|
لماذا يشعر النظام العربي بالحقارة أمام النظام الايراني .... الدولة والهدف؟
حميد الشاكر
في ظاهرة هي اوضح من الشمس في عالم السياسة العربية وغير العربية في منطقتنا اليوم تبرز حالة غاية في الغرابة ومثيرة للاستفسار الا وهي : حالة النظام العربي السياسي ورؤيته المليئة بالتراجع المعنوي أمام جميع النظم العالمية السياسية الناجحة أوحتى القابلة للنجاح، لاسيما عندما نتلمس هذه الظاهرة بعمق في نموذجي النظام العربي السياسي القائم اليوم، ورؤيته المليئة بالشعور بالدونية والحقارة والضعف أمام النظام السياسي في ايران مابعد ثورة السيد الامام الخميني الاسلامية، فمثل هذه الظاهرة او الحالة السياسية ارتقت في العقل السياسي العربي لنظم الحكم فيها من الاضعف الى الاقوى الى ان وصلت بتصريحات سياسية علنية تبدأ باستشعار الخطر الايراني الكبير على المنطقة العربية، لتنتهي عند القول بامكانيات ايران السياسية والاقتصادية والعسكرية الهائلة، والتي هي وبالمقارنة مع قوى جميع النظم العربية لاتعد الا لقمة صغيرة جدا للاسد الايراني الرابض على ابواب الشرق العربي، فياترى : لماذا وكيف تكوّن هذا الشعور للنظم العربية تجاه ايران الاسلامية ؟. وماهي الامكانيات السياسية والاخرى الاقتصادية والثالثة العسكرية، التي ولدّت الشعور لهذه النظم العربية بالدونية أمام نظام سياسي ان حسب عمره الفعلي فهو من اصغر النظم السياسية زمنيا في منطقتنا الاسلامية ؟. وكيف لنظام اسلامي جاء من خلال ثورة اسلامية شعبية بدأ من تحت خط الصفر العملي وخاض حربا مهلكة مع تقريبا نصف العالم الصناعي، وفقد من كوادره السياسية في ليلة واحدة المئات من برلمانييه على ايدي القوى الارهابية، وفقد قائد ثورته وملهمه الروحي في وقت لم يصل الى بر الامان ..... كيف بعد كل هذه المحن الكبيرة يستطيع برقم زمني قياسي ان يتماسك بشدة ويتطور تكنلوجيا بطريقة تحسب لها الدول العظمى الحسابات الصعبة، وليكون فيما بعد الكابوس المرعب لنظم المنطقة العربية ؟. من اي شيئ في ايران الاسلامية تنبع خشية وتوليد شعور الدونية والحقارة في النظم العربية القائمة ؟. وهل ان هذه الخشية والشعور بالحقارة منتج طبيعي لقوة ايران العسكرية فحسب ؟. أم ان هناك حسابات اخرى تدخل في معادلة النظم العربية القائمة ولا اهمها حسابات الشرعية أو حسابات القوة المعنوية، فمعروف ان لايران نظاما اسلاميا عصريا يمزج او يجمع بين انتخاب الشعب لقياداته السياسية وبين الاسلام كأطار لهذه الحركة الديمقراطية، فهل من الممكن ان تكون شرعية النظام الاسلامي في ايران تشكل حرجا كبيرا لنظم العالم العربي باعتبار فاقديتها للشرعية السياسية ؟. أو ان الموضوعة بين ايران الاسلامية والنظم العربية تتشكل جدليتها من منطلقات معنوية اكثر منها مادية، وما هذا الشعور بالدونية والحقارة للنظم العربية قبالة الوجود والتجربة الايرانية الا بسبب ان ايران الاسلام استطاعت انتزاع سيادة قرارها السياسي بالقوة، وهي تقف بكامل ارادتها امام اي قوى غربية لتطرح مصالحها السياسية بلا خشية او تبعية لاحد، وتنظم من علاقاتها في المنطقة العربية والعالم على اساس مستقل تماما عن جبة الهيمنة الاستعمارية الغربية الحديثة ....، ولهذا السبب او الاسباب المتعددة تشعر النظم العربية بضآلة وجودها وحقارة مكانتها ان قورنت بنظام الجمهورية الاسلامية في ايران ؟. أنها أسألة أو مجرد اسألة اثارتها ظاهرة او حالة الشعور بالدونية الفاضحة لنظم العالم العربي اليوم تجاه وقبالة وأمام النظام الاسلامي في ايران بصورة خجولة ومتوارية ومفضوحة في احيان كثيرة، مع ان نفس هذه النظم العربية لاتخجل او تشعر بالحرج الشديد أمام دونيتها وحقارتها المعلنة أمام النظم الغربية الاستعمارية الحديثة، وهذا بعكس حالة وظاهرة الشعور بالحقارة المحاول اخفاءها والمناضل من اجل عدم ابرازها امام التجربة الايرانية وهذا مايثير القلم للكتابة في ظاهرة على شدة ظهورها المعنوي، ولكنّ هناك محاولات عربية لعدم ظهور وابراز هذه الحالة من الشعور بالحقارة والدونية امام النظام السياسي في ايران !. وعليه لنبدأ بسؤال : لماذا الحرج العربي من التجربة الايرانية ؟. وماهي العوامل الحقيقية التي تدفع بشعور النقص والضآلة للنظام العربي أمام الوجود والنظام الاسلامي في أيران ؟. ان للتجربة الايرانية الاسلامية الجديدة قصة عاشها العالم العربي لحظة بلحظة، من خلال اولا القرب الجغرافي الايراني للعالم العربي من جهة، ومن خلال ان التغيير الذي حدث في ايران مابعد النظام الشاهنشاهي هو تغيير شعبي علني، ولم يطبخ في في دوائر الانقلابات العسكرية السرية او على طاولة المخابرات العالمية ليكون هذا التغيير غامضا او عليه شبهة عدم العلنية، لا ... وانما هو تغيير شهده العالم كله من خلال شاشاة التلفاز ناقلة الصورة الحية، ومن هنا زادت معرفة العالم العربي قوة بحالة التغيير الاسلامية في ايران، ليشكل الانسان العربي شاهدا حيا على هذا التغيير الذي يحاول صناعة المعجزة !. ان هذا الانسان العربي الشاهد الذي لم يزل حيا، هو هو نفسه الذي يشعر اليوم، ويقارن بكل بصيرة ثاقبة الى ماوصلت اليه تلك الثورة الايرانية التي ابتدأت شعارا حسينيا ثائرا، لتنتهي طرادات لتخصيب اليورانيوم، ومصانع لانتاج قوة السلاح وبناء السيارات، ومؤسسات لدولة ان سقط فيها قائد تنتج الف مسؤول للقيام بمهامه السياسية على اساس المؤسساتية اليوم بدون ان يتأثر النظام العام بذالك ......الخ، بينما يلتفت هذا الشاهد العربي نفسه الى الامام ليجد نظامه العربي القابع على صدره منذ مئات وعشرات السنين وهو يطحن بعظمه المسحوق لحظة بلحظة، فلا الشعارات الثورية منها شيئ قد تحقق على مستوى النظام العربي الذي هو اقدم سنا من التجربة الايرانية الحديثة، ولا وحدة ... ولاحرية .... ولااشتراكية ... على قيد الحياة، بل العكس هو المتحقق بالتمام في تجربة النظام العربي القائم اليوم، فلاحريات في حتى تداول للسلطة صوريا، ولاوحدة نقدية او حتى فنية قامت لهذا النظام العربي، أما مايتصل بالاشتراكية فالنظام العربي القائم اليوم ليس فحسب هو ليس قادر على الاعتراف بعجزه عن الوصول للاشتراكية السياسية، بل وبكل وقاحة يعلن هذا النظام كفره الصريح بالاشتراكية بعد ان اوصلته هذه الاشتراكية لسدة الحكم وبعد ان اخذ شرعيته السياسية من هذه الاشتراكية الحالمة، ليتحول رزق الانسان العربي وثروة بلاده الهائلة الى نهب علني لليبرالية الراسمالية العربية الحديثة بمساندة هذا النظام العربي نفسه !. أمّا الحال في التطوير والانتاج على المستوى المعترف به عالميا، فالنظام العربي القائم هو ايضا ليس فقط غير قادر على الوصول لاي انتاج عسكري دفاعي او تقني نووي ... يحفظ للنظام العربي استقلال قراره السياسي السيادي اليوم فحسب، بل تحول هذا النظام العربي متأثرا بالمرض الخليجي الى مجرد حارس وشرطي ومطيع منفذ لارادة القوى الغربية العظمى التي لها الفضل الاعظم بوجود واستمرارية هذه النظم الايلة للاحتضار والوداع الاخير !. أمّا في الضفة الاخرى للنظم العربية الخليجية فلا تعليق بالامكان وصف حالة هذه النظم المشيخية القبلية الوراثية التي ليس لها اي شرعية سياسية او دينية او ثقافية او ثورية او اقتصادية ..... تذكر لقيام مايسمى بالدولة غير شرعية الغلبة والعصبة والتي هي ليس فحسب غير قادرة على فعل اي شيئ للعالم العربي ولانسانه المقهور كمدا، بل وهي اكثر من ذالك مجبولة فطريا وقبليا على العداء للبناء الحضاري والكره الطارد لانشاء القوة العصرية، وعدم التفكير الخلقي باي مشروع على مستوى نهضة امة العرب من جديد !. أذن: الانسان العربي بين نموذجين: النموذج الاول وهو النموذج الاقل عمرا والاقصر زمنا، يأتي من خلال ارادة امة تصنع دولة المؤسسات، وتضع لها الاهداف الكبيرة جدا لحركة هذه الدولة، وتتحرك باستثمار اي ثانية في الزمن لتطوير تقدمها العسكري والنووي والاقتصادي والاجتماعي، بنفس الوقت الذي تمارس فيه لعبة السياسة العصرية القائمة على اطار الدولة الثابت، وتغيير السلطة المتحركة، وهذا النموذج هو النموذج الايراني القائم الان بكل قوة !. أما النموذج الاخر الذي هو امام الانسان العربي، فهو النموذج الذي اتت به الشعارات للسلطة، ليكفر عن قريب بكل تلك الشعارات ويتحول الى الاستبداد والتشبث بالسلطة فحسب، وهو الذي فشل ببناء دولة المؤسسات العصرية بحيث ان فقد الزعيم انهارت كل الدولة، وانتشرت الفوضى في ربوع الوطن بسبب لاوجود المؤسسات في دولة الحكم العربية القائمة، وهو النموذج الذي لم يمارس اي نوع حقيقي او مزيف لتداول السلطة، وهو النموذج الذي فشل ببناء اي منظومة دفاعية لحماية قراراته السياسية السيادية، وهو النموذج الذي افقر المجتمع ووسع من دائرة الامية، وقتل جميع الاحلام للفرد العربي على التمام، وهو النموذج الذي فقد جميع عناصر المقاومة والصمود امام اي تحديات خارجية ... وهكذا !. وعليه هل يحق للنظام العربي القائم بعد كل هذه المفارقات بينه وبين النظام الايراني الجار ان يشعر بالحرج من وجود النظام الايراني الجار في محيطه الاقليمي، لاسيما بعد وقوع هذه الانظمة للمساءلة غير العلنية من شعوبها المقهورة، ولماذا تجربة جارة تسمى في الاعلام العربي بالرجعية تنجز كل هذه الانجازات المحترمة بينما تجارب عربية تسمى زورا بالعصرية والديمقراطية لم تتقدم انملة واحدة في بناء مقومات الدولة الحديثة ؟. شاهدت مرّة في الاعلام العربي صحفيا يسأل فلاحة مصرية حول ازمة التكنلوجيا النووية الايرانية مع الغرب، وماهو رايها في هذه المسألة فاجابت هذه الفلاحة المصرية الاصيلة بالقول : انه لشيئ مشرف تماما هذا التطور النووي الحاصل في ايران !. ثم وبعد هذا ظهرت خباثة الصحافة المصرية ليكرر عليها السؤال ولكن بشكل اخر ليقول : وماهو راي الاخت بوضعية مصر الان ؟. فاجابته هذه الفلاحة ببتسامة عريضة وبكل براءة المرأة المصرية الشريفة : كفاية على الحكومة دعم الفنانات !. ان مثل هذه الصور للانسان العربي ليس فحسب تشعل نار جهنم تحت اي نظام عربي يشعر بالعار بعد مضي عشرات ومئات السنين على نظمهم القائمة والتي لم تفعل اي شيئ لكسب ثقة الانسان العربي، بل وهي كذالك تدفع بكل النظم العربية الى النظر لايران وتجربتها الاسلامية الحديثة مرة بعين الحقد والبحث عن الوسائل للتخلص من هذه التجربة، ومرة بعين الغيرة والحسد، والسؤال عن الكيفية الذي استطاع فيها هذا النظام القصير العهد من القفز من خط الصفر الى مستوى الدول النامية التي تفرض شروطها في المنطقة والعالم !. نعم كذالك يتساءل النظام العربي ايضا كما تساءل الانسان العربي من قبل عن : ماهية القوة التي تمتلكها جمهورية ايران الاسلامية اليوم والتي تفرض معادلتها على الوضع الجديد ؟. وماهي تلك القوة التي تجعل من ايران الجارة للعرب قدرة تتحدى اسرائيل وتناهض القوة الاعظم في العالم وتتمنع على دول اوربا بكل عنفوان وبلا مقدرة للعالم امامها من فعل اي شيئ ؟. وماهي تلك القوة التي تحرك ايران بسياسة يعجب فيها اعداء ايران قبل اصدقائها في جميع ملفاتها الاستراتيجية ؟. ولماذا لايملك النظام العربي لهذه القوة التي هي في متناول ايدي الجميع، ولكنّ بحاجة الى ايمان وشعب يدرك مايريد ؟. ربما تكون هذه هي بعض المحاور التي تدفع بشعور الحقارة للنظام العربي امام الوجود الايراني بتجربته السياسية، باعتبار ان هناك شيئ ما يملكه الجار الايراني، ومن الصعب الوصول اليه عربيا في هذه اللحظة من الزمن ؟. ان شعور النقص والانحطاط والضآلة الذي يشعر به النظام العربي القائم أمام التجربة الاسلامية الايرانية لم يكن فحسب بسبب ان ايران قوية عسكريا في الميدان او متطورة تكنلوجيا في المعامل، وانما امتدت هذه الحالة للنظام العربي او هذه الظاهرة أمام النظم العالمية ايضا، وكذا شعور النقص الذي يقض مضاجع حكام العرب انتقل وبشكل كبير الى رؤية هذا النظام لنفسه أمام شعبه العربي ايضا، فهو نظام تمكنت منه امراض الشعور بالعجز والضآلة الى حد العظم ليصبح وبحق مجرد هيكل عظمي عاري تماما من اي غطاء يذكر لستر عوراته الفاضحة، وما التجربة الايرانية الاسلامية بوجودها المتقدم الا الرصاصة الأخيرة التي اطلقت على مسخ هذا النظام العربي ليترنح ساقطا أمام كل شيئ في هذا العالم وفي داخل انفس المسؤولين العرب انفسهم ايضا !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |