ممنوع قراءة التاريخ عقليا ... مشكلة رأس المنصور في بغداد

 

حميد الشاكر

al_shaker@maktoob.com

منذ الزمن البعيد وحتى اليوم من تأريخ البشرية القصير نوعا ما،  كان ولم يزل هناك عدوا واحدا لكل انظمة الاستبداد السياسية والدينية التي كانت قائمة في التاريخ وحتى اللحظة الراهنة، الا وهو المسمى في سجلات الشرطة واجهزة المخابرات السياسية والدينية والاقتصادية ... الحديثة بالعدو الغامض  !.

والغريب العجيب ان هذا العدو الخطير لانظمة الحكم الانسانية هو هو لم يتغير مع تغير السنون ولم يتبدل مهما تطاولت الحقب وتأسنت الاعوام، وهو موجود في داخل كل بيت ومع كل اسرة وفي رحاب اي مجتمع، وتحت زوايا اي مسجد، وعلى ارصفة كل الشوارع،....... وحتى في المقاهي والمقاصف وفي دار الايتام وتحت عباءة زوجة السلطان ايضا، انه العدو المسمى انسانيا هذه المرّة بالعقل !.

كل انسان منّا  يحمل عقله، أذن كل انسان منّا يحمل داخله عدوا للسلطان وللسلطة في الان معا !.

ان مشكلة هذا العقل التاريخية مع السلطة السياسية والاخرى الدينية والثالثة الرأسمالية التجارية والرابعة الاجتماعية التقليدية .... وحتى اليوم، ليس هي في وجوده كعضو منتمي لباقي الاعضاء من الجسد البشري، وانما أشكاليته مع السلطان بكلا شقيه الدنيوي والديني  تبدأ عندما يبدأ بالعمل ويمارس الحركة ويشعر بالوجود ويحاكم الاراء ويبحث بالسجلات، ويقلب بالصفحات .... عندها يبدو مزعجا تماما في بداية الامر، الى ان تنتهي به عبثيته الفكرية بالحكم عليه بالاعدام النهائي، أمّا من خلال اسكاته بالقوة عن ممارسة التفكير، وأمّا بطمره والى الابد تحت التراب !.

لكنّ الاغرب هو تفاعل هذا العقل في صمته او حتى وان كان تحت التراب مع الارض ليعاد انتاجه من جديد على شكل ثمرة يأكلها اي انسان في هذا العالم ليصبح فيما بعد عاقلا ومفكرا لتعاد المشكلة للسلطان من جديد ولكن بصورة اخرى !.

أذن كيف السبيل للتخلص من هذا الفيروس القاتل للسلطة المسمى عقلا؟.

وماهي هذه المشكلة المستعصية على الحل بين السلطان واصحابه من جهة وبين العقل وعمله من جهة اخرى؟.

وهل يخشى الاستبداد خباثة العقل وعينه الناقدة التي ترى عورات السلطان بشكل مختلف؟.

أم تخشى السلطة من اثارت العقل لمدافن عقول البشر وحرث ارضهم العقلية من جديد لتنبت ثورة؟.

في التأريخ ( على سبيل المثال ) ممنوع قراءته عقليا وفكريا وبنوع من التأمل الهادئ في اجندة اي سلطة دينية منتفعة او دنيوية مستبدة، وهذا لالشئ الا لأن السلطة الدنيوية والدينية تشعر بالحرج الشديد عندما يقرأ التاريخ عقليا، ففي التاريخ سلطان ورعية، وجلاّد وضحية، وظالم ومظلوم، وعدالة وجور، ورسالة ثورية واخرى ترفية فاسدة ........ وهكذا، وفي التاريخ عبر وشعارات وشخوص وشخصيات يتبع بعضها بعضا الى عصرنا المعاش، لتتبلور السلطة من جديد وكل يوم وكأنها كرة تتدحرج من أدم حتى اليوم، وسلسلة تمسك كل حلقة باختها، وان اراد اي عاقل مفكر نقد حلقة من هذه السلسلة المتماسكة البنيان، فان شعور السلطة سيكون مستفزا بالتمام، لتشعر فيما بعد ان النقد موجه اليها في واقع الامر وليس لحقبة تاريخية اندثرت بلا رجعة !.

هذه الصورة هي التي تضعنا على اول الطريق من عملية المنع الممارسة من قبل اي سلطة مستبدة دينية ودنيوية تريد الحفاظ على كافة صورتها السلطوية بما فيها التاريخية، والتي ترى فيها انظمة التفرعن السياسية اللبنة الاساس التي اقيمت عليها فيما بعد كافة انظمة الحكم الظالمة، واي تعرض للتاريخ وشخوصه الحاكمة هو تعرض مباشر لوجود النظام حسب ماترتأيه عقلية سياسة التفرعن البشرية !.

ومن هنا كانت الرؤية القائلة : ابعدو التاريخ عن قراءة المفكرين !.

فالمفكر العاقل ليس هو واعظ السلطان الذي يرتزق من جيب الحاكم المنّان، ولاهو كاتب التاريخ كما هو بلا رؤية او أستحسان، بل هو قارئ التاريخ بعين النبي الانسان، وكما ينبغي ان يفهم هذا التاريخ بلا رتوش التقديس المفتعلة لاصحاب الحكم والسلطة، وبلا تهويل المرتزقة وصناعتهم للارباب المزيفة كي تعبد من دون الرحمن، أفليس من حق السلطة بعد هذا ان تخشى العقل وتأمر بمنعه في قراءة التاريخ !.

في حادثة نادرة من تاريخ العراق المعاصر وبعد سقوط نظام صدام حصين في بغداد وفجأة اختفى رأس ابي جعفر المنصور الذي كان شاخصا في احد زوايا بغداد الحبيبة، وقامت الدنيا ولم تقعد على رأس ابي جعفر المنصور المغدور في ليلة مظلمة وبدأت الاسألة :

ماهو مغزى اختفاء رأس ابي جعفر من مكانه؟.

ومن هي الجهة التي يبدو انها قرأت التاريخ فكريا فلم تعجب بأبي جعفر المنصور كحاكم تأريخي؟.

ولماذا انتفضت بعض المجموعات السياسية والدينية الاخرى لتعلن التمرد المسلح حتى عودة صنم ابي جعفر للوجود ليعبد من دون الله سبحانه؟.

وهل حرب رأس ابي جعفر المنصور هي وجه من وجوه حرب العقل والسلطة في التاريخ وحتى اليوم؟.

ولماذا كما حق لانصار رأس ابي جعفر المنصور اي يشيدوا له صنما، أن يكون لمعارضيه حق أزالته من المشاهد لنكتفي به في التاريخ؟.

وهل كانت المعركة رمزية فقط بينما الحقيقة اعمق لمعركة ازلية بين ان نقرأ التاريخ عقليا، وبين من ينادي لقراءة التاريخ قداسيا؟.

ولماذا تحاول اي سلطة بذيولها الرأسمالية والاخرى الدينية المنتفعة ان ان تضفي لون التقديس لتاريخ سياسي هو بالاساس لايؤمن بالمقدس؟.

وهل كان ابو جعفر المنصور نبيا مرسلا، او مصلحا انسانيا او عالما ربانيا .... ليستحق رأسه ان يكون محجة للوافدين؟.

ام انه رجل سياسة له ماله وعليه ما اكتسب كأي انسان آخر في التاريخ وحتى اليوم؟.

أسألة كثيرة اثارها العقل المطرود من رحمة السلطة، والملعون على السنة وعاظ السلاطين واباطرة الخرافة حول التاريخ، واذا لم يسكت هذا العقل اليوم وهو يتحدث عن رأس ابي جعفر المنصور، فمن الضامن عدم تناوله لفراعنة مصر وسلاطين المسلمين .... وباقي حفنة الطغاة في التاريخ وحتى اليوم، ليصل في الغد القريب الى انظمة الحكم العربية المقدسة والتي نصفها تتشبه بحكام التاريخ والنصف الاخر لهم طريقتهم المثلى في حكم البشر، ولاحول ولاقوة الا بالله  !.   

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com