|
سهيل أحمد بهجت تمثل إشكاليات الإسلام السياسي وبناء المواطن والدولة الحديثة أحد أهم الأزمات العقلية الاجتماعية السياسية في العراق ودول الشرق الأوسط، ومشكلة الإسلامي "الديني" أنه غير منفك عن السياسة والسياسة غير منفكة عن الدولة بصفتها كائنا مهيمنا على كل تفاصيل الحياة والمجتمع، من هنا كان من الضروري إيجاد تفكيك وتحليل منطقي لهذه الإشكاليات، ومن الضروري أن نقوم بهذا العمل المنطقي لأنه بدون ذلك سوف يعود العراق ـ وليكن النموذج العراقي مثالا للمنظومة الإسلامية ـ إلى حالة القلق والتفكك والصراع لأن الدولة عبر هيمنة الدين تفقد حيادها تجاه المواطن. الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني ينطلق في نظريته من المثال التاريخي في استعادة صورة ومفهوم الدولة التأسيسية في عهد النبي والخلفاء، ومعلوم شيعيا أن الإمام الوحيد الذي تصدى للحكم السياسي هوعلي بن أبي طالب وهوالإمام الأول، وهذه الاستعادة التاريخية قد تبدوفي ظاهرها مقنعة بأن الإسلام كدين هودين حكم، لكن هذا الاعتقاد والمفهوم مخطئ بسبب أن حكومة النبي لا يوجد مثيل لها لا سنيا ولا شيعيا كونها حكومة وحي معصوم، لكن الاعتراض المنطقي يرفض هذه الفكرة ـ فكرة كون النبي كان حاكما ـ لأنه ببساطة لم يمتلك زمام السلطة حسب المفهوم السياسي الواقعي، كمثال لم تكن هناك شرطة وبرلمان كما أن النبي كان يختلط بالناس بدون حراسة كواحد منهم وهوما لا يستطيعه إلا رئيس في دولة كسويسرا، كما أن الحكومات التي تلت النبي كانت ذات طابع تجريبي وكل خليفة جاء بطريقة مختلفة عن الآخر، كما أن عليا رابع الخلفاء ـ سنيا ـ أول الأئمة ـ شيعيا ـ كان يحتقر السلطة ويعتبرها كأنها مكروهة مع كونه يمتلك تلك الخلفية في بيت النبي وتعامله مع السياسة كان تعاملا مع شيء مكروه وقد فعل ذلك وهو"معصوم ـ شيعيا ـ راشد ـ سنيا" فكيف برجال الدين والإسلاميين الذين يبررون الدولة الدينية وهم أبعد الناس عن العصمة والراشدية!!.. هذا النموذج التاريخي الماضوي لا يعطينا صورة واضحة الملامح والحدود حول طبيعة النظام الإسلامي المزعوم، وهذه الصورة المشوشة بذاتها تكفي دافعا لإقرار الدولة العلمانية المحايدة كون رجال الدين في المؤسستين الشيعية والسنية يستغلان عدم الفصل بين الديني والدنيوي لإضفاء الشرعية على الحاكم (الحاكم بالعصبية حسب المفهوم السني والدكتاتور الفقيه حسب المفهوم الشيعي الإيراني)، ولأن الدين يقوم على الفتوى المتغيرة والدولة على الدستور والقانون الدائم بالتالي فهما نقيضان. الدولة كما هومعلوم تاريخيا هي كائن سلطوي إذا اختلط مفهومها بالدين والقومية، بمعنى أنها حينما تسعى إلى إضفاء الشرعية على نفسها عبر آلية غير الانتخاب كأن تلجأ إلى التبرير الديني وطبقة المناضلين كما في الدولة فهي تتحول من كونها تجسدا للعقد الاجتماعي الذي يفرض على الحكومة + السلطة أن تستمد شرعيتها من المتعاقدين، بدون ذلك لا نجد فرقا بين الدولة الدينية بمفهومها الشيعي والسني لأن كلاهما ستجعل من الدين أداة "تبرير" لبقائها. الدين والقومية إذا دخلا في تبرير الحكم وإضفاء الشرعية على الحكم فإن الدولة تتحول بشكل أوتوماتيكي إلى أداة قمع، وتجارب الدول الأموية، العباسية، العثمانية وسائر النظام العقدي العربي الإسلامي يظهر مدى العلاقة السيئة بين الحكم والسلطة المدعومة برجال الدين والرعايا الذين لا يستطيعون الاعتراض على من يمتلك الشرعية للإمساك بزمام السلطة، فالفرد في هذه المجتمعات مسحوق كونه تابعا إما للأولياء ـ من هم في الحكم ـ و"الزنادقة والمبتدعة" ـ المعارضون للحكم ـ ومن هنا نجد التبرير الفلسفي للدولة في العالم الإسلامي يعود إلى العصور الوسطى حينما كان ابن خلدون يبني الدولة على أساس "القهر" و"الإجبار" بمعنى أن السلطة لا يهمها رضا المحكومين وسخطهم بقدر ما يهمها الطاعة. يبدولي أيضا أن الأحزاب والتنظيمات الإسلامية لا ترسم لنا إلا صورة مشوهة للدولة خصوصا وأنهم لا يدركون أنهم مهما حاولوا في خلق صِـيَـغ "مدنية" للدولة فإنهم يقضون على كل طابع مدني فيها بمجرد وصفهم لهذه الدولة بأنها "إسلامية" بمعنى آخر فإن الدولة تفقد صيغتها العصرية بمجرد أن تدخل في التصنيف الديني= القومي كونها تصبح كائنا غير حيادي تجاه الفرد والمجموع فيصبح لزاما على الفرد أن يتبع "نمطا" مُعينا من العيش يتلاءم مع "عقيدة" و"دين" الدولة والنتيجة أن المواطنين يخسرون أهم شيء يملكونه ألا وهو"حريتهم". والآن وحينما نجد أحزابا وتنظيمات معينة تحاول إيجاد تبريرات لاستخدام "الرموز الدينية" في الانتخابات، فهم يفعلون ذلك مدركين إلى افتقارهم للبرنامج السياسي ـ مع ملاحظة أن هناك أحزابا "علمانية قومية"!! تستغل المساجد لإقناع الجمهور الأمي بانتخاب المناضل البطل ـ وإذا كان هؤلاء يُشكلون على الأحزاب العلمانية استخدامها للفنانين والراقصات والمطربين لجذب الناخبين فإن اعتراضهم هذا يصطدم بحقيقة أن الفنون والموسيقى وجمال المرأة مثلا لا يتسبب بحروب طائفية وعرقية كما يحصل مع استغلال الديني للسياسي الذي يُشعر المختلف مذهبيا = دينيا بأن ذاته ووجوده مهددان بفعل الآخر المهيمن على الحكم. مصيبة الإسلام السياسي هوأنهم يقيسون الدولة على الذات الإلهية فتكون السلطة (عزيزة ـ مهيمنة ـ متغلبة ـ قاهرة ـ متكبرة) والنتيجة أن هذه الدولة تخرج عن واجبها الطبيعي في أن تحكم برضا المحكومين، وكما قال أحد الإسلاميين فإن الدولة الديمقراطية ـ حكم الشعب ـ تناقض حكم الدولة الإسلامية ـ حكم الله ـ والنتيجة المنطقية لهذا الكلام هوأن الشعب نقيض = ضد لله، فيا ترى هل أن الله يكره خلقه إلى هذا الحد فيسلبهم حريتهم؟! الجواب نتركه للقارئ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |