|
كتبت قبل عدة أشهر _ وقبل حدوث التحسن الامني الملحوظ والتطورات الايجابية في الوضع العراقي _ مقالة تحت عنوان " حزب الدعوة والمازق الحالي " تعرضت فيها لما أسميته حينها " المازق " الذي يمر به الحزب من حيث توليه سدة الحكم التنفيذي في العراق المتمثل برئاسة الوزراء لدورتين متعاقبتين كما تجسد في حكومتي الدكتور الجعفري والاستاذ المالكي وقد أشرت حينها الى ان حزب الدعوة الأسلامية يمر بمنعطف خطير ويصطدم بعقبة كأداه يمكن أن تؤثر على مسيرته في المستقل ناهيك عن أمكانية أعادة تقييمه وفق لما حققه في هذه الفتره!!! وهذه العقبة تتمثل في أن حزب الدعوة شأنه شأن أي حزب سياسي يجب أن تخضع مبادئه ونظرياته وأطروحاته للأختبار والتطبيق على أرض الواقع, وقد حصل حزب الدعوة لحد الأن _ لسوء أو حسن حظه _ على فرصتين للحكم وتطبيق مبادئه أن لم يكن حرفياً كما وضعت في بيانات وأدبياته وأنظمته الداخلية, ففي رموزه التي تسلمت الموقع التنفيذي الأول في العراق . هذه الفرص_التي مازالت لحد الأن قائمة لم تنتهي وتمر مرور سحاب_ قد وضعت الدعوة أمام مفترق خطير وصعب كما قلت أعلاه , إذ أن تسلم منصب رئاسة الوزراء _ وهو أعلى منصب تنفيذي في العراق _ من قبل حزب الدعوة لدورتين متعاقبتين, يعني أعطاء هذه الحزب أكثر من فرصة للنجاح في الحكم وتطبيق المبادئ .ولهذا إذا مافشل الحزب في أدارة الحكم في زمن الجعفري فمن الممكن أن يجد البعض له عذرا خصوصاً ممن تآسرهم خطابات الجعفري الكلامية التي يجيدها الأخير والتي يبدو أن الكثير منها لم تنتقل من فضاء التصريحات الخطابية الى أرض الممارسة الواقعية حتى بعد خروج الجعفري حزب الدعوة وتشكيله لما يسمى بتيار الاصلاح الوطني الذي سنتعرض له في مقالة أخرى . اما في فترة المالكي فالأمر قد تغير وتطور وتقدم على نحو ايجابي وبمستوى لايمكن مقارنته مع فترة حكم الجعفري التي تفصل بينه وبين حكم السيد المالكي بضعة أشهر . ربما يقول القائل المدافع عن حزب الدعوة _ هو على حق _ بأن حزب الدعوة تسلم الحكم في فترة أتسمت بما يلي: 1. عدم أمكانية الحكم والتصرف بحرية بالنسبة لرئيس الوزراء الذي ينتمي لحزب الدعوة . 2. وجود الفوضى العارمة وأنهيار البنى التحتية للدولة العراقية التي رافقت سقوط صدام والتي جعلت رموز الحزب الحاكمة أمام تحديات شتى سياسية واقتصادية واجتماعية . 3. قيام مبدأ المحاصصة السياسية الطائفية التي نخرت العظم السياسي في العراق والتي جعلت السياسة العراقية تخضع في قرارتها لأليات طائفية غير موضوعية, حيث يُجبر رئيس الوزراء على قبول وزراء من طائفة وحزب معين ولا يستطيع أقالتهم طبقاً لمبادئ الطائفية والمحاصصة الفاشلة. 4. وقوع العراق تحت أحتلال يؤثر في أتخاذ القيادات العراقية لقراراتها ويتحكم فيها احياناً أخرى خصوصاً على الصعيد الأمني. وهذه نقاط مهمة وأجوبة مقنعة إلى حد ما ولكنها يمكن أن تواجه برد أخر يتمثل في أن حزب الدعوة كان يعلم بهذه الظروف والعقبات التي تعترض طريقه قبل تسنمه الحكم في فترة السيد الجعفري ولايمكن أن يقول بأنها لم تكن له رؤية شاملة على خارطة العراق السياسية وما يمكن أن يواجه رئيس الوزراء وهو من حزب الدعوة لأن الدعوة ومناصريه أن قالوا ذلك فأن أقل مايمكن أن يقال عليه أنه حزب مراهق وصولي أراد انتهاز فرصة الحكم ولم يستطع أن يستقرأ الواقع ويستبصر مايمكن أن يواجهه ....وهو أمر غير صحيح لأن لحزب الدعوة رؤية شاملة إستراتيجية للوضع العراقي سواء ماهو فعلاً في الواقع وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل بغض النظر عن رأينا بنوع هذه الإستراتيجية وخلفياتها وأسسها التي بُنيت عليها ومنبعها التي تستقي منه هذه الأفكار والمبادئ. ويجب علي التنبيه الى ان الرؤى قد تغيرت حينما تسلم السيد نوري المالكي زمام الحكم أذ ان حكومة السيد نوري المالكي قد حققت الكثير من النجاحات وفي مجالات عديدة واضحة منها : 1-المجال العسكري : اذ حققت حكومة المالكي العديد من الانتصارات الساحقة في حربها ضد الارهاب وتنظيم القاعدة والمليشيات , حيث شهد الأخير هزائم مخزية على يد القوات الامنية التي وجهت ضربات قاصمة لأعضاء هذا التنظيم ومازالت لحد الأن تتابع فلوله اينما وجدوا في مناطق العراق . 2-المجال الوطني : وهذه تعد من أهم النقاط الايجابية التي تحسب للسيد المالكي والتي بدأت تباشيرها بصورة جلية في عملية صولة الفرسان التي شنها على المجاميع والمليشيات الشيعية العابثة في محافظة البصرة التي خرجت على القانون وبالتالي جابهها السيد المالكي بكل حزم وقوة متسامياً على المذهبية والطائفية وكل الهويات الثانوية متسلحاً بالقانون ومتوشحاً باللباس الوطني , وهو بهذا قد تعامل مع جميع الاطراف التي تحمل السلاح بسياسة واحدة سواء كانت سنية او شيعية فلا شيء فوق القانون وكل من يخرج على قانون الدولة ونظامها سوف يواجه بالسلاح مهما كانت طائفته اومذهبه او قوميته .. 3- المجال الدبلوماسي: هنا نلاحظ حدوث انفراج غير مسبوق في العلاقات العراقية العربية عبر رغبة العديد من الدول العربية باعادة فتح الكثير من السفارات العربية في العراق التي ستتم في القريب العاجل ومنها الاردن والامارات والبحررين فضلاً عن الزيارات المترقبة للعديد من القادة والشخصيات العربية البارزة للعراق. وازاء هذه الانتصارات والتصاعد العمودي لتطور الاوضاع في العراق , نلاحظ ان المهمة الملقاة على عاتق السيد نوري المالكي ستكون كبيرة فلم نصل الى ختام المطاف بل عليه باعتباره رئيس وزراء العراق والمسؤول التنفيذي العراقي الأول جملة من المهام الوطنية الضرورية الكبرى والتي تتمثل في محاور عدة : 1.اجراء مصالة وطنية شاملة مع جميع الأطراف السياسية العراقية. 2.أعادة جبهة التوافق الى الحكومة العراقية والعمل معهم ومع بقية الأطراف بروح الفريق الواحد. 3. تحسين الخدمات الضرورية للمواطن العراقية . 4. محاربة الفساد ورموزه بلاهواده وكشفهم وعدم التساهل مع اي طرف منهم. 5. التسريع باعادة بناء العراق وأصلاح مادمرته آلة الحرب الغاشمة . أن السيد نوري المالكي الذي انتفض على الارهاب والمليشيات وأصدر قرارات صعبة _ كما وصفها هو _ في أوقات حاسمة مر بها تاريخ العراق , لهو قادر بصورة لاشك فيها على أتخاذ مواقف أخرى من شانها أن تحقق الأهداف التي نأملها جميعا والتي تتجسد في بناء عراق مزدهر يعيش اهله فيه بسلام وامان وينعمون بخيراته التي لم تكن لهم منذ عشرات السنين .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |