|
المنح الأجنبية للعراق، هل حققت أهدافها؟
جميل عودة/ مستشار وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني/عراق المنح، جمع منحة، والمنحة هي الهبة والمعونة، والمنح الأجنبية هي الهبات والمعونات الخارجية التي تقدمها الدول الغنية، للدول الفقيرة، أو الدول التي تحتاج إلى مساعدة دولية مؤقتة، مراعاة لأوضاعها الإنسانية، والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. والمنح الأجنبية أو "المنح الدولية"، إما أن تقدمها الدول المانحة مباشرة، دون توسط مؤسسة حكومية أو مؤسسة غير حكومية، وإما أن تقدمها الدول المانحة بصورة غير مباشرة من خلال توسط مؤسسة حكومية، كوكالات الأمم المتحدة، أو توسط مؤسسة غير حكومية، كالمنظمات غير الحكومية"منظمات المجتمع المدني". والمنح الأجنبية، قد تكون منحا غير مشروطة، أي أن الدول المانحة تهبها دون أن تشترط مقابلا عنها، أو دون أن تشترط إنفاقها في حقل معين. وقد تكون المنح الأجنبية منحا مشروطة، أي أن الدول المانحة تهبها بشرط ما، مثل تسهيل إجراءات إدخال بضائعها إلى الدول الممنوحة، أو تشترط إنفاقها في حقل الطاقة دون حقل الخدمات مثلا. من الناحية الدولية، هناك التزامات، تقع على الدول المانحة، والتزامات أخرى تقع على الدول الممنوحة، تعرف بـ"المبادئ الثلاثة والعشرين لإعطاء المنح الإنسانية السامية" والتي تمت المصادقة عليها في المقر الرئيس للمانحين الكبار في 17 حزيران/ يونيو عام 2003. وتمثل المساعدات، والمنح، والقروض الخارجية، بالنسبة للدول الفقيرة، أو الدول الناهضة للتو، موردا اقتصاديا هاما، يساعدها في تنمية بُناها التحتية، وفي تحقيق استثماراتها الإستراتيجية، وذلك، إذا ما تم استثمارها وفق المعايير الوطنية والدولية المحددة...وهناك الكثير من الدول العربية وغير العربية، مثل: فلسطين والأردن، ومصر، واليمن، والدول الإفريقية والآسيوية عموما، تعتمد بشكل خاص على المنح، والمساعدات، والقروض الدولية، التي تُقدم لها من المؤسسات الدولية الاقتصادية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى المساعدات التي تقدمها الدول الغنية كدول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة، وفق اتفاقيات ثنائية. بعد 2003، أضح العراق واحدا من الدول التي تحتاج إلى معونات دولية عاجلة، وذلك لمعالجة أوضاعه الإنسانية والاقتصادية بعد فترة طويلة قضاها تحت الحصار الاقتصادي الدولي الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على العراق بسبب سياسات النظام البائد، وبسبب ضرب قوى التحالف الدولي، كافة بُناه التحتية والإنتاجية في حرب 2003. كذلك عمليات التخريب والتدمير الواسعة التي تبناها تنظيم القاعدة الإرهابي، والميليشيات، والجماعات الخارجة على القانون. بالإضافة إلى حاجة العراق الملحة إلى إلغاء الديون الخارجية المترتبة عليه، وأهمية العمل على إسقاطها. وقد أخذت المنح، والمعونات، والمساعدات الأجنبية، تأخذ الاتجاهات الآتية: - منح ومساعدات فورية تقدمها قوات التحالف الدولي، انطلاقاً من "المنطقة الخضراء" أو من مقرات القوات المتعددة الجنسيات، أو المقرات الحكومية، أو من فرق الاعمار القطاعية PRTs. أو عن طريق المنظمات غير الحكومية التي تعاقدت معها الولايات المتحدة لترتيب الأوضاع السياسية والإنسانية والخدمية في العراق. - منح ومعونات وقروض أجنبية تنفق بواسطة الأجهزة الحكومية، وهي أيضا تصب باتجاهين: 1-معونات أجنبية تعطى مباشرة للحكومة الاتحادية عن طريق مجلس الحكم، والجمعية الوطنية، ومجلس النواب، ووزارات الدولة المختلفة، فتصرف في مشاريع خدمية أو استثمارية... 2-معونات أجنبية تعطى مباشرة للسلطات المحلية في كل محافظة من محافظات العراق، أو إلى سلطات إقليم كردستان العراق، دون الرجوع إلى السلطات الاتحادية، وتصرف هذه المعونات في الاتجاه الذي تحدده الدولة المانحة، أو تُخير السلطات المحلية بإنفاقها في الحاجات الأساسية. - منح ومعونات أجنبية تسلم إلى المنظمات غير الحكومية، تارة إلى منظمات غير حكومية أجنبية، وهي التي تقوم من خلال مكاتبها في العراق، بتبني مشاريع خدمية أو تنموية. وتارة أخرى عن طريق تقديمها إلى منظمات غير حكومية محلية، بعد تقديم مشاريع توافق عليها المؤسسة الدولة المانحة. -معونات ومساعدات إنسانية دولية، تقدمها وكالات وفروع الأمم المتحدة في العراق "بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق" والتي تتكون من لإسكوا، والفاو، ومنظمة العمل الدولية، والمنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، واليونسكو، وصندوق الأمم المتحدة للسكّان، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، واليونيسيف، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية. وقد أنشأ المانحون الدوليون "المرفق الدولي لصندوق تعمير العراق" في العام 2003 في مؤتمر مدريد، لتسهيل تقديم المساعدات لإعادة الإعمار. حيث يتكون المرفق الدولي لصندوق تعمير العراق من صندوقي استئمان يُديرهما البنك الدولي، ومجموعة الأمم المتحدة الإنمائية كل على حدة، وبتنسيق وثيق مع السلطات العراقية والمانحين. وتجتمع "لجنة المانحين" كل ستة أشهر لتقديم إرشادات إستراتيجية، واستعراض التقدّم وتنسيق الجهود، وضمان الانسجام مع الأولويات العراقية. والسؤال هنا، هل حققت المنح والمساعدات والمعونات، والقروض الدولية الميسرة، ما كان يصب إليه العراق؟ هل يمكن القول إن العراقيين قد استفادوا من هذه المنح والمعونات، وتمكنوا من استثمارها بصورة صحيحة؟. من حيث المبدأ، كنا ومازلنا في العراق، بحاجة إلى وقفة دولية، وبحاجة إلى معونات إنسانية واقتصادية من لدن الدول المانحة، إلى أن يتسنى للعراق أن ينهض من كبوته. وقد أنُفقت في العراق مليارات الدولارات من المنح والمساعدات الإنسانية والخدمية، سواء بواسطة قوات التحالف، أو بعثة الأمم المتحد، أو بواسطة أجهزة الدولة الاتحادية والمحلية، أو بواسطة المنظمات غير الحكومية، والتي ساعدت إلى حد ما في سد بعض الحاجات الإنسانية الملحة على المستوى الصحي، والتعليمي، والخدمي. كما أن هناك العديد من المشاريع تم تنفيذها من خلال تحويل الدول المانحة والمنظمات المانحة، ومنها مشروع ماء الناصرية الجديد، ومشروع ماء بلدروز، ومشروع مجاري الفلوجة، وتأهيل 14 منشأ لمياه الشرب و100 محطة ضخ مياه ثقيلة وتجهيز أكثر من 100 آلية ثقيلة متنوعة والممولة من المنحة الأمريكية. كذلك بدء الإعمال الاستشارية لـ(7) مشاريع ماء مجاري وتطوير عمراني ممولة من منحة البنك الدولي، وتوريد 382 آلية متنوعة ممولة من المنحة اليابانية .كذلك بدء مشروع القرى الذكية في كركوك وذي قار، والإعداد لتطوير بلدات على الحدود العراقية الإيرانية وتحسين خدمات مياه الشرب في أجزاء من محافظة البصرة، والتطوير العمراني لحي 14 رمضان في الديوانية بتمويل من وكالات الأمم المتحدة " عن وزيرة البلديات والأشغال العامة السابقة، نسرين برواري، التآخي، 25 ديسمبر 2005" إلا أن هذه المنح والمعونات الدولية التي حصل عليها العراق، رغم عدم تناسبها مع ما أبدته الدول المانحة من استعدادات خلال المؤتمرات الدولية لمساعدة العراق، لم توجه بصورتها الصحيحة، ولم تستغل استغلالا مقبولا، وشابها الكثير من الغموض، وعلامات الاستفهام: - أولا: الجزء الأكبر من المنح والمساعدات الدولية أنفق في مشاريع إنسانية وخدمية وقتية، مثل تنظيف الشوارع، وترميم أبنية الدولة، والمدارس، والمستشفيات، وصرف بعض رواتب الموظفين، خصوصا في عامي 2003-2004، وشراء الملابس والمواد الغذائية للعوائل الفقيرة أو المهجرة، وغيرها من موارد الصرف غير الاستثمارية، وإذا كان صرف المنح الدولية في الأعوام الأولى لسقوط النظام البائد في المجالات غير الاستثمارية، عملا مبررا لأسباب إنسانية، فلا نعتقد بوجود هذه المبررات في الأعوام الثلاثة الأخيرة. - ثانيا: فقدان التنسيق وتبادل الخبرات بين الجهات الدولية المانحة من جهة، وبينها وبين الجهات التي تتولى تنفيذ المشاريع الممولة من المنح الدولية من جهة أخرى، حيث أن الكثير من المشاريع يتم تنفيذها دون الرجوع إلى السلطات الاتحادية أو حتى المحلية إلا في بعض الضرورات الفنية، وخصوصا المشاريع الممولة من منح الولايات المتحدة. -ثالثا: لقد وضعت الحكومة العراقية إستراتيجية أولويات لإعادة إعمار العراق وتنميته، تم تنظيمها ضمن أربعة محاور رئيسية هي: تعزيز أُسس النمو الاقتصادي، وإعادة إحياء القطاع الخاص، وتحسين نوعية الحياة، وتعزيز الحكم السليم وتحسين الأمن. ولكن أجهزة الحكومة العراقية لم تتمكن حتى هذه الساعة من تنفيذ شروط التمويل الدولي، وكذلك لم تتمكن من تنفيذ كامل التزاماتها التي فرضتها على نفسها في برنامج العهد الدولي. وهي الحجج التي تتمسك بها الدول المانحة للاستمرار في تدفق منحها ومعوناتها. - رابعا: استفحال ظاهرة الفساد الإداري والمالي في تنفيذ مشروعات المنح الخارجية، سواء تلك المنح التي تصل إلى المؤسسات الحكومية أو تلك التي تصل إلى المنظمات غير الحكومية. وهو الأمر الذي أدى إلى ضعف المساهمات الدولية في الفترة الأخيرة. كتبت لنا سهام الخزرجي، رئيس مؤسسة المعمورة الإنسانية في معرض تعليقها على مقال كتبته تحت عنوان" المساعدات الحكومية للمنظمات غير الحكومية !"، تقول: " المقال، مهم جدا، لقد جاء في وقت نعاني فيه، كمنظمات إنسانية دولية من مصاعب شتى في استحصال دعم المجتمع الإنساني الدولي للعراق، حيث أن المنظمات والدول المانحة، ومن ضمنها منظمات الأمم المتحدة، تتردد كثيرا في منح شعب العراق المساعدات الذي هو بأمس الحاجة إليها، ليس بسبب كون العراق دولة نفطية غنية، وحسب، بل، بسبب فضائح الفساد الحكومي الإداري، وسوء إدارة أموال الشعب، وفساد منظمات المجتمع المدني التي أقسمت يوما ما أن شغلها الشاغل سيكون بناء قدرات الشعب العراقي. إن لهذا الموضوع تداعيات خطيرة على مستقبل العمل الإنساني في العراق فما هو الحل يا ترى؟".
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |