الإرهـــاب .. بين الديـــن والقـــومـــية

 

سهيل أحمد بهجت
sohel_writer72@yahoo.com

 كثيرة هي التحليلات والتعليلات التي تبحث وتدرس أسباب تحول العالم الإسلامي "بمختلف قومياته" من ثقافة الانفتاح واللبرالية إلى التطرف والانغلاق، والحقيقة التي ينبغي أن ننتبه لها هنا، وعلى الغرب أيضا أن ينتبه لها بما أنه انضم إلى قائمة الذين ذاقوا طعم إرهاب الإسلام السياسي، هوالدور التخريبي والمدمر لأنظمة الطغيان في العالم الإسلامي.

 وأنا لا أريد هنا أن أستعمل تعبير "العالم العربي" كون الإسلامي أعمّ منه ويشمل كافة الانتماءات العرقية وبالتالي لا نحصره بالعرب، هذه الأنظمة التي تتظاهر من جهة بالانفتاح وبرامج الإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية، لكنه من جانب آخر ترسخ مفاهيم العشائرية القبلية وحكم العائلة وطغيان المستبد وعصابته واحتكارها للثروة والسلطة والإعلام، والملاحظ أن هناك أحزابا "قومية علمانية"!! في العراق لا تؤمن بالعراق كبلد وبالعراقي كهوية فرد، فيتظاهر هؤلاء المرتزقة بأنهم "علمانيون .. لبراليون" بينما المرأة تقتل أمام أعينهم وبأيديهم تحت شعار "غسل العار"، والوعاظ ينفخون بأوامر منهم في التطرف والمتطرفين لإزهاق روح المجتمع وخلق عبودية قاهرة فيه.

هذه العقلية المنافقة ـ كونها تتظاهر بالعلمنة والانفتاح بينما هي لا تختلف شرا عن القاعدة ـ هي التي خدعت في الماضي الغرب وأنظمته الديمقراطية حيث ظن هؤلاء الغربيون أن هذه الأنظمة والأحزاب هي فعلا متأثرة بالثقافة الإنسانية وثقافة الحرية، بالتالي ظنوا أن من الممكن خلق جسور للتواصل، بينما على أرض الواقع كان ولا زال  القوميون ينهشون في مجتمعاتنا الشرقية.

مشكلة الغرب الآن، إذ هويسعى إلى دعم الديمقراطية بكل السبل، أنهم يظنون أن التطرف ينحصر بالأحزاب الإسلامية التي لا تعرف ثقافة غير "المقاومة"!! والعنف ولا تملك أي برامج للتنمية السياسية والبشرية وحتى الاقتصادية "مثاله الإخوان المسلمون في مصر والعراق والأراضي الفلسطينية ـ حمـاس"، والحقيقة أن القوميين ـ بمختلف أعراقهم ـ لا يقلون خطرا عن الإسلاميين الذين ينظـّـرون للدولة التي تحكمها أهواء العمائم واللحى الطويلة، فهم يشجعون السرقة والفوضى وانتهاك حقوق الإنسان عموما والطفل والمرأة خصوصا ويضخون إعلام الكراهية وثقافة "الأرض المتنازع عليها" واحترام "الرئيس" والمسئولين مهما نهبوا وسلبوا، بالتالي فإن تحطيمهم لأساسيات والبنية التحتية للمجتمع والدولة يوفر لتنظيمات التطرف الديني الفرصة الملائمة للنشوء.

علي سبيل المثال نجد مجتمعات بعينها انتقلت لتصبح أرضا خصبة للتطرف بعد أن حطمتها أنظمة الطغيان، فالعراق تحت حكم بعث صدام حسين وأفغانستان تحت حكم نظام نجيب الله الشيوعي والجزيرة العربية تحت حكم آل سعود وإيران الشاه ومصر مبارك وقبله السادات وعبد الناصر، هذه الأمثلة تظهر لنا بما لا يقبل الشك أن الدكتاتورية والدكتاتورية القومية تحديدا هي التي تهيئ الأرض والنفوس لتنظيمات التطرف، حيث أن المشايخ الرسميين يشجعون "الدين المخيف" بدل "الدين الحنيف" لسبب بسيط هوأن المحبة والسلام هي بالضد من هيمنة الاستبداد والاستبداد القومي، والنتيجة اليقينية هي أن لا فرق بين المتطرفين مهما اختلفت مشاربهم.

انتقل العالم الإسلامي منذ نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين من تهاوي وتصدع "القومية عموما والقومية العربـية خصوصا" إلى الجدال حول دور الإسلام في القانون والدولة والمجتمع، والمخيف حقا هوأن تقوم هذه المجتمعات بتجربة "الإســــلام السـياسي" أسوة بالقومية وإلى أن تذوق هذه الشعوب مآسي خلط الدين بالسياسة كما ذاقت مآسي الدولة القومية، فهل نستطيع في العراق ـ وهوالأهم ـ أن نتجاوز القيام بتجربة أيديولوجية أخرى نذوق وبالها لعقود قادمة؟ أرجوأن ما سيستطيع فعله العراقيون هوتجاوز كل الأيديولوجيات والمرتزقين بسم المعاناة والرموز الدينية وغير الدينية وأن نبدأ في تعليم الفرد العراقي أن دور الدين يكمن فقط في إرساء الفضيلة والأخلاق وبدون إكراه لأن "إسلام الإكراه" المزيف والذي حكم العراق طوال 1400 عام قد انتهى، وأن القومية تنحصر في ثقافة الفرد ولغته وتراث أجداده دون أي علاقة بالسياسة لأنها أيضا دين متطرف أسوا من تطرف الفكرة كونها تطرف "العرق والدم"

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com