قيمة الصادرات العراقية من النفط، لتعويض الكويت ولأغراض أخرى تحملها العراق، وسنتكلم عن هذا الصندوق لاحقاً. (6) إستمرار الحصار عدا الغذاء والدواء. (7) تيسير إعادة جميع الرعايا الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة. (8) على العراق أن يبلغ مجلس الأمن بأنه لن يرتكب أو يدعم أعمال الإرهاب مستقبلاً. وينتهي القرار بأن "يقدم العراق إخطاراً رسمياً إلى الأمين العام وإلى مجلس الأمن بقبوله الأحكام الواردة أعلاه، عند ذاك يسري وقف إطلاق النار بين العراق والكويت والدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت". ووافق العراق على هذا القرار المجحف جداً خلال ثلاثة أيام!!!. إن هذا القرار هو التكبيل الحقيقي للعراق، والذي يعني، وبعد إنتهاء الحرب، إستمرار الحصار الإقتصادي الكامل، فيما عدا الغذاء والدواء، الأمر الذي دمر الإقتصاد العراقي وكما موضح في كتابنا (العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة) المشار إليه سابقاً. سنعود لاحقاً، أو في سياق الحديث عن القرارات الأخرى إلى هذا القرار لنرى ماذا تم عن تنفيذه. هنا لابد أن نشير إلى الفقرة (14) من القرار (687) 1991، حيث تقول "إن مجلس الأمن يحيط علماً بأن الإجراءات التي من المقرر أن يتخذها العراق والواردة في الفقرات (8 إلى 13) من هذا القرار تمثل خطوات نحو هدف إنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل وجميع قذائف إيصالها، وهدف فرض حظر عالمي على الأسلحة الكيماوية". لقد وضع هذا النص لإرضاء الدول العربية، التي تحالفت مع الولايات المتحدة في هذه الحرب، والإتحاد السوفياتي، لكي يكون "متوازناً"!!، ويشمل إسرائيل ليس تحديداً ولكن ضمنياً لأنها في الشرق الأوسط. لقد نُسيت هذه الفقرة تماماً في السنوات الطوال السابقة وإلى حد الآن، ولم يشر إليها بتاتاً كأنها ليست من ضمن هذا القرار الذي أضر بالعراق ضرراً بليغاً، علماً أن الحكومة العراقية أكدت على هذا الأمر في سنوات التسعينيات، وبعدها نسي امره!!!. إن هذا الأمر يوضح "إزدواجية المعايير" على أشدها في التعامل الدولي، وبالأخص من قبل الولايات المتحدة، الأمر الذي يثير السخط والسخرية!!". إستمرت القرارات لتزيد من الضغط الإقتصادي والتهديد بالعمل العسكري مجدداً على العراق، وسأشير إلى القرارت المهمة فقط، ولن أتطرق إلى القرارات العديدة في تمديد عمل اللجنة الخاصة للتفتيش، أو تمديد عمل هيئة الطاقة الذرية، أو إدانة "الخروقات على الحدود"!!، أو في تمديد السماح بإستيراد الغذاء والدواء والتي تطورت لاحقاً إلى ما سميت "الحاجيات الإنسانية"، إلا في الأمور التي أرى ضرورة ذكرها. منها القرار (706) في 15/8/1991، الذي سمح للعراق بتصدير النفط بمبلغ لا يتجاوز (1.6) مليار دولار، ويوضع المبلغ في حساب إئتماني، يسمى "حساب الضمان المعلق"، تفتحه الأمم المتحدة، ويديره الأمين العام، ويستخدم في إستيراد الغذاء والدواء، ويستقطع منه مبلغ لسداد التعويضات وجميع التكاليف الكاملة للعمليات المبينة في القرار المشؤوم (687) المشار إليه أعلاه والتي تقوم بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجميع هيئاتهما واللجان المؤلفة لتنفيذ القرار، من ضمنها لجان التفتيش وجميع عمليات التفتيش، عدا مسألة الحدود مع الكويت فسيتحمل العراق نصف تكاليفها. علماً إن القرار (705) في 15/8/1991، كان قد قرر إستقطاع 30% من إيرادات العراق لوضعه في صندوق التعويضات الذي يشمل جميع التكاليف المشار إليها أعلاه، رغم شحة الإيرادات!!. هذا ولقد تم تخفيض الإستقطاعات لهذا الصندوق تدريجياً، وذلك كلما أزادت المبالغ التي يستلمها العراق، ووصلت هذه الإستقطاعات أخيراً إلى 5%، وبقيت على هذه النسبة لحد الآن. ولقد أوضح القرار (778) في 1992 مسألة "حساب الضمان المعلق" المنصوص عليه في القرار (706) المشار إليه أعلاه والقرار (712)، حيث يتألف من أموال عراقية يديرها الأمين العام وتستعمل أيضاً لرفع المساهمات إلى صندوق التعويضات "التي تشمل كافة تكاليف لجان التفتيش وكامل تكاليف الأمم المتحدة المتعلقة بالعراق، بضمنها ما يتعلق بالأنشطة الإنسانية ولجنة مراقبة الإستيرادات نصف تكاليف لجنة الحدود". ويضيف القرار "إن حساب الضمان المعلق، مثله مثل صندوق التعويضات يتمتع بإمتيازات الأمم المتحدة وحصانتها، بما في ذلك الحصانة من الإجراءات القانونية من جميع أشكال الحجر والحجز لدى الغير والتنفيذ، وأن لا تقام أية دعوى بطلب من أي شخص او هيئة..". وسنتطرق لاحقاً إلى هذا الموضوع وكيف إن الولايات المتحدة وبعد الإحتلال إستولت على قسم من هذا الصندوق، وكيف تهدد في الوقت الحاضر بحجز الأموال العراقية في حالة عدم موافقة العراق على "الإتفاقية الأمنية الإستراتيجية"، رغم ما جاء بالقرار. علماً إن الصندوقين المشار إليهما هما في بنوك أميركية، لأن الأمم المتحدة تقع في نيويورك. إضافة لذلك فإن الولايات المتحدة تهدد بحجز أموال عراقية أودعت لديها مؤخراً. أما ما يتعلق بحدود العراق مع الكويت وعلى ضوء تقرير اللجنة التي شكلت في 2/5/1991، حيث رحب مجلس الأمن بتقرير اللجنة وأقر نتائج عملها، وأصدر قراره (833) في 27/5/1993 حيث طلب من العراق والكويت إحترام الحدود كما خططتها اللجنة. ولقد تأخر إعتراف العراق إلى شهر تشرين الثاني/ 1994، حيث طلب مجلس الأمن في رسائل أن يتم الإعتراف من قبل مجلس النواب ومجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية، وصدر قرار مجلس قيادة الثورة المرقم (200) في 10/11/1994، بتوقيع صدام حسين، يعترف فيه بالكويت وكما جاء في القرار (833) في 1993، المشار إليه أعلاه. وبهذا إنتهت مسألة حدود الكويت والتي جاءت كإحدى فقرات القرار (687) في 3/4/1991، السيء الصيت، وخرج الموضوع من البند السابع. ما نلاحظه إن موافقة العراق على القرار أخذت ما يقارب السنة والنصف، إذ أن القرار –بنظرنا– مجحف جداً وأعطى الكويت أراضٍ عراقية إضافية جديدة. ولكن في حينه تمت ضغوط كثيرة على العراق للموافقة عليه، وتدخلت روسيا لدى العراق ووعدت أن بالموافقة عليه سيتم رفع الحصار، وهو أمر أما أن يكون خديعة أو غباءاً سياسياً من روسيا والعراق. إن روسيا تحركت تحت ضغط وإغراءات كويتية وأميركية، وإحتمال كبير بوعود أميركية سياسية كاذبة وكما هي عادتها دائماً، ووعود مالية كويتية، ولقد تم قسم منها. أعتقد إن من المناسب هنا أن نتحدث عن الحصار وإستمراره، فمن الأمور المؤلمة و"الغريبة"!! جداً إن غالبية الأحزاب والكتل "المعارضة" للحكم السابق، والتي كانت موجودة في الخارج، أيدت الحصار. أما المجموعات المعارضة في داخل العراق فكانت ضد الحصار قلباً وقالباً، فهي التي إكتوت به وكذلك إكتوى بقية العراقيين من الطبقات الكادحة والمتوسطة، ولم يتأثر به أركان النظام كثيراً فحاجياتهم متوفرة، ولم تبدأ مطالبة بعض الأحزاب المعارضة في الخارج برفع الحصار إلا في أواخر التسعينيات. لقد كان الحصار صارماً وقاسياً، وإن القرارات التي صدرت من مجلس الأمن في السنوات الإولى استثنت الغذاء والدواء فقط، وبعد ذلك استثنت مواد أخرى سمتها "الإنسانية" ولكن كانت هناك مشكلة التمويل لشراء هذه المواد، التي حلّت جزئياً بالقرار (986) في 14/4/1995، وإكمال مذكرة التفاهم المعتمدة على هذا القرار والتي صدرت في 20/5/1996، حيث سمح لأغراض الغذاء والدواء والإنسانية مليار دولار لكل ثلاثة اشهر، تأتي من السماح بتصدير النفط العراقي. علماً إن السماح بإستيراد المواد اللازمة للأغراض الإنسانية يجب أن يمر عبر "لجنة المقاطعة"، المسماة لجنة 661، التابعة لمجلس الأمن والتي كانت قراراتها يجب أن تكون بموافقة ممثلي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. ومن يرجع إلى قرارات هذه اللجنة سيجد أموراً مبكية مضحكة ومؤلمة جداً وتريك المدى الذي وصلت فيه نقمة الحكومتين الأميركية والبريطانية على الشعب العراقي، فإن ما يزيد عن 90-95% من الطلبات كانت ترفض في "لجنة المقاطعة 661"، أما من الولايات المتحدة أو بريطانيا، والسبب في غالبية الأحيان يكون الرفض الرسمي المسجل بالقرار هو "ترفض لأنها تساعد في تشغيل أو تصليح البنية التحتية"!!. إستمر الحال إلى سنة 1998، حيث سمح القرار (1153) في 20/2/1998 شمول المواد الإحتياطية لمحطات الكهرباء بالموافقة وعلى أن تمر أيضاً على "لجنة المقاطعة"، والتي تقسو بشدة وتقلص طلبات دوائر الكهرباء. ثم جاء القرار (1175) في 19/6/1998 ليسمح بإستيراد قطع الغيار للصناعة النفطية، حيث وصلت هذه الصناعة للحضيض، وأيضاً من خلال لجنة المقاطعة، مما أدى إلى عدم إمكان تصدير النفط إلا بحدود ضيقة، وأثّر على الأموال التي تستلمها الأمم المتحدة من "صندوق التعويضات"، لأن لجنة المقاطعة أيضاً كانت تقلص الكميات إلى درجة كبيرة، مما إضطر مجلس الأمن في قراره المرقم (1284) في 17/12/1999 أن يؤكد على ضرورة توفير الأموال لقطع الغيار للصناعة النفطية وأن يرسل مختصين لتحديد الحاجة الفعلية، كما حاول أن يقلص من روتينات "لجنة المقاطعة". كذلك وبسبب الإمكانية المحدودة للتصدير، أُلغيت مسألة تحديد المبلغ المسموح به لتصدير النفط، وأصبح تصدير النفط مفتوحاً. هذا ورجع المجلس مرة اخرى في قراره (1293) في 31/3/2000 إلى الموافقة على زيادة المبالغ اللازمة لقطع غيار الصناعة النفطية. ثم جاء القرار 1454 في 30/12/2002 حيث حدد المواد الممنوعة، وهي كثيرة، ولكن السماح بالإستيراد لابد أن يمر أيضاً من خلال "لجنة المقاطعة". وكمثال على ذلك لم أجد أي قرار يسمح بشراء المواد الإحتياطية أو الأولية التشغيلية اللازمة لتشغيل المعامل، فالمعامل يجب أن لا تشغل!!. علماً أنه تم صرف مبالغ محدودة على هذه الفقرة ولكن من خلال مبالغ النفط "المهرب" من قبل الحكومة العراقية، أو من خلال الإتفاقية الثنائية مع تركيا التي سبق وأن وافق عليها مجلس الأمن، والإتفاقية مع الأردن التي لم تصدر بها أية موافقة من المجلس، ولكن الجميع كان قد غض الطرف عنها "لإرضاء" الأردن. نرتأي الآن أن نتحدث عن القرار (1441) في 8/10/2002، الذي يقع تحت البند السابع، وهو آخر قرار صدر قبل الإحتلال، حيث كان الجو السياسي العالمي مشحوناً بالأكاذيب الأميركية التي تصدر من أعلى مراجعها حول إمتلاك العراق، وإلى حد ذلك الوقت!! للأسلحة البيولوجية والكيمياوية والذرية والصواريخ، وكذلك وجود علاقة للنظام بالقاعدة والإرهاب العالمي وإستمرار تصنيعه للأسلحة المحرّمة، ورفضه التعاون مع لجان التفتيش وإستيراده لليورانيوم وأنابيب الألمنيوم لصناعة الأسلحة الذرية (والتي اثبت كذبها لاحقاً واعترفت الإدارة الأميركية بهذا الكذب)!!!، ولهذا فإن مجلس الأمن قرر بهذا القرار "إن العراق كان ولايزال في حالة خرق جوهري لإلتزاماته المنصوص عليها في القرارات ذات الصلة، بما في ذلك القرار 687 (991)، ولا سيما بإمتناعه عن التعاون مع مفتشي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعن إتمام الأعمال المطلوبة بموجب الفقرات (8) إلى (13) من القرار 687 (991)". من الملاحظ إن الفقرات (8) إلى (13) تتعلق جميعها بأسلحة الدمار الشامل. كما إن الشئ الوحيد الذي يتحدث عنه القرار هو أسلحة الدمار الشامل وفرق التفتيش. لهذا قد يفهم من هذا القرار إن المسألة الوحيدة الباقية لإنهاء البند السابع هي إكمال الفقرات المتعلقة بهذه المسألة، فهو يستعمل جملة "لاسيما الفقرات 8-13". قد يفسر الجانب الآخر إن ورود "لاسيما"، لا تلغي المواد الباقية من القرار (687) وإنما تركز على الأهم، حيث أشار إلى القرارات الأخرى في ديباجة القرار، علماً عندما وصل إلى مرحلة "تقرر" لم يشر إلى الفقرات الأخرى عدا ما ذكر أعلاه. ولإنهاء هذا الجزء من الدراسة لابد أن نشير بأن من بين الـ(50) قرار المرتبطة بهذه المرحلة، فإن (48) منها تقع ضمن البند السابع، وإثنان بدون ذكره، وهما القرار (773) في 26/8/1993، وهو قرار عادي يشير إلى رسالة الأمين العام حول عمل لجنة تخطيط الحدود بين العراق والكويت. أما القرار الثاني (688) في 5/4/991، فهو القرار الوحيد الذي يشير إلى الوضع الداخلي في العراق ويطلب "ضرورة قيام الحكومة العراقية بإيقاف القمع ضد الشعب العراقي". ففي الوقت الذي رحب العراقيون بهذا القرار، فإنهم إعتبروه "نكتة سمجة"!!، فهو ليس ضمن البند السابع، لذا هو ليس بقرار وإنما "توصية"، علاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة هي التي أبقت على النظام القمعي، والأهم إن "القمع" الأعظم جاء في ذلك الحين من الحصار الإقتصادي وإفقار الشعب نتيجة قرارات مجلس الأمن، ضمن البند السابع، والتي أضرت بالشعب العراقي أضعافاً مضاعفة قياساً بما أضرته بالنظام. ج- القرارات الصادرة منذ الإحتلال ولحد الآن. وتبلغ هذه القرارات (12) قرار، (9) منها ضمن البند السابع!!! سنبدأ بالتحدث عن القرار 1762 والذي صدر في 29/6/2007 والمتعلق بإنتهاء عمليات التفتيش ومجال نزع الأسلحة الإستراتيجية. يقع القرار ضمن البند السابع، ولا أعرف لماذا وضع هكذا عدا إنه وضع بخبث، ولا أعرف كيف وافق العراق على وضعه تحت هذا البند. على أية حال يمكن أن يفسر الأمر بحسن نية بإعتبار إن الموضوع اصلاً كان البند السابع، ويمكن أن يفسر بشكل آخر وهو ما سبق أن وصفته "بخبث" من وضع صياغته، والأيام الحالية تثبت هذا التفسير، والإحتمال الأكبر إن من وضع الصيغة هي الولايات المتحدة لتبقى مشكلة البند السابع معلقة. لقد جاءت للعراق قبل الإحتلال عشرات الفرق التفتيشية، ومنذ الربع الثاني من 1991 وإلى حين شن الحرب عليه وإحتلاله في 2003، وصُرفت عشرات الملايين من الدولارات على هذه الفرق، وقامت بالتجسس لحساب إسرائيل وأميركا وبإعتراف المفتشين أنفسهم وبعد إصدار مسؤولي هذه الفرق كتباً عن مذكراتهم وغير ذلك. كذلك كان بعض هذه الفرق يستفز الجانب العراقي بإستمرار لخلق مشاكل. وبعد الإحتلال قام الجانب الأميركي بجلب آلاف المفتشين إلى العراق، والكثير منهم من الأميركان الذين كانوا يعملون بهذه الفرق سابقاً، ولهم شهرة عالمية بمثل هذه الأعمال. وإستمرت هذه الفرق بالتفتيش والتحليل لمدة تصل إلى أكثر من أربع سنوات، ولم يستطيعوا أن يضيفوا حرفاً واحداً عما قاله لهم العراقيون في بداية النصف الثاني من التسعينيات. لقد تحمل العراق جميع الكلف المتعلقة بهذا الأمر، مع ما تحمل بسبب كذب وخبث الأميركان، الذين اضطروا أخيراً لكتابة تقريرهم بخلو العراق من هذه الأسلحة وإعتماداً على تقارير ومحادثات الخبراء والفنيين العراقيين الذين كانوا في السجن بعد الإحتلال، وأفرج عنهم لاحقاً، ووضح إن كل ما قاله هؤلاء العراقيين قبل الإحتلال كان صادقاً، لقد قالوا إن العراق خالٍ من أسلحة الدمار الشامل ولا يوجد أي عمل جديد في هذا المجال، فلم الحصار إذاً؟؟. وجاء هذا القرار من مجلس الأمن ليؤكد ذلك، ولينهي على الفور "ولايتي لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش والوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب القرارات ذات الصلة". وأقر القرار أيضاً "إلتزام العراق المجسد بالدستور"، بمنع إنتشار واستحداث وانتاج واستخدام الأسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية، علماً إن العهد السابق كان موافقاً على هكذا قرار. هذا وفي الفقرة (3) من هذا القرار: يدعو مجلس الأمن حكومة العراق إلى تقديم تقرير إلى مجلس الأمن في غضون سنة واحدة عن التقدم المحرز في التقيد بجميع معاهدات نزع الأسلحة الإستراتيجية وعدم الإنتشار المطبقة والإتفاقات الدولية المتعلقة بها....... وبروتوكولاً إضافياً ملحقاً بإتفاق الضمانات...". هنا لا يفهم ما المقصود من وضع كلمة "بروتوكول...." هذه. ولكن عند الرجوع إلى الديباجة نجد أنها تشير إلى "بروتوكول إضافي ملحق بإتفاق الضمانات المبرم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، ومن المحتمل أن المقصود بهذا البروتوكول هو الطلب الجديد بالتقيد بعدم تخصيب اليورانيوم حتى في الحدود الضيقة الكافية للمحطات الذرية لإنتاج الكهرباء للوصول إلى نسبة تخصيب (4-5%)، في حين إن حاجة نسبة التخصيب للقنبلة الذرية يجب أن تصل إلى (90-95%)، وهي نفس القضية التي ترفضها إيران رفضاً باتاً، إذ لم يكن هذا الأمر مطلوباً من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولحد الآن فإنه غير مطلوب رسمياً، فمن حق جميع الدول تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، أي الوصول إلى نسبة 5%. وإذا أراد القارئ التوسع في هذا الأمر فيمكن الرجوع إلى كتابي "الطاقة: التحدي الأكبر للقرن الحادي والعشرين"، الذي صدر في أيلول/2005. في كل الأحوال أرفق بقرار مجلس الأمن هذا رسالة مؤرخة في 22/6/2007، موقعة من كونداليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، ومارغريت بيكيت وزيرة الدولة للشؤون الخارجية البريطانية، تؤكدان خلو العراق من الأسلحة الإستراتيجية وإمتثاله إمتثالاً كاملاً لإلتزاماته المتعلقة بنزع السلاح، كما تضمن القرار رسالة بتوقيع هوشيار زيباري وزير خارجية العراق، يؤكد موقف العراق بإمتثاله لقرارات مجلس الأمن السابقة وإتمام تنفيذها والمتعلقة بموضوع الأسلحة. الأن ماذا بقي لكي يكون العراق خارج طائلة البند السابع، في الواقع لم يبق شئ. إذ كما ذكرنا إن البند السابع يتم وضعه لعمل "عدواني"، أو "الإخلال بالسلم والأمن العالمي"، والعراق ليس في هذا الوضع، فلقد إنسحب من الكويت، وإعترف بالحدود معها، وأنهى الأسلحة الإستراتيجية. قد يقول قائل إن الباقي هو "موضوع التعويضات للكويت ودول أخرى"، وكذلك إرجاع الأسرى الكويتيين أو جثامينهم إن كانوا قد قتلوا. إن الفقرة الثانية، أي الرعايا الكويتيين، أصبحت من مسؤولية المحتلين وهم لم يجدوا شيئاً حول هذا الموضوع، رغم مضي أكثر من خمس سنوات على الإحتلال، بهذا تكون مسألة الأسرى الكويتيين أيضاً قد حُلّت وبقيت فقط مسألة التعويضات، وسنناقشها أيضاً. لكن قبل مناقشة مسألة "التعويضات" أود أن أناقش القرارات الأخرى التي صدرت بعد الإحتلال. إن أول قرار صدر بعد الإحتلال، وأيضاً تحت البند السابع، كان القرار (1483) في 22/5/2003. يشير القرار في ديباجته إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا "بوضعهما دولتين قائمتين بالإحتلال تحت قيادة موحدة – السلطة –"، وكذلك "يعرب عن تصميمه على ضرورة أن يحل اليوم الذي يحكم فيه العراقيون أنفسهم بأنفسهم على وجه السرعة". هنا يكون الأمر واضحاً، فالعراق تحت الإحتلال، وأكد مجلس الأمن على ذلك، وإن كل العرف وتعاليم الأمم المتحدة وإتفاقيات جنيف، تقول إن أية مسؤولية تقع على عاتق المحتل وليس البلد المحتل، أي أن البند السابع ومتطلباته في هذا القرار تقع على عاتق الولايات المتحدة وبريطانيا وهما المعنيتان بالقرار وليس العراق، فهما في هذا القرار تحت طائلة البند السابع وليس العراق. إن هذا القرار يطلب أيضاً "مساعدة الشعب العراقي في جهوده الرامية إلى إصلاح مؤسساته وإعادة بناء بلده، وتهيئة ظروف الإستقرار والأمن في العراق". و"يناشد الدول الأعضاء "عدم منح ملاذ آمن لأعضاء النظام السابق"، و"يطلب من السلطة العمل على تحقيق رفاهية الشعب العراقي". كما "يطلب من جميع المعنيين أن يتقيدوا تقيداً تاماً بإلتزاماتهم بموجب القانون الدولي بما في ذلك، بصفة خاصة، إتفاقيات جنيف لعام 1949 وقواعد لاهاي 1907"، وهو هنا يتحدث مباشرة إلى المحتلين بتنفيذ مسؤولياتهم، "فالمحتل يقوم مقام الحكومة الشرعية وعليه إلتزامات دولية تجاه الشعب". كذلك طلب القرار "الحفاظ على الآثار والتراث وارجاع المسروقة منها"، وكذلك قرر "توفير حقوق الإنسان". جميع هذه الأمور من مسؤولية المحتل، ولكن ما قام به المحتل هو بالضبط عكس ذلك، وضد ما جاءت به هذه المطاليب، فلقد خُرق الأمن خرقاً هائلاً، وتدهورت الأمور الحياتية بدرجة لا تطاق، وحرقت المؤسسات، ونهب المتحف العراقي، ونهبت الآثار مجدداً، لا بل أصبحت المدن الآثارية مثل بابل وأور معسكرات أميركية تسرح بها الدبابات والمدرعات كما تشاء، مما أدى إلى إتلاف التراث العراقي كلياً ونهائياً، كما وإن الآثار المسروقة تباع علنياً في أكبر المزادات الأميركية. أما بالنسبة لحقوق الإنسان فحدث ولا حرج، ونراها في خروقات الدستور اليومية المستمرة. في جميع هذه الأمور، فإن أميركا وإنكلترا هما تحت طائلة البند السابع، وليس العراق. علماً بأن هذا القرار يتضمن أيضاً مطاليب تتعلق بنزع السلاح. يطلب إنشاء "صندوق تنمية للعراق"، يوضع في عهدة البنك المركزي العراقي، وأمواله تصرف من "السلطة" – أي الإحتلال – بالتشاور مع الإدارة العراقية المؤقتة "لأغراض إعادة بناء الإقتصاد وإصلاح الهياكل الأساسية"، ولكن وجدنا إن النهب من هذا الصندوق بلغ أوجه من قبل المحتلين وقسم ممن جاؤا معهم، وعندما نهب هؤلاء العراقيون ذهبوا للعيش في أميركا!! مثل حازم الشعلان وأيهم السامرائي وغيرهما. أما إصلاح الهياكل الأساسية، فلنرجع إلى "أوامر بريمر" لنرى أنه منع منعاً باتاً البنك المركزي بالصرف على تشغيل المعامل العراقية، وإعادة البنية الأساسية، وكما موضح في كتابي "ثلاثية النفط العراقي"، الذي صدر في حزيران/2007. وكتابي "مقالات سياسية وإقتصادية في عراق ما بعد الإحتلال" الذي صدر في نيسان/2005، وفيه العديد من الدراسات عن الفساد المالي والإداري في العراق من قبل العراقيين والمحتل وشركاته الكبرى التي عملت في العراق. علماً طلب مجلس الأمن تحويل مليار دولار، إلى "صندوق التنمية للعراق" المفتوح وفق هذا القرار، من أموال العراق التي كانت تحت وصاية الأمم المتحدة، وكذلك جميع الفوائض الموجودة في "حسابات الضمان"، وكذلك جميع مبيعات النفط الجديدة، عدا 5% توضع في "صندوق التعويضات" الذي أشرنا إليه سابقاً. إن هذا القرار واضح جداً أنه وضع الولايات المتحدة وبريطانيا، وليس العراق تحت طائلة البند السابع، ولقد شعرت هاتان الدولتان بذلك، ولذا إستطاعتا في قرارات لاحقة أن تتخلصا من كونهما دولتين محتلتين، وأن تجعلا الحكومات العراقية اللاحقة تعترف بإن العراق هو تحت البند السابع، ولكن ليس لسبب معين مثل "العدوان" أو تعرض "الأمن والسلم الدولي للخطر" بهذا يكون هذا البند باطلاً و"خرافة" تمسكت بها الحكومات العراقية أما غباءاً أو بتأثير من الإحتلال، والإحتمال الثاني أكثر قناعة بنظري. وسنرى كيف وضعت هذه الحكومات العراقية نفسها في هذا الموضع الغريب!!. إن القرار (1500) في 14/8/2003، يرحب بمجلس الحكم، ويعتبره "خطوة هامة في لتشكيل حكومة عراقية معترفاً بها دولياً، وتتولى ممارسة السيادة في العراق"، وهذا القرار غير مشمول بالبند السابع. أما القرارات الثلاثة الأخرى التي صدرت في 2003، وهي (1490) في 3/7/2003، و(1511) في 16/10/2003 و1518 في 24/11/2003، فجميعها تحت البند السابع، وهي تؤكد (وخصوصاً القرار 1511) على "إعادة الحكم وسلطاته إلى الشعب العراقي بأسرع ما يمكن". وجميع هذه القرارات – في نظري – لا تزال تضع المحتل وليس العراق تحت طائلة البند السابع، إذ إن مسؤولية تنفيذها تقع عليه. المشكلة الكبرى جاءت في القرار (1546) في 8/6/2004، وهو تحت البند السابع أيضاً، ولقد جاء هذا القرار بعد حل مجلس الحكم في حزيران/2004، وتولي "حكومة عراقية مؤقتة مستقلة وتامة السيادة لكامل المسؤولية والسلطة بحلول 30 حزيران/2004"، وهنا يشير مجلس الأمن إلى حكومة أياد علاوي. فهو "يقر تشكيل حكومة ذات سيادة بحلول 30 حزيران/2004 (كحكومة مؤقتة).... ويرحب بإنتهاء الإحتلال في ذلك الوقت" كما يقر جدولاً زمنياً للإنتخابات في فترة لا تتجاوز 31/1/2005، لتشكيل جمعية وطنية إنتقالية، وتشكيل حكومة إنتقالية، وصياغة دستور دائم تمهيداً لقيام حكومة دائمية منتخبة بحلول 31/12/2005. هذا كله كلام جميل، ولكن لنقرأ الباقي من القرار الذي كنت قد كتبت عنه في إفتتاحية جريدة "الغد" في 12/6/2004 تحت عنوان "تخاذل الحكومة المعينة أضاع فرصة تأريخية في الحصول على قرار من مجلس الأمن لتحديد زمن الإحتلال والحصول على سيادة حقيقية!!"، كما نشرت بنفس العدد مقالة تتضمن نصوص من القرار أعلاه، تحت عنوان "قرار مجلس الأمن (1546) في 9/6/2004... هل هذه هي السيادة الكاملة التي يريدها العراقيون!!"، وكلا المقالتين منشورتين في كتابي المشار إليه سابقاً "مقالات إقتصادية سياسية.......". يجب أن نؤكد هنا على إن في وقت إصدار هذا القرار كانت الحكومة الأميركية في ورطة، وعمليات "المقاومة" كانت قد بدأت وإشتد عودها، وكانت فرنسا وروسيا والصين، الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن، وكذلك ألمانيا العضو في مجلس الأمن، في حالة مواقف سياسية مضادة جداً للولايات المتحدة وبريطانيا لشنهما الحرب على العراق بدون موافقة مجلس الأمن، وكانت هذه الدول تؤكد على الحكومة العراقية المؤقتة والقوى السياسية في مجلس الحكم، إن على العراق أن يصر على وضع جدول زمني للإحتلال. ولكن حكومة السيد علاوي طلبت العكس، (علماً إن هذه الحكومة كانت مؤقتة)، ولهذا يشير القرار "إن وجود القوى المتعددة الجنسيات في العراق هو بناءاً على طلب الحكومة المؤقتة المقبلة للعراق"، ويؤكد القرار إن رسالتي كولن باول (وزير الخارجية الأميركية)، وأياد علاوي (رئيس الحكومة المؤقتة) هما جزء من هذا القرار. إن رسالة علاوي تتضمن إمكان قيام العراق بتشكيل قوة أمنية خاصة، وبهذا ضمن المحتل أن القتلى من جنوده سيقل، وسيكون القتلى الأكبر من الجنود والشرطة العراقيين. ويؤكد القرار على تمديد إجازة القوة المتعددة الجنسيات لمدة (12) شهر أو أقل إن طلب العراق. ومن الناحية العملية إن الرسالتين أعلاه توصلان إلى نتيجة وحدة وهي "شرعنة" الإحتلال، وإعطائه ميزات كثيرة منها حصانة كاملة في العراق لجيشه ولمتعاقديه، وإعطائه حرية الحركة بصورة كاملة لدخول المناطق العراقية و"قتل" وإعتقال العراقيين ووضعهم في سجون تعود له وتحت تصرفه، (بحيث تبين لاحقاً أن هؤلاء المعتقلين حتى غير مشمولين بالعفو العام الذي أعلنته الدولة)، وغيرها من التنازلات التي أفقدت "السيادة" بشكل مريع، وبطلب من الحكومة العراقية!!!. والذي زاد الأمور سوءاً، إن قرار مجلس الأمن (1546) 2004 هذا، تم وضعه تحت البند السابع، ووافقت عليه الحكومة العراقية، ليس بدون تحفظ فحسب، وإنما دفعت وضغطت على بقية أعضاء مجلس الأمن لتمريره، وإضافة لذلك إعتبرت نفسها تحت طائلة البند السابع. كيف يكون العراق تحت البند السابع وهو المُغتَصَب والمُحتل والجيوش الأجنبية فيه، وهو لا قوة له ولا حول، ولم يقم بعدوان، ومع هذا فقد أصبح هو المُعتدى عليه، وبفضل الإحتلال أصبح مسرحاً "للإرهاب العالمي". ومما زاد الطين بِلّة أن حكومة العراق اللاحقة، برئاسة السيد إبراهيم الجعفري، أكدت القرار (1546)، وصدر من مجلس الأمن قرار مشابه، وهو القرار (1637) في 8/11/2005، وأيضاً تحت البند السابع، يؤكد ما جاء بالقرار السابق، وتضمّن أيضاً رسالتين مشابهتين لما جاء في ذلك القرار، الرسالة الأولى موقعة من قبل رئيس الوزراء العراقي السيد ابراهيم الأشيقر (إبراهيم الجعفري)، والرسالة الثانية موقعة من كونداليزا رايس، ومدد قرار السماح لبقاء القوات الأميركية، بناءاً على طلب الحكومة العراقية، سنة أخرى وإلى 31/12/2006. ثم جاءت الحكومة الدائمة، وذلك بعد الإنتخابات، وإستمرت على نفس المنوال، وصدر القرار (1723) في 28/11/2006، وايضاً تحت البند السابع، ومددت فترة السماح للقوات الأجنبية للبقاء سنة أخرى إضافية وإلى 31/12/2007، وذلك بناءاً على طلب الحكومة العراقية. وتضمن القرار أيضاً رسالتين الأولى بتوقيع السيد نوري المالكي والثانية بتوقيع كونداليزا رايس. ثم مدد سنة أخرى، وأيضاً بناءاً على طلب الحكومة العراقية، وصدر القرار (1790) في 18/12/2007 ليمدد بقاء القوات الأجنبية إلى 31/12/2008، وأيضاً تحت البند السابع، مع رسالتين الأولى بتوقيع السيد نوري المالكي والثانية بتوقيع كونداليزا رايس. نود أن نبين نقطتين حول قرارات مجلس الأمن في زمن رئيس الوزراء العراقي الحالي السيد المالكي، الأولى تتعلق بعدم عرضه موضوع تجديد السماح للقوات الأجنبية على مجلس النواب وإنما قام بالأمر بالحالتين بنفسه وبدون موافقة من مجلس النواب، علماً إن هذا الموضوع من صلب صلاحيات مجلس النواب ولا غير. والذي يجب أن نلاحظه أيضاً أنه قـُبيل التمديد الثاني لهذه القوات في سنة 2007، وقــّع (144) نائباً، (من أصل 275 نائب) كتاباً إلى الأمين العام لهيئة الأمم، يعارضون التمديد ويؤكدون إن هذا الأمر من صلاحية مجلس النواب، وأعطوا الكتاب الموقع من قبلهم إلى ممثل الأمم المتحدة في العراق أشرف قاضي لإعطائه إلى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن قبل صدور أي قرار بالتمديد. وما يلفت النظر إن ممثل الأمم المتحدة في العراق "نسي"!! أن يوصل هذا الكتاب المهم جداً إلى المعنيين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن قبل إصدار القرار، وأوصله بعد صدوره!!، ولمعرفة تفاصيل هذه القصة التي كتبها السيد رائد جرار يمكن الرجوع إلى جريدة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في 10/11/2007. والنقطة الثانية هي أن الفقرة (ه) من رسالة السيد المالكي في 7/12/2007 إلى رئيس مجلس الأمن، والتي كانت ضمن القرار (1790) في 2007 تقول "تعتبر الحكومة العراقية إن هذا الطلب من مجلس الأمن لتمديد تفويض القوة المتعددة الجنسيات هو الطلب الأخير، وتتوقع أن يكون مجلس الأمن قادراً على التعامل مع الحالة في العراق بدون إتخاذ إجراء مستقبلي بموجب الفصل (البند) السابع من ميثاق الأمم المتحدة". هنا يقول السيد المالكي إن "الحالة" في العراق ولحد نهاية هذا التفويض هي بموجب البند السابع، ويعطي الإنطباع كأن العراق مسؤول عنها، ويأمل أن مجلس الأمن سوف يتخذ إجراءاً بعد إنتهاء هذه الفترة ليعتبر "حالة" العراق ليست تحت البند السابع. هنا بالتأكيد لا يقصد إن المسؤول عن هذه "الحالة" هي الولايات المتحدة، وهي الآن برأيي تحت طائلة البند السابع، عليه كان على الحكومات العراقية أن تطالب، كما طالبت حكومة الكويت في حينه، بضرورة إخراج القوات الأجنبية من العراق، وطلب تعويضات قد تصل بالترليونات من الدولارات على الممتلكات وديّة الشهداء العراقيين والذين تجاوز عددهم المليون سواء بالقتل المباشر أوغير المباشر، وكذلك دفع تعويضات للمشردين من العراق، في العراق، أو في بقية أنحاء الأرض. ولكن هنا لا يقصد السيد المالكي إن أميركا تقع تحت طائلة البند السابع وإنما المقصود هو العراق، وأكد ذلك في تصريحاته التي أشرنا إليها سابقاً فهو هنا يعترف إن العراق هو الذي تحت طائلة البند السابع، وإن هذا البند هو سيء ويريد أن يخرج من طائلته بإتفاق ستراتيجي طويل الأمد مع الولايات المتحدة. وهو إعتراف صريح من أكبر مسؤول عراقي من إن ما جرى ويجري في العراق خلال الخمس الماضية، يضع العراق في حالة البند السابع وإن العراق هو المسؤول عن هذه الحالة وليس قوات الإحتلال بزعامة أميركا وبريطانيا!!!، وهو أمر غريب جداً. لنسأل أنفسنا كيف يمكن لهذا البلد الضعيف جداً، ويملك جيشاً ضعيفاً جداً ممنوع من إستخدام الطائرات والمدافع الثقيلة والدبابات المتطورة، وحكومته غير قادرة على تحريك جندي أمريكي أو عراقي بدون رغبة المحتل، (وهذا ما اعترف به السيد رئيس الوزراء قبل فترة)، وإن "الإرهاب" و"المافيات"، و"عصابات القتل"، تعبث فيه فساداً، بالرغم من وجود (170) الف عسكري أميركي، و(120) الف متعاقد مرتزق، وإن شعبه يلاقي من التشرد والمرض والجوع والإهانة ما يلاقي، كيف يمكن له أن يكون قادراً على "العدوان"، و"تهديد السلم والأمن العالمي"، وهما شرطا البند السابع!!؟؟. إذا كانت "حالة" العراق تتطلب البند السابع، فمن المؤكد أن لا الشعب العراقي ولا حكومته مسؤولان عن هذا الأمر وإنما المسؤولية تقع على عاتق الإحتلال الأميركي، وعند ذاك تكون الولايات المتحدة هي التي تحت طائلته. ونحن نعرف إن الولايات المتحدة لا تريد أن تضع نفسها تحت طائلة البند السابع، وسوف تستخدم "الفيتو" ضد مثل هذا القرار، وعليه يكون ذكر البند السابع في القرارات الصادرة بعد الإحتلال (وخصوصاً بعد صدور قرار يؤكد خلو العراق من الأسلحة الإستراتيجية)، هو لعبة أميركية لتخويف الشعب والحكومة العراقية ولوي ذراعهما، وإن الحكومات العراقية ساعدته في ذلك بقبولها القرارات بدون تحفظ. لقد حاولنا في هذا الفصل، وبعد قراءة كل القرارات الصادرة عن "الحالة" العراقية، وكثير جداً من قرارات مجلس الأمن لحالات البند السابع، أن نبرهن بأن العراق قد إنتهى من كونه تحت طائلة البند السابع. وإن "الحالة" الحالية ليست هي حالة "عدوان"، أو أمر "يعرض الأمن والسلم العالمي" للخطر، وإذا كانت كذلك فإن هذه الحالة ستكون نتيجة الإحتلال الأمريكي والبريطاني. فلو كانت هناك "معايير غير مزدوجة"، وعدم وجود الفيتو الأميركي، وحكومة عراقية تدافع عن شعبها وتطالب بحقه، لرأينا اليوم قراراً يقول أن "الحالة" في العراق تتطلب البند السابع، ويضع مجلس الأمن في قراره هذا شروطاً مثل تلك التي وضعها على العراق عند دخوله الكويت. إن الحكومات العراقية المتعاقبة، منذ الإحتلال، وبضمنها الحكومة الشرعية الحالية التي جاءت نتيجة إنتخابات، هي التي تقول أن العراق تحت طائلة البند السابع، وقبلت بالقرارات الصادرة من مجلس الأمن التي قد تقول بذلك، وهو أمر مزعوم وغير صحيح وغير موجود ويستخدم حالياً لأغراض تضر بالعراق ضرراً بليغاً جداً، وتعيق الحصول على الإستقلال الكامل، إذ يُهدد به العراقيون لتمشية "إتفاقية الوصاية" مع الولايات المتحدة، وهو أمر يثير الإستغراب والإرتياب، ويجعل الكثير من العراقيين، ومنهم كاتب هذه السطور، النظر بشك وريبة لكل هذه العملية. إن العراق ليس تحت طائلة البند السابع، ولا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن لإثبات ذلك، إذ لم يسبق لمجلس الأمن أن أصدر قراراً كهذا في حالات مشابهة، وبعد إنتهاء مفعول "العدوان"، أو تعرض "الأمن والسلم العالمي للخطر". وأحسن مثال هو القرار (661) في 1990، حول "عدوان" العراق لإحتلاله الكويت، فإن المجلس لم يصدر قراراً للقول بأن العراق قد نفذ خروجه من الكويت، لذا فهو ليس تحت البند السابع لهذا السبب. ما حدث هو أن المجلس لم يتحدث عن إنتهاء الإحتلال العراقي للكويت، ولم يشر في قراراته اللاحقة أي شئ عن إنسحابه، فالحدث قد إنتهى والبند السابع العائد له قد إنتهى. ما قام به مجلس الأمن هو خلق "حالة" أخرى جديدة تتعلق بـ"الأسلحة الستراتيجية" وغيرها التي تجعل العراق تحت طائلة هذا البند بحجة تهديده "للسلم والأمن الدولي"، أما "الحالة" الأولى فلقد سقطت تلقائياً وإنتهى الحديث عنها. قد يقول قائل إن العراق لا يزال تحت طائلة السابع بسبب عدم إكمال فقرة "التعويضات" للكويتيين وغيرهم، إذ لا يزال يستقطع 5% من دخل العراق من النفط لتغطية "صندوق التعويضات" الموجود تحت حماية الأمم المتحدة، وإن مسألة "التعويضات" موجودة ضمن فقرات القرار المشؤوم (687) في 3/4/1991، والذي تحدثنا عنه بإسهاب في الفقرة (1- ب) أعلاه. هنا أود أن أوضح ما يلي حول الموضوع: (1) إن مسألة التعويضات" جاءت ضمن فقرات أخرى بالقرار تقع تحت موضوع تعرض "السلم والأمن العالمي" وهي وجود الأسلحة الإستراتيجية، أو تحت موضوع "العدوان" على الكويت حيث وجب على العراق الإعتراف بالحدود الجديدة. أما "التعويضات" فرغم أهميتها، لأنها نتيجة قرار "العدوان" الخاضع لطائلة البند السابع، ولكنها لا تعرض الأمن والسلم العالمي للخطر، ولا تقع ضمن العدوان وخصوصاً في الظرف الراهن، فإن الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ صدور القرار المشار إليه، و(بضمنها حكومات النظام السابق)، لم تقل في يوم من الأيام أنها سوف لن تدفع، (وخصوصاً في السنوات الخمس الماضية حيث العلاقات مع الكويت جيدة)، وبالرغم من الإجحاف الكبير الذي حل بالشعب العراقي مع عدم مسؤوليته عن إحتلال الكويت. في أسوأ ظروف هذه الحالة، أي إمتناع العراق عن الدفع، سيكون الأمر نزاعاً عادياً بين الدول يحل من طريق المفاوضات والتفاهم في حل المنازعات وفي حالة "تعسف" العراق في عدم الدفع وإحالة الكويت الأمر إلى مجلس الأمن للمشورة ولإتخاذ قرار ضمن البند السادس، أو إحالة الأمر إلى المحكمة الدولية. في كل الأحوال لا يوجد سبب لأن تكون الحالة ضمن البند السابع، لأن السبب الموجب لهذا البند غير موجود. بهذه المناسبة أود أن أطلع القارئ على مدى الإجحاف الذي لحق بالعراق نتيجة إحتلال الكويت وإصدار فقرة التعويضات في قرارات مجلس الأمن، وبدفع كبير من الولايات المتحدة. إن لجنة التعويضات في هيئة الأمم إستلمت (2.7) مليون طلب تعويض!!!، تطالب بما يقارب من (353.2) مليار دولار!!! كتعويضات منذ سنة 1991. ما تم الموافقة عليه من لجنة التعويضات (53.4) مليار دولار، ويمثل (1.55) مليون طلب تعويضات. ما تم دفعه فعلاً من طلبات تعويض لحد اليوم (21.8) مليار دولار (منها 80% لطبات تعويض كويتية)!!!. هذا ويطالب الذين لديهم طلبات تعويض فائدة عن المبالغ غير المدفوعة لحد الآن. لم يتوصل لحد الآن إلى نسبة الفائدة المطلوبة، ولكن يُعتقد أنها أكثر من 5%. (2) إذا إفترضنا جدلاً، إن بقاء العراق لحد الآن تحت طائلة البند السابع هو لهذا السبب، لوجوده ضمن أسباب القرار (687) 1991، (وهذا أمر لا أعتقد به بالمرة ولكن إفترضته لإكمال النقاش)، فهذا يعني إن الكويت يجب أن توافق على رفعه من حالة البند السابع وبموافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الدائميين، أي لا يوجد فيتو. من المتوقع أن الكويت لا توافق، إذ لم يسبق أن تفاوضنا معها حول الموضوع، وإذا كانت موافقة، عند ذاك لم يبق هناك اصلاً سبب لأن تكون هذه "الحالة" تحت طائلة البند السابع. وإذا كانت معترضة، فهل هناك عاقل واحد في جميع أنحاء العالم سيصدق إن الولايات المتحدة ستوافق على صدور قرار يلغي القرار السابق تحدياً لمعارضة الكويت. إن من يصدق هذا الأمر ليس له أية معرفة بالعلاقات الدولية الحالية. وفي الوقت الحاضر نقرأ عن التسريبات التي تقول إن ما هو معروض في "مسودة الإتفاقية الإستراتيجية طويلة الأمد"، لا يضمن "خروج" العراق من طائلة هذا البند. إذا كان إفتراضنا هذا صحيح، (وأؤكد أنه غير صحيح في نظري)، فإن التعويضات (وبالتالي البند السابع) ستكون "مسمار جحا"، أو بالأحرى "مسمار أمريكا" للدخول والخروج من البيت العراقي. لم يوافق جحا في حينه على رفع مسماره، ولن توافق أميركا على رفع مسمارها. ولكن كما قلنا سابقاً إن أمر بقاء العراق تحت طائلة البند السابع كله وهم وخرافة أًريد منه تسويقه إلى الشعب العراقي لتمشية أمور أخرى ظهرت لاحقاً وهي "إتفاقية الوصاية"، ولكن هيهات هيهات!!، إذا صمد الشعب العراقي في رفضه لهذه الإتفاقية، والمؤشرات تدل على ذلك. (3) في الوقت الحاضر لا توجد أية مشكلة يعانيها العراق بهذا الخصوص، سوى حجز 5% من أمواله لحين إكمال التسويات مع الكويت، وهذا الأمر أقل مشاكل العراق في هذه الأيام السود المرة، وقد يكون أمراً مفيداً لعدم إستطاعة أحد الحجز – عند ذاك – على اموال العراق. إن هذا الأمر سيبقى على حاله إذا لم تتفاهم الحكومة العراقية مع الحكومة الكويتية. وإذا كنا نعتبر إن هذه الحالة هي "وصاية" للأمم المتحدة على العراق وإنتقاصاً من سيادته، والحل سيكون بتبديل وصاية الأمم المتحدة البسيطة، "بوصاية" الوحش الهائج، الولايات المتحدة، الذي دمّر العراق وشعبه وقتل من قتل ويريد أن يقسمه إلى دويلات طوائف، سيكون من السذاجة الكاملة الإفتراض بأن الشعب العراقي سيصدق إن المعاهدة مع المحتل ستكون "إستكمالاً للسيادة"، بينما حجز 5% من أمواله هو "ثلم للسيادة"، وفي كلتا الحالتين سيقوم العراق بدفع التعويضات، إلا إذا عمل على التفاهم مع الكويت وليس مع المحتل.
3- هل يمكن أن يكون البند السابع مفيداً للعراق في الوقت الحاضر؟ من المهم أن أذكر هنا إضافة قد يراها البعض إضافة "غريبة"!!، وهو وضع "الحالة" تحت البند السابع ليس دائماً مسألة "مخيفة" أو "ظالمة" أو أمر تُخوَّف به الدول، وإنما المشكلة تأتي من نوع العقوبات الواردة في القرار، إن وجدت مثل تلك العقوبات، فهذا هو ما يخيف. وقد يكون إضافة البند السابع إلى القرار أمراً مفيداً، أو أن تجعله الدولة المعنية هكذا، في حالة تصرف مسؤوليها بطريقة تضمن مصالح ذلك البلد. ولنفترض – مثلاً – تعرض بلد إلى "حالة" العدوان، وهو في "حالة" إقتتال داخلي سواء مع المحتل أو بين فئاته المختلفة، وإن هذه "الحالة" تؤثر على الدول المجاورة، سواء بالتدخل فيها أو تهديدها، أو قيام الدول المجاورة بالتدخل في هذا البلد سواء دفاعاً عن نفسها أو طمعاً فيه، وفي كل هذه الوضعيات تكون هناك "حالة" عدوان أو "حالة" تهدد الأمن والسلم العالميين. فإن وضع مثل هذه "الحالة" تحت البند السابع، هو على العموم في صالح البلد وحمايته. وهذه "الحالة" كانت في القرار الأول الذي صدر من مجلس الأمن بعد الإحتلال، وهو القرار (1483) في 22/5/2003، الذي اعتبر العراق محتلاً وعلى المحتل حماية شعب العراق كمسؤولية قانونية دولية وفق إتفاقيات جنيف ولاهاي، وإن تبعات البند السابع تقع على المحتل وليس على العراق. إن ما أضرّ العراق هو القرارات اللاحقة ورسائل رؤساء وزاراته المتعاقبة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والتي أصبحت – وبطلب من الجانب العراقي – أن تكون جزءاً من القرارات، وبذا أدخلت العراق في بعض مسؤولية "الحالة"، ولو أنه في رأيي إن المحتل هو المسؤول الأول والأخير عن هذه "الحالة"، ومنذ الإحتلال لحد الآن، لذا فالبند السابع مرتبط به وفي الجزء الأكبر منه. نحن لم نستفد بالمرة من كوننا في حالة "الإحتلال" إلى "حالة" السيادة، إذ السيادة الآن ناقصة بشكل كبير، بل كان الأمر بالعكس لقد أضرتنا حالة "السيادة المزيفة" الحالية، ولو كنا في حالة "الإحتلال"، لكانت مسؤولية المحتل تجاه الشعب العراقي واضحة!!. ولننظر الآن إلى بعض "حالات"، حصلت في بعض بلدان العالم والتي استوجبت إصدار قرارات من مجلس الأمن تحت البند السابع. علينا أن نلاحظ بنفس الوقت ما سبق أن قلته إن صدور القرار من مجلس الأمن وجعل حالته تحت البند السابع يعتمد على توازن القوى للأعضاء الدائميين داخل مجلس الأمن وتوافقاتها في فترة صدور القرار. إننا لم نجد في جميع الحالات طراً التي صدرت تحت طائلة البند السابع، مثل قساوة القرارات الصادرة بشأن "الحالة" العراقية، فلقد كانت تعاقب الشعب العراقي بحجة معاقبة الحاكم. ولكن هذه القرارات إنتهت بإحتلال العراق، والقرار الأقسى في تأريخ مجلس الأمن، وهو الذي تضمّن الحصار، قد تم رفعه، وإنتهت هذه المشكلة ولم يبق منها سوى إحتفاظ مجلس الأمن بـ5% من دخل العراق النفطي في "صندوق التعويضات". لنبحث في بعض الأمثلة في العالم، وأقرب الأمثلة هي الحالات التي حدثت بعد تفكك يوغسلافيا السابقة، نجد – مثلاً – إن الغالبية العظمى من القرارات المتعلقة في "حالة" البوسنة والهرسك، وآخرها القرار (1785) في 21/10/2007، إن "الحالة" تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين!!. أما بالنسبة "للحالة" في كرواتيا، والتي يصدر عنها على الأقل قرار واحد كل عام، ومنذ وجودها في أواسط التسعينيات، فإن غالبية هذه القرارات ليس تحت طائلة البند السابع رغم ورود الجملة "إن الحالة لا تزال تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين"!. والإستثناء جاء في قرارين، القرار الأول (1009) في 10/8/1995، لأن تم في حينه "عدوان" على القوات الدولية، وطالب القرار بإيقاف العدوان، والقرار الثاني (1120) في 14/7/1997، حيث ذكر نفس ما أورده سابقاً في القرارات الأخرى التي لم تكن تحت البند السابع، وهي "الحالة" في كرواتيا منذ سنة 1996 وإلى 2002، لم يذكر في أي منها إن المجلس رفع الحالة من البند السابع، فرفع الحالة لا يحتاج إلى قرار وإنما ينتهي بإنتهاء الحالة. أما "الحالة" في يوغسلافيا السابقة، كما مذكورة في نص القرارات، فإن آخر قرار وجدته كان القرار (1022) في 22/11/1995، الذي يضع "الحالة" تحت البند السابع لأنها تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، رغم إن نفس القرار هذا يرفع الحظر عن يوغسلافيا السابقة ويسمح بتجهيزها بشحنات الأسلحة والمعدات العسكرية!!، حيث أن الحظر على هذه المواد كان قد تم من خلال قرار مجلس الأمن (712) 1991، الواقع تحت طائلة البند السابع أيضاً. إن القرارات الصادرة عن "الحالات" في رواندا، والكونغو الديمقراطية، وليبريا، ومنذ سنوات وإلى سنة 2008، كانت جميعها تقريباً تحت طائلة البند السابع، "لتهديد السلم والأمن الدوليين"، من خلال وجود ميليشات مسلحة أو قتل أو إبادة جماعية أو عرقية. أما القرار (1506) في 12/9/2003، فلقد وضع "الحالة" في ليبيا تحت طائلة البند السابع إثر حادثة لوكربي، رغم أنه رفع العقوبات عنها. وإن وما جلب نظري عند دراستي لقرارات مجلس الأمن، هو إزدواجية المعايير في أقصى مفاهيمها، وخصوصاً ما يتعلق بفلسطين، فمثلاً القرار (1542) في 19/5/2004، أي بنفس الفترة التي نتحدث عنها، لم يكن تحت طائلة البند السابع، رغم إنه من أقسى القرارات التي صدرت ضد إسرائيل!!، فهو "يطلب من إسرائيل معالجة إحتياجاتها الأمنية في نطاق القانون الدولي"، و"يعرب عن قلقه البالغ لإستمرار تدهور الحالة على الأرض في الأراضي التي تحتلها منذ 1967"، و"يطالب اسرائيل إحترام إلتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني"، ويعرب "عن القلق للحالة الإنسانية الفلسطينية". فهو يؤكد وجود إحتلال، ولكن لا يذكر وجود "عدوان" أو خرق "للأمن والسلام الدولي"، وإعتيادياً في مثل هذه "الحالة" من الواجب أن يكون القرار تحت طائلة البند السابع، ويتحمل تبعته المحتل – اسرائيل – وليس الفلسطينيين، ولكن لم يصدر بتلك الصيغة، ولن يصدر في "حالة" فلسطين في الظروف الدولية الحالية وحتى المستقبلية!!. من كل ما ورد أعلاه نرى إذا كان مجلس الأمن قد أعتبر، إلى حد الآن، الحالات في البوسنة والهرسك أو الكونغو الديمقراطية أو ليبريا أو رواندا، تعرض "السلم والأمن الدولي" للخطر، ويضعها تحت طائلة البند السابع، فكيف يا ترى يجب أن ينظر لحالة العراق؟!. بالتأكيد ستكون "الحالة" تحت طائلة البند السابع" لتعريض الأمن والسلم العالمي إلى الخطر"، فمن السهولة أن ينتقل العنف الداخلي، و"العدوان" الأميركي إلى الدول المجاورة، ويمكن أن يحدث العكس بتدخل الدول المجاورة بقضايا العراق الداخلية، طالما أن المحتل (عفواً إذ يجب الآن أن يسمى الحليف!!)، سمح بأن يكون العراق في فوضى مستمرة، وفي قتل وإبادة وإعتداءات طائفية وغيرها. في هذه "الحالة" يكون البند السابع ضرورة، لأنه على الأقل ينبه الأمم المتحدة إلى وجود هذه الحالة المزرية. وهناك الكثير من العراقيين يريدون تدخل الأمم المتحدة (إن إستطاعت ذلك!!)، وحماية العراق من المحتل، فالبند السابع عند ذاك يكون مفيداً ونتائجه تقع على الولايات المتحدة، لذا يجب أن لا نتطير من هذا الأمر. إن الوضع الدولي الحالي لا يسمح بالمرة بأن تستطيع الولايات المتحدة إصدار قرار من مجلس الأمن يضع الحكومة العراقية أو الشعب العراقي تحت طائلة البند السابع. والسؤال هنا ماذا يمكن أن يحدث إذا طلب العراق عدم تمديد السماح للقوات الأميركية والدولية للبقاء فيه بعد نهاية هذه السنة؟ إن الأميركان، وخصوصاً بوجود الرئيس بوش أو الرئيس الجمهوري المقبل مكين، في حالة نجاحه، سوف لا يخرجوا الآن، وعند ذاك يكون الأمر إحتلالاً وبإعتراف دولي، بدلاً من كونه إحتلالاً في الأمر الواقع، وعند ذاك يتحمل المحتل كل التبعات القانونية. لا يمكن أن يكون الأمر أسوأ مما هو عليه الآن، ويكون الصراع ضده، سواء سلمياً أو عسكرياً، أمر شرعي مدعوم من قوى مختلفة في العالم، وتخرج الحكومة العراقية من كونها الحليف للذي أذاق العراق والعراقيين الأمرّين. ستساعد هذه العملية في توحيد الشعب العراقي، (على الأقل في الوسط والجنوب)، وسيكون خروج الأميركان عند ذاك أمراً حتمياً، وفي أقل خسارة للعراقيين!!. ماذا يمكن أن يحدث؛ وفي كل الأحوال لن يكون الأمر أتعس من الوضع الحالي الذي يقتل فيه الجنود والشرطة العراقية بدلاً من العسكريين الأميركان.
* * * أود أن أؤكد في نهاية هذا الفصل، إن ما توصلت إليه من أن العراق ليس تحت طائلة البند السابع، وإن هذا الكلام إستمرار لأكاذيب المحتل والتي بنى على أساسها إحتلال العراق، وإستصغاراً للعقل العراقي، وتخريفاً "من قبل من يردد ذلك، جهلاً أو علماً، وإذا كانت "الحالة" في العراق تتطلب أن تكون تحت البند السابع، وهو أمر محتمل، فإن المحتل هو الذي سيكون تحت طائلته، وكما أوضحنا ذلك في الفقرة السابقة. أرى وفي حالة عدم إقتناع الحكومة العراقية وأعضاء مجلس النواب وقادة الأحزاب بذلك، فعليهم طلب رأي جهة إستشارية عالمية قانونية حيادية، ليس للولايات المتحدة أو بريطانيا أو إسرائيل تأثير عليها، لتوضيح الأمر، لتأييد، (أو عدم تأييد)، ما بيّنته أعلاه، وعندي القناعة الكاملة بأن هذه الجهة ستصل إلى نفس ما توصلت إليه.
الفصل الثاني من هي الولايات المتحدة التي نريد أن نقيم علاقة إستراتيجية طويلة الأمد معها؟! ما أن ظهرت المعارضة الشعبية العارمة في جميع أنحاء العراق، (عدا إقليم كردستان)، للمعاهدة التي تنوي الحكومة إبرامها، مع "الصديق العزيز" و"الدولة الحليفة"، الولايات المتحدة، تحرك الإحتلال بالضغط والتسويف والكذب، لإحتواء هذه المعارضة. وذكرت إحدى الصحف البريطانية الرصينة، وهي "الاندبندنت" لتقول في 7/6/2008، عن تسريبات أكدت إنها موثوقة، بأن المفاوضين الأميركيين "يستغلون وجود (50) مليار دولار مجمدة بموجب أحكام قضائية ضد العراق داخل المصارف الأميركية والأجنبية للضغط على نظرائهم العراقيين من اجل القبول بشروط الإتفاق الأمني والعسكري الجديد"!!، وأضافت الصحيفة أن "واشنطن قادرة على تهديد العراق بخسارة ما يصل إلى 40% من إحتياطياته من العملات الأجنبية، لأن إستقلاله ما زال مقيداً بعقوبات الأمم المتحدة والقيود المفروضة" على النظام السابق بموجب البند السابع، وأوضحت إلى أن المفاوضين الأميركيين "يرون أن ثمن إفلات العراق من البند السابع هو توقيع الإتفاق"!!. ولقد رأينا في الفصل الأول ماذا يعني البند السابع في الوقت الحاضر. ولقد صرّح السيد سليم عبدالله الناطق الرسمي بإسم جبهة التوافق العراقية إلى راديو سوا (الأميركي) في 7/6/2008، من "إن إشراف الولايات المتحدة على مصير الأموال العراقية الموجودة في البنك الإحتياطي الفيدرالي الأميركي سيكون أحد المحاور الحساسة والمهمة على طاولة المباحثات بين الجانبين العراقي والأميركي"، "وأكد عبدالله إن الحكومة العراقية لا تملك في الوقت الحاضر إرادة التصرف بأموال الإحتياطي النقدي العراقي..... وإن الأموال العراقية معرضة للضياع بعد خروج العراق من البند السابع للأمم المتحدة"، "وقدّر عبدالله إحتياطي العراق من الأموال المجمدة في الخارج بثمانين مليار دولار موزعة على البنوك العالمية". ولقد أعادت جريدة "الحياة" اللندنية، الناطقة باللغة العربية، في 8/6/2008، هذه الأنباء بالقول "حذر سياسيون عراقيون من أن توقيع المعاهدة الأمنية العراقية – الأميركية من دون العودة إلى البرلمان أو التنازل عن السيادة العراقية سيسبب صدعاً كبيراً في إستقلال البلاد مستقبلاً، فيما ترددت أنباء عن تلويح أميركي بإستقطاع كبير من الأموال العراقية الموجودة في بنك الإحتياطي الفيدرالي (المركزي) الأميركي"، وأعادت ذكر نفس تقديرات الناطق بإسم جبهة التوافق، من أن إحتياط العراق من الأموال الموجودة في الخارج تقدر بثمانين مليار دولار تتوزع على المصارف الدولية. وتحدثت الأنباء إن قسماً كبيراً من هذه المبالغ هو إحتياطي العراق من النقد الأجنبي الموجود بالدولار والذي جمعه البنك المركزي العراقي ليكون إحتياطياً نقدياً للعراق ولتعزيز عملته المحلية، وإنه احتفظ بهذه المبالغ في البنك المركزي الأميركي (البنك الفيدرالي)، بناءاً على نصيحة من الجانب الأميركي، وإن الحكومة الأميركية والرئيس بوش بالذات "تعهد" بالحفاظ على هذه المبالغ!!!. عندما قرأت هذا الخبر الأخير لم أتمالك نفسي إلا أن أبتسم وأتذكر قول أمي، رحمها الله، وفي حالات مشابهة كهذه، وطبعاً على نطاق أقل بكثير، مثل "تعهدنا" نحن الأخوة الصغار بحفظ الجكليت والكرزات في الدولاب في أيام الأعياد عند مغادرة "الخطّار" الدار، وعندما تفتح أمي باب الدولاب مرة أخرى عند مجيء "خطّار" آخرين، تجد أن نصف الحلوى والكرزات قد إختفى، فتبتسم لتردد، وبمحبة فائقة، المثل العراقي "ودّع البزون شحمة"!!!. لا فرق بين الحالتين!!، فنحن كنا نسطو على الحلوى (الغنيمة) ضمن العائلة، والأميركان يسطون على المال (الغنيمة) ضمن العائلة الواحدة!!!. إن ما أعطى الخبر دفعة من المصداقية هو ما نشره موقع "أنباء براثا"، القريب من المجلس الإسلامي الأعلى في 11/6/2008، وتحت عنوان "الشيخ همام حمودي: الحكومة تعاقدت مع شركات عالمية لحماية أموال العراق بعد الخروج من البند السابع"، وإن الشيخ همام هو رئيس لجنة العلاقات الخارجية ولجنة مراجعة الدستور في مجلس النواب ممثلاً للمجلس الإسلامي الأعلى. نقلت الوكالة عنه وبما يخص أموال العراق، "شدد الشيخ حمودي على أن العراق يعمل على ثلاثة محاور لضمان الحفاظ على امواله المودعة في البنوك العالمية من مطالب التعويضات المحتملة في حال خروجه من البند السابع لميثاق الأمم المتحدة.... إذ أن هناك من يطالب بإصدار قرار آخر من الأمم المتحدة لحماية هذه الأموال وهو أمر صعب لكنه ممكن، وهناك من يقول بالإنفتاح على الديون عن طريق المطالبات القضائية وهذا يتطلب وقتاً طويلاً جداً والإتجاه الثالث هو أن يبقى العراق تحت البند السابع لتبقى هذه الأموال تحت الحماية"، "مؤكداً تعاقد الحكومة مع شركات إستشارية عالمية لإختيار البديل الأنسب". هنا نود أن نوضح أن في بداية حديث السيد همام، والذي لم ننشره هنا، لأننا هنا نتحدث عن الأموال العراقية، فقد قال "إن الأميركيين قاموا بسحب عدد من البنود.... وإن السقف العالمي للمطالب الأميركية تم تخفيضه لكن ما زالت هناك مسائل يُعتقد أنها تثير نوعاً من الحساسية الوطنية التي تحتاج إلى مزيد من الحوار"!!!. والواضح من أعلاه إن الشيخ من مؤيدي المضي في الإتفاقية بعد تعديل "المسائل التي يعتقد البعض إنها تثير نوعاً من الحساسية الوطنية"، وإن الأميركان قللوا سقفهم. ولكن لم أفهم كيف سيتم إختيار الحل الأنسب من الحلول الثلاثة المذكورة أعلاه، إذ أن الحلين الأولين صعبا التنفيذ، والحل الثالث هو أن يبقى العراق تحت طائلة البند السابع. أي يتم توقيع الإتفاقية وإبقاء العراق تحت البند السابع سوية!!، وهذا القول هو ما تم ضمن التسريبات الكثيرة الحالية عن الإتفاقية حيث يذكر إن الولايات المتحدة لم تعط تعهداً واضحاً بإخراج العراق من طائلة البند السابع عند توقيع الإتفاقية الأمنية طويلة الأمد المقبلة!!. إن كل ما ذكرته أعلاه هو لتوضيح إن من يدعي أن أميركا صديقة للعراق و"حليفة" له، فهو واهم، فنحن الآن في البداية، وهم يتصرفون بهذه الطريقة المتعالية المتغطرسة الخدّاعة مع صديقهم وحليفهم العراق!!. كيف يؤتمن مثل هذا الحليف؟ وسنرى في الفصل القادم كيف يتحدث مؤيدو الإتفاقية من العراقيين، وكيف يخداعنا المحتل مرة وكيف يأمرنا مرّات!!. الآن لنستمر بموضوعنا، وسأتحدث في البداية عن مدى إلتزام الولايات المتحدة بالمواثيق الدولية، وإحترامها للإنسان وحقوقه؟!!!. وهنا لا أتكلم عن التأريخ الماضي للولايات المتحدة من قتل الهنود الحمر وإغتصاب أراضيهم وثم إبادتهم، أو جلب العبيد، وخلق مجتمع العبيد في العصر الحديث قبل (200) سنة، وعندما تم تحريرهم تمت معاملتهم كجنس بشري منحط، ولم تحل مشاكل السود، وإلى حد كبير، إلا في الستينيات من القرن الماضي ضمن النضال السلمي لمارتن لوثر كنك. كما لا أتكلم عن الوحشية التي قامت بها الولايات المتحدة عند إحتلالها الفلبين أو هاواي، ولا الوحشية التي استعملتها في حروبها الثلاث في كوريا وفيتنام والعراق، وإنما سأتحدث عن العلاقات الدولية الحالية. صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948، بعد ثلاث سنوات من تشكيل هيئة الأمم المتحدة. لنقرأ بعض فقرات هذا المَعْلم الحضاري، والذي يمثل قمة العلاقات الإنسانية على النطاق العالمي فيما لو تم تطبيقه فعلاً، فهو يقول "جميع البشر يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، لهم موهبة العقل والضمير وعليهم أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بروح الأخوة. كل شخص له الحق والحرية والأمن الشخصي". إن هذا القول لم ينطبق على نطاق الفرد فحسب بل على نطاق الدول أيضاً. كل دولة في هيئة الأمم المتحدة لها صوت واحد بغض النظر عن كبر حجم إقتصادها، أو ثقافتها أو قوتها العسكرية، فهو أشبه بالديمقراطية لدى الشعب الواحد، لكل شخص صوت واحد بغض النظر عن جاه أو مال أو ثقافة ذلك الشخص. لقد حدثت إشكاليات عديدة حول هذا المفهوم "الديمقراطي" للأمم وتم حله عن طريق إيجاد مجلس الأمن، وهو المؤسسة الأهم والحاسمة في العلاقات الدولية. حيث حظيت الدول الخمسة الكبار المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على حق كونهم الحكم والحاكم، ولكل منهم حق "الفيتو" لخلق التوازن المطلوب فيما بينهم، فالعالم يجب أن يعيش على توازن القوى الدولية وليس إنفراد أحدها. ومشت الأمور بصورة "شبه مقبولة"، مع الكثير من التوترات ولكن أقل بكثير مما عليه الآن، واستمر هذا الوضع إلى التسعينيات من القرن الماضي، حيث بدأ دعاة الإمبراطورية الأميركية، يرون إن الأمم المتحدة (حيث لكل دولة صوت)، ومجلس الأمن (حيث الفيتو لدول أخرى)، لا يحققان مطامح أميركا، فلقد سقطت "القوة الأعظم" الأخرى، الإتحاد السوفياتي، وبقيت الولايات المتحدة وحدها في الميدان، ولذا من الواجب أن تكون وحدها من يقرر مصير العالم!!، إذ اعتقدت إن عهد التوازنات قد انتهى!!. علماً حتى قبل هذه الفترة، فإن الولايات لم تدفع مستحقاتها المالية للأمم المتحدة، وبالأخص اليونسكو، بحجة "الفساد"، ولكن بالتأكيد فإن السبب هو وقوف هذه المؤسسات ضد ما تريده الولايات المتحدة بشأن مفهوم "الإرهاب" و"المقاومة" و"الإحتلال" و"القضية الفلسطينية". وحدثت القطيعة الكبرى في آذار/2003 حين غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق، وبدون موافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ولكن وضح بعد ذلك فشل مخططها في العراق وخلق الشرق الأوسط الجديد!!، وبالتالي فشل مشروع "الإمبراطورية الأميركية"، بدأت ترجع، من جديد، إلى مجلس الأمم لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً. لنرى هل فعلاً هذه هي الحادثة الوحيدة التي أثارت العالم وأبعدته عن الولايات المتحدة، أم هي إستمرار لتفرد وغطرسة هذه الدولة "الأعظم" التي تستخف وتهزأ بكل المجتمع الدولي، ولو استمرت على هذه الوضعية فقد تصل الأمور إلى كارثة، من خلال الإحتباس الحراري ونقص الغذاء والماء وإنتشار الفقر، الأمر الذي يجعل الحياة على الأرض صعبة جداً للأجيال القادمة، ومعرض لهزات كبيرة، وهجرات على مستوىً لم يسبق له مثيل وأكثر بكثير جداً جداً جداً من الهجرات العراقية نتيجة حرب العراق. لقد نشرت مؤسسة هيرتج Heritage Foundation، وهي من أهم المؤسسات اليمينية التي أُسست في سنة 1973 بمساعدة الملياردير سكايف ميلون، لمناهضة الأفكار الإشتراكية وحركات التحرر، وتطورت لتكون الداعية الكبير للعصر الأميركي الجديد، وكانت المدرسة الأولى للمحافظين الجدد الحاليين. نشرت هذه المؤسسة في تموز/2001 خطاباً لشخصية سياسية بارزة، هو جيسي هيلمز والذي كان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي (1995-2001)، حيث يقول: "نحن في مركز الدائرة، ونريد أن نبقى في المركز. وعلى الولايات المتحدة أن تقود العالم حاملة الشعلة الأخلاقية والسياسية والعسكرية للحق والقوة، وأن تكون قدوة لجميع شعوب العالم"!!. وكتب شالز كروثامر في إفتتاحية مجلة تايم القريبة من اليمين في 27/11/1999، "أمريكا تطل على العالم بخطى عملاقة ومنذ إمبراطورية روما لم تبلغ قوة في العالم القوة التي وصلنا إليها". وأضاف الصحفي المعروف توماس فريدمان، والذي كان لفترة المستشار الخاص لمادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، في نيويورك تايمز في 28/3/1999، "من أجل أن تنتصر العولمة، على أمريكا أن لا تخشى أن تتصرف كقوة عظمى لا تهزم، وهي فعلاً كذلك. إن اليد الخفية للسوق لا يمكن أن تعمل من دون قبضة قوية، وهي الجيش والطيران والقوة البحرية للولايات المتحدة". لقد كانوا في قمة نشوتهم بإسقاط النظام السوفياتي، وتصوروا ونظروا للإمبراطورية الأميركية والعصر الأميركي كحقيقة واقعة، فكتب فوكوياما "نهاية التأريخ"، أي إنتهى التأريخ بإنتصار الولايات المتحدة، وكتب صاموئيل هنينغتون، "صراع الحضارات"، أي إنتهى الصراع الطبقي، وصراع الفقراء ضد الأغنياء، وصراع المحتل مع ابناء البلد الذي احتله. لقد كانت تلك الأيام ايام عز المحافظين الجدد وكانت غالبية الشعب الأميركي تفكر بنفس تفكيرهم. وبدّل العراق الصورة كاملة، واليوم ترى إن كتابات المشار إليهم أعلاه تتضمن الإحباط والتقوقع، أو إستمرار الغطرسة الفارغة التي تعارضها حالياً الغالبية العظمى من الشعب الأميركي، ووصلت سمعة الرئيس بوش إلى مستوى من الحضيض لم يسبق ان وصلها رئيس سابق. وبهذا فإن من يفكر، من العراقيين أو غيرهم، بنفس تفكير المفكرين أعلاه في أواخر التسعينيات ولحين إحتلال العراق، فإنه يعيش في وهم ويراهن على الحصان الخاسر. لقد إنتهى المشروع الأميركي، ولكن هل انتهت آثاره، وهل توقفت الولايات المتحدة عن الغطرسة الجوفاء؟!. لنرى ذلك في الحديث الآتي. لنبدأ بسياسة منع الألغام، فلقد تمت حملة كبيرة من المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، لمنع إنتاج وبيع ونشر "ألغام ضد البشر"، التي أدت إلى مقتل أو إحداث عاهات مستديمة لمئات الألاف، خصوصاً الأطفال. فلقد تم التوصل قبل سنوات إلى معاهدة لتحريمها دولياً، ووقعتها وصادقت عليها الغالبية العظمى من الدول، وخصوصاً ما تسمى الدول المتحضرة، ولكن لحد اليوم وبرغم الضغوط السياسية المختلفة لم توقع الولايات المتحدة على هذه المعاهدة، ولم يوقع عراق صدام في حينه عليها!!. ولقد بدأت المنظمات الإنسانية ومنذ سنوات بمحاولة الوصول إلى معاهدة لمنع القنابل العنقودية، حيث إن القنيبلات تبقى سنوات غير منفجرة، وقد تنفجر حيث يلعب الأطفال، إذ شكلها كشكل لعب الأطفال، وكما متوقع بقيت الولايات المتحدة طوال هذه السنين تعارض مثل هذه الإتفاقية الدولية. ولما توصلت جميع الدول في دبلن (إيرلنده)، في أواخر أيار/2008، وتحت رعاية الأمم المتحدة، إلى إتفاقية تحريم القنابل العنقودية، رفضت ثلاث دول توقيعها هي الولايات المتحدة وإسرائيل، وروسيا التي أوضحت أنها لن توقع ما لم توقع الولايات المتحدة عليه. أما فيما يتعلق بمعاهدة روما الدولية التي تم التوصل إليها سنة 1998، والخاصة بالملاحقة القضائية للمسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والقتل الجماعي، أو جرائم ضد الإنسانية، فلقد وقعتها جميع الدول الأوربية ودول الناتو (عدا تركيا)، وكذلك وقعتها الولايات المتحدة. ولكن قامت إدارة بوش بسحب توقيعها في حزيران/ 2003، سيما وإنها كانت قد إحتلت العراق وبدون غطاء دولي. والسبب كان طبعاً يتعلق بالفقرة الثالثة مما يسمى "وثيقة الأمن القومي للولايات المتحدة"، والتي نشرتها النيويورك تايمز في 20/9/2003 حيث تؤكد "حماية جنود ومواطني الولايات المتحدة من إحتمال مساءلة أو محاكمة من المحكمة الدولية لجرائم الحرب". وقد قال السناتور ادورد كندي، (أخ الرئيس الأميركي الذي رحل مقتولاً كندي)، في 7/10/2002 عن وثيقة الأمن القومي هذه "هي نداء للإمبرالية الأميركية للقرن الحادي والعشرين والتي لا يمكن ولا يجب لأي شعب أن يقبل بها". وأضاف "لذلك فإن أمريكا استخدمت مختلف الضغوط السياسية والإقتصادية لإجبار الدول على توقيع إتفاقية ثنائية معها لإستثناء جنودها ومواطنيها من مثل هذه المحاكم". ولقد قامت اميركا، ومنذ الإحتلال، بالضغط على الحكومات العراقية المتعاقبة، (أو من المحتمل لم يكن هناك أي ضغط في هذا الشأن!!)، للحصول على هذا الإستثناء، وتم ذلك في جميع قرارات مجلس الأمن ومنذ "إعلان إنهاء الإحتلال"!!، ولقد أشرنا إلى ذلك في الفصل الأول، إذ وقعها علاوي والجعفري والمالكي، وأصبحت جزءاً من قرارات مجلس الأمن في تجديد إستمرار بقاء القوات الأجنبية في العراق، ولم تعد تشمل القوات والرعايا الأميركان فقط، بل شملت جميع قوات ورعايا "القوات متعددة الجنسيات". هنا يجب أن نضيف أن كوفي عنان السكرتير السابق للأمم المتحدة كان قد طلب من جميع الدول عدم تجديد إستثناء الأميركان من مثل هذه المحاكمات، وخصوصاً بعد ظهور فضيحة ومآسي سجن أبو غريب إلى العلن. ونحن لاحظنا شكل العدالة الأميركية في محاكمة من قتلوا وعذبوا وأساؤا في العراق، وذلك من خلال المحاكمات الصورية لمعذبي سجن أبو غريب، رغم وجود الأدلة الدامغة، ومجزرة حديثة حيث تمت محاكمتهم في الشهر الماضي وكانت البراءة، وكذلك المحاكمات حول إغتصاب الطفلة وقتل عائلتها جميعاً في المحمودية. إذ لم يحكم في كل هذه الحوادث، التي فيها قتل وتعذيب وإغتصاب إلا لعدد قليل جداً، وبمدد قصيرة معظمها إنتهى إلى وقف التنفيذ، أما القتل وبدم بارد والذي تم في ساحة النسور من قبل منتسبي الشركة المتعاقدة الأميركية للحماية،بلاك ووتر Black Water فلقد تم نسيانه، برغم التهديدات الكبيرة لكبار رجال الدولة العراقية، والنتيجة لم يتخذ أي إجراء، بل مدد عقد عمل تلك الشركة لسنة أخرى!!!. هذه هي العدالة على الطريقة الأميركية!!!، علماً أن لو كانت المحاكمات عادلة وفي محاكم مدنية أميركية لحكم على معظم المتهمين بالسجن المؤبد أو الإعدام تبعاً للولاية التي يحاكم بها المتهم. ولعل من أغرب المحاكمات هي تلك التي تمت في الولايات المتحدة لمتعاقد أميركي نهب مبالغ عراقية بالملايين من الدولارات، وكان دفاع هذا المتهم هو لماذا المحاكمة فالأموال المنهوبة عراقية، وليست أميركية، ونهبت من العراق، فما كان من القاضي إلا أن يلغي المحاكمة ويطلق سراح المتهم. نود أن نضيف أن حسب المعلومات التي لدينا فإن دولة صربيا، من دول يوغسلافيا السابقة، رفضت رفضاً باتاً إعطاء مثل هذا الإستثناء للقوات الأميركية أثناء حرب البلقان، واضطرت أمريكا إلى أن تسحب إقتراحها، وبعدها سحبت قواتها. إن التصرف الأميركي اللاإنساني وصل إلى الأمور الإنسانية البحتة، فلقد رفضت رفضاً قاطعاً تقليل أسعار الأدوية في العالم، وبالأخص مساعدة الدول الأفريقية الفقيرة في الحصول على الأدوية المضادة لمرض الأيدز الذي يحصد الملايين من الأفارقة بأسعار مخفضة أو مجاناً، كما فعلت معظم الدول الصناعية الأخرى. ونستمر بالأمور الإنسانية، إذ إعتمد مؤتمر فينا لحقوق الإنسان في سنة 1993 قراراً يربط الديمقراطية السياسية بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. إذ لا معنى لحق الكلام والنشر والصحافة والأحزاب للجياع والعراة إلا بعد أن يشبعوا ويكسوا عريهم. المفروض أن لهم حقاً في العمل والتعلم والصحة والحد الأدنى من العيش الكريم. وهنا أيضاً كان القرار بالإجماع، فيما عدا الولايات المتحدة، وإستمرت المعارضة الأميركية لإعتماد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في جميع إجتماعات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. فلقد إستمرت في القول على عدم وجود حق للإنسان في الغذاء أو السكن أو التعليم أو الصحة، ورفضها نابع من فكرها الإقتصادي، فهذه الأمور سلع والسوق يحدد قيمتها وعلى المواطن شراءها بالسعر الذي يحدده السوق. ونراها اليوم في العراق تضغط في سبيل رفع أو تقليص البطاقة التموينية أو دعم المنتجات الأساسية للحياة، ولقد نجحت في أمور كثيرة في هذا المجال ولكن لم تستطع أن تلغ البطاقة التموينية بسبب الضغط الشعبي في بقاءها. على أية حال لقد انسحبت الولايات المتحدة من منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومقرها سويسرا، وذلك في أوائل هذا الشهر حزيران/2008. وفي موضوع الأسلحة البيولوجية وافقت الأمم المتحدة على إتفاقية لتحريمها، ووقعتها وصادقت عليها أكثر من (145) دولة. إن الإتفاقية تلزم الدول المصادقة عليها بأن لا تخترع أو تصنع أو تخزن أو تستعمل أو تتاجر بالأسلحة البيولوجية، وإن تتلف ما لديها من مخزون. وعندما عقد مؤتمر دولي في سنة 2001 جنيف لغرض إعداد بروتوكول ملحق بها ينظم عملية التفتيش في أراضي الدول الموقعة عليها، رفضت الولايات المتحدة توقيع البروتوكول، وأصرت على الرفض، مما أفشل المؤتمر، وأفشل تنفيذ الإتفاقية. لقد وصلت الولايات المتحدة "القمة" في معاداة البيئة، والخروج على الإجماع الدولي عندما رفضت حكومة بوش التصديق على إتفاقية كيوتو التي وقعت في اليابان في 11/12/1997، والتي كانت حكومة كلنتون قد وقعتها سابقاً. وهي الإتفاقية التي تحد من إطلاق غاز ثاني اوكسيد الكاربون نتيجة حرق المواد الكاربونية أو الهيدروكربونية، مما يؤدي إلى الإحتباس الحراري، وأخطاره المستقبلية على كامل الأرض. وهناك تفاصيل حول هذا الموضوع في كتابي المعنون "الطاقة: التحدي الأكبر للقرن الحادي والعشرين"، والذي صدر في أيلول/2005. علماً إن هذه الإتفاقية أصبحت قانوناً دولياً، بعد تصديق روسيا عليها في عام (2005)، ولكن استمرت إدارة بوش برفض التصديق عليها رغم الضغوط الكبيرة للدول الأوربية عليها. إن عدم تطبيق هذه الإتفاقية سيؤدي إلى كوارث حقيقية، بدءاً من العقد الثالث لهذا القرن، وإن بوادر هذه الكوراث بدأت بالظهور خلال السنوات الأخيرة. وتستمر أمريكا بالإستهانة بالمجتمع الدولي، وحتى بالإتفاقيات التي وقعتها سابقاً، فلقد ألغت حكومة بوش في كانون الأول/2001 ومن جانب واحد، المعاهدة التي وقعتها أمريكا مع الإتحاد السوفياتي في عام 1972، وأُعتبرت في حينه بداية نهاية الحرب الباردة، حول الحد من إنتشار الصواريخ عابرة القارات. والآن تبدأ بحرب باردة جديدة ضد روسيا والصين ببناء مشروع الدرع الصاروخي، والذي سيؤدي إلى سباق تسلح جديد. كما وأنها حالياً وبالتنسيق مع إسرائيل تريد أن تضرب إيران، وتوصلها إلى المرحلة التي وصلها العراق الآن، بإدعاء باطل حول القنبلة النووية الإيرانية، وهو إدعاء نفته المخابرات الأميركية نفسها. ولكن من الواضح إنها لا تريد لإيران وغيرها من دول الشرق الأوسط من إمتلاك ناصية العلم النووي، وبضمنه تخصيب اليورانيوم لأغراض محطات الكهرباء النووية وهي إحدى بدائل الطاقة المهمة المستقبلية حين ينضب النفط. وهي في هذه العمليات تريد أن تجر العراق والبلاد العربية في حربها "غير المقدسة" ضد إيران، وكما سنوضح ذلك في الفصل القادم. إني أستغرب أن يفكر أحد في توقيع معاهدة أمنية مع دولة كهذه، ناهيك عن أنها معاهدة إستراتيجية طويلة الأمد. فالعراقي الذي يريد توقيع مثل هذه المعاهدة، وهو من البلد الذي عانى ما لم يعانه أي شعب في العالم من هذه الدولة، عليه أن يعيد النظر، ويتذكر العراقيين!!.
الفصل الثالث ماهي مسودة المعاهدة الستراتيجية الأمنية طويلة الأمد؟؟، ومناقشتها!!
لقد ذكرت في بداية هذه الدراسة بأنني لا أملك نص مسودة هذه المعاهدة، إذ لم ينشر لحد الآن النص الكامل من قِبَل أية جهة رسمية عراقية أو أميركية، وإن ما نشر كان فقرات مختلفة منها، وذلك في بعض الصحف الأجنبية الرصينة، ثم تناقلتها وكالات الأنباء الأجنبية والصحف والمواقع الإلكترونية العربية والعراقية المختلفة، وصارت ولا تزال حديث الساعة، وتحليلات الكتـّاب والمعلّقين. لهذا ليعذرني القارئ، إذ جاءت بعض الأخبار غير أو "نصف" دقيقة، ولا ألوم في هذا الأمر إلا الحكومة العراقية التي لم تنشر الإتفاقية لحد الآن برغم القول بأنها ستعتمد "الشفافية" و"مفاتحة الشعب" و"ستفتح المجال لمناقشتها"، وغيرها من الأقوال دون الأفعال؛ لقد إستقيت هذه المعلومات من الصحف ووكالات الأنباء، ولكن لم اعتمدها كحقيقة كاملة، وحاولت مناقشتها وتحليلها لإقناع نفسي بالنتائج أولاً، وثم بطرحها على القارئ لمحاولة إقناعه، وبالأخص الجمهور العراقي، وأعضاء مجلس النواب، والساسة العراقيين الذين لديهم معلومات وأفكار غير واضحة أو غير متبلورة حول الإتفاقية. هنا سأستعمل كلمات الإتفاقية أو المعاهدة أو الإتفاق، وكلها لها نفس المعنى. علماً أن هناك تعبيراً آخراً، بدأت تستعمله الإدارة الأميركية وهو "تحالف"، أو "إتفاقية ثنائية"، بدلاً من "معاهدة" لتجنب عرضها على الكونغرس، وسنوضح ذلك لاحقاً. كما يظهر لي إن ما نشر حول محتويات الإتفاقية، هو أمر صحيح بصورة عامة، لأن حديث وأجوبة المسؤولين العراقيين والأميركان ومن مختلف المصادر الرسمية، لم تنف هذه المعلومات، أو تقول إنها "خاطئة" أو "مشوّهة" أو "مزيفة"، وإنما قالت إن ما نشر مسودة أميركية"، وهناك "مسودة عراقية"!!، وغيرها من الأقوال التي سنتعرض لها لاحقاً. لذا فإن ما يقوله البعض بأن علينا الإنتظار لحين صدور المعاهدة رسمياً، وثم نتحدث عنها!!، بإعتقادي إن هذا الرأي غير صحيح، إذ أن ما صدر عنها صحيح وعلينا الكتابة حولها ورفضها، كما أحاول أن أؤكد هنا، وإلا سوف لن يكون لنا الوقت والمجال للمناقشة وتبيان ضررها (أو فائدتها إن وجدت!!)، فالأميركان يريدون أن ينتهي كل شئ في نهاية تموز لأسباب متعلقة بالإنتخابات الأميركية!!، وهو أيضاً الموعد المتفق عليه بين السيد وبوش في نهاية تشرين الثاني/2007. أود أن أوضح أنني في هذه الدراسة أتحدث فقط عن "الإتفاقية الأمنية والعسكرية"، ولا أتحدث مثلاً عن "الإتفاقية العلمية والتكنولوجية"، ففي الولايات المتحدة أعلى التكنولوجيات وأحدثها، وأفضل الشركات الهندسية، وأحسن الجامعات، ومنها، (ومن بريطانيا)، تخرج أفضل العلماء والمهندسين والأطباء والإقتصاديين العراقيين، وغيرهم من مثقفي العراق والذين في غالبيتهم تشتتوا في كل بقاع الأرض، أو استشهدوا على أرض الوطن، ومنذ بدأ الإحتلال لحد الآن. كما أنني لا اتحدث عن "الإتفاقية التجارية"، ففي الولايات المتحدة أفضل المعدات وآخر الإختراعات وأحسن المعامل وهناك فائض في الغذاء مثل الحنطة والعلف ومنتجات الألبان واللحوم، ونحن بحاجة إلى ذلك، كما وإن لدينا إتفاقية تجارية مع العديد من البلدان. المفروض أن نوازن في إتفاقياتنا العلمية والتجارية بين مختلف بلدان العالم لتجنب حشرنا في "الزاوية" في يوم من الأيام، والتوازن يعني الحياد في علاقاتنا الدولية لفائدة العراق. كانت النيويورك تايمز قد ذكرت في 25/11/2007، "إن الإدارة الأميركية قد خفضت من سقف أهدافها السياسية في العراق، بغية إحراز تقدم سريع على خط المصالحة الوطنية في البلاد، ويشمل التخفيض تمرير قانون النفط – أي تأجيله – ، وتأجيل الإنتخابات المحلية"، ولكن واشنطن لن تتخلى عن أهدافها السياسية الأساسية وتشدد على ضرورة تحقيقها في نهاية المطاف، والمقصود بهذه الأهداف "الشراكة الستراتيجية" و"قانون النفط"، وتستمر الجريدة لتقول "إن البيت الأبيض قد أرسل في أوائل تشرين الأول مجموعة من كبار مستشاريه إلى العراق للعمل في بغداد. وفيهم روبن جفري الثالث، وكيل وزارة الخارجية لشؤون الإقتصاد والطاقة للعمل على الميزانية وقانون النفط، ودافيد ساترفيلد، المستشار الأقدم في وزارة الخارجية لشؤون العراق، للعمل على الإنتخابات المحلية وقانون المساءلة، وكذلك بريت مكاكرك، مدير مكتب العراق في مجلس الأمن القومي الأميركي، لتمديد بقاء القوات الأميركية وتحقيق الإتفاقية الأمنية". هذا ولقد صدر بيان صحفي في 26/11/2007، من كل من رئاسة مجلس الوزراء، والبيت الأبيض، تحت عنوان "إعلان مبادئ لعلاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية". ليعذرني القارئ عن الإطالة في هذه الفقرة، وسبب الإطالة، هو أن هذا "الإعلان" يمثل الأساس الذي بُنيت عليه الإتفاقية الأمنية التي نحن بصددها. لقد وقع "إعلان المبادئ" كل من السيد رئيس الوزراء والرئيس بوش وكما ظهر في النسخة الصادرة من البيت الأبيض. وهذا الإعلان يتحدث عن ثلاثة آفاق للتعاون، وذلك بعد أن يشير في مقدمته إن الرئيس بوش يؤيد البيان الصادر من القيادات السياسية العراقية في 26/8/2007 ويعتمده في توقيع هذا الإعلان. علماً إن البيان الصادر في 26/8/2007، والذي أكدته الحكومة العراقية، كان وقع من قبل القادة السياسيين الخمسة، (جلال الطالباني وعادل عبدالمهدي وطارق الهاشمي ونوري المالكي ومسعود البارزاني)، ويعتبر اساس "إعلان المبادئ"، المذكور أدناه. إن الآفاق الثلاثة للتعاون هي: الأول: المجال السياسي والدبلوماسي والثقافي. وأهم ما فيه الفقرة (1)، والتي تقول: "دعم الحكومة العراقية في حماية النظام الديمقراطي في العراق من الأخطار التي تواجهه داخلياً وخارجياً". والفقرة (5)، التي تقول "العمل والتعاون المشترك بين دول المنطقة والذي يقوم على أساس من الإحترام المتبادل وإعتماد لغة الحوار البناء في حل المشكلات بين مختلف دول المنطقة". أما الفقرة (6) فتقول: "تشجيع الجهود السياسية الرامية إلى إيجاد علاقات إيجابية بين دول المنطقة والعالم.... . مما يعزز أمن المنطقة وإستقرارها...". لا أعرف كيف يتم الحوار المشترك بين دول المنطقة، وأميركا لا تقبل أن تتفاوض مع سورية أو إيران أو حماس أو حزب الله في لبنان، وتهددهم دائماً وتعتبرهم محاور الشر والإرهاب. هل المقصود هنا إن إسرائيل ضمن هذه العملية "في التعاون المشترك بين دول المنطقة"؟!. وهل سيقوم العراق بإعتبار هذه الجهات والدول هي محوراً للشر!!؟. الثاني: المجال الإقتصادي. من الفقرات التي جذبت نظري في هذا المجال هي الفقرة (1) التي تقول "دعم جمهورية العراق للنهوض في مختلف المجالات الإقتصادية وتطوير قدراته الإنتاجية ومساعدته في الإنتقال إلى إقتصاد السوق". والفقرة (3)، تتحدث عن "مساعدة العراق في بناء مؤسساته الإقتصادية وبناه التحتية وتدريب وتطوير الكفاءات والقدرات لمختلف المؤسسات". والفقرة (5) تتحدث عن "تسهيل وتشجيع تدفق الإستثمارات الأجنبية وخصوصاً الأميركية إلى العراق". من أعلاه نرى إن الحكومة العراقية قررت "الإنتقال إلى إقتصاد السوق"، وبأخذ التدريب المقترح بنظر الإعتبار، سيكون "إقتصاد السوق" هذا على الطراز الأميركي وليس على الطراز الأوربي والياباني أو حتى السعودي. في الطراز الأميركي كل شئ مخصخص، حتى النفط، والدولة ليس لها دور عدا المراقبة العامة، وهذا أمر لا يمكن أبداً تنفيذه في العراق، حيث ان الدولة تملك في كل الأحوال أكثر من 90% من الإقتصاد العراقي وهو النفط، فهل هناك نية لتبديل هذا الوضع والبدء بخصخصة إنتاج النفط كما تقترح "مسودة قانون النفط والغاز". الثالث: المجال الأمني. وهو المحور الأهم بنظرنا، حيث تقول الفقرة (1)، "تقديم تأكيدات وضمانات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي يتسهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة أراضيه ومياهه وأجوائه". والفقرة (2)، "مساعدة الحكومة العراقية لمكافحة المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميين وكل المجاميع الخارجة عن القانون بغض النظر عن إنتماءاتها... واجتثاثها من العراق على أن تحدد اساليب وآليات المساعدة ضمن إتفاقية التعاون". والفقرة (3) تتحدث عن "تدريب وتجهيز وتسليح القوات المسلحة... وحسب طلب الحكومة العراقية". نرى في هذا المجال مطاطية كبيرة في المفاهيم، فكل جانب يفهم الأمر بطريقته، وخاصة في الفقرة (2). مثلاً من يقرر هذه المجاميع هي القاعدة أو الصداميين أو الخارجة على القانون؟، فالجانب العراقي يفهم بأنه هو من يقرر، وبالتأكيد فإن الجانب الأميركي يعتقد انه هو من يقرر في النهاية، وبهذا سيكون هناك تدخل كبير في شؤون العراق. ثم من هم "المجموعات الإرهابية"؟. فالأميركان سيقولون عن كل معارض لوجودهم انه إرهابي!!، وأثبتت تجارب سنوات الخمس الماضية ذلك!!. يستمر إعلان المبادئ ليقول: "تتولى الحكومة العراقية تأكيداً لحقها الثابت بقرارات مجلس الأمن الدولي طلب تمديه ولاية القوات متعددة الجنسيات للمرة الأخيرة وإعتبار موافقة مجلس الأمن الحالة في العراق لم تعد بعد إنتهاء فترة التمديد المذكورة تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وما ينتج عن ذلك من إنهاء تصرف مجلس الأمن بشأن الحالة في العراق على وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بما يعيده إلى وضعه الدولي والقانوني السابق لصدور قرار مجلس الأمن رقم (661) في آب 1990، ليعزز الإعتراف والتأكيد على السيادة الكاملة للعراق على أراضيه ومياهه وأجوائه وسيطرة العراق على قواته وإدارة شؤونه، وإعتبار هذه الموافقة شرط لتمديد القوات". إن ماء جاء أعلاه يؤكد ما أوضحناه في الفصل الأول، فإن البند السابع يصف "الحالة" وليس الدولة. وإذا كانت "الحالة" في سنوات الخمس الماضية تشكل "تهديداً للسلام والأمن الدوليين" فالدولة الملامة ليست العراق وإنما الولايات المتحدة، لذا أستغرب قبول العراق بتوقيع الصيغة أعلاه كأنها تريد أن تضع العراق في مسؤولية هذه الحالة، إضافة لذلك ما هو الفرق بين "الحالة" في 31/12/2008، و"الحالة" في 1/1/2009؟، إذ لا يوجد فرق بالمرة، وهذا يعني إن "الحالة" قبل 31/12/2008 لا تستدعي وجود البند السابع، وهذا ما حاولنا توضيحه في الفصل الأول. ومن الملاحظ كذلك ان مقدمة "إعلان المبادئ" هذه، تقول إن علاقة التعاون والصداقة طويلة الأمد هي "بين بلدين كاملي السيادة والإستقلال"، بينما ما مذكور أعلاه يعطي الصورة بأن العراق ناقص السيادة إلا بعد أن يتخذ الإجراء المقترح بقيام العراق بمفاتحة مجلس الأمن لإتخاذ ما مذكور حول عدم تمديد السماح للقوات الأجنبية!!!. إن هذا الجزء من "البيان" هو تلاعب كبير بالألفاظ. هل نحن الآن دولة "ناقصة" السيادة؟ (وهذا ما أؤيده أنا)، وهل العراق سيصبح "كامل" السيادة عند توقيعه "إتفاقية الوصاية" مع الولايات المتحدة؟، وجوابي طبعاً سيكون كلا ثم كلا، إذ إن هذا الكلام لا يحمل ذرة من المنطق!!. يستمر "البيان" ليقول، "وإعتماداً على ما تقدم تبدأ وبأسرع وقت ممكن مفاوضات ثنائية بين الحكومتين العراقية والأميركية للتوصل قبل 31/7/2008 إلى إتفاقية بين الحكومتين تتناول نوايا التعاون والصداقة بين الدولتين المستقلتين وذاتي السيادة الكاملة في المجالات السياسية والثقافية والإقتصادية والأمنية". علماً إن الصيغة الإنكليزية الصادرة من البيت الأبيض تختلف، إذ تقول "....... للتوصل قبل 31/7/2008 إلى إتفاقيات بين الحكومتين في المجالات السياسية والثقافية والإقتصادية والأمنية". إن التأريخ المحدد، هو 31/7/2008، وبضمنه ضرورة إقرار البرلمان العراقي للإتفاقية، إذ إن هذا الأمر من صلاحية البرلمان حصراً، وهذا التأريخ ينسجم مع متطلبات السياسة الأميركية الداخلية، حيث تجري الإنتخابات الأميركية في تشرين الثاني 2008. ولكن الأمر بالتأكيد لا ينسجم مع المتطلبات السياسية الداخلية العراقية، فمن غير المعقول والمنطقي أن توقع "معاهدة ستراتيجية" تقرر مصير العراق إلى ما شاء الله، ومع حكومة أميركية لم يبق لديها من العمر غير اربعة أشهر فقط. في كل الأحوال وبسبب الرفض الكبير جداً للإتفاقية، فإنها سوف لن تكمل بنهاية تموز، ونأمل ونعتقد أيضاً إن الشعب العراقي ومجلس النواب سوف يعملان على أنها لن تكمل بالمرة!!.
1- المعلومات المنشورة عن مسودة المعاهدة. كتبت "الغارديان"، الصحيفة البريطانية الرصينة، في 8/4/2008، مقالاً تحت عنوان "خطة أميركية سرية للمستقبل العسكري، (الأميركي)، في العراق. وثيقة لمخطط تمهيدي للنفوذ، (الأميركي)، ولكن لا يحدد سقفاً زمنياً لوجود القوات العسكرية، (الأميركية)، في العراق". حيث كشفت الصحيفة عن "وثيقة" سرية تتحدث عن مسودة إتفاقية، يُمنح بموجبها الأميركيون وجوداً عسكرياً مفتوحاً في العراق. وتعود "الوثيقة" إلى السابع من آذار الماضي (2008)، وتهدف الوثيقة لإستبدال "تفويض" الأمم المتحدة الذي يحدد شروط التواجد الأميركي والدول المتحالفة مع الولايات المتحدة بإتفاق جديد يمنح القوات الأميركية حق القيام بعمليات عسكرية في العراق وإعتقال اشخاص عراقيين في عمليات أمنية وعسكرية، وبدون تحديد فترة زمنية لبقاء هذه القوات. وتصف "الوثيقة" التفويض الجديد بأنه "مؤقت"، كما تشير إلى أن الولايات المتحدة لا ترغب بإقامة قواعد عسكرية "دائمة" في العراق، أو وجود "دائم" لها. وتضيف الصحيفة بأن "عدم وجود وقت محدد، أو عدم وضع محددات على عمليات القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق، سيؤدي إلى معارضة قوية في العراق وكذلك داخل الولايات المتحدة". وتشير الصحيفة كذلك إلى أن منتقدي الحرب على العراق سيشيرون إلى أن الإتفاق المقبل لا يحتوي على بند يتحدث عن مدة زمنية للتواجد العسكري الأميركي ولا عن عدد القوات أو طبيعة الأسلحة المسموح لهم بنشرها، كما لا تشير "الوثيقة" للوضع القانوني والسلطات التي يتمتعون بها على العراقيين، ويرون إن هذا الإتفاق يعتبر أوسع من أي إتفاق عسكري بين أمريكا ودول أخرى. في 19/5/2008، تحدث الدكتور احمد الجلبي، في ندوة في نادي الصيد مع الأكاديميين العراقيين، والدكتور الجلبي هو أحد السياسيين العراقيين البارزين الذين دخلوا العراق مع القوات الأميركية، وكان له نفوذ كبير بين الأميركان في بداية الإحتلال، واصبح أحد أعضاء مجلس الحكم، و"خفـّت" علاقته مع الأميركان في السنوات اللاحقة، لأسباب معلنة وخفية، وليس هنا مجال للحديث عنها، ولكنه ذهب بعد ذلك للولايات المتحدة عدة مرات وإستمرت علاقته الجيدة مع المحافظين الجدد، وإني إذ أورد بعض أقواله هنا فلأنه كان يمثل أحد الأعمدة البارزة التي دخلت مع الأميركان في إحتلالهم العراق. ونقلاً عن موقع "إيلاف"، فإنه، في أثناء هذه الندوة التي كانت حول الوضع العراقي الحالي، تحدث عن الإتفاقية، وأشار إلى أن معلوماته هي حسب ما طرح في الصحف الأميركية، وقال: "هذه الإتفاقية تعد قضية جدية ومهمة وفيها إلتزامات وتطورات قانونية أهمها أن وجود القوات الأجنبية في العراق خاضع لقرار مجلس الأمن.... الإتفاقية الأمنية هذه سترفع هذا الغطاء الدولي والأممي عن بقاء القوات الأجنبية في العراق، وتكون علاقة العراق هي فقط بالولايات المتحدة علاقة ثنائية"، ويستمر ليقول: "إن الإتفاق يؤكد إن الحكومة الأميركية تطالب مثلاً بإستمرار حق إلقاء القبض وتوقيف العراقيين دون العودة إلى الحكومة العراقية، الآن هناك (23) الف عراقي معتقل لدى الأميركان، وليس هناك أية إجراءات قانونية حسب الدستور العراقي تمارس بحقهم..... الدستور العراقي يقول إن العراقي لا يعتقل إلا بأمر قضائي صادر عن قاضي تحقيق من خلال تهمة موجهة إليه خلال فترة محدودة (72) ساعة.... الآن هناك معتقلون أمضوا (4) سنوات ولم توجه إليهم أية تهمة... عندما نسأل الأميركان، يقولون أن هؤلاء موقوفون حسب معلومات إستخبارية تهدد أمننا، وطريقة معالجتهم قضائياً ستكون من خلال لجنة مؤلفة من وزارات الدفاع والداخلية والعدل وضابط أميركي وليس لجنة قضائية.... وهذا الأمر مخالف للدستور العراقي"، ويضيف "نحن لا نقول اننا لسنا بحاجة إلى الإتفاقية، ولكننا نقول أن ليس هناك بحث حول الإتفاقية الأمنية، إذ لم يُطرح هذا الموضوع في مجلس النواب، ولم تُتَّخذ الإجراءات بهذا الخصوص. كم مقال نشر في الصحف العراقية؟، وكم ندوة تلفزيونية بحثت الإتفاقية الأمنية؟. لم يحدث ذلك إطلاقاً". لنتذكر إن حديثه كان في 19/5/2008، حيث كانت المعلومات والمناقشات حول الإتفاقية محدودة، أما دور الإعلام العراقي فقد كاد أن يكون صفراً!!. ثم جاءت المقالة الأهم في فضح هذه الإتفاقية وذلك من خلال الصحيفة البريطانية الرصينة "الاندبندنت". إذ كتب الصحفي البريطاني اللامع والشهير باتريك كوكبرن مقالاً في هذه الصحيفة في 5/6/2008، وتحت عنوان، "الاندبندنت تكشف خطة سرية لبقاء العراق تحت السيطرة الأميركية".، وبعنوان أصغر "بوش يريد (50) قاعدة عسكرية، والسيطرة على الأجواء العراقية، وحصانة قانونية للعسكريين والمتعاقدين الأميركان". ولقد أفردت الجريدة صفحتها الأولى بالكامل لهذا المقال، حيث تقول "إن بنود الإتفاقية، وشيكة الحدوث، وتفاصيلها قد تسربت إلى الاندبندنت، ويرجح لها أنها عند نشرها سوف تؤدي إلى إنفجار سياسي مؤثر في العراق. إن المسؤولين العراقيين يخشون من أن الإتفاق الذي يتضمن قيام القوات الأميركية بالتواجد في قواعد دائمة لها في العراق، وقيامها بعمليات عسكرية بدون الرجوع للحكومة العراقية، وتعتقل عراقيين، ولها حصانة من القوانين العراقية، مما سيؤدي الأمر إلى أن يفقد العراق توازنه اللازم في الشرق الأوسط، كما إنها ستؤدي إلى نزاعات لا نهاية لها في العراق". ويضيف المقال: "أن الإتفاق سيثير أزمة سياسية في الولايات المتحدة أيضاً، حيث أن الرئيس بوش يدفع بإتجاه إنجاز توقيعه في نهاية الشهر القادم – تموز – ، وبهذا يستطيع أن يعلن إنتصاراً عسكرياً، ويدّعي أن غزو العراق في 2003 لم يذهب هباءاً وتمت تبرأته. ولكن هذا الأمر يجعل الوجود الأميركي في العراق وجوداً دائماً، فإن هذه الإتفاقية ستؤثر على التعهدات التي قطعها على نفسه أمام جمهوره، المرشح الديمقراطي للإنتخابات الرئاسية القادمة باراك أوباما، بأنه سيسحب القوات الأميركية في حالة فوزه.... كما وإن الإتفاقية سترفع من سمعة المرشح الجمهوري لهذه الإنتخابات، جون ماكين الذي إدعى أن الولايات المتحدة على وشك أن تحقق نصراً في العراق، وهو نصر سيلقي به اوباما عرض الحائط بتعهده بإنسحاب عسكري دائم". وحسب الإتفاقية الأمنية فإن الولايات المتحدة ستحتفظ بإدارة (50) قاعدة عسكرية، وحصانة للقوات الأميركية وللمتعهدين التابعين للشركات الأميركية الخاصة. كما سيطلق يد الولايات المتحدة لكي تقوم بعمليات وإعتقالات بدون إستشارة الحكومة العراقية. وتؤكد الصحيفة "إن طبيعة المطالب الأميركية ظلت طي الكتمان لحد الآن". ونقلت الصحيفة عن سياسي عراقي قوله "إن الإتفاقية تعتبر خرقاً رهيباً للسيادة العراقية، وأضاف قائلاً إنه لو تم توقيع الإتفاقية فإن هذا يعني فقدان الحكومة في بغداد شرعيتها وسينظر إليها على أنها تابع لأمريكا". وتستمر الصحيفة لتقول، في الوقت الذي نفت فيه الحكومة الأميركية مراراً نيتها إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق، إلا إن مصدراً أكد إن هذا لم يكن إلا تعمية. وأشارت إلى أن واشنطن ترغب بالسيطرة على المجال الجوي العراقي تحت سقف 29 ألف قدم (حوالي 9.4 كيلومتر)، وأن تحتفظ بحق مواصلة ما أطلق عليه بوش حربها على الإرهاب، مما يعني إمتلاك صلاحية إلقاء القبض على من تشاء وإطلاق عمليات عسكرية بدون إي إستشارة من الحكومة العراقية. وأكدت الصحيفة ما قالت إنه عزم بوش لإجبار الحكومة العراقية على توقيع إتفاقية تحالف ستراتيجي بدون أية تعديلات مع نهاية تموز القادم. وتقول الصحيفة "من المعتقد إن رئيس الوزراء، نوري المالكي، هو نفسه معارضٌ لبنود هذه الإتفاقية، ولكن يعتقد إن حكومته الإئتلافية سوف لا تصمد بدون الدعم الأميركي"، كما تضيف "إن الولايات المتحدة ترفض فكرة عرض الإتفاقية على إستفتاء عام خشية أن يتم رفضها". وقالت الصحيفة أيضاً "إن الحكومة العراقية تحاول تأجيل توقيع الإتفاقية إلا إن مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني يحاول الدفع بإتجاه توقيعها من خلال التأثير على السفير الأميركي في بغداد رايان كروكر". وتنهي الصحيفة مقالها لتصف الوضع العراقي وما تعتقده رأي القوى العراقية في الإتفاقية، فتقول: "إن توقيع الإتفاقية الأمنية، بموازاة إتفاق يجعل للقوات الأميركية وضع أساس قانوني لوجودها، سيكون من غير المحتمل بأن يتم قبوله من غالبية العراقيين. ولكن الكورد، الذين يمثلون حوالي خمس سكان العراق، فإن من المحتمل أنهم يفضلون إستمرار الوجود الأميركي، وكذلك القيادات السياسية للعرب السنة والذين يريدون وجوداً أميركياً للتخفيف من قوة الشيعة. أما بالنسبة للجماهير السنية، والتي بصورة عامة أيدت حرب المقاومة ضد القوات الأميركية، فيحتمل إنقسامها حول هذا الموضوع". لقد تناولت الصحف ووكالات الأنباء العالمية والعربية والعراقية والمواقع الإلكترونية هذه المقالة والتعليق عليها، وأود أن أذكر ما قالته صحيفة القدس العربية اللندنية في 6/6/2008، حيث نقلت نصوص كاملة من المقالة والإتفاقية، وأوردت عن لسان السيد علي علاوي، وزير المالية السابق قوله "إن الإتفاقية تضع الكثير من الأسئلة حول حقيقة إستقلال العراق... وذكّر بالمعاهدة العراقية – البريطانية التي وقـّعت في سنة 1930، وكانت مسؤولة عن تسميم المناخ السياسي العراقي لأكثر من ربع قرن.... وإن المسودة التي تم توزيعها تثير أسئلة طويلة المدى حول سيادة وإستقلال العراق، وأشار إلى أن الإتفاقية سيتم تقديمها من خلال وعود بدعم عسكري وإقتصادي إلا أنها لا تختلف عن معاهدات وقع في شركها العراق في السابق". أود أن أوضح هنا، أن عدداً كبيراً من الكتـّاب كتب في مسألة الإتفاقية، وذكر قسم منهم ما سماه "بنوداً سرية"، عدا ما أعلن عنه في الاندبندنت، وإنني إذ أُشير إلى قسم منها هنا، هو فقط لإعلام القارئ عن بعض مما كتب، أما في مناقشتي لموضوع الإتفاقية فسأتكلم فقط عما جاء في الاندبندنت من معلومات والتي لم يُكذّبها أي من السياسيين العراقيين، علماً أنه لم يكذب السياسيون "البنود السرية" ايضاً. لقد كتب السيد حسن المالكي (تجمع صرخة العراق)، مقالة بعنوان "حقيقة المفاوضات حول الإتفاقية الأمنية طويلة الأمد، نشرها موقع البديل في 6/6/2008، ذكر وضمن مقالة "أن أمريكا تشدد في الإتفاقية على أن تكون لها السيطرة المطلقة على الأجواء العراقية والدخول غير المشروط إلى الأراضي والموانئ العراقية، وأن يكون لها سجون خاصة لإعتقال العراقيين، ولا يطبق في سجونها القانون العراقي بما في ذلك قانون العفو العام، وأن لها الحق في إستقدام جيوش أجنبية لدعم الوجود الأميركي دون موافقة الحكومة العراقية، وأن يكون لها الحق أيضاً في إدخال معدات عسكرية أو نفايات المواد النووية أو الكيمياوية لطمرها داخل الأراضي العراقية دون حق للحكومة العراقية في التفتيش أو الرفض أو المحاسبة". ويضيف "المشكلة أن المفاوضات الأمنية العراقية محاطة بسرية تامة رغم أنها تشكل خطراً في كل بنودها على السيادة العراقية والأمن القومي العراقي لا بل إن العراقيين لا يعلمون حتى من هو وفدهم المفاوض!.". أما موقع "ثوابتنا" فلقد نشر في 14/6/2008، ما سماه "البنود السرية في الإتفاقية الأمنية بين الحكومة العراقية وأمريكا" كما أعلنتها الواشنطن بوست، وقال إن الواشنطن بوست كانت قد ذكرت في عددها الصادر في 12/6/2008 بنود الإتفاقية، وأدناه – كما يقول الموقع – "إستخلاصاً لأهم البنود السرية". مع الأسف لم يتسنى لي الإطلاع على العدد المذكور من الواشنطن بوست (وهي جريدة أميركية رصينة)، وكرر المقال معظم الذي تم ذكره سابقاً، عدا الأمور التالية التي لم يتم ذكرها وهي "إعتماد تعبير إتفاقية وليست معاهدة"، "لا يحق للحكومة العراقية تحديد حركة وتحركات القوات الأميركية والمتعاقدين معها، ولا تحديد المساحات التي يمكن أن تشغلها ولا الطرق المستعملة في تحركاتها"، والمسألة المهمة المذكورة في هذه المقالة هي "يحق للقوات الأميركية شن الهجوم على أية دولة تهدد الأمن في المنطقة أو تهدد السلم الدولي، أو أية دولة تسيء للحكومة العراقية أو تحرض على الإرهاب، ومن حق القوات الأميركية الإستفادة من الأراضي العراقية والإستفادة من برها ومياهها وجوها."، وكذلك "لا يحق للحكومة العراقية عقد المعاهدات أو الإتفاقيات مع دول الإقليم ودول العالم دون موافقة الجانب الأميركي والتشاور معه"، وكذلك "تخضع وزارتي الدفاع والداخلية وكذلك الإستخبارات العراقية للقوات الأميركية ولمدة عشر سنوات قابلة للتمديد، ويكون سلاح وعتاد القوات العراقية بكل تشكيلاتها خاضعاً لموافقة القوات الأميركية". هذا وبرأيي إن ما موجود في النصوص "العلنية" يكفي لرفضها، وبالواقع إن أي نص مذكور في صحيفة الإنديبندنت يكفي لرفض هذه الإتفاقية، ولا حاجة حتى تذكر "البنود السرية"، في حالة وجودها!!. 2- ماذا حدث في هذه الأثناء، وبعد نشر معلومات عن مسودة الإتفاقية. لقد صرح السيد علي الدباغ الناطق الرسمي بإسم الحكومة العراقية إلى راديو سوا "إن المحادثات العراقية الأميركية لا تزال في مراحلها الأولى... مشدداً على أن لدى الجانب العراقي رؤية ومسودة تختلفان عن رؤية الجانب الأميركي". وهذا التصريح يعني، وبعد أن ظهر الرفض الشديد للإتفاقية، إنه يحاول أن يُخفف من هذا الرفض، وأن يقول أن هناك مسودتين للمعاهدة: مسودة عراقية ومسودة أميركية، وما نشر هو المسودة الأميركية، ولكن السيد علي الدباغ لم ينشر المسودة العراقية أو يعلمنا بمحتواها أو حتى يذكر بنداً منها. بإعتقادي إن ما ذكره المسؤول الحكومي، لم يكن صريحاً أو صحيحاً، وسأُبين لماذا يكون إعتقادي هكذا!!. ونشرت بعض المعلومات في شهر نيسان الماضي إن السيد موفق الربيعي، (مسؤول الأمن القومي، والذي عينه بريمر بهذا المنصب لمدة خمس سنوات على أن لا يتم تبديله)، قام بزيارة المرجع الديني الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، وحاول أن يراجع معه مسودة الإتفاقية وأن يأخذ بركته عليها. رفض السيد السيستاني مناقشة المعاهدة أو الإطلاع عليها أو إبقاء نسخة منها لديه أو لدى إبنه لغرض الإطلاع عليها لاحقاً، وكان الرفض قاطعاً. ولقد زار السيد رئيس الوزراء السيد السيستاني عدة مرات بعد ذلك، آخرها في أواخر أيار الماضي، وحسب ما جاء في موقع "البديل العراقي" نقلاً عن موقع "الوسط" في 31/5/2008 فإن السيد المالكي قام بزيارة مفاجئة للسيد السيستاني بغية الحصول على دعمه في تأييد كتلة الإئتلاف العراقي التي تعاني من ضعف وتفكك، إلا إن السيستاني رفض بشكل قاطع معتبراً إن التجربة لم تكن مشجعة على الإطلاق، وإنه يشعر بخيبة أمل من نواب كتلة الإئتلاف، مؤكداً إنه لن يتدخل في موضوع الإنتخابات، سواء الخاصة بالمحافظات أو البرلمانية. وذكرت المصادر "للوسط" إن السيد السيستاني أبدى معارضته للإتفاقية الأمنية التي تنوي الحكومة إبرامها مع الولايات المتحدة، ولم يقتنع بوجهة النظر التي حملها المالكي بشأن الإتفاقية، حيث أظهر السيد السيستاني رفضه لعقدها، معتبراً إنها تسيء إلى إستقلال وسيادة العراق، أما صحيفة الحياة فلقد قالت في 29/5/2008، من "أن مصادر قريبة من مكتب السيد السيستاني أبلغت صحيفة الحياة، إنه دعا رئيس الحكومة خلال زيارته الأخيرة إلى النجف أخيراً إلى التعامل الحذر مع المعاهدة، ودعاه إلى تنظيم إستفتاء حولها". ولم يقبل السيستاني نهائياً مناقشة الموضوع، أو الإطلاع على مسودة الإتفاقية، وإنما، كما قالت المصادر المنشورة، كان يؤكد ضرورة إجماع الشعب عليها. وحسب المعلومات التي توفرت لدي شخصياً من أشخاص زاروا السيد السيستاني، فإنه قال لهم إنه يرفض أية معاهدة مع الولايات المتحدة ويعتبرها خطراً جسيماً على العراق. والآن لنستمر بمناقشة هذه الفقرة، إن كانت هناك إتفاقيتان، فأي من الإتفاقيتين أُريد عرضها على السيد السيستاني؟ وهل يعقل أن تقدم له المسودة العراقية والأميركان لم يوافقوا عليها بعد، إذ لو كانوا قد وافقوا عليها لكانت هناك مسودة واحدة. المنطق يقول أن المحاولة كانت لعرض المسودة المتفق عليها في النصف الأول من آذار/2008، والتي هي الآن تُدعى بالمسودة الأميركية، ويحاولون التملص منها. إذ كما هو واضح إن القوى الأساسية التي تريد الإتفاقية مع الولايات المتحدة تتمثل في الحزبين الكورديين، والحزبين الإسلاميين الشيعيين الحاكمين والحزب الإسلامي. ولكن الأحزاب الدينية الشيعية لها مرجع ديني (وهذا من صلب تعاليم المذهب)، والمرجع الذي إعتمدوه ورفعوا صورته واعتبروا أنفسهم ممثلين عنه هو السيد السيستاني، وهو لم "يرفض" الإتفاقية فحسب بل طلب عدم وضع صورته في قوائم الأحزاب الشيعية (المجلس الإسلامي وحزب الدعوة)، والتي – كما يظهر – كانت قد خيبت آماله، فهو سبق ورفض "مسودة قانون النفط والغاز" ايضاً. وهنا كان على الحزبين الشيعيين إعادة النظر والتخطيط ووضع التكتيك لجولة أخرى مع الأميركان لمحاولة الوصول إلى سقف أوطأ للمطالب الأميركية. إذ لا يمكنهما في الوقت الحاضر تبديل المرجع من السيد السيستاني إلى مراجع أخرى، ومن هي المراجع الأخرى التي تؤيد مثل هذه الإتفاقية، فلقد صرحت مراجع مثل السادة الشيرازي والحائري واليعقوبي بالرفض المطلق لهذه الإتفاقية وأصدرت فتاوى بذلك، أما المرجع الديني محمد حسين فضل الله فقد دعا العراقيين إلى إنتفاضة عارمة ضد فرض الإتفاقية من قبل الولايات المتحدة على العراق، وهنا لا أتكلم عن المراجع الإيرانية أو رفض إيران للإتفاقية. وفي إعتقادي إن المراجع الأخرى الموجودة في النجف لها نفس رأي السيد السيستاني، وقد إلتزمت الصمت لأن السيد السيستاني هو المرجع الأعلى، ويقال من أن 80% على الأقل من المتدينين الشيعة تعتبره مرجعها. قد تختلف الأمور في حالة وفاة السيستاني الآن (وأتمنى من كل قلبي أن لا يحدث ذلك). فهل إن إسرائيل وأميركا تفكران بنفس هذا الأمر، ونسمع بوفاة الشيخ الجليل بمرض ما، أو أن يُقتل، وتذيع الوكالات المرتبطة بالأميركان والإسرائيليين إن السيد قـُتل، وتم قتله من قبل أحد الصدريين!!، ويخرجون شخص على التلفزيون يعترف بذلك، كما حدث مؤخراً بالنسبة لعدد من التفجيرات آخرها تفجير مدينة الحرية الذي ذهب ضحيته ما يزيد عن (60) شهيد وأكثر من هذا بكثير من الجرحى؟!!. هناك دائماً من يسأل، وكاتب هذه السطور واحد منهم، لماذا لا يصدّر السيد السيستاني فتوى، إذ إن هذه الإتفاقية هي الموضوع الأهم في تأريخ العراق. إن الأميركان لم يستطيعوا تمرير قانون النفط والغاز لحد الآن، ولكن بإعتقادهم، وهم في ذلك على حق، إن بتمرير الإتفاقية الأمنية سيكون قانون النفط والغاز (بجيبهم)، كما يقال!!. إن الجماهير تتمنى مثل هذه الفتوى وتذكـّر دائماً بالمجتهدين الكبار الكبار، الذين أفتوا ضد بريطانيا قبل وأثناء ثورة العشرين. لنستمر في صلب موضوع ماذا حدث؟ رفض الصدريون المعاهدة رفضاً مطلقاً منذ البداية، وإستمرت إجتماعاتهم بعد صلاة الجمعة معارضة لها، وتأكيداً لتوجيهات السيد مقتدى الصدر، والذي أكد أيضاً على ضرورة إجراء إستفتاء شعبي حولها. وكما ذكرنا أعلاه إن بعض المراجع الدينية الشيعية رفضوا المعاهدة بالمطلق، وكذلك رفضت هيئة علماء المسلمين الإتفاقية بالمطلق، كما وإن السيد إبراهيم الجعفري رفضها بالمطلق، أثناء تشكيل تكتله السياسي "التيار الوطني للإصلاح"، في 31/5/2008 ووصفها "لطخة عار في جبين العملية السياسية". وما أقصده "المطلق"، هو رفض أية معاهدة أمنية مع المحتل الأميركي رفضاً قاطعاً، أي مهما تم تعديله في الإتفاقية فهي مرفوضة من قبلهم. ونستطيع القول أن معتمدي السيد السيستاني في كربلاء رفضوا أيضاً الإتفاقية بالمطلق فلقد ذكر في 30/5 السيد أحمد الصافي "إن الإتفاقية ترهن الشعب العراقي وتثقله بمشاكل وإلتزامات، وتكبله في سيادته والأجيال المقبلة". وكذلك رفضتها بالمطلق المدرسة الخالصية في الكاظمية فقد ذكر إمامها، الشيخ حسن طعيمة، في نفس اليوم "إن الإتفاقية بمثابة سلسلة لتكبيل العراق وربطه بالإحتلال لسنوات طويلة. وطالب العراقيين جميعاً برفض الإتفاقية والتصدي لها وعدم السماح للسياسيين بإبرامها.. وإنها جريمة في حق الأجيال المقبلة". ووقف المؤتمر الآشوري العام نفس الموقف الرافض بالمطلق، فلقد اصدر بياناً في 22/6/2008 قال فيه "نحن في المؤتمر الآشوري العام نضم صوتنا إلى صوت الرافضين لتوقيع الإتفاقية.... وعراقنا أسير وتحت نيران الإحتلال. نطالب الجهات المعنية والمفاوضة على عرض بنود الإتفاقية على المجلس الوطني ومن خلالهم إلى الشعب العراقي وفي إستفتاء شعبي يقرر التصديق عليها أو رفضها. عاش عراقنا متحداً أرضاً وشعباً". كما وإن النائبين خلف العليان (جبهة التوافق)، ونديم الجابري (الفضيلة)، أعلنا امام الكونغرس، في أوائل حزيران الجاري، حسب ما جاء في راديو سوا في 6/6، "إن غالبية الشعب العراقي تعارض الإتفاقية الأمنية المزمع إبرامها بين بغداد وواشنطن". أما السيد أسامة النجيفي (رئيس كتلة القائمة العراقية)، فإنه قال بشأن الإتفاقية، وحسب راديو سوا في 1/6/2008 "إن كتلته النيابية لم تتخذ لحد الآن موقفاً نهائياً تجاه الإتفاقية طويلة الأمد"، وأعرب عن إعتقاده "بأن العراق غير مستعد بعدُ لعقد إتفاقية بثقل هذه الإتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.... وإن عقد الإتفاقية ينبغي تأجيله إلى ما بعد خروج العراق من البند السابع". إن الخبر الذي نشرته "موسوعة الرافدين" في 29/5/2008، قد أثار الإستغراب عند بعض المتابعين، حيث ذكر الخبر "أفادت مصادر مقربة من الحكومة العراقية لموسوعة الرافدين بأن المجلس السياسي للأمن الوطني صوّت بالإجماع على عدم قبول ورفض التوقيع على الإتفاقية الأمنية الحالية... وذكر المصدر بأن المجلس السياسي عقد قبل يومين إجتماعاً خاصاً بموضوع الإتفاقية الأمنية وبعد تقديم تقرير خاص من قبل الحكومة، فقد قيّمت جميع الأحزاب والكتل السياسية بأن الشروط المطروحة من قبل الجانب الأميركي هي شروط غير مقبولة، ولا تحقق المصلحة الوطنية، وعلى ضوء ذلك قرر المجلس: أولاً: إستشارة الخبراء الدوليين المحايدين، وثانياً: دعم المفاوض العراقي في تثبيت الشروط التي تصب في المصلحة الوطنية والعراقية والرفض التام للشروط التي تمس السيادة، علماً بأن المسودة المطروحة تعتبر منتهكة بشكل فاضح للسيادة أو الإستقلال السياسي للعراق، وثالثاً: فيما لو لم تتمكن الحكومة العراقية من تثبيت شروطها المندرجة ضمن المصلحة الوطنية العراقية وتثبيت السيادة فإنها لا ولن توقع هذه الإتفاقية أبداً". إن وجه الغرابة في هذا الخبر هو ذكره إن الرفض تم بالإجماع، إذاً عن ماذا كانت المفاوضات مع الجانب الأميركي للشهور الستة الماضية تدور؟، هل إن الأمر جاء مفاجأة، وطرح الجـانب الأميـركي على الجانب العراقي مسـودتـه بـدون مفـاوضــات؟. كـذلك هناك عدد من الساسة – العراقيين المفاوضيين – ، وخصوصاً وزير الخارجية – يؤكدون دائماً، وإلى يوم كتابة هذا الجزء من الدراسة في (23/6/2008)، بأن الخلافات ليست شديدة!!، وإن الإتفاقية سيتم تنفيذها حتماً قبل 31/7/2008!!. ولا أعرف كيف سيتم ذلك، والمفروض، حسب ما ورد أعلاه، أن يؤخذ رأي الخبراء المحايدين، وبعد ذلك من المفروض مناقشتها مع الجانب الأميركي وإقناعه بالتنازل عن الكثير من مطالبه، حيث الخـلافـات عميقة كمـا مبين في هـذا الخبـر، وثم عرضها على مجلس النواب – كما افترض – ، والمصادقة عليها!!. كيف يتم ذلك قبل (31) تموز القادم، كما يصر السيد هوشيار على ذلك؟!. هل الأمر هو "سلق بيض" كما يقول المثل العراقي!؟، أم أن هذا الخبر كله عارٍ عن الصحة!!، أو أن هناك من لا يقبل بقرارات "المجلس السياسي للأمن الوطني"!!. من المهم أن نؤكد هنا إن "الإتفاقية" يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل مجلس النواب والمصادقة عليها من قبل رئيس الجمهورية، إذ إنها مشمولة بأحكام المادة (73 – ثانياً) من الدستور العراقي. وفي إعتقادي إن "إعلان النوايا" الذي وُقـّع في أواخر تشرين الثاني/2007 بين المالكي وبوش، كان يجب أن يُعرض على مجلس النواب، لأنه بدوره مشمول بهذه المادة. هذا وقد نقل راديو سوا، (الممول من الحكومة الأميركية)، في 28/5/2008، عن نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي "عن رفض العراق التوقيع على الإتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة في شكلها الحالي بسبب ما تحتويه من بنود تمس السيادة العراقية، على حد قوله"، وأشار إلى إجتماع "المجلس السياسي للأمن الوطني"، المشار إليه في الخبر السابق، على "أن السيادة العراقية خط أحمر لا يمكن تجاوزه"!!، ولكنه أضاف "نحن بإختصار مع وجود رغبة للدخول في إتفاقية بعيدة المدى مع الولايات المتحدة لتعويض العراق عن كل ما فاته من فرص الحياة والتقدم منذ أن فرض الحصار على العراق سنة 1991". وهو هنا لا يوضح كيف إن إتفاقية أمنية مع الدولة التي حرمت العراق "من فرص التقدم" منذ 1991، وزادت هذا الحرمان أضعاف ذلك خلال السنوات الخمس الماضية من الإحتلال، ستؤدي الغرض الذي يريده!!. يؤكد السيد الهاشمي، "إن من الضروري المصادقة عليها من قبل مجلس النواب ومن قبل الكونغرس الأميركي"، ثم يضيف "إن هذه المسألة أيضاً ما زال فيها خلاف بيننا وبين الإدارة الأميركية، لكن قدر تعلق الأمر بالجانب العراقي نحن نصرّ على أن يكون لممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب القول الفصل في هذه الإتفاقية". إن هذا الكلام سليم، ولكنه يعطينا الإنطباع إن الجانب الأميركي لا يريد فقط أن لا يصادق عليها الكونغرس الأميركي، وإنما يريد أيضاً أن لا يصادق عليها مجلس النواب العراقي!!. وعندما سأله ممثل راديو سوا أن يطلعهم على أحد هذه البنود التي تمس بسيادة العراق، أجاب الهاشمي "هناك بنود عديدة في حقيقة الأمر تتقاطع مع السيادة، لكن عندما يكون قرار جلب قطعات ومعدات عسكرية وأجهزة من دون رقابة الدولة العراقية، ما الذي يعني ذلك عندما تكون الحاجة أن جيش دولة أجنبية يتواجد على الأرض العراقية في عدد من المعسكرات، نحن نسميها قواعد وهم يسمونها معسكرات تتجاوز وربما الـ(400) موقعاً ما الذي يعني ذلك؟. الإعتقالات، موضوع الحصانة التي تعطى للجندي والشركات الأجنبية الخاصة، وعدم خضوع من يتواجد على الأرض العراقية إلى سيادة القانون العراقي. هذه نقطة مركزية تقع في صلب السيادة الوطنية وبالتالي سيكون من الصعب جداً على أي عراقي، ليس فقط طارق الهاشمي، أن يقبل التوقيع على إتفاقية من هذا النوع". الذي أفهمه، من هذا الكلام الأخير، أن أية إتفاقية تتضمن نقطة من النقاط التي ذكرها السيد الهاشمي بأنها تمس السيادة العراقية، سترفض مثل هذه الإتفاقية من قبله ومن الحزب الإسلامي العراقي، إذ أن "السيادة خط أحمر"، كما ذكر في أول المقابلة!!. بإعتقادي إن السيد الهاشمي والحزب الإسلامي العراقي لم يعارضا مبدأ توقيع إتفاقية أمنية مع أميركا، وأعطوا لأنفسهم خط رجعة، ولو وبإعتقادي أيضاً أن الأميركان سوف لا يتنازلوا عن جميع ما طلبه السيد الهاشمي والمتعلق بالسيادة، وإن موقفهم سيعتمد إلى حد كبير على مدى قوة المعارضة لهذه الإتفاقية. هذا وقد أكد النائب عن جبهة التوافق العراقية عبدالكريم السامرائي، "إن كتلته النيابية وضعت (10) شروط لتوقيع الإتفاقية من أجل ضمان مصالح العراق". علماً بأن الحزب الإسلامي الذي يرأسه السيد الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، هو من ضمن "جبهة التوافق". لقد ذكرت صحيفة الحياة اللندنية الناطقة باللغة العربية، في 29/5/2008، عدة أمور حول الإتفاقية، وسوف نتطرق إلى الأمور التي لم يسبق ذكرها. إذ تقول "أكدت مصادر مقربة من الحكومة، على أن العراق أبلغ الوفد الأميركي نيته تمديد المفاوضات إلى نهاية العام نتيجة ظروف داخلية غير مواتية والحاجة إلى دراسات معمقة لشكل الوجود العسكري الأميركي في العراق والآليات المقترحة لإنهائه في حالة إنتفاء الحاجة إليه.". وتقول أيضاً، بدأ التوجس من الضغوط الأميركية على العراقيين لتسريع المفاوضات قبل الموعد المذكور واضحاً ليصل إلى أوساط الحكومة، إذ عبّر عنه السيد علي الأديب، القيادي في حزب الدعوة حيث قال "إن كل الكتل السياسية العراقية لديها تحفظات على المعاهدة، كما أن كل المواطنين العراقيين لا يريدون أن تمر هذه المعاهدة من دون أن تعرض على الشعب من خلال ممثليه في مجلس النواب"، مؤكداً "ضرورة درس المعاهدة ومناقشة بنودها، فإذا كان فيها منفعة للعراقيين يمكن أن توقع". وهذا موقف أيضاً يعطي خط الرجعة لنفسه للموافقة على المعاهدة، ولا يلغي مبدأ الرفض المطلق، بإفتراض إنه لا يمكن لمعاهدة أمنية مع المحتل أن تكون ذات منفعة للشعب!!. علماً إن السيد الأديب كشف في 22/6/2008 عن وجود خيار لدى الحكومة والوفد المفاوض يقضي بتأجيل التوقيع عليها، حيث قال "إن أحد الخيارات المطروحة هو تأجيل التوقيع على الإتفاقية، لأن التأجيل سيسمح ببناء قوات أمنية عراقية وتجهيزها وتسليحها من أجل تسلم الملف الأمني"، وأضاف "إن الأجواء السياسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر وضوحاً بحيث يمكن للحكومة أن تقدم على مشروع وهي واثقة من أن هناك ضمانات لإستمرار ما تم الإتفاق عليه"!!، كما أضاف "على الحكومة أن تتحرك من أجل إخراج العراق من البند السابع وأن تستشير شركات قانونية، وأن لا تعتمد على الشركات الأميركية، بالإضافة إلى الإستعانة بخبراء من أجل إخراج الأموال العراقية الموجودة في البنوك الأميركية". إن السيد الأديب، ورغم حديثه المبين في الجمل الأخيرة، والتي اقترحت في الفصل الأول ما يماثلها، ولكن – وكما أعتقد – فإنه لا يزال لا يعارض عقد إتفاق أمني مع الجانب الأميركي!!. لقد نقلت صحيفة "الحياة" في 31/5/2008، رأي السيد عبدالعزيز الحكيم رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى"، وكتلة "الإئتلاف العراقي"، عن بيان نقله مكتبه رفض قائمة "الإئتلاف" عقد إتفاقية طويلة المدى مع أميركا، واضاف الحكيم خلال ترؤسه إجتماعاً للمجلس الإسلامي الأعلى، أن "هناك إجماعاً وطنياً على رفض كثير من النقاط التي يطرحها الجانب الأميركي في الإتفاقية بسبب مساسها بالسيادة الوطنية"، وأضاف أن "المحادثات الجارية لعقد إتفاقية مع الولايات المتحدة لم تصل إلى نتائج بين العراق وواشنطن"، كما دعا إلى "التريث في إصدار الأحكام المسبقة على العراقيين والتوقف عن كيل الإتهامات الباطلة لهم"، وأكد أيضاً: "كنا ولا نزال نشدد على أهمية عدم مساس الإتفاقية بالسيادة الوطنية وضرورة أن تكون المحادثات شفافة وأن يطلع الشعب العراقي على بنودها وتفاصيلها كافة لأنها تتعلق بحياة العراقيين ومستقبل وطنهم". والذي يثير إستغرابي، أنه وبرغم الجملة الجملة الأخيرة المذكورة أعلاه، فإن المجلس الإسلامي الأعلى لم يقل لنا ما هي نصوص هذه الإتفاقية المعروضة حالياً؟، لا بل إن السيد الحكيم لم يقل لنا ما هي البنود التي تمس بالسيادة الوطنية، إذ إن السيادة الوطنية أصبحت من الأمور المطاطية، بحيث أن الكثير من السادة المسؤولين حالياً، يعتبرون إن العراق الحالي يملك السيادة الوطنية!!. ألم يقل السيد همام حمودي، وهو رئيس المجموعة النيابية للمجلس الإسلامي الأعلى في مجلس النواب في 11/6/2008، في الحديث الذي سبق أن ذكرناه في الفصل الثاني من هذه الدراسة "إن الأميركيين قاموا بسحب عدداً من البنود.... إن السقف العالي للمطالب الأميركية تم تخفيضه، ولكن ما زالت هناك مسائل يُعتقد إنها تثير نوعاً من الحساسية التي تحتاج إلى مزيد من الحوار". إن معنى الجملة هذه واضح، إذ وكما يقول السيد همام، فإن في (11) حزيران حلـّت جميع الأمور، وبقيت مسائل "يُعتقد"، وهنا المفهوم إن الإعتقاد هو من غيره وليس منه، أن هذه المسائل المتبقية ليست متعلقة بالسيادة ولكنها "تثير نوعاً من الحساسية" بحيث تحتاج إلى مزيد من الحوار، علماً إن السيد همام عاد ليقول، وحسب وكالة أنباء براثا في (25) حزيران الجاري، "إن التحسن الأمني وسعي العراق للخروج من البند السابع يستدعي وضع برنامج لخروج القوات الأجنبية وتحقيق السيادة الكاملة". وهذا الكلام، إن تحقق، يعتبر خطوة على الطريق المطلوب!!!. يجب أن يعلمنا "المجلس الإسلامي الأعلى"، وهو صاحب أكبر كتلة برلمانية، برأيه وبكل وضوح، وليس الإختفاء وراء تعابير عامة ومطاطية، يفهمها الكثيرون، وأنا منهم، أن غالبية قادة المجلس الإسلامي الأعلى هم – على الأكثر – مؤيدون للإتفاقية، وحتى بشكلها الحالي، ولكن لا يستطيعون المجاهرة بذلك بسبب موقف السيد السيستاني الرافض لها. إن ما زاد الأمور غرابة هو تصريح السيد حميد معلة القيادي في المجلس الأعلى إلى جريدة الحياة في نفس عددها الصادر في 31/5/2008، حيث قال: "إن موقف السيد عبدالعزيز الحكيم لا يمكن وصفه بالمتحول أو المفاجئ لأننا وبصراحة، لم نطلع على مسودات الإتفاقية إلا قبل أيام معدودة، ويجب التذكير بأن مواقفنا وكانت وما زالت لا تخالف المرجعية الرشيدة في النجف"، لافتاً إلى أن "الأخيرة حذرت من الدخول في مثل هذه الإتفاقات. وفي ضوء ذلك، أيّدنا وساندنا مواقف المرجعية". كما قال: "إن هذه المباحثات وصلت إلى مراحلها الأخيرة من خلال مسودات إتفاقية أخيرة على المعاهدة المزمع توقيعها، ولكن حيث إطلعنا على بنود هذه الإتفاقية وجدنا أنها تمس في شكل خطير بالسيادة الوطنية العراقية، ما أوجد إجماعاً كبيراً بين القوى السياسية على التحفظ على تمريرها وفقاً لبنود وردت فيها"!!!. إن مثل هذه التصريحات تثير الإستغراب، على الأقل أثارت إستغرابي، فإذا كانت المعاهدة قد وصلت مراحلها الأخيرة، والمجلس الإسلامي الأعلى والسيد الحكيم، لم يشاركا في إعدادها فهو أمر غريب، والأغرب أنهم إطلعوا عليها مؤخراً وبعد أن سارت المفاوضات مرحلة طويلة!!!. إذا كان هذا هو الحال المجلس الإسلامي الأعلى فكيف هو حال الآخرين، وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فهل ينطبق ايضاً على السيد رئيس الوزراء وحزب الدعوة، الحليف والشريك الأصغر، للمجلس الإسلامي الأعلى. إضافة لذلك فإن في جميع تصريحات أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى أو بياناته نرى، إن المجلس الأعلى لا يرفض الإتفاقية بل يريد تعديلها، ولا يعلمنا أي مواد من الإتفاقية يريد تعديلها، كذلك وتبعاً لأقوال السيد معلة، فإن المجلس "يجب أن يساند المرجعية ويؤيدها... وإن مواقفهم كانت ولا زالت لا تخالف المرجعية الرشيدة في النجف"!!. ولكن المرجعية ترفض الإتفاقية أصلاً، إذ أنها "حذرت من الدخول في مثل هذه الإتفاقيات". الآن لننتظر ماذا سيعملون؟؟!. فإذا كانوا لا يخالفون المرجعية الرشيدة فمعناه إنهم رافضون للإتفاقية. إن الأهم من هذا كله، لقد أصبح من حق الشعب العراقي أن يسأل، إذا كان الأمر كذلك فممن كان يتألف الوفد العراقي المفاوض والذي توصل إلى هذه الإتفاقية التي عرضت على المجلس الإسلامي الأعلى قبل أيام؟!!. بالواقع إنني أرى المسؤولية تقع كاملة على السياسيين الذين يقودون العراق حالياً، مهما قيل عن الوفد المفاوض، فالمسؤولية الأولى والأخيرة تقع على رئيس الوزراء. لقد ذ ُكرت أسماء أُدرجت في الوفد المشكل للمفاوضات، منها السيد برهم صالح نائب رئيس الوزراء، وهو من أكفأ السياسيين العراقيين، ومحسوب على كتلة السيد رئيس الجمهورية، (واختلف مع توجهاته في أمور كثيرة أساسية منها قانون النفط وهذه الإتفاقية)، كما قيل إن أحد أعضاء الوفد المفاوض هو السيد موفق الربيعي، وسبق أن تحدثنا عنه، وكذلك ذ ُكر إسم وزير الخارجية هوشيار زيباري، المحسوب على كتلة السيد رئيس إقليم كردستان العراق. ويظهر إن الأمر قد تبدل لاحقاً حيث ذكرت صحيفة الحياة في عددها الصادر في (16) حزيران الحالي، بأن المجلس السياسي للأمن الوطني العراقي فوّض السيد رئيس الوزراء الإشراف المباشر على سير المفاوضات وخوّله "إدارة دفتها بما يخدم مصالح الشعب العراقي دون المساس بسيادته على أرضه ومائه وسمائه"، كما تنقل الصحيفة عن أحد أعضاء المجلس، الذي فضّل عدم ذكر إسمه قوله "إن الجميع منح المالكي ثقته الكاملة وفوّض إليه الإشراف المباشر والشخصي على سير المفاوضات"!!. مما قد يعني إن الأمر لم يكن كذلك قبل هذا الإجتماع. إن هذا التفويض، هو أمر منطقي، إذ نحن نناقش أهم قضية في كل تأريخ العراق، والمسؤولية أولاً وآخراً، وسواء كانت الإتفاقية شراً أو خيراً، ستقع على رئيس الوزراء. أرى إن الوقت قد حان، لأن أعرض موقف قادة إقليم كردستان من هذه الإتفاقية، سواء الموجودين منهم ضمن الحكومة الفيدرالية (المركزية)، أو ضمن الحكومة الإقليمية.
3- ما هو موقف قادة الكورد الحاليين من الإتفاقية؟ من الواضح إن قادة الكورد الحاليين، (متمثلين في الحزبين الكرديين الرئيسيين)، يؤيدون الإتفاقية، ولأسباب سنتطرق لها لاحقاً. بنفس الوقت فإنهم يتحدثون عن إتفاقية تقبل بها القوى العربية العراقية المتحالفة معهم في الحكومة الحالية. وفي كل الأحوال لا يمكن تمرير إتفاقية دون هذا التحالف، إضافة لذلك فإنه حتى في حالة موافقة هذا التحالف، فمن الصعوبة جداً تمريرها، إذ هناك إجماع شعبي على رفضها، كما وإن الأميركان سوف لا يوافقون على إتفاقية "شكلية"، وما سيتنازلون عنه هو أمور "شكلية" لا ترضي الجماهير العراقية، وقواعد الكتل العربية المتحالفة في هذه الحكومة. وهنا يجب أنه نوضح أنه حسب المادة (61) رابعاً من الدستور تقول بإن عملية المصادقة على المعاهدات والإتفاقيات الدولية يجب أن تتم بقانون يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب. لقد صرّح السيد هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقية، إلى صحيفة الواشنطن بوست، الصحيفة الأميركية الرصينة، ونقل عنها راديو سوا في 24/4/2008، "دعا فيه الإدارة الأميركية إلى تقديم تنازلات في مسائل وصفها بالحساسة تعيق التوصل إلى تفاهم نهائي حول الإتفاقية طويلة الأمد بين بغداد وواشنطن"، وقال السيد هوشيار، في ذلك التأريخ، إلى الصحيفة أيضاً "إن هذه المسائل تتضمن رغبة واشنطن في الإحتفاظ بحق إحتجاز مواطنين عراقيين لمدة غير محدودة، وإعطاء حصانة قضائية للمتعاقدين مع القوات الأميركية، وحق هذه القوات في شن هجمات من دون التنسيق مع الجانب العراقي"، وشدّد زيباري "على أن الشعب العراقي يتوقع أن يشهد تغيراً في نمط العلاقة مع الجانب الأميركي وخاصة في المسائل السيادية مثل حق الإعتقال". نلاحظ إن مطالب السيد هوشيار من الإدارة الأميركية هي مطالب بسيطة، فلقد طلب – عملياً – حصانة الجنود الأميركان فقط وإستثناء المتعاقدين، وكذلك قال – ما يعني عملياً – بأن الأميركان يمكنهم شن الهجمات ولكن بالتنسيق مع الجانب العراقي، ونحن لنا خبرة كبيرة في ما الذي يعني التنسيق، إذ أن العمليات الأميركية الحالية تجرى "بالتنسيق مع الجانب العراقي"!!، أما بالنسبة لإحتجاز المواطنين العراقيين، فالإعتراض على "مدة غير محدودة". رغم ذلك لم تستجب الإدارة الأميركية لذلك، وجاءت الإتفاقية بالشكل المهين الحالي، كعادة الأميركان، في التعالي والغطرسة والغباء في فهم الواقع العراقي وبعد أكثر من خمس سنوات على إحتلالهم للعراق. بالواقع كنت سعيداً بهذا الغباء الأميركي، إذ سهّلت علي وعلى غيري مهمة رفض الإتفاقية، فليس من المعقول أن يوافق عراقي على مثل هذه الإتفاقية (أو حتى علي وهي أهون منها شراً)، أو يعتقد بأن من الممكن أن يوافق عليها أي عراقي!!. لقد تطرقنا سابقاً إلى تصريحات السيد رئيس الجمهورية، عند إستقباله الإعلاميين في 29/5/2008، والتي ذكر فيها "إننا مجبورون على التفاوض.... والإتفاقية هي المخرج لتخليص العراق من تبعات الإحتلال"، والحديث تم ذكره سابقاً، لذا سوف لا أُعيد تكراره هنا. ثم جاء تصريح السيد سعدي احمد بيره، عضو المكتب السياسي للإتحاد الوطني الكردستاني، لوكالة (آكي) الإيطالية في (30) أيار الماضي حيث قال: ".... نحن كدولة متحررة حديثاً من الدكتاتورية بحاجة ملحة إلى دعم المجتمع الدولي.... ومن المؤكد إن هذا الدعم يحتاج بصياغته بمجموع من الحقوق والإلتزامات في إطار إتفاق إستراتيجي طويل الأمد، ونعتقد عقد هذا الإتفاق ضروروي جداً لحماية مصالحنا، ودعم العملية السياسية والأمنية في العراق"، وأكد القيادي الكردي "إن الإتفاقية ستنجح، لأن للعراق مصلحة مؤكدة في إبرامها لدعم العملية الديمقراطية، ويجب أن لا ننسى أن قوى التحالف لها دور كبير في تحرير العراق، وقدمت تضحيات كبيرة في هذا السبيل، ومن حقها أن تحافظ على مصالحها في المنطقة.... فهذا الإتفاق هو إلتزام أخلاقي تجاه تلك التضحيات". في الواقع إن تصريح السيد سعدي أعلاه أثار إستغرابي، فإنني قرأته في موقع البديل العراقي في 1/6، ومضيت أبحث في كل المواقع عن تكملة له، إذ لم أعتقد إنني كعراقي يمكن أن أقرأ أو أسمع مثل هذا التصريح، وهو يختلف عن تصريح السيد هوشيار في أواخر نيسان الماضي المشار إليه أعلاه، حيث لم يبدٍ أي إعتراض على أية فقرة من الإتفاقية، ويظهر إنه يقبلها كما هي حتى بدون إنتظار بعض "التنازلات" من الجانب الأميركي!!، وكأن "سيادة" العراق إما أن تكون غير مهمة، أو مضمونة في هذه الإتفاقية التي إتفق العالم كله، وبضمنها الصحف الأميركية الرئيسية، على أن الإتفاقية بالشكل المعروض تعتبر إنتقاصاً كبيراً للسيادة!!. ويذكر السيد سعدي إنه يحتاج إلى "دعم المجتمع الدولي"، ولكن العالم كله، وبضمنه شعب الولايات المتحدة يتحدث ضد حكومة بوش المتغطرسة والهمجية، فمن يريد دعم المجتمع الدولي، عليه أن يبعد نفسه عن بوش، لا أن يحالفه. الآن بوش من أكره الأشخاص بالنسبة إلى المجتمع الدولي الأميركي، وحتى إن مكين المرشح الجمهوري الأميركي وذو الأفكار القريبة من بوش، يحاول في خطبه وتصرفاته أن يبتعد عن بوش ليكسب أصوات الشعب الأميركي. على الأقل علينا أن نكون على الحياد فيما يتعلق بسياسات الإدارة الأميركية الحالية!!. إنه يتكلم عن تضحيات الأميركان، ونسأل ماذا عن مئات الألاف من الضحايا العراقيين الذين قتلوا بسبب إحتلال وتصرفات الأميركان الغبية والمتغطرسة والهمجية منذ إحتلالهم العراق؟. وإذا كان للأميركان دور في "تحرير" العراق، فالإتفاقية الحالية تقول إنهم جاؤا لإحتلال العراق لا تحريره. أما حديث السيد هوشيار لإذاعة بي بي سي BBC في الخامس من حزيران الجاري، فقد حذر فيه "من أن جميع الإنجازات الأمنية التي تحققت خلال الأشهر الماضية قد تكون عرضة للخطر إذا أخفق العراق في التوصل إلى إتفاق مع الولايات المتحدة حول وجود إمريكي طويل الأمد في البلاد.... إن هناك حاجة للوجود الأميركي بسبب التهديدات المستمرة للإرهابيين والمتمردين". وهنا يؤكد السيد الزيباري على "الوجود الأميركي طويل الأمد".... بسبب المشاكل الداخلية!!. أي لحل الأمور الداخلية للعراق بواسطة قوة عسكرية أجنبية!!. ثم نفى زيباري "أن تكون المفاوضات مع الأميركيين قد وصلت إلى طريق مسدود، غير أنه أقرّ بوجود خلافات حول قضايا تمس سيادة العراق". وتقول البي بي سي "إن المفاوضات تهدف إلى التوصل إلى إتفاق بحلول تموز المقبل، وهو أمر مستبعد الحدوث ولو أن زيباري يقول أنه لا يزال في الإمكان تحقيق ذلك... كما حذ ّر من خطورة إنتهاء التفويض للقوات متعددة الجنسيات بنهاية العام الحالي دون التوصل لإتفاق". أما صحيفة الحياة اللندنية فقد نقلت في 4/6/2008، من مراسلتها في أربيل، عن الناطق الرسمي بإسم حكومة إقليم كردستان جمال عبدالله إن موقف الكورد يركـّز على عدم "التهور والتسرع" في رفض أية معاهدة مع أية دولة إذا كان هدفها "الحفاظ على الوضع الأمني في العراق"، وأضاف "إن العراق يمر بمرحلة بناء الدولة، وإلى أن يكمل بناء قوى الأمن الداخلي وقوات الجيش وتستقر الأوضاع السياسية والأمنية نعتقد إن عقد معاهدة صداقة مع أميركا أو أية دولة من دول التحالف أمر ضروري جداً وفق مبدأ عدم المساس بسيادة العراق"، وأكد على "ضرورة الحفاظ على سيادة العراق وهذه نقطة جوهرية بالنسبة لنا"، وتساءل "ما الفرق بين إتفاق على إقامة قواعد عسكرية تقوم بتجديدها كل عام عن إتفاق نجدده كل خمس أو عشر سنوات؟". وليس عندي جواب لذلك، سوى أن أقول: إذا لم "يستطع" الأميركان أن يكملوا بناء قوى الأمن الداخلي والجيش، لسبب أو آخر، وفي مدة تتجاوز (5) سنوات، فهل سيقومون بذلك بعد توقيع الإتفاقية؟. كما إن نفس مراسلة صحيفة الحياة، ذكرت في نفس الصحيفة، في عددها الصادر في 7/6/2008، بأن السيد نيجرفان، رئيس حكومة إقليم كردستان قال "إن الأكراد يدعمون الإتفاق الستراتيجي بين العراق وأميركا"، واستعرض السيد نيجرفان، خلال إجتماع عقده مع أعضاء الحكومة الكردية تفاصيل محادثاته في الولايات المتحدة حيث إلتقى الرئيس بوش ونائبه تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وغيرهم، وإن محاور النقاش تركزت على "الإتفاق الستراتيجي وقانون النفط وتنفيذ المادة (140) الخاصة بكركوك، ومناقشة دور الأمم المتحدة في تنفيذها". صرّح السيد رئيس الوزراء في عمان في 13/6/2008، قائلاً "أن المفاوضات مع واشنطن بشأن إبرام معاهدة أمنية طويلة الأمد وصلت إلى طريق مسدود"، وأضاف إن "الأفكار العراقية مرفوضة أميركياً، والأفكار الأميركية مرفوضة عراقياً. وصلنا إلى طريق مغلقة، وحين درسنا الإتفاقية وجدنا إنها تخل خللاً كبيراً بسيادة العراق"، وبنفس الوقت أشار إلى أن المباحثات ستتواصل مع الأميركان حتى الوصول إلى إتفاق مقبول من دون وضع إعتبار لقيد زمني. والغريب إن وزير خارجيته صرّح في اليوم التالي، ونقلاً عن صحيفة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في 17/6/2008، لمحطة "سي إن إن CNN" الأميركية: "إن الإتفاقية ستوقع في أواخر تموز.... وإن المحادثات جارية ولم تمت... ليس هناك من طريق مسدود"، وأوضح "إن تصريحات المالكي في عمان عن وصول المفاوضات إلى طريق مسدود قد تم تصحيحها وتوضيحها"!!!. وقال زيباري، الذي يشارك في فريق المفاوضات، أيضاً: "أعلم تماماً ما يحدث. لقد حققنا تقدماً كبيراً في وضع اللمسات النهائية"!!. ليسمح لي القارئ الإستمرار مع الحديث "الممتع" لرئيس الدبلوماسية العراقية مع "السي إن إن"، فلقد بدا متحفظاً لدى التطرق إلى صلاحيات القوات الأميركية في شن عمليات داخل العراق، موضحاً أنه "في هذه النقطة، نواجه مسائل صعبة يتعين علينا أن نحلها مثل السيادة والحصانة والسماح ببدء عملية عسكرية. لكن هناك مرونة يبديها الفريق الأميركي المفاوض في جميع النقاط وقد عرض إقتراحات بديلة". ورداً على سؤال عن منع الولايات المتحدة من إرسال مقاتلات إنطلاقاً من العراق لمهاجمة معسكرات في إيران، أجاب "لدى واشنطن خيارات أخرى، لأن القدرات العسكرية الأميركية تتجاوز العراق"،!! وهذا يذكرني بالشخص الذي يوقد عود كبريت في منطقة مشبعة بالبنزين ويعتقد أنه سوف لا يحترق!!. وفي المقابل تقول الصحيفة نفسها، بأن العضو القيادي الكردي المفاوض فؤاد معصوم أكـّد لصحيفة "النيويورك تايمز"، الصحيفة الأميركية الرصينة، أنه "لم يوافـَق على أي بند بعد، والمفاوضات لا تزال في مراحلها الإبتدائية"!!. وبدوره رأى القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى، همام حمودي، "إن إنهاء الإتفاق قبل 31 تموز سيكون صعباً جداً". كما ذكرت الصحيفة إن اللجنة المفاوضة اجتمعت يوم 14/6/2008 وقررت "تسليم قيادة المفاوضات إلى المالكي شخصياً"، وهو ما سبق أن ذكرناه في الصفحات الماضية. هذا ولقد ذكر راديو سوا في 20/6/2008، بأن السيد هوشيار أعلن بعد لقائه وزيرة الخارجية الأميركية، بأن "المباحثات بين العراق والولايات المتحدة في مراحلها الأخيرة، وهي مستمرة لحل المسائل المعلقة معرباً "عن تفاؤله في إبرام الإتفاق قبل نهاية الشهر القادم"!!، وأعرب عن إعتقاده، "بأن مجلس النواب العراقي سيوافق على الإتفاقية"!!. كما يظهر أن السيد هوشيار قد تجاوز مرحلة التفاؤل، وأخذ أيضاً موافقة مجلس النواب، وبنسبة ثلثي الأصوات، كأنها تحصيل حاصل!!، اعتقد جازماً أن هذا حلم لن يتحقق نهاية الشهر القادم!!، كما أعتقد أنه لن يتحقق بتاتاً. هذا ولقد نفى السيد محمود عثمان، القيادي البارز في التحالف الكردستاني، في تصريحه في 13/6/2008، إلى وكالة الأنباء الإيطالية (آكي)، أن تكون المفاوضات قد وصلت إلى "طريق مسدود"، و"إن المجلس السياسي للأمن الوطني هو وحده الذي يقرر ذلك". وإستمر ليقول "إن الأميركيين قدموا في البداية ورقة بهذا الصدد أثارت الكثير من الخلافات، وبعد رفض الكثير من القوى السياسية لتلك الورقة، عادوا لصياغة أخرى جديدة وهي موضع النقاش الحالي". وأضاف "لكن من المهم القول إنه ليست هناك أية شفافية في المباحثات الجارية، فنحن لا نعرف ماذا يدور في تلك المفاوضات، وليست لدينا أية معلومات كافية حول مواقف الطرفين"، وذكر السيد عثمان نقاط الإختلاف التي سبق أن تم ذكرها، ولكنه أضاف "الأميركيون يقولون إن العراق هو الذي طلب إدراج شرط الدفاع ضد الإعتداءات داخلية كانت أم من دول الجوار، ولكن الإيرانيين يعتبرون هذه النقطة تستهدفهم بالذات، والعراقيون يطلبون الآن أن لا تستخدم أراضيهم ضد أي من دول الجوار". وختم قوله: "لا بديل للإتفاقية سوى إبقاء العراق تحت البند السابع لفترة قد تكون سنة، ولكن في المحصلة لابد من العودة إلى عقد إتفاق آخر بعد إنتهاء هذه السنة لأن الوضع العراقي لن يستقر إلا بعد سنوات"!!. أود أن أوضح هنا الفرق بين "شرط الدفاع ضد الإعتداءات..." و"العراقيون يطلبون أن لا تستخدم أراضيهم....."، فالمسألة الأولى دفاع، والمسألة الثانية إعتداء. علماً إن أهم إعتراضات الكونغرس الأميركي على الإتفاقية هي تعهد أميركا بالدفاع عن العراق... كما جاء في إعلان المالكي/بوش العام الماضي. لذا يجب على بوش حذف هذه الفقرة التي هي من صلاحية الكونغرس حصراً!!. لقد تاه المواطن العراقي بين هذه الآراء المتضاربة والصادرة من المسؤولين العراقيين. والأمر "الممتع"!! هو ما نقلته جريدة "الصباح" البغدادية، شبه الرسمية، في 15/6/2008، حيث قالت: "عد وزير الخارجية هوشيار زيباري تضارب التصريحات بين المسؤولين العراقيين بشأن إتفاقية التعاون طويلة الأمد، تكتيكات تفاوضية"!!!. لم يقل لنا السيد هوشيار من منهما يقوم حالياً بالتكتيكات التفاوضية؟ هل السيد رئيس الوزراء أم هو أم كليهما يعتمدان هذه التكتيكات؟، ولكن الخبر التالي المنقول عن وكالة رويتر للأنباء، قد يعطي بعض الضوء، إذ نقل موقع "صوت العراق" في 13/6/2008 عن bbc، تعليق وزير الدفاع الأميركي روبيرت غيتس، على تصريحات رئيس الوزراء العراقي، حيث أشار إلى "إحتمال وجود تناقض بين التصريحات العلنية التي يدلي بها المسؤولون العراقيون ومواقفهم الحقيقية على طاولة المفاوضات..... سأتأكد عند عودتي إل واشنطن من الموقف الحقيقي، وما إذا كان هناك إختلاف بين ما يجري فعلاً والمفاوضات العلنية". كما إن راديو سوا، نقل عن تصريح للزيباري لصحيفة "وول ستريت جورنال" في (17) حزيران الجاري، قوله "بأن الولايات المتحدة قدمت تنازلات عبر التخلي عن طلبها تأمين حصانة للشركات الخاصة في العراق، وعبر قولها إنشاء مركز عراقي أميركي مهمته توضيح العمليات العسكرية الأميركية المقبلة.... لكنه لفت النظر إلى إستمرار الخلافات حول الموضوع"، وقال أيضاً "ومن جهتها وافقت الحكومة العراقية على أن يمارس الأميركيون رقابة مستمرة على الأجواء العراقية". وذكرت الصحيفة أيضاً "إن بغداد تنازلت عن طلبها بأن تلتزم الولايات المتحدة من التهديدات الداخلية والخارجية. ففي حالة حصول إنقلاب أو إجتياح إيراني، سيقدم الأميركيون مساعدة لوجستية ومعلومات إستخباراتية لقوات الأمن العراقية دون أن يشاركوا بالضرورة في العمليات القتالية"!!. إذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فأتوقع أن تنتشر الهلاهل والطلقات في العراق، مثل يوم حصولنا على كأس آسيا لكرة القدم!!!. فلقد حقق العراق "كامل السيادة"!!. يا حسرة على نضال الشعب العراقي لمدة تقارب القرن للحصول على "السيادة"، والآن حصلها على طريقة الحكومة العراقية الحالية، هذا في حال موافقتها عليها!!!. علماً إن زيباري كان قد صرّح في مقابلة مع رويترز في 13/6 "إنه على الرغم من الصعوبات بشأن القضايا القانونية والفنية الدقيقة جداً.. فعلى حد علمي إن رئيس الوزراء والحكومة ملتزمان بمواصلة هذه المحادثات للتوصل إلى إتفاق نهائي"!!. لم يذكر السيد هوشيار إيضاحاً حول هذا "الإلتزام" هو أمام من؟، هل هو إلتزام أمام مجلس النواب العراقي، أم أمام بوش في إتفاق تشرين الثاني/2007 بين المالكي وبوش؟. إذا كان أمام بوش، فعند ذاك يجب أن تكمل الإتفاقية قبل نهاية تموز القادم!!، وهو الموعد الذي يصر السيد هوشيار عليه، ويحاول السيد المالكي أن يتنصل عنه!!. أود هنا أن أضيف خبراً قصيراً ليس فيه تفاصيل ذكرته صحيفة "القدس العربي" اللندنية في (17) حزيران الجاري، حيث قالت إن السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، شدد على أهمية إبرام الإتفاقية الستراتيجية بين واشنطن وبغداد، ولم تضف أية تفاصيل أخرى. كما ونشر موقع البديل العراقي في 17/6/2008 بياناً "من لفيف من المثقفين الكورد، عن صوت كردستان، لم يذكروا أسماءهم ولكن وضعوا إسم موقعهم على الإنترنت، يرفض البيان "أية إتفاقية أو معاهدة مع الإحتلال الأميركي أو إيران"، وجاء في البيان مخاطباً موقف الأطراف الكوردية ومحاولتهم الحثيثة لتوقيع إتفاقية عسكرية بين العراق وأميركا ويقول: "إن توقيع إتفاقية أمنية بين العراق وأميركا هو ضد مصالح الكورد أيضاً في إقليم كردستان حيث بتوقيع هذه الإتفاقية سيقع الإقليم بين حليفين عسكريين لأميركا وهما تركيا والعراق، وهذا سيضعف ويقلل من استراتيجية إقليم كردستان لذا فالأفضل للعراق وإقليم كردستان تجنب الأحلاف الأمنية". ولقد طرأ مؤخراً أمر جديد، فلقد ذكرت صحيفة الزمان في 23/6/2008، إن التحالف الكردستاني طلب من البرلمان الموافقة على إنضمام العراق إلى الحلف الأطلسي، وقال النائب عن التحالف الكردستاني عبدالباري زيباري، وعضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، أنه قدم مقترحاً بهذا الخصوص إلى لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان. وأعرب السيد زيباري عن أمله "في أن توافق الدول المشاركة في الحلف الأطلسي المقرر عقده الشهر المقبل على إنضمام العراق الذي يضم الدول العربية والأجنبية المطلة على البحر المتوسط."!!!. الذي أفهمه إن المقصود بالحلف الأطلسي هو "حلف الناتو"، وبالتاكيد إن الدول العربية المطلة على البحر المتوسط ليسوا بأعضاء في هذا الحلف!!. وأعتقد إن السيد النائب يقصد "الناتو" فعلاً، لأن مسألة إنضمام العراق إلى الناتو كانت إحدى خيارت الإحتلال وإلى فترة قريبة. وقررت الولايات المتحدة أخيراً، إن الإتفاقية الأمنية طويلة الأمد هي الخيار الأفضل. أما إقتراح الإنضمام للحلف في الشهر القادم، فهو أمر غير منطقي بالمرة، وبنفس الوقت "مصيبة كبيرة" "ستصيب العراقيين في حالة تحقيقه في المستقبل، وأعتقد إن من المناسب التحدث بإختصار عن الموضوع. لقد أعلن وزير الخارجية العراقية عن رغبة الحكومة العراقية بإخراج العراق من البند السابع، على أن تحل محله شراكة ستراتيجية طويلة الأمد مع أميركا ودول أخرى. كما وإن حديث السيد رئيس الوزراء إثر توقيعه "إعلان النوايا"، تحدث المالكي، وكما ذكرت سابقاً، وقال "نحن كنا في حوار حاد مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة من أجل أن نخرج من الفصل السابع". لقد تساءل الكثير عن ماهية الدول الأخرى" وعن "المجتمع الدولي". هل المقصود بها بريطانيا، أم دول أكثر عدداً من بريطانيا، وظهر لاحقاً إن المقصود قد يكون الناتو. أي، كان في إعتقاد الحكومة العراقية، إن أمامنا حلاّن للخروج من البند السابع، أما دخول حلف الناتو أو توقيع الإتفاقية الستراتيجية. على أية حال عندما صرح السيد وزير الخارجية التصريح أعلاه، أوضح أحد مساعديه بإتصال هاتفي مع إحدى الفضائيات، إن السبب وراء هذا التصريح هو إقتراح قدم قبل بضعة أيام لإدخال العراق إلى الحلف!!. كما وإن الجنرال أليساندر بومبنياني، نائب بعثة (الناتو) في العراق لشؤون التدريب!!، قال في مؤتمر صحفي مشترك مع معاون رئيس أركان الجيش العراقي في 31/5/2008، إن الحلف "لم يقرر، حتى الآن، إتخاذ مقر ثابت له في العراق.... والوقت كفيل بذلك"، في إشارة إلى إنشاء قواعد للحلف من عدمه. وأوضح بومبنياني أن الحلف "لديه ثلاث قواعد في العراق في كل من بغداد، الرستمية، وقاعدة كبلن"، مشيراً إلى ان عمل تلك القواعد "يقتصر على تدريب وتطوير القوات العراقية، بالإضافة إلى إسنادها بالمعدات"، واضاف إن رئيس الوزراء نوري المالكي "طلب من حلف (الناتو) الإستمرار بالعمل في العراق، لتدريب القوات العراقية، من الجيش والشرطة حتى نهاية عام 2009". كما نعرف إن حلف الناتو الآن، ليس فقط ضد دول "محور الشر"، إيران وسوريا!!، ولكنه في توترات مستمرة مع روسيا، التي يحاول أن يطوقها من كل الجهات، ومع الصين أيضاً لتحالفها مع روسيا، وذلك بالنسبة للدرع الصاروخي وغيره من الأمور الأمنية، أي سيكون العراق في "فوّهة المدفع"، وعند ذاك سنقول وبفخر شديد، "إن العراق ليس فقط البوابة الشرقية لحماية العالم العربي، كما كنا نقول في الثمانينيات، وإنما نحن الآن البوابة الشرقية والبوابة الجنوبية للعالم (الديمقراطي والحر) من "الإرهاب"!!!، وستكون أيامنا المقبل زاهية كأيام قادسية صدام"!!. لقد رفض الشعب العراقي الإنضمام إلى حلف بغداد، والآن سننظم إلى الحلف الأخطر!!. أما بالنسبة لبريطانيا، فحسب ما جاء في صحيفة "المنارة" البغدادية في 22/6/2008 "إن مسؤولاً بريطانياً قال إن لندن تسعى لإبرام إتفاقية مع بغداد على غرار إتفاقية بغداد مع واشنطن، طويلة الأمد، تحدد مسار العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة، وهي السبب الذي جعل الحكومة البريطانية تغير رأيها وتعلن بقاء القوات البريطانية في العراق"!!. لم يقل الخبر فيما إذا كانت بريطانيا تريد أن تكون قواعدها في "الشعيبة"، و"الحبانية"، وبإعتقادي سيكون هذا هو مطلبها المفضل لكي يستطيع رئيس الوزراء البريطاني أن يقول في إحتفال بإستلام هاتين القاعدتين، ما قاله القائد الفرنسي، الذي فتح دمشق، عندما زار قبر صلاح الدين: "لقد عدنا يا صلاح الدين!!!". * * * ملاحظة: إذا كان البند السابع يعتبر العراق بلداً محتلاً وإن من واجب البلد الذي يحتل بلداً آخر أن يحفظ الأمن في البلد الذي إحتله فماذا الذي فعلته (حققته) أمريكا لنا بهذا الخصوص غير زيادة الطين بلّة وهل إن توقيع الإتفاقية مع أمريكا هو مكافأة لها عن (الإخلال) بأمن العراق وتحملنا مئات الآلاف من الشهداء والوضع الإقتصادي المزري؟ كل ما ذكرناه في هذا القسم هو تأييد القادة الكورد للإتفاقية، وسنناقش هذا الأمر في قسم مقبل.
4- الموقف الأميركي الداخلي من الإتفاقية!! إن المقصود بهذا العنوان، هو مدى تأثير "الإتفاقية" على الوضع السياسي داخل الولايات المتحدة. برغم ذلك أود أن أذكر هنا ما قالته صحيفة الواشنطن بوست في (15) حزيران الجاري، نقلاً عن راديو سوا (الممول من الحكومة الأميركية)، في رأي العراقيين من الإتفاقية من وجهة نظر أميركية. وعنوان المقال بنظري، من أبلغ ما قيل عن الوضع في العراق فيما يتعلق بالإتفاقية، حيث يقول: "الأحزاب الشيعية تتنافس على إظهار تشددها تجاه أميركا لكسب أصوات الناخبين"!!. وهو يرينا مدى حب العراقيين لأمريكا!!!. ولكني هنا أتحدث عن الموقف الأميركي الداخلي، أتوقف عن ذكر بقية المقال!!!. عندما كشفت صحيفة الانتدبندنت في مقال كوكبرن في 5/6/2008، ما سمته "خطة سرية لبقاء العراق تحت السيطرة الأميركية"، ذكرت الصحيفة إن ما نشرته في هذا المقال سيؤدي إلى "إنفجار سياسي مؤثر في العراق"، ولقد حدث ذلك فعلاً!!، وكذلك قالت إن ما كشفته سيؤدي إلى "أزمة سياسية في الولايات المتحدة"، ولقد حدث ذلك أيضاً!!. علماً إننا كنا قد تطرقنا، وبالتفصيل، إلى هذا المقال في الفقرة (1) من هذا الفصل. كلنا يعرف إن حرب العراق الحالية كانت أحد العوامل المهمة المؤثر مباشرة في سير حملة الإنتخابات الرئاسية الأميركية، والتي ستتم في أوائل تشرين الثاني المقبل. وهذه هي المرة الأولى في تأريخ الولايات المتحدة، حسب رأي الكثير من المحللين، التي يكون فيها عامل خارجي ذا تأثير إلى هذه الدرجة في الإنتخابات الأميركية، إذ إعتيادياً تطغى الشؤون الداخلية الأميركية في مناقشات المرشحين وفي إختيارات الناخبين. علماً إن المسألة العراقية نفسها كانت ذات تأثير كبير في سقوط الجمهوريين وفوز الديمقراطيين في الإنتخابات النصفية للكونغرس قبل حوالي السنتين. في الواقع إن حرب بوش في العراق أصبحت مسألة داخلية بالنسبة للأميركان، فما صرف مباشرة على هذه الحرب لحد الآن يتجاوز (700) مليار دولار، وقدّر كلفتها أحد الإقتصاديين الأميركان، في دراسة حديثة، كلفة الحرب الفعلية لتصل إلى (3) ترليون دولار، وذلك لو أخذنا الكلفة غير المباشرة على الإقتصاد الأميركي، وكلف المعالجة طويلة الأمد للجرحى (نفسياً وجسدياً)، وللمشوهين. هذه الكلف العالية أنهكت الإقتصاد الأميركي، وأدت أيضاً إلى زيادة حادة جداً في أسعار النفط، بسبب ضعف قيمة الدولار الفعلية كأحد الأسباب المهمة لهذه الزيادة في سعر النفط، إذ كما أوضحت في كتابي الأخير عن النفط،"حكومة إقليم كردستان وقانون النفط والغاز"، إن الدولار غير مغطى بالذهب أو بأي معدن ثمين ولا بسلة عملات أجنبية، وإنما عملياً مغطى بالنفط الذي يباع بعملة الدولار على النطاق العالمي. هذا الأمر يجعل البنك الفيدرالي (المركزي) الأميركي، يصدّر (يطبع) الدولار، بدون غطاء، وبكمية أكبر، مما يؤدي إلى تراجع قيمته مقابل الذهب والعملات الأجنبية، ويؤدي ذلك إلى إرتفاع سعر النفط. إضافة لهذه الكلفة الإقتصادية العالية جداً للحرب، فإن هناك ما يقارب (4200) قتيل عسكري أميركي حسب الإحصائيات الصادرة من البنتاغون. وهناك عدة إحصائيات أخرى أميركية لقتلى الحرب، أحداها أوصلت عدد القتلى إلى أكثر من (70) ألف قتيل، وذلك لو أخذنا بنظر الإعتبار عدد القتلى في العراق من الشركات المتعاقدة مع الحكومة الأميركية، وعدد القتلى من الشباب طالبي الهجرة إلى الولايات المتحدة، من جميع دول العالم وخاصة من أميركا الوسطى والجنوبية، والذين يرسلون للقتال في العراق قبل إعطائهم "البطاقة الخضراء The green card"، وأيضاً بعد إضافة أعداد المنتحرين بسبب هذه الحرب. الأهم من هذا كله هو الأرقام المتواضعة لأعداد القتلى من الجنود الأميركان التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية، والعراقيون يعرفون إن هذه الأرقام "غير دقيقة"، إذ أنهم دائماً يشاهدون قتلى أميركان أكثر مما يعلن عنهم من قبل الجهات الأميركية. لقد غزت أميركا العراق في سنة (2003) ضد إرادة مجلس الأمن والرأي العام الأميركي والعالمي، إذ إعتبرت الإدارة الأميركية بقيادة المحافظين الجدد، إن النظام العراقي هو الأضعف في منطقة الشرق الأوسط بعد أن أنهكته الحرب مع إيران وحرب الكويت (1991) والحصار الإقتصادي لمدة تزيد عن (12) سنة. لذا سيسقط النظام العراقي بسرعة، وستعمل "لعبة الدومينو" لعبتها، وعند ذاك يسقط النظامان الإيراني والسوري مباشرة!!. إن سبب الغزو الرئيسي هو النفط، وكما موضح في كتابي "العراق بين مطرقة صدام وسندان الولايات المتحدة". نعم سقط النظام بسهولة، وإحتفلت الإدارة الأميركية بالنصر، ولكن ظهر لاحقاً إن الشعب العراقي لم يسقط، وظلت المقاومة بأنواعها مستمرة لأكثر من خمس سنوات، وبهذا أسقط الشعب العراقي المشروع الأميركي الحالم بالإمبراطورية، ومشروع الشرق الأوسط الكبير وغيرها من الأحلام المريضة لحكم المحافظين الجدد. والمهم إن النظامين السوري والإيراني لم يسقطا أيضاً، بل من الممكن إعتبار إن النظام الإيراني كان ولا يزال المنتصر الوحيد في هذه الحرب، ولذا يجب إسقاطه من وجهة نظر إدارة بوش وحكومة إسرائيل. بالنتيجة كان الشعب الأميركي أحد الخاسرين الكبار، الأمر الذي أدى لأن تكون المسألة العراقية، من الأمور الداخلية في أميركا، والمؤثرة جداً في إنتخاباتها، وإن أهميتها تتبادل في أولويات المرشحين والناخبين مع أولوية أخرى وهي الأمور الإقتصادية داخل الولايات المتحدة، والمتأثرة أصلاً بالغزو الأميركي للعراق. إن شهرة المرشح الديمقراطي للإنتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة، باراك أوباما، جاءت من كونه السناتور الوحيد الذي إتخذ موقفاً مضاداً من سياسة بوش، وصوّت في مجلس الشيوخ في سنة 2003، ضد الحرب على العراق. فهو لم يصدق "الأكاذيب" التي روّجتها الإدارة الأميركية في تبرير الغزو. علماً إن هيلاري كلنتن كانت قد صوّتت، في مجلس الشيوخ، مؤيدة بوش وفي صالح الغزو، وكذلك صوّت الغالبية العظمى من أعضاء مجلس الشيوخ عدا باراك أوباما، فإنه صوّت ضدها. لهذا فإن الظروف كانت مواتية لأوباما عندما بدأ حملته الإنتخابية، فالحرب لم تنته وليس متوقعاً أن تنتهي، أو تحقق نصراً نهائياً، وإن العداء لأمريكا في العراق يزداد بدرجات كبيرة يجعل إمكان إحتمال تحقيق نصر عسكري للأميركان بعيداً جداً، ولهذا بدّلت أميركا من تكتيكاتها العسكرية في العراق، ليكون العراقيون وقود هذا الإحتلال بإدخالهم الحرب ضد ما تسميه أميركا "الإرهاب"، كما إن بوش يحاول تحقيق نصر سياسي في أواخر أيامه في البيت الأبيض ليبرهن على إن حربه قد إنتهت بالنصر، والذي يعني إن حرب (2003) لم تذهب هباءاً وإنها حققت لأميركا ما تريد. لقد حاول تحقيق "النصر" السياسي من خلال تمرير قانون النفط والغاز وفشل لحد الآن فشلاً ذريعاً، ويحاول الآن تمرير الإتفاقية، وهي "نصر" سياسي أكبر فيما لو تحقق، إذ سيضمن، بإعتقاده، تمرير قانون النفط والغاز. إن هذا "النصر" إن تحقق سيساعد الجمهوريين على النجاح في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، وقد يأتي إلى رئاسة الولايات المتحدة شخص يريد أيضاً الإستمرار بالحرب لتحقيق نصر عسكري!!، وهذا "النصر" برأي الكثيرين بعيد المنال جداً، والإعتقاد به هو من باب الغطرسة الفارغة!!. يقول الكثيرون، إن النظام السياسي في الولايات المتحدة هو نظام مؤسسات، ولهذا لن تتبدل السياسة الخارجية العامة كثيراً بتبدّل الرؤساء، أو تبادل الحكم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهم بذلك على حق. ولكن ما حدث في أميركا بعد سقوط الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي في التسعينيات، ساعد على نشر أفكار "المحافظين الجدد"، في العصر الأميركي الجديد، وهو العصر الوحيد عالمياً كما يتمنون، وفي بناء الإمبراطورية الأميركية، فالجماهير في أميركا مع المنتصر، والولايات المتحدة قد إنتصرت إنتصاراً باهراً في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، وجاء بوش ليحقق هذه الأحلام، وأعطت حادثة (11) أيلول بقيام "القاعدة" بتدمير البرجين في نيويورك زخماً للحلم الأميركي، الذي بدأ عملياً بخطوات تحقيق الحلم الأميركي يوم غزو العراق!!. إن بوش جاء في ظروف تأريخية كان يمكن لها أن تلعب دوراً في تغيير معادلة السياسة البراغماتية الأميركية، فيما لو حققت إنتصارات، لكنها لم تحقق إنتصاراً، وإنما على العكس فقد لاحقها الخذلان والهوان، ولهذا تبدلت تفاعلات الجماهير الأميركية وأرادت الرجوع إلى السياسة الواقعية البراغماتية التقليدية. إن هذه السياسة الأخيرة تريد أيضاً السيطرة على العالم، ولكن ليس عن طريق المغامرة والغطرسة وتجاهل "مصالح الآخرين" تجاهلاً كاملاً!!. لهذا نرى إن تقرير بيكر – هاملتون، الذي صدر في أوج إندحار الأميركان في العراق في أواخر سنة (2006)، حاول حل المسألة العراقية من خلال ما يمكن أن أسميه "العقلانية" في السياسة الخارجية الأميركية. إن بيكر كان وزير خارجية بوش الأب، ويمثل السياسة الخارجية التقليدية للحزب الجمهوري، كما وإن هاملتون كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية عندما كان للحزب الديمقراطي أغلبية في الكونغرس، فهو يمثل السياسة الخارجية التقليدية للحزب الديمقراطي. وقد شكلت لجنتهما بموجب توصية من الكونغرس، وصدر تقريرهما الذي يتضمن إدانة غير مباشرة لسياسة بوش، ويطلب الإنسحاب التدريجي من العراق، وعدم بناء قواعد عسكرية في العراق إذ إن القواعد العسكرية الموجودة في دول الجوار، (تركيا ودول الخليج العربي)، تكفي لأغراض تنفيذ متطلبات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كما طلب إجراء مفاوضات مع تركيا وسوريا لحل النزاع العراقي. رفض بوش ومساعدوه التقرير!!. إضافة لذلك فإن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وقفت ضد سياسة بوش التي أدت إلى عزلة أميركا وكره العالم لها، وكتبت عدة مقالات بذلك. والأهم من ذلك إن أسطورة السياسة الأميركية الحديثة هنري كيسنجر، ويعتبر من صقور اليمين، قال في كلمة هامة في (11) حزيران الجاري في مجلس الأعمال المصري – الكندي في مونتريال، نقلها الكاتب سعد هجرس في موقع الحوار المتمدن في 24/6/2008، حيث فاجأ المستمعين بتحليل يرثي فيه عصر "دبلوماسية العضلات" التي انتهجتها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش الإبن، وطالب بـ"دفن" هذه الدبلوماسية البالية ومواراتها التراب. واضاف "إن الإدارة الأميركية إذا لم تفعل ذلك بإرادتها فإنها ستضطر إلى الإذعان ودفع إستحقاقاتها تحت وطأة الأزمة الإقتصادية الحادة التي تعاني منها الولايات المتحدة حالياً، والتي لا يعرف أحد متى سنتتهي. وأضاف إن التعاون الدولي حول القضايا الإقتصادية والأمنية الرئيسية يجب أن يكون المنهج الأساسي للسياسة الخارجية الأميركية في المستقبل أياً كانت النتيجة التي ستسفر عنها إنتخابات الرئاسة الأميركية، التي ستجري في تشرين الثاني المقبل"، كما إستمر ليقول "إن في هذه الفترة التي يتحول فيها ميزان القوة العالمي ويميل نحو آسيا، سيكون من الغباء والحماقة معاملة قوة عظمى صاعدة مثل الصين كعدو ستراتيجي يجب إحتواء تفرده". ووصل الأمر أن يضطر صاحب كتاب "نهاية التأريخ"، فرانسيز فوكوياما، والذي إعتقد في هذا الكتاب إن التأريخ قد إنتهى بإنتصار الولايات المتحدة في التسعينيات، إضطر أن يقول في مقابلة له مع صحيفة "استراليان"، ونقلتها أخبار ياهو في 13/6/2008 من أن "الولايات المتحدة لم تعد تستطيع فرض هيمنتها على الشؤون الدولية مثلما كانت تفعل في الماضي، وإن غالبية دول ناتو عارضت غزو العراق. وستجد واشنطن نفسها مستقبلاً مضطرة إلى تغيير ستراتيجيتها في التعامل مع مختلف القضايا الدولية وتركز على الأساليب الدبلوماسية والتعاون الأمني مع حلفائها"، وأكد فوكوياما إن "الأمر لا يتعلق بضعف أو إنحدار يلحق بالولايات المتحدة، بقدر ما هو يتعلق بتنامي قوة الصين والهند ودول الخليج كقوى فاعلة وذات تأثير كبير متزايد"، وأضاف "إن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من موقعها الدولي السائد، لن تصبح قادرة على هيكلة العالم وتشكيله كما ترغب وتتمنى، خاصة بعد أن إتضح إن التدخل العسكري لمنع أسلحة الدمار الشامل أو التعامل مع خطر الإرهاب ليس خياراً فعالاً بل قد تكون له نتائج عكسية خطيرة". هذا هو حديث فوكوياما والذي هو الآن أستاذ الإقتصاد والسياسة الدولية في جامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة، وكان مقرباً من تيار المحافظين الجدد المقرب بدوره من أعضاء إدارة بوش، ولكنه إنقلب عليهم وأصبح ناقداً بارزاً لحرب العراق. في ضوء ما جاء أعلاه، بإعتقادي سيحدث تغيير في السياسة الخارجية والأمنية الأميركية في العراق فيما لو جاء باراك أوباما لسدة الرئاسة الأميركية، مع غالبية ديمقراطية في الكونغرس الأميركي، وذلك بالرجوع إلى السياسة التقليدية. الآن لنستمر بموضوع التأثير الحالي للإتفاقية على الوضع السياسي في الولايات المتحدة. نقل موقع "الوسط"، في 7/6/2008 عن الفاينانشيال تايمز، الصحيفة ذات النفوذ الكبير لدى الرأسمالية الأميركية، وتحت عنوان "التبعات الدستورية والقانونية لإتفاقية التعاون مصدر قلق عميق لدى عدد كبير من أعضاء الكونغرس". حيث تقول الصحيفة إن إدارة بوش تتعرض للإنتقاد في كل من واشنطن وبغداد بسب موقفها من الإتفاقية الأمنية التي يجري بحثها بين الجانبين العراقي والأميركي. فقد أعلن الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ إن الرئيس بوش يحاول تهميش دور المجلس في إبرام هذه الإتفاقية. إن الزعماء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وجهوا إنتقادات شديدة لإدارة بوش وطالب أربعة منهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس ووزير الدفاع غيتس للإدلاء بشهادتيهما أمام الكونغرس حول الإتفاقية الجاري بحثها وإطلاع المجلس على التفاصيل المتعلقة بها قبل إبرامها مع الجانب العراقي. وأوضحوا "إن التبعات الدستورية والقانونية لهذه الإتفاقية مصدر قلق عميق لدى عدد كبير من أعضاء الكونغرس". كما إن موقع الوسط نقل أيضاً عما جاء في السي إن إن CNN في 7/6/2008 حول نفس الموضوع، إذ ذكر إن وزارة الخارجية الأميركية نفت وجود "بنود سرية" في إتفاقياتها طويلة الأمد مع العراق، وإنها ستطلع الكونغرس على أية مستجدات في هذا الخصوص، كما وإن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك قال "إن الوزارة سترد – بالطبع – على الرسالة التي وجهها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، جو بايدن، وأربعة من أعضاء اللجنة من الحزبين". وهي نفس الرسالة التي ذكرناها في الخبر السابق، حيث طلبوا فيها "عقد مشاورات مفصلة مع كل من وزيرة الخارجية ووزير الدفاع". وقال ماكورماك مضيفاً، "نحن ملتزمون بتعاون يتسم بالصراحة والشفافية مع الكابيتول هل (أي مجلسي الشيوخ والنواب) لإفادتهم بالمستجدات..... سوف نتعاون مع الكونغرس على أساس حل ثنائي مقبول من الطرفين"، ويقصد بالطرفين وزارة الخارجية الأميركية والمجلسين. ويستمر حديث CNN ليقول "إن حديث ماكورماك يتعارض مع شق من رسالة بايدن التي تفيد بأن الكونغرس قد يفرض المصادقة على تلك الإتفاقيات الجارية... وذلك عندما قال ماكورماك إن موافقة الكونغرس غير مطلوبة فيما يخص (إتفاقيات حالة القوات SOFAs)، المعقودة والمعمول بها حالياً بين الولايات المتحدة والعديد من دول العالم". وتستمر الـCNN لتقول "إن السفير الأميركي لدى العراق، ريان كروكر قد خضع في الخامس من حزيران الجاري لإستجواب حول المفاوضات مع العراق، وقال إنه سوف لا تكون هناك بنود أو بروتوكولات أو ملاحق سرية في المحادثات مع العراق... وأنكر التقارير التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة تطالب بقواعد دائمة لها في العراق والسيطرة على المجال الجوي العراقي... إننا لا نسعى لاقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق، وعدا ذلك مجرد أقوال عارية عن الصحة... نحن لا نسعى للسيطرة على المجال الجوي العراقي... وهذا أشبه بالخرافة.. العراق يبذل جهوده لتطوير قدراته في التحكم بحركة النقل الجوي، وكما يحدث، فإننا نقول بتسليم العراقيين المزيد من المهمات والمسؤوليات"!!. لأكون صريحا، فإنني لم أكن أعتقد بوجود "بنود سرية"!!، إذ ان ما هو موجود ومعلن يثير الغضب والسخرية، ولكن عندما قرأت تصريحات كروكر حول عدم وجود قواعد دائمة وعدم وجود رغبة أميركية في السيطرة على المجال الجوي العراقي وإعتباره "خرافة"، جعلني أُراجع ما إعتقدته. فهو هنا يكذب ثم يكذب، فإذا كان يكذب بالنسبة للقواعد الدائمة والسيطرة على المجال الجوي، سيكون من المعقول جداً أن يكذب بالنسبة للبنود السرية. سنناقش مسألة القواعد "الدائمة" في الفصل القادم، أما السيطرة على المجال الجوي العراقي إلى (29) ألف قدم، فلقد تمت مناقشتها سابقاً، وما عدّل لاحقاً حول هذه الفقرة هو توصل الادارة الاميركية إلى إن العراقيين غير قادرين على إدارة هذا المجال ولذا سيستعينون بالأميركان !!، وإن العراق قبل بهذه الفكرة كجزء من المفاوضات التي جرت مؤخراً بعد "ضجة" معارضة الإتفاقية!!. ويستمر الكذب الأميركي، إذ نقلت صحيفة الحياة في عددها الصادر في 16/6/2008 عن المؤتمر الصحفي الذي عقده ديفيد ساترفيلد في بغداد في العاشر من حزيران الجاري. وهذه التصريحات مهمة، إذ إن ساترفيلد هو المستشار الأول لوزيرة الخارجية الأميركية للشؤون العراقية، ولقد بقي أشهراً في العراق لإستكمال الإتفاقية، وكما ذكرنا سابقاً. بالرغم من إن ساترفيلد في تصريحاته في بغداد كانت موجهة للعراقيين، لكنه كان يُسمِع بنفس الوقت السياسيين الأميركان، فهو يقول "إن الإتفاقية لن تحوي بنوداً تتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي عليها، كونها ليست الإتفاقية الأولى التي تبرمها الولايات المتحدة مع دولة ذات سيادة"!!. في الواقع لم أعرف لحد الآن رأي الساسة العراقيين والأميركان، هل ان العراق دولة ذات "سيادة"، أم "ناقصة السيادة" لنطلب من الأميركان رفعنا من طائلة البند السابع، وتوقيع إتفاقية معهم "لإستكمال السيادة". بالنسبة لي فإن العراق ناقص السيادة وبإمتياز فهو دولة محتلة من قبل الأميركان الذين تجول جيوشهم تصول ومتعاقديهم فوق أرضه وتقتل أو تسجن من تشاء بدون رقيب. ان دولة كهذه لابد أن تكون ليست فقط ناقصة السيادة بل بلا سيادة. لنستمر مع ساترفيلد في تصريحاته في المؤتمر الصحفي، فهو يقول أيضاً "لا علاقة بين الأموال العراقية في البنوك الأميركية وممارسة ضغوط على المفاوضين العراقيين خلال المحادثات التي تجري بشأن المعاهدة.... وإن وجود الأموال في البنوك الأميركية هو لحماية ممتلكات الحكومة العراقية بأمر من الرئيس الأميركي"!!. إنني كنت قد تطرقت إلى هذا الموضوع سابقاً، ولكن أود أن أنقل تصريح السيد سامي العسكري، العضو القيادي في حزب الدعوة الحاكم، إلى صحيفة الحياة في 10/6/2008، أي في نفس يوم تصريح ساترفيلد، إن العسكري يقول "إن الحكومة العراقية تعد خطة لتخليص الأموال الموجودة في البنك الفيدرالي الأميركي من الملاحقة الأميركية... إن تلك الأموال يضمنها الرئيس بوش والكونغرس، وإذا رفعت هذه الحماية يمكن أن يفقد العراق مليارات الدولارات"، ورأى العسكري أيضاً "إن الإدارة الأميركية تستعمل هذه الأموال ورقة ضغط على العراق في المفاوضات على الإتفاقية". ألا يرى القارئ إن أحد السيدين لم يقل الحقيقة، بالواقع ما أراه هو إن كليهما لم يقولا الحقيقة الكاملة، إذ، برأيي، استخدمت ورقة الأموال الموجودة في البنك الفيدرالي الأميركي، كعنصر ضغط، ولكن الحكومة العراقية لم تعمل على سحبها من البنوك الأميركية، وإلا كنّا عرفنا ذلك، إذ إن مثل هذا الخبر يُذاع له سر!!. نستمر مع ساترفيلد في مؤتمره الصحفي، فهو قد قال "إن شفافية المفاوضات ستظهر من خلال عرض الإتفاقية على البرلمان". وهنا يقصد البرلمان العراقي، ولكن الوعد بعرض الإتفاقية على البرلمان العراقي ومناقشتها والحصول على ثلثي الأصوات، يناقض تصريحه الثاني في نفس هذا المؤتمر، إذ يقول "إن الولايات المتحدة لم تحدد تأريخ توقيع الإتفاقية، ولكن الجانبين يعتقدان إن من المهم تحديد موعد لتوقيع الإتفاقية، وإن الوقت كافٍ إلى نهاية تموز المقبل لتوقيعها". هل هذا الوقت ممكن؟ بالطبع لا، وهنا يأتي الشك في أن الأميركان لا يريدون أن تُعرض الإتفاقية على مجلس النواب العراقي، وهم بالتأكيد لا يريدون أن يجرى إستفتاء حولها، أو أن تُجرى مناقشتها في البرلمان الأميركي (الكونغرس ومجلس الشيوخ)!!، كما أكـّد ساترفيلد في مؤتمره "أن الإتفاقية لن تحوي بنوداً تتطلب موافقة مجلس الشيوخ". لقد رأينا قبل صفحات رأياً مغايراً لرأي ساترفيلد بهذا الخصوص من قبل رئيس لجنة العلاقات في مجلس الشيوخ وأربعة من أعضاء اللجنة من الحزبين. يستمر النقاش في أميركا حول هذا الموضوع، فلقد نقلت صحيفة القدس العربي اللندنية، في 19/6/2008، عن الواشنطن بوست، حيث تقول الصحيفة الأميركية "تساءل النواب الجمهوريون والديمقراطيون إن كان الإتفاق الأمني يتضمن معاهدة دفاع مشترك تقتضي مصادقة الكونغرس، وإتهموا إدارة بوش بحجب معلومات عنهم تتعلق بالمفاوضات". لقد ذكرنا في مقدمة هذا الفصل، عن الإتفاق الذي وُقـِّع بين بوش والمالكي في 26/11/2007 تحت عنوان "إعلان مبادئ لعلاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأميركية"، حيث جاء في الفقرة (1) من المحور الثالث (المجال الأمني)، ما نصّه "تقديم تأكيدات وضمانات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة أراضيه ومياهه وأجوائه". في الواقع كنت دائماً أستغرب دائماً لماذا تنصل الأميركان مما جاء في هذه الفقرة المهمة جداً بالنسبة إليهم، ولكني فهمت السبب بعد أن بدّلوها بصيغة أخرى، وهي بدلاً من دخولهم الحرب للدفاع عن العراق، فإنهم يوفرون للعراق مساعدة مخابراتية ولوجستية وأسلحة، كما في الحرب السابقة مع إيران والتي خضناها نيابة عن الولايات المتحدة، وكنا وقودها!!. إن الصيغة القديمة تفتح لهم المجال مباشرة للحرب على إيران الآن، فمن السهولة إفتعال إعتداء من إيران على العراق، ليكون سبباً لقيام حرب وتقوم أميركا برد العدوان!!، وتحطيم إيران كما حدث مع العراق. ظهر السبب لي أثناء دراسة صلاحيات الرئيس الأميركي، إذ أن الأمر يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ والكونغرس في حالة قيام الولايات المتحدة بعمليات عسكرية في بلد آخر غير العراق حيث سبق أن حصلت موافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ، على الحرب عليه، ولهذا لا يريد بوش أن يعرض الإتفاقية عليهم مجدداً، إذ عند ذاك سيدخل في متاهات لا نهاية لها، والدولة الأميركية على وشك إنتخابات رئاسية، ولا يوجد عاقل، (أو حتى متهورً مثل بوش)، يقوم بالتورط مع هذين المجلسين في هذا الوقت، خصوصاً إنه يحضّر، مع إسرائيل، للحرب على إيران، وبدون أخذ رأي هذين المجلسين!!، بإعتبار إن هذا الأمر مساعدة لإسرائيل. إستمراراً لما جاء أعلاه أردت أن أذكر الخبر الذي نقلته في 9/6/2008، عن دبلوماسي أميركي في بغداد قوله "إن الإتفاقية ستكون مماثلة لإتفاقيات واشنطن مع بعض الدول في العالم، مع فارق وحيد هو حاجة القوات الأميركية في العراق إلى خوض القتال في العراق"!!. إني أستغرب من مثل هذا التصريح، كما أستغربت من قول الحكومة العراقية بأنها أرسلت وفودا إلى ألمانيا واليابان وكوريا، تستفيد منها بمقارنة ما وقـّع فيها من معاهدات مشتركة مع الأميركان، بالإتفاقية طويلة الأمد التي يراد للعراق توقيعها مع أميركا. إن المشكلة الأساسية في كل هذه الفوضى الدائرة في العراق هي العمليات العسكرية الأميركية فيه وبشكل لم يسبق له مثيل في تأريخ العالم، وفي كل موضع فيه، (عدا إقليم كردستان)، وبحجة "الإرهاب" الذي أتى الى العراق معهم أصلاً!. إضافة لذلك إن الأميركان عاملوا العراقيين كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، إذ إن قتال العراقيين وإغتصاب نسائهم ليست مشكلة بالنسبة إليهم، ولا يوجد هناك من يحاسبهم. وهذه الأمور لا يقوم بها الجيش الأميركي فقط، وبمعرفة من أعلى جهاته، كما أثبتت مآسي أبو غريب، بل من المرتزقة العاملين معهم كذلك، وهم إعتيادياً وفي غالبيتهم حثالات المجتمع حيث يقومون بالأعمال القذرة جداً، والتي قد يتجنب الجيش الأميركي القيام بها قدر الإمكان مثل التعذيب والقتل وفرق الموت وغيرها. وكمثال، عندما قام جندي أميركي بإغتصاب بنت في أوكيناوا في اليابان حيث توجد قاعدة أميركية، قامت الدنيا في اليابان ولم تقعد!!. أما نحن في العراق، فلقد قامت شركة المرتزقة بلاك ووتر بقتل (20) عراقي، في ساحة النسور، بدم بارد، بإعتراف جميع اللجان التحقيقية العراقية والأميركية التي شُكلت لهذا الغرض، ولم يتخذ أي إجراء، والأمَرّ من ذلك اننا قبلنا "صاغرين" رجوعهم الى العراق وإستمرارهم في عملهم!!. هل نتحدث أكثر.... فلقد برأت المحاكم الأميركية قتلة العائلات في حديثة، وماذا تم عن مآسي أبو غريب، والقتل والإغتصاب الذي تم في المحمودية، وغيرها وغيرها من الحوادث التي لا تعلن. لم يحدث شئ بتاتاً، ولم تهتم الحكومة العراقية بما يحدث لأبنائها نتيجة الوحشية الأميركية ومعاملة العراقيين كمواطنين من الدرجة الثالثة. هذا هو الفرق الذي يتحدث عنه الدبلوماسي الأميركي في التصريح المشار إليه أعلاه، ولو تم توقيع الإتفاقية سنرى أياماً سوداء لم يمر بها العراق في أية مرحلة من تاريخه , رغم بشاعة ما مر به سابقاً!!. * * * ولإنهاء هذا الفصل نرى من الناسب إن نكتب الملاحظة التالية: ما لاحظناه خلال السنوات الخمس الماضية، أو أكثر، من الإحتلال، إن علاقات السياسيين العراقيين، سواء في الحكومة المركزية، أو في حكومة إقليم كردستان كانت دائماً مع الحزب الجمهوري وقادته، وخصوصاً اليمينيين منهم، ومع المحافظين الجدد ذوو التوجهات اليمينية العدوانية المتطرفة. ولم يكن للسياسيين العراقيين أية علاقة أُشير إليها مع الحزب الديمقراطي أو نقابات العمال، علماً إن نقابات عمال نفط العراق، لها علاقات وثيقة مع هذه الجهات. و لست هنا في مجال مدح الحزب الديمقراطي الأميركي. إن الديمقراطيين قادمون للحكم، وفعلاً سيطروا على مجلسي النواب والشيوخ، وهناك إحتمال كبيرا أن يأتي باراك أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية، وهو الذي وعد الشعب الأميركي من أنه سيعمل على سحب القوات الأميركية من العراق خلال (16) شهراً من تأريخ توليه الرئاسة!!. ماذا سيكون الموقف من إتفاقية طويلة الأمد ومن القواعد، التي سنتحدث عنها في الفصل القادم؟!!. كما وإن أوباما هو الذي إلتزم بالبحث عن حلول تفاوضية بدلاً من إلقاء ثقل أميركا كله في العراق وما حولها. هل إن الأحزاب والكتل الحاكمة في العراق قد إختارت، وبشغف وإندفاع كبير، الحزب الجمهوري، وتأمل وتعمل على أن يأتي السيناتور جون ماكين إلى سدة الرئاسة، وهو الذي يقول إنه سيعمل على إبقاء الجنود الأميركيين كقوة أمنية لعقد من الزمان، وربما لأكثر من ذلك!!، وهو الذي يقول، كما يقول بوش، إن التفاوض مع الأعداء – يقصد إيران وسوريا – يعد إسترضاءاً لهم من دون داع. في الواقع إنني أستغرب من هذا الإندفاع الهائل لتأييد بوش، المعزول أميركياً وعالمياً، والمكروه إلى حتى المقت من الغالبية العظمى من العراقيين ومن شعوب المنطقة، ومن الغالبية من شعوب العالم. وحتى إذا كان الساسة والعراقيون يؤيدون سياسة بوش، وبوش شخصياً، فمن الأجدر في هذه الظروف السياسية التي لا نعرف ماذا ستكون عليه بعد أربعة أشهر، أن لا نندفع بهذه الصورة المهينة وغير المهنية. فمهنة السياسة تقتضي الإنتظار وعدم تقديم التسهيلات الكبيرة المكروهة من قبل الشعب العراقي، مثل هذه الإتفاقية، على طبق من ذهب للإدارة الأميركية الحالية، وهي عملية أشبه بالتبرع وعلى نطاق واسع إلى الحزب الجمهوري. لقد صرّح السيد زيباري لصحيفة الحياة في عددها الصادر في 13/6/2008، من "أن منظمي حملة المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما طمأنوا بغداد إلى أنه لن تُجرى تغييرات دراماتيكية في سياسة واشنطن تجاه العراق إذا فاز في الإنتخابات"، وأوضح إن التطمينات التي تلقتها حكومته قبل إسبوعين كانت عبر سفيرها لدى الولايات المتحدة سمير الصميدعي، وإن قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس توقع أيضاً "عدم حصول تغييرات مفاجئة وسريعة لأن أوباما يستمع إلى آراء القادة الميدانيين على الأرض"، وشدد زيباري على أهمية هذه التطمينات نظراً إلى أن "الإنطباع السائد عن المرشح الديمقراطي إنه سيغير كل شئ إذا فاز"، وإعتباره "الحرب حرب جورج بوش". هل يعتقد السيد زيباري فعلاً إن إوباما سينسى ناخبيه، وموقفه الدائم من إعلان الحرب ليرضى الحكام العراقيين؟!. إذا كان يعتقد ذلك فإنه قد لا يعرف السياسة الداخلية الأميركية التي تكلمنا عنها في هذا القسم من الدراسة. أو انه فعلاً لا يعرف ذلك لإن إتصال الساسة العراقيين كان دائماً بأقصى اليمين الأميركي!!. إن توجه السيد هوشيار هو أمر واضح، إذ يضيف في تصريحاته للحياة قائلاً، "أما عن ماكين فإنه واضح جداً في توجهاته ولن يتخلى عن الدور الأميركي في العراق. وقد يدخل تعديلات على السياسة ودور القوات الأميركية". والعجيب هو ما أضافه السيد هوشيار حيث قال، "سنبحث في المعاهدة الأمنية مع الرجلين – يقصد أوباما وماكين – وفي العقبات أو الإقتراحات المطروحة للتوصل إلى إتفاق ينظم العلاقات بين البلدين". فالقارئ يتوقع إن السيد هوشيار سينتظر، ولا يندفع نحو توقيع الإتفاقية على ضوء هذا الحديث، وهذا أمر جيد!!، ولكنه يستمر ليؤكد "إن إنجاز الإتفاقية قبل نهاية تموز المقبل مازال ممكناً وهناك تقدم كبير في المفاوضات، على الرغم من أن بعض القضايا ما زال عالقاً ويحتاج إلى مزيد من البحث"!!!. إذا كان هذا الحديث المنقول عن مسؤول السياسة الخارجية العراقية صحيحاً، فإقرأ على هذه السياسة السلام، أو بالأحرى إقرأ عليها الفاتحة!!.
الفصل الرابع مناقشة أخيرة... أين سنصل؟!
سوف لا أصف أي مفهوم أو شخص "وطني"، أو "غير وطني"، وسوف لا أذكر بالمرة عن شخص بأنه "عميل" أو "غير عميل"، فهذه الكلمات والمفاهيم قد إختلطت عند الكثير وقد يؤدي إستعمالها الى عكس المطلوب، علماً بانني شخصياً لدي مفاهيمي وتعاريفي الخاصة لهذه الكلمات، ولكن سوف لا استخدمها!. سأعتمد على ما جاء في الدستور في مناقشة هذه الإتفاقية، وللمفاهيم – التي أعتقدها – إنها في صالح العراق. علماً أني كنت قد صوّت على الدستور بـ(لا)، لأني أعتقد بأن الدستور جاء بصيغة غير محكمة، فضفاضة في كثير من بنوده، وتوفيقي بدون ترابط محكم، بحيث قد يكون "حمّالة أوجه"، خصوصاً في المسألة النفطية، أو في مسألة الفيدرالية، إذ يسمح بوجود أكثر من "فيدرالية كردستان"، مما سيفتت العراق، وقد أثبتت السنوات الماضية ذلك. كما سأستخدم نفس الأسلوب الذي استخدمته في دراساتي وكتبي حول النفط، خاصة كتابي، "حكومة إقليم كردستان وقانون النفط والغاز"، حيث حاولت أن أبرهن، وبالتفصيل، على ان الدستور ورغم علاته، لا يسمح بالمرة بمشاركة الأجنبي بأخذ حصة من النفط العراقي، وبالتالي فإن كل عقود المشاركة بالإنتاج غير دستورية. كما وإن إنتاج النفط والغاز يجب أن يكون التخطيط لهما مركزياً، أما تنفيذ الخطة المركزية في الإنتاج والتوسعات المستقبلية، قد يكون من إختصاصات الأقاليم والمحافظات، وبهذا تكون كل عقود إنتاج النفط الموقعة من قبل حكومة كردستان، وكذلك "قانون كردستان العراق للنفط والغاز" جميعها غير دستورية، وآمل إنني قد نجحت في ذلك، ووضح ذلك من خلال ردود الفعل الكثيرة المؤيدة لما ذهبت إليه، وأحاول هنا إستخدام نفس الطريقة. أود أن أضيف بعض الشئ فيما يتعلق بأفكاري، فأنا علماني التفكير، أؤمن بالحكومة المدنية المنتخبة. ولا أؤمن بالمرة بنظرية "ولاية الفقيه"، أو إمكانية نجاحها. وأضيف إن جميع المجتهدين في العراق لا يؤمنون بهذه النظرية، فلقد أبدى، السيد السيستاني (وقبله السيد الخوئي)، وهما من كبار مجتهدي الشيعة، بعدم إيمانهما بهذه النظرية، كما لا أعرف مجتهداً شيعياً في العراق يؤمن بهذه النظرية. إضافة لذلك أكـّن كل الإحترام والتقدير والإعجاب لجميع رجال الدين الذين يعطون المشورة الحسنة، ويعملون على رفعة العراق وتحريره، والدفاع عن فقرائه ومستضعفيه، ولا يتدخلون في شؤون الحكم المدني إلا بالنصح كأي مواطن عراقي. سأفترض في مناقشتي إن الحكومة الحالية، رغم ظروف تأليفها الطائفي، ومسيرتها العرجاء، هي حكومة شرعية جاءت نتيجة إنتخابات حرة، رغم ظروف تلك الإنتخابات ومقاطعة قطـّاع مهم من الشعب العراقي لها. بهذا تكون مناقشتي وفق ما تؤكده التكتلات التي تتألف منها الحكومة الحالية، وهي الإحتكام إلى الدستور، وإعتبار ان الحكومة شرعية!!. قد يخالفني البعض في ذلك، ولكني سأسير وفق هذا النهج في معارضتي الشديدة لهذه الإتفاقية الأمنية طويلة الأمد. 1- مواد دستورية متعلقة بالإتفاقية وفيما يلي أهم البنود الدستورية التي تؤثر في المناقشة حول الإتفاقية: أ- المادة (1) من الدستور تقول: "جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق". أي أن "السيادة الكاملة" شرط دستوري. ب- المادة (61) رابعاً، بما يختص مجلس النواب به، تقول: "رابعاً: - تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والإتفاقيات الدولية، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب". يلاحظ هنا أنه لا يقول ثلثي الحاضرين وإنما ثلثي أعضاء مجلس النواب، ولما كان أعضاء مجلس النواب (275) عضواً، فإن قانون المصادقة على الإتفاقية يجب أن يسن بموافقة (184) عضواً على الأقل. قد يقول أحد إن هذا أيضاً من صلاحية مجلس الوزراء الدستورية وحسب المادة (80) سادساً: "التفاوض بشأن المعاهدات والإتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله". من الواضح إن هذا الأمر، أي المناقشة حول الإتفاقية وتحضيرها، يتم عرضهامن قبل مجلس الوزراء على مجلس النواب للموافقة عليها , ثم يقوم رئيس الوزراء أو من ينوب عنه بتوقيعها . المادة ( 73 ) حول صلاحية رئيس الجمهورية المادة (73) ثانياً تقول: "المصادقة على المعاهدات والإتفاقيات الدولية، بعد موافقة مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تأريخ تسلمها. د- المادة (7) ثانياً: تقول: "تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقراً أو ممراً أو ساحة نشاطه". هنا يذكر "الإرهاب" بجميع أشكاله، وبالتأكيد ما يقوم به المحتل شكلاً من أشكال الإرهاب. وإن محاربة الإرهاب من مسؤولية الدولة العراقية، وليس من مسؤولية جهة أجنبية، وكما جاء في الدستور. هـ - المادة (8) تقول: "يرعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم إلتزاماته الدولية". و- المادة (21) أولاً تنص على : "يحظر تسليم العراقي إلى الجهات والسلطات الأجنبية" إذا كان الأمر كذلك، فمن المؤكد إن هذه المادة تشمل حظر قيام الأجنبي بإعتقال العراقي، داخل العراق، وحجزه ومحاكمته وسجنه. ز- المادة (19)، تنص على: أولاً: القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون. ثانياً لا جريمة ولا عقوبة إلا بنَص. ثالثاً: التقاضي حق مصون ومكفول للجميع. رابعاً: حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. ثاني عشر: الحجز أ- يحظر الحجز ب- لا يجوز الحبس أو التوقيف في غير الأماكن المخصصة لذلك وفقاً لقوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والإجتماعية والخاضعة لسلطات الدولة. ثالث عشر: تعرض أوراق التحقيق الإبتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة منه حين القبض على المتهم، ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة وللمدة ذاتها. ح- المادة (17) ثانياً تنص على : "حرمة المساكن مصونة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي، ووفقاً للقانون". ط- المادة (37) تنص على : أولاً: أ- حرية الإنسان وكرامته مصونة. ب- لا يجوز توقيف أحد والتحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي. ج- يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي إعتراف أنتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون. ي- المادة (40) تنص على: "حرية الإتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورة قانونية وأمنية، وبقرار قضائي. ك- المادة (88) تنص على: "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة". ل- المادة (95) تنص على: "يحظر إنشاء محاكم خاصة أو إستثانئية. يلاحظ القارئ إنني أوردت جميع المواد الدستورية المتعلقة بحقوق المواطن العراقي، لأني إفترضت إن القوات المسلحة الأميركية ستعمل بموجب الدستور العراقي، ولذا عليها أن تعمل وفق ما ورد أعلاه، وهو أمر لا يحدث الآن، فهل يتوقع أحد حدوثه بعد "شرعنة" وجودهم عند توقيع الإتفاقية ؟. كما وإن هذه القوات سوف لن تعمل أيضاً وفق الدستور والقوانين الأميركية (كحالة معتقل كوانتينامو الآن). أي عملياً ستكون هناك "شريعة الغاب". لذا فإن كل العمليات المتعلقة بملاحقة أو القبض على عراقيين داخل العراق تعتبر عمليات غير دستورية. لا أعرف كيف سيكون المخرج الدستوري لها عند الذي يريد أن يوقع الإتفاقية؟!. لا يمكن دستورياً، وجود سيادة عراقية مع وجود أجنبي لا ينفذ المواد الدستورية بحذافيرها. 2- وجود عسكري دائم وقواعد عسكرية دائمة لقد لاحظنا في الصفحات الماضية من حديث الأميركان، بأنهم لا ينظرون إلى وجود عسكري "دائم "!!، أو بناء قواعد عسكرية "دائمة" في العراق!. هل ان ما يقوله الأميركان صحيحاً؟ أم أنه لعب بالألفاظ والتعابير والتي يجب أن ينتبه المفاوض العراقي إليها دائماً. أو إنها محاولة لإستغفال الآخرين؟!!. إن كلمة "دائم"، أو "دائمة"، في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية هي كلمة نسبية ولا يُعرف معناها إلا بتحديد المدة. إذ إن كلمة دائم تعني من الناحية اللغوية، بأنها مسألة أبدية سرمدية. فلذا إن مسألة بقائهم لمدة (500) سنة مثلاً، هو أمر "غير دائم"!، وبهذا يكون الأميركان صحيحين في قول بقاءهم غير دائم. بينما يرى العراقيون إن هذه المدة، أو أقل منها بكثير، مثلاً (30) أو (40) سنة، يعني من الناحية السياسية "بقاء دائم". وفي فهمي الخاص، فإنني أرى بقاءهم لأكثر من سنتين هو بقاء دائم!. إذا عرفنا لماذا قام الأميركان بغزو العراق، نستطيع تقدير المدة التي يريدون فيها أن يبقوا في العراق!. إنهم – بتقديري – جاؤا أساساً من أجل النفط، ويرغبون بالبقاء للسيطرة على نفط العراق وعلى نفط منطقة الشرق الأوسط إلى أن ينضب النفط، والمتوقع أن ينفد في منتصف القرن الحالي، لذا سوف لا تكون بعد ذلك أهمية ستراتيجية لهذه المنطقة، ويكون بقاؤهم بعد ذلك عبئاً كبيراً. إن الوجود لمدة (40-50) سنة هو من الناحية اللغوية بقاء غير دائم، ولكن من الناحية العملية والفهم السياسي هو وجود دائم، وهذه هي مدة الوجود التي يتمنى الأميركان أن تستمر!. ولإستكمال الحديث عن هذه الفقرة، يجب توضيح ما المقصود بالقواعد (جمع قاعدة)؟. فإلى حد قبل أشهر قليلة فإن تعبير "القاعدة" كان يقصد به أي تجمع للقوات العسكرية، وهذا ما كان يُذكر في جميع الصحف الأميركية وغيرها، وفي جميع المراسلات الرسمية وتعابير وسائل الإعلام. وكانت الصحف تتحدث عن قواعد عملاقة mega bases، وعن قواعد صغيرة micro bases. ولكن عندما بدأت المفاوضات لوضع الإتفاقية المقترحة حالياً، حدث تطور في هذا الفهم، إذ إن كلمة "قواعد" كلمة حساسة جداً، خصوصاً بالنسبة للعراقيين الذين ناضلوا لما يقرب من اربعة عقود لإنهاء الوجود البريطاني في قاعدتي "الشعيبة" و"الحبانية"، وإن كثرة القواعد تعني للعراقيين، ولغيرهم إحتلالاً أو "إستعماراً" وهو الفهم الذي تحاول أميركا جاهدة تجنبه، فهي محررة وليست محتلة!!. لهذا إستعمل المفاوض الأميركي كلمة "قاعدة"، لما كان يسميه قواعد كبيرة أو عملاقة، واستعمل للباقي كلمة معسكر camp. ولذا نرى التفاوت الكبير بين اعداد "القواعد" العكسرية التي ستكون في العراق نتيجة توقيع الإتفاقية، فالأميركان يتكلمون عن ثلاثة أو أربعة "قواعد"، والسيد الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية تحدث عن حوالي (400) قاعدة، وكوكبرن في مقاله المعروف في الاندبندنت تحدث عن (50) قاعدة (لتشمل القواعد العملاقة والقواعد الإعتيادية، مع إستثناء القواعد الصغيرة). على ضوء أعلاه لنرى ما حدث ويحدث في العراق خلال السنوات الخمس الماضية وفيما يتعلق بالقواعد العكسرية، وبالأخص القواعد الأميركية، وسنرى فيما إذا كان لها أن تكون "دائمية" أم لا؟ الأمر الذي يرينا بدوره النية المُبَيّـتة لوجود القوات الأميركية، وفيما إذا كانت هذه النية هي لوجود دائم أم لا؟! إن أول مقالة عثرت عليها تتحدث عن القواعد الأميركية في العراق، كانت مقالة النيويورك تايمس، وعلى صفحتها الأولى، في 20/3/2003، تحت عنوان: "يتوقع البنتاغون دخولا طويل الأمد لقواعد العراق الرئيسية Pentagon Expect Long – Term Access to key Iraq Bases" حيث تحدث العسكريون الكبار العاملون في العراق إلى كاتب المقال عن إستحواذهم على أربع قواعد عسكرية ضخمة، (ولم تذكر أسماؤها)، وإن هذا الإستحواذ سيكون لمدة طويلة، ولكن يضيف المقال "إن مسألة القواعد الدائمة permanent نُفيت نفياً قاطعاً من قبل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد". حسب إعتقادي لم تكتب النيويورك تايمس مقالاً خاصاً آخر عن القواعد العسكرية، إلا ضمن ما كتبته خلال الشهرين الماضيين عن الإتفاقية. ثم كتبت الواشنطن بوست في 22/5/2005 مقالاً خاصاً عن القواعد العسكرية في العراق، وذكرت إن القيادة العسكرية الأميركية تعمل على تجميع قواتها في العراق في (4) قواعد ضخمة، حيث يتم العمل عن التخلي عن أكثر من (100) قاعدة base أخرى وإعطائها تدريجياً للقوات العراقية أو الأجنبية. وإن البناء يتم في القواعد الضخمة بإستعمال المواد التي تعطي طابعاً دائمياً مثل الكونكريت. وأيضاً تقول الصحيفة "إن القيادة المركزية الأميركية تذكر دائماً إنها لا تعمل على إبقاء قوات أميركية في العراق بصورة دائمة، وإن الستراتيجية الأميركية هي بالنتيجة مراقبة العراق من قواعد في الكويت، أي ستكون القوات الأميركية قريبة لتستجيب وبسرعة لأي حدث يقع في العراق يستوجب تدخلها". ما نلاحظه هو إستخدام كلمة قاعدة base حتى للقواعد المتوسطة والصغيرة والتي تسميها الولايات المتحدة الآن بمعسكرات camps. كذلك فإنه يتحدث عن أمر غير دائم!!، ولكن رغم وجود هذه القواعد، فهو يقول ستتم المراقبة من الكويت , ولكن بنفس الوقت سيكمل إنشاء أربعة قواعد عملاقة في العراق!!، والذي إعتبرته تناقضاً في الحديث إلا إذا كان المقصود العمل على كلا الحلين سوية و بشكل متزامن، وهو أمر منطقي!!. يؤكد كاتب المقال بأن ما يتم تجميعه في القواعد الأربعة، ومن تصاميم وشكل الإنشاءات التي تبنى، ترينا إن القوات الأميركية ستبقى سنوات طوال. ويذكر إن القوات الأميركية كانت قد أخلت منذ بداية سنة (2005) و الى تاريخ كتابة المقال، (13) قاعدة base في بغداد وحدها , وسلمتها إلى الجيش أو الشرطة العراقية، وما بقي للقوات الأميركية يبلغ (106) قاعدة base، وذلك بعد تسليمها الـ(13) قاعدة. وفي هذا المقال يتم لأول مرة تسمية القواعد الضخمة الأربعة، حيث تم إختيار قاعدة طليطلة (ويقصد بها قاعدة الإمام علي) قرب الناصرية في الجنوب، وقاعدة الأسد في الغرب، وقاعدة بلد في الوسط، وفي الشمال لم يقرر لحد الآن أية قاعدة سيبقيها الأميركان هل هي أربيل أم القيارة، وإن انشاءات ضخمة يتم في هذه القواعد. علماً إن مجمع معسكر فيكتوري – النصر – Victory قرب المطار، حيث يحل فيه (11) ألف معتقل، لم يقرر مستقبله لحد ذلك التأريخ. هذا ويضيف المقال جملة جلبت نظري اذ تقول "إن هذه القواعد كانت تسمى، في جميع الوثائق، وإلى شباط/2005، بالقواعد الثابتة أو الدائمة "enduring bases"، وبدل الإسم إلى قواعد العمليات الطارئة "contingency operating bases". والذي يعني إنتباه الأميركان لـ"عقدة" العراقيين بشأن موضوع القواعد الثابتة. هذا ولقد كتبت الواشنطن بوست مقالاً آخراً في 4/2/2006، حيث ركـّز المقال على قاعدة بلد، وذكر إنها مقر أهم العمليات الجوية الأميركية، وقد وصل عدد العسكريين فيها – في ذلك الوقت – الى ما يقرب من (20) ألف عسكري أميركي، بالإضافة إلى آلاف العاملين المدنيين الأجانب الذين يعملون على إكمال الإنشاءات الضخمة بقيادة شركة KBR، التي تقدر قيمة المصروفات على هذه الإنشاءات بمليارات الدولارات. إنها في ذلك الوقت كانت تحتوي على مطار ذي مدرج طويل، ويقول مسؤول القاعدة، إنه أكثر مطار إزدحاماً في العالم بعد مطار هيثرو. ويوجد فيه (250) طائرة منها (188) هيليوكوبتر و(70) طائرة إعتيادية , من بينها مقاتلات / قاذفات F15, F16 وطائرات نقل. ولعل أهم مقالة ظهرت لحد الآن حول "القواعد" العسكرية، هي ما كتبه توم إنكلهارت Tom Engelhardt في الموقع الأميركي truthout في (15) حزيران الجاري، فهو يشير إلى مقالة كوكبرن في الاندبندنت، التي تحدثنا عنها بالتفصيل والتي تخبرنا بوجود (50) قاعدة عسكرية ضمن الإتفاقية المزمع عقدها، ويتكلم عن القواعد العملاقة mega التي صرف عليها مليارات الدولارات، وأصبحت مدناً أميركية على شكل قلاع هجومية دفاعية، على مساحة تقارب (42) كيلومتر مربع، وإن قاعدة بلد يوجد فيها حالياً (40) ألف عسكري، حيث أصبحت الآن مشروعا إنشائيا عملاقا يحتوي على طرق وأبنية ومنشآت مقامة للإستمرار لعقود طويلة قادمة، وتعتبر واحدة من أكبر القواعد العسكرية الموجودة في العالم، كما وإن قاعدة الأسد تشابهها من حيث الضخامة. و أشار ايضا إلى قاعدة أخرى ضخمة داخل بغداد، وهي السفارة الأميركية، والتي بُنيت لتكون سفارة "إمبريالية" هائلة بكلفة (750) مليون دولار، وإن كلفة تشغيلها السنوية تصل إلى (1.2) مليار دولار، وهي مصممة لكي تكون قاعدة وبداخلها قاعدة دفاعية لمقاومة أي انواع الهجوم. من كل هذا نرى إن النية هي لبناء قواعد دائمة، وأقصد بالدائمة هنا، هو لعدة عقود. وفي القواعد يجب أن تكون هناك جيوش، ووجود عسكري، والذي يعني إن النية لإبقاء وجودها عدة عقود. ولهذا سميت الإتفاقية بأنها ستراتيجية طويلة الأمد. ولم تحدد المدة في هذه الإتفاقية، والذي يعني – بنظرنا – البقاء لعدة عقود أو لمدة لا تقل عن عشر سنوات، قابل للتجديد!!. وهو إحتلال، أو إستعمار له "شرعية" من خلال الإتفاقية. ولكن كلنا يعلم لا يمكن لإحتلال أن يكون له شرعية مهما وقـّعت لاجل بقائه من إتفاقيات أو معاهدات!!. فالمقاومة ستبقى، وإن تركت مجموعة ما المقاومة، فستأتي مجاميع أخرى!!، قد تتفق مع أفكارها أو لا تتفق، ولكن يجب أن تتفق أنه بوجود إحتلال أو إستعمار ستوجد مقاومة، وكلما فشلت المقاومة السلمية تتقدم المقاومة المسلحة خطوات أطول، وكلما تزداد شراسة المحتل كلما تتصاعد وتائر هذه المقاومة ويزداد عددها، ولن يوقفها أحد إلا بخروج المحتل مع آخر جندي له , وإخلاء آخر قاعدة , و انهاء آخر نفوذ له. 3- هل الإتفاقية مفيدة أو مضرة للعراق والعراقيين؟ أود هنا أن أؤكد على بعض الحقائق ليكون بإمكاننا الوصول إلى نتائج منطقية – بنظري –. من المحتمل جداً أن يتبدل التكتيك الأميركي من العنجهية والغطرسة وإهمال الغير، حتى الحلفاء منهم، إلى السياسة التقليدية البراغماتية (الواقعية!)، وبدون الإستعمال المفرط للعضلات والسلاح، واللجوء قدر الإمكان إلى المفاوضات والخداع!!، ولكن هناك إحتمالاً آخراً هو الإستمرار بالنهج الحالي، بنجاح ماكين في الوصول إلى سدة الرئاسة الأميركية، أو بمغامرة أخيرة يقوم بها بوش، بالتعاون مع إسرائيل في ضرب إيران. هناك بوادر تبين بأن هذه المغامرة هي ليست من نسج الخيال، وإنها ستكون واقعاً، وبضغط كبير من إسرائيل والمحافظين الجدد، وخصوصاً بعد المناورات المشتركة التي تمت مؤخراً بين أميركا وإسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية، بحيث إضطر الأمين العام لمنظمة الطاقة الذرية محمد البرادعي أن يؤكد قبل أيام بأنه لا يوجد منهاج نوويً إيرانيً للأغراض العسكرية، (كانت قد أكدت ذلك المخابرات الأميركية قبل شهور بالقول إن إيران أوقفت منهجها النووي العسكري في سنة 2003)، وأن يقول البرادعي أيضاً، إنه سيستقيل من منصبه إن ضربت إيران، وإن اللهيب سيشمل كل المنطقة . لابد وإن للبرادعي معلوماته التي أكدت له أن الضربة الأميركية / الإسرائيلية لإيران أصبحت وشيكة!!. أقول رغم إحتمال تبدل في التكتيكات الأميركية، ولكن الستراتيجية باقية، وهي السيطرة على النفط في الشرق الأوسط للعقود الأربعة أو الخمسة القادمة. وهذه الستراتيجية ستقابل بستراتيجيات معاكسة من قبل بعض دول المنطقة و الدول العظمى الجديدة أو الناهضة التي ستكون عظمى، مثل الصين والهند، وبقية آسيا، حيث النفط أيضاً مادة ستراتيجية لها، وسيكون هناك صراع ستدخل فيه روسيا واوربا لتطمين مصالحهما. إذاً نحن الان في مرحلة مضطربة، والحل الأمثل في حالة الإضطراب ولدول صغيرة مثل العراق هو تجنبه، وإتخاذ الحياد "الإيجابي"، الذي يأخذ مصالح العراق أولاً وآخراً. بالتأكيد إن الدخول في معاهدة أو إتفاقية مع أحد أطراف الصراع وأشرسها سيضر العراق، إذ في صراع القوى العظمى فيما بينها، يكون هناك مجال للمناورة للدول الصغيرة، وتحاول كل من قوى الصراع جلبها إلى جانبها أو على الأقل إبقاء حيادها مع تقديم كافة التسهيلات لها لإرضائها لكي لا تذهب للجانب الآخر. إن كل عيون العالم على العراق، وخصوصاً القوى العظمى الحالية والقوى العظمى الآتية، فهو يملك ربع نفط العالم، وهذه ميزة يجب أن يستغلها العراق للإستفادة من جميع القوى في العالم، وإقامة علاقات متساوية معها. وعدم الإنحياز لأي منها، لأن الإنحياز سيضعه في فوهة المدفع!!. الآن لنتكلم عن الصراع الإقليمي. إن الموقف الأميركي من إيران أو سوريا أو حزب الله أو حماس، وخصوصاً (إيران)، هو جزء من الستراتيجية الأميركية للإستحواذ على النفط. إذ ان هناك قوى، وستبقى هذه القوى مناهضة للإستراتيجية الأميركية، وذلك دفاعاً عن حقوقها ومصالحها . ب في إعتقاد أميركا، أو على الأقل بإعتقاد القادة الحاليين لأميركا، إن بإستطاعة أميركا وبإستخدام البطش إنهاء هذه القوى، وبإعتقادي, ونتيجة تجارب السنوات الأخيرة إنه ليس بإستطاعة أميركا ذلك بالمرة، بل بالعكس إن الظروف مواتية لنيل الحقوق في حالة الثبات على الحق ورفض الإرادة الأميركية. إن إسرائيل مهمة جداً لأميركا، فهي قاعدة ثابتة مصالحها مرتبطة تماماً بالمصالح الأميركية، مرفوضة من جيرانها مما يزيد إرتباطها وإعتمادها على الولايات المتحدة. إن أميركا تعتمد على إسرائيل وتريدها قوية جداً، على الأقل، للعقود الاربعة او الخمسة القادمة، ولكن بإنتهاء النفط سوف لن يكون للشرق الأوسط أهمية، وسوف لا تكون لإسرائيل تلك الأهمية الحالية، ومن هنا جاء الحديث إن إسرائيل، بشكلها الحالي كدولة لليهود فقط، دولة يمكن أن تزول، ليس بقتل أهلها أو رميهم في البحر كما يحاول أن يصور البعض، ولكن لزوال أهميتها مما يعرضها حتماً لمشاكل إقتصادية كبيرة، وإحتمال حدوث مشاكل أمنية مع جيرانها،و لن يكون لها ذاك التأييد المطلق من الغرب، (وبالأخص أميركا)، كما هو عليه الحال الآن. إن الإستراتيجية العسكرية لإسرائيل ومنذ الخمسينيات مبني على أساس إن قوتها وبقاءها نابعان من أنها تملك القنبلة الذرية، وجيرانها لا يملكونها. ولهذه الضجة الحالية ضد إيران، رغم تأكيداتها إنها لا تعمل لإستخدام العلم النووي للأغراض العسكرية، ولكن لإمتلاك ناصية علم المستقبل وخصوصاً في مجال الطاقة (وهناك تفاصيل كثيرة بهذا المجال في كتابي "الطاقة: هي التحدي الأكبر للقرن الحادي والعشرين"). وهذا الأمر أيضاً لا تريده أميركا وإسرائيل، ولهذا في نظرهما يجب أن تركع إيران أو تُدمّر، وفي الواقع يريدونها أن تُدمّر، إذ من الخطر على الستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط وجود دولة أو دول يمكن أن تتحول إلى دولة صناعية ناهضة، وإيران إحداها، وكان العراق صاحب الإحتمال الأكبر لأن يكون كذلك ولهذا دُمّر. الآن لننظر إلى السيناريو الحالي لضرب إيران. إن إسرائيل تقول – بالسر – إنها تتدرب على أن تجتاز طائراتها ما يقرب من (1500) كيلومتر، والذي يعني المرور فوق الأردن والعراق، وأميركا تقول إنها سوف لا تنطلق في عملياتها لضرب إيران من العراق أو دول الخليج. لنفترض، إن الطائرات الأميركية والإسرائيلية ستنطلق من حاملات الطائرات في الخليج، وإنها ستستخدم بوارجها والمدافع المنصوبة عليها لضرب إيران. دع القارئ يفكر مع نفسه، وخصوصاً القارئ المؤيد للإتفاقية، ماذا لو كان هو على رأس السلطة في إيران، ماذا سيعمل عند ذاك ؟. حسب إعتقادي، بالتأكيد سوف ينظر إلى المكان الأضعف لضربه، وهو العراق، حيث توجد مخابراته (كأي مخابرات أخرى موجودة فيه)، ويوجد مخربوه (كأي مخربين أجانب موجودين في العراق، وخصوصاً الموساد والفرق الأميركية القذرة، وفرق الموت – المرتبطة حتماً بالمخابرات الأميركية والموساد)، و اضافة لذلك وجود العدد الهائل ممن يكرهون أميركا ومستعدون للحرب ضدها. كذلك ستضرب إيران القواعد الأميركية في دول الخليج ومحاولة غلق مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله حوالي ربع النفط العالمي المصدر وبضمنه النفط العراقي. قد تقوم ايران بأعمال "إستعراضية" لضرب إسرائيل من إيران مباشرة ولكن هذا الأمر سوف لا يكون له أية أهمية عسكرية، دائماً "إستعراض" لأغراض الدعاية، والأفضل لها أن لا تقوم به. بالنتيجة إن العراق سيكون الخاسر الأساسي!!، وخصوصاً لو أن لنا معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، فعند ذاك يكون الرد الايراني في العراق شرعياً بكل المقاييس!!!. من الواضح إن أميركا سوف لا تسلح العراق، بالأسلحة الثقيلة المطلوبة، إذ تريد أن يكون بيدها سلاح الطيران والدبابات والمدفعية الثقيلة، ليعتمد عليها دائماً. لقد مرت أكثر من خمس سنوات بدون أن تسلح العراق، فهل يعقل أن تسلحه الآن، وهو أمر قد ينقلب ضدها، وبالتأكيد سينقلب ضدها. قد تعطي العراق القليل من هذا السلاح لإظهار أنها تؤدي المطلوب، ولكن ستعطي العراقيين كل السلاح الخفيف لإستعمال قواته كوقود لما تسميه الحرب على "الإرهاب". علما ان وزير الدفاع العراقي الحالي , وفي حديث له مع موقع " ايلاف " في 23 الجاري , قال " ان اميركا تضغط علينا لاستيراد سلاحنا منها حصريا " , و بشروطها , حتى لو كان هذا السلاح أغلى بكثير و نوعية اردأ . كما ذكرنا سابقاً، إن البيان الذي وقع بين المالكي وبوش في آواخر تشرين الثاني/2007 يقول إن إميركا "ستقدم المساعدة للحكومة العراقية لمكافحة المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميين وكل المجاميع الخارجة على القانون بغض النظر عن إنتماءاتها، وإجتثاثها من العراق....". وحسب الطريقة التي تسير عليها القوات الأميركية، لا تستبعد أيها القارئ أن يتم إجتثاث كاتب هذه السطور بحجة "الإرهاب"، رغم حمله القلم فقط وعدم حمله السلاح. فالإرهاب هنا اصبح مسألة مطاطية جداً، وتشمل كل من يعادي الوجود الأميركي في العراق. الآن، وقد تراجعت أميركا عن فقرتها الأولى في هذا البيان، حيث يقول "تقديم تأكيدات وضمانات أمنية للحكومة العراقية بردع أي عدوان خارجي...." وبقيت – عملياً – فقط الأعمال العسكرية الداخلية، مما يعني الدفاع عن الحكومة العراقية من المعارضين الداخليين... وهذا في الأساس أمر يعتبر من " العيب". ماذا سيقال عن حكومة يدافع عنها الأجنبي ؟، وفوق ذلك ستستمر "الفوضى" الداخلية، لأن بإنتهائها تنتفي الحاجة للوجود الأجنبي، ولهذا إن إستمرار الفوضى يعني إستمرار الوجود الأجنبي، فعند ذاك لا يوجد أمام الأجنبي إلا إستمرار الفوضى؟؟!!. والأميركان والإسرائيليون يُعتبرون "خبراء " العالم في هذا المجال. !! الآن بعد أخذ أعلاه بنظر الإعتبار، سننظر في موقف قادة كردستان الحاليين من الاتفاقية. قد يمكن تفهم جزء من موقفهم، فهم كانوا قد تعرضوا لإضطهاد كبير، كما وإن علاقتهم بجيرانهم إيران، وتركيا وسوريا لم تكن جيدة، ولا تزال كذلك، خوفا من تاثير الحركة الكوردية العراقية على المناطق الكوردية في هذه الدول. علما إن ايران وسوريا كانتا بين فترة واخرى تؤمّنان ملجأً امناً-بعض الشيء- للافراد والحركات الكوردية التي لجأت اليهم هربا من بطش السلطة في العراق، وذلك لاغراض سياسية خدمت الكورد العراقيين وكذلك خدمت ايران وسوريا. اود هنا أن ارجع الى الوراء بالذاكرة الى ما يقرب من(35) سنة، ايام الثورة الكوردية تحت قيادة القائد الكوردي التاريخي، الملا مصطفى البارزاني، ونحاول أن ناخذ الموعظة من هذه "الذاكرة". لقد اعتمدت في كتابة السطور التالية على كتاب السيد مسعود البارزاني، رئيس اقليم كردستان العراق،والذي يقع في ثلاثة اجزاء، تحت عنوان " البارزاني والحركة التحررية الكوردية". عندما حدث التقارب الامريكي العراقي(في زمن صدام)، وذلك بعد لقاء كيسنغر وسعدون حمادي، وتوصل بعد ذلك الى اتفاق الجزائر المشؤوم بين شاه ايران وصدام في 6/3/1975. أن اتفاقية(1975) سددت طعنة للشعب العراقي بشعبيه العربي والكوردي. يقول السيد مسعود في كتابه :" قبل أن توقع الاتفاقية، عرفت الحركة الكوردية بالتقارب الذي بدأ بين العراق وإيران فارسلوا الى الولايات المتحدة بمعلومات حول هذا التقارب، ولكن الادارة الامريكية(نفت نفيا قاطعا أن يكون هناك تقارب او طبخة سياسية من شأنها أن تلحق الضرر بالنضال الكوردي)"، ويضيف السيد مسعود " لم يحاول الاتحاد السوفياتي اخفاء موقفه مما حدث فلقد بدا اشبه بالشامت المتشفى ولسان حاله يقول :تلك نتيجة من يتعاون مع الغرب ويثق بوعودهم". ويقول السيد مسعود ايضا، كان والده مصابا بالسرطان، وكان يرغب بالمعالجة في اوربا لانه " لا يحب امريكا". وينقل عن والده قوله :" اخشى من اجتماع معدومي الضمير هولاء، أن نبقى وحدنا في الميدان , وأن ذلك يؤدي الى التطويح بقضيتنا وقضية شعبنا". ومن سياق هذا الحديث نرى إن المقصود ب"معدومي الضمير" هم صدام والشاه والولايات المتحدة واسرائيل. علما إن الصحف الامريكية كانت نشرت في شباط/1976 معلومات تضمنت رسالة مسؤول المخابرات الامريكية في كردستان، وذلك في 22/3/1973 تقول "إن سياستنا كانت مساعدة الكورد الى الحد الذي يبقيهم مشكلة للحكومة العراقية، وليس بالقدر الذي يمكنهم من تحقيق النصر النهائي". وهنا لم أشر الى ما حدث للكورد بعد انتفاضتهم في 1991، وخيانة الامريكان لهم مرة اخرى، فمعظم الكورد الحاليين يتذكرون تفاصيل تلك المعاناة. ما تم من مساعدة للكورد بعد ذلك تشبه في حالتها، بما تم في 1975، وهو استغلال ظروف مأساوية لشعب مظلوم، قُدّمت له مساعدة محدودة جدا لمضايقة الحكومة العراقية، ولمحاولة كسبه الى جانب الغرب لامور تكتيكية ميكافيلية سياسية. ولقد كادت أن تحدث نفس الخيانه من قبل الاميركان في عام 2003 عندما اراد الامريكان ارسال ارتال عسكرية من تركيا الى بغداد عن طريق كردستان، وذلك ضمن عمليات اسقاط صدام في سنة 2003. في إعتقادي أن الامريكان يقومون بنفس هذه"التكتيكات الميكافيلية" حاليا، والبرهان هو ما يحدث الان من اعمال عدوانية للجيش التركي والحكومة التركية ضد الحركة التحررية الكردية في كردستان تركيا، اي ضد حزب العمال الكردستاني، حيث وقفت امريكا مع تركيا . إن من يعتقد أن الامريكان سيقفون الى جانب الكورد في صراعهم مع تركيا، هو شخص حالم. اما بالنسبة لايران، فالمسألة عكسية اذ في الظروف الحالية، فإن امريكا تحاول جر العراق و الكورد بضمنه الى حربها مع ايران، ليكون العراقيون وقود هذه الحرب ، لكن قد تتطور الامور السياسية لاحقا، وترجع العلاقات الايرانية الامريكية الى ظروف احسن. هل في اعتقاد أحد أن الامريكان في ذلك الوقت سيكونون مع الكورد. اما بالنسبة للعلاقات مع عرب العراق، فعندما قام صدام والشوفينيون العرب باضطهاد الكورد والحركة الكوردية، كانت معظم الجماهير العربية العراقية ضد هذا الاضطهاد وضد حروب الابادة التي تمت، ولكن امريكا كانت مع صدام في تلك الحروب ضد الجماهير الكوردية. ان ما يقوم به الامريكان هو محاولة استخدام الكورد للضغط على القوى الساسية الاخرى في تمريرمصالحهم، وبنفس الوقت عندما قامت حكومة الاقليم باعمال تمس النفط ، و أدت الى تأخير تمرير قانون النفط والغاز، وبالتالي تعارضت مع المصالح الامريكية، فإن الحكومة الامريكية وقفت الى جانب الحكومة المركزية. هناك حلان امام الشعب الكوردي، اما حق تقرير المصير، وتكوين دولتهم الخاصة، وسأكون اول من يؤيدها وسيؤيدها الكثير من العرب، ولكن الكل يعرف إن التاريخ والجغرافية لا تساعدان في الوقت الحاضر لظهور مثل هذه الدولة. والحل الاخر هو التفاهم المباشر مع الشعوب المجاورة للوصول الى التعايش السلمي معها، وليس التفاهم مع الاجنبي او من خلاله. إن التفاهم مع الاجنبي يعمق الجروح ويخلق المرارة عند الجانب الاخر، وتفقد نتيجة ذلك الحركة الكوردية التعاطف امطلوب . من الغريب جدا ان اسمع من يقول ألم تستمر اسرائيل بالوجود والاهتمام والرعاية والمعاملة الخاصة ، نتيجة تعاونها مع الامريكان، ورغم معاداة الشعوب المحيطة بها. والجواب بالنسبة لي واضح، بغض النظر عن الموقف من اسرائيل. ان اسرائيل تأسست في ظروف تأريخية مختلفة، مستغلة بطش النازية باليهود وتأييد قوى عالمية كان يجب أن تعرف إن اسرائيل ستكون"كماشة" النار للغرب. في كوردستان سوف لن يمكن تطبيق نفس التجربة، اذ ليس لها منفذ على البحر(وهذا هو المقصود بعدم مساعدة الجغرافية)، كما انها لا يمكن ان تكون"كماشة" نار للغير، اذ سيجد الغرب "حلفاءا" من بلدان المنطقة اكثر فائدة واستقرارا وثروة . كما أن الظروف السياسية للمنطقة لا تساعد بالمرة اذ سوف لا ترى كردستان التعاطف من الغرب بتلك الدرجة العالية كما حدث مع اسرائيل. لذا إن اي تفكير بدولة يجب أن يتم بالتفاهم مع الجيران، وقد يأخذ هذا الامر فترة طويلة، ولكن متى شعر الجيران ان هذه الدولة ستشكل خطرا عليهم , ستفقد كردستان التعاطف المطلوب ’ و بالتالي سوف تفشل في انشاء الولة الموحدة . الحل الحالي لكردستان العراق الفيدرالي , بمعنى فيدرالية عربية و اخرى كردية , و عدم فرض الرؤية الكوردية على جماهير الفيدرالية العربية , بسبب القوة الحالية التي يتمتع بها الكورد حاليا , و جزء من هذه القوة يأتي من محاولة ارضاء رغبات الاحتلال الاميركي رغم معارضة الجماهير العربية ’ و المثال واضح بما يتعلق في الاتفاقية الحالية , في كل اعلاه لم نجد للاتفاقية أية فائدة، وسأحاول ان اجاوب على الرأي الذي يقول إن الاتفاقية ستفيد في منع أيران من احتلال او دخول العراق ، او في انهاء النفوذ الايراني. ويستمر اخرون بالكلام حول تجحيم "النفوذ الشيعي"!!، وكأن ايران والشيعة مسألة مترابطة، وهو تفكير خاطىء ومشوه، ساعد المحتل في هذا التشويه الى درجة كبيرة. إن المسألة هي اصلا مسألة سياسية وليست "مذهبيه" كما يحاول البعض ان يفسرها. ولقد كان وسط وجنوب العراق اكثر الناس في العراق عداءاًً لايران ومنذ ثورة(14) تموز/1958 ، لان ايران كانت تحكم من خلال الام شاه، المتعاون مع الغرب الذي يريد ان يسقط ثورة تموز . وظل الامر على هذا الحال الى أن سقط نظام الشاه في 1979 , و انتصرت الثورة الاسلامية المعادية للغرب، ووقف النظام العراقي ضدها منذ البداية , خوفا من تاثيرها على الشارع العراقي ، الذي زاد تدينا، بعد أن قامت حكومة صدام، وقبلها حكومة ثورة شباط/1963 بأبادة فعلية لكل الحركات والاحزاب العلمانية، ولم يبق امام المعارضة الاَ التوجه نحو الحركات الدينية. ليس غريبا أن تكون قواعد الحركات الاسلامية الحالية، وخصوصا في المدن الفقيرة، مثل مدينة الثورة/ الصدر في بغداد والحيانية في البصرة والمدن الجنوبية الاخرى، هي نفس قواعد الحزب الشيوعي ، فيما سبق . في النهاية عليّ أن أوكد إن العراق يحتوي على طوائف ومذاهب وقوميات مختلفة، وإن ماقام به المحتل هو اذكاء وتعميق الاختلافات فيما بينها، في وقت لا يصلح العراق و يتقدم الا بحكم توافقي بعيدا عن سياسة العزل و التهميش للاخرين ، حكم يترفع عن خطيئة الاستعانة بالاجنبي في تنفيذ تلك السياسة الاجرامية . إن أي قادة طائفة او قومية او جهة سياسية يسعون لفرض على الآخرين بتمرير " الاتفاقية" سواء بالضغط القسري ، او من خلال تعطيل الحريات الدستورية ، او اتهام المعارضين بالارهاب او التخريب ، او بالاغراءات المالية او الادارية ، او تزييف الدستور والالتفاف عليه، سيحكم عليهم التاريخ باللعنة الابدية لاجرامهم بحق الشعب العراقي بجميع مكوناته و انتماءاته, بحق شعب لقي أهوالا لم يسبق لها مثيل, والان يراد له ان يكبل بالاصفاد من جديد بعد نضال دموي دام تسعة عقود . قد يريد البعض أن يعيد النقاش الذي حدث بعد استباحة هولاكو لبغداد، اجابة لسؤال طرح في حينه ، و يطرح هذه الايام: "هل أن حاكم اجنبي عادل افضل من حاكم عراقي ظالم؟؟ "وذلك لتبرير بقاء الامريكان لانهم اسقطوا نظام صدام الظالم!. ان هذا النقاش واهٍ وهذه الحجة لم تكن صحيحة في حينه، فالحاكم هولاكو هو حاكم ظالم جلاّد، وبرغم إن الخليفة ايضاًً كان شخصا غير لائق بأن يكون خليفة، وهذا النقاش يعتبر خرافة كما ان الحجة هي باطلة الآن وبصورة اشد بكثير مما كانت عليه في زمن هولاكو،اذ ان المحتل ظالم ووحشي و غدار و مخرب و ارهابي , وهو الذي ساند الظالم الاول صدام، في اوج ظلمه. إن البديل الذي يجب أن يعمل عليه الحكم العراقي الحالي، هو إن يعمل على بناء عراق ديمقراطي مؤسساتي، ولكن بوجود المحتل ومساندته للحكم المذكور، سوف لن يستطيع ذلك بالمرة، وانما سيبني مجتمعا تسوده الفوضى والفساد المالي والاداري والظلم والقسر. والاتفاقية هي سبيل المحتل لادامة بقائه في العراق، لذا على الجميع رفضها، فهي ليست فقط عديمة الفائدة، وانما ستلحق بالعراق والعراقيين أبلغ الاضرار .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |