|
صدى العراق
باقر الفضلي رَجْعُ الحَمامِ تَرَنْمُُ ونِثارُ ورَنِينُ رَجْعِكَ ياعِراقُ عِثارُ
دارَتْ بِكَ الأَيامُ وهي عَواذِلُُ ُ ورَمَتْ عَليكَ زِعافَها الأَشْرارُ
عانَيتَ مِنْ قِدَمِ الزَمانِ ولَمْ تَزَلْ كالطَودِ في وَجّْهِ الوَرى جَبّارُ
فَخَرَجْتَ مِنْ حالٍ وعُدْتَ لمِثْلِها عَودَ الشَجيِّ إذا دَهَتْهُ ضِرارُ
وظَنِنْتَ تأْمَلُ بالبَدِيلِ تَحَسُّبَاً أَنْ لا يَفُتْكَ قِطارُه الجَرّارُ
فَرَكَنْتَ أَمْرَكَ عازِفاً أَمْ راغِباً تَجّري الأمُورُ يَقُودُها الدَوارُ
لكِنَها سارَتْ وبَانَ وَغِيضُها لا ماؤُها ماءُُ، ولا مَشْبُوبُها نارُ
*****
لَهْفيْ عَليْكَ ومِثْلُهُ مِنْ لَوْعَتي لو كانَ يُجْدي اللّهفُ ثَمَّ جَهارُ
سالَتْ دِماءُ الصابِرينَ تَعَلُلاً لا عَهْدُها باقٍ ولا سَيارُ
عَتَبُُ ولا تُبْنى عَليهِ نَدامَةُُ ُ لا الفَجْرُ بَعْدَ الليلِ صارَ نَهارُ
عًَجَبي أرى الأَحْرارَ، تَرْهَنُ عِزَها وتَسيرُ للماءِ السَرابِ غَرارُ
وعُيونُها والوَهْمُ أَنْهَكَ سَبْرَها وعلى القُلوبِ عَلا رَدَىً ودِثارُ
ومَضَتْ.. سَوادُ الليلِ مُفْتَرَشَاً لها حتى غَدا بالمُرْجِفينَ دَوارُ
أَنْخَتْ.. رِقابَ ألْهَونِ، فَهْيَ ذَليلَةُ ُ ورنا لَها.. كالمُدْلِسينَ، قَرارُ
دَانَتْ لَهُ.. والذَبْحُ فِيكَ، فَريضَةُُ ُ ورِهانُ مَوْتِكَ عاصِفُُُُ ُ دَمّْارُ
فإذا غَفَوْتَ.. فتِلْكَ سَكْرَةُ غافِلٍ وإذا صَحَوْتَ.. فَدُونَكَ الإِعْصارُ
*****
قالوا عَثُرْتَ.. فَقُلْتُ، يَحْرُسُه الهَوى وتَفِيضُ مِنْ عَثَراتهِ الأَنْهارُ
جَبَلُُ ُ يَلوذُ الخائِفُون بِمَتْنِهِ وعلى الضِفافِ تَناثَرَ النُوارُ
صَرْحُُ مِنَ ألْزَمنِ العَتيدِ وجُودُه باقٍ وفي أعَطافِهِ الإِصْرارُ
وطنُُ عَلا فَوْقَ الرّؤوسِ مَنارُه وهَوى بلَيْلِ المارِقِينَ مَدارُ
هوَ غابَةُ الحُسْنِ الجَميلِ مُهَلِلاً كالصُبحِ في إشراقِهِ مِزهارُ
وتَزُفُ عِبْقَ الوَرْدِ آياتُ الهَوى فَتَشُع مِنْ أَلْوانِها الأَفْكارُ
كَمْ سَطَّرَتْ قِدَمُ العُصُورِ لَوائِحاً حَكَمَتْ بِها الأقْوامُ والنُظّّارُ
ولَكَمْ سَبَرْتَ الأَرْضَ تَبْغِي كُنوزَها للهِ دُرَّ الأَرْضِ كَيفَ تُدارُ
فَجَّرْتَ فيها الخَيْرَ وَهْيَ غَنِيةُُ ُ سَمْحاءُ مِنْ فَيْضِ النَدى مِدْرارُ
****
عادَتْ بِكَ الأَيامُ عَوْدَ تَمَلْمُلٍ فحَمَلْتَ ما لَمْ تَحْمِلُ الأَسْفارُ
لو كانَ في قَدَرِ الزَمانِ مَعالِمُُ في الرافِدَينِ مَلاحِمُُ وقِثارُ
أطّرَبْتَ فِيهِنَ النُفوسَ حَلاوَةً فَشَدَتْ بِهِنَ صِغارُها وكِبارُ
ووسَمْتَ نَبعَ الأَرْضِ في عَليائِها وَسْمَ السُجُودِ إذا دَعا الجَبّْارُ
يا مَشْرِقاً للأَرْضِ يا نَبّعَ السَما ياسَلْسَبِيلاً دُفْقُها فَوّارُ
فيكَ ارْتَهَنْتُ العُمْرَ وَهْوَ بَقِيْتِي إذْ ليسَ في الأَيامِ ثَمَّ خَيارُ
فإذا سَألْتَ الرُوحَ أَنْتَ خَبيرُها وإذا عَجِبْتَ الشَيْبَ فَهْوَ وِقارُ
****
وطَنِيْ وإنْ حُمِّلْتُ بَعْضَ أَنِينِهِ بَعْضاً له في مُقْلَتَيَّ مَزارُ
طَوْعَاً الَيْهِ وما أَبُوحُ مَوَدَةً ليْ فيْ هَواهُ تَهَجِّدُُ ومَسارُ
وَطَني هيَ الأَيامُ تَقْذِفُ سَيْرَها حُبلى بنا.. أَجْداثُنا وتَغارُ
إنْ عادَنِي الشَوقُ المُعنّى بَعْدَها وَجْدَاًً إليكَ، تُجِيبُني الأحْجارُ
فتَقرَ رُوحِي فيْ ثَراكَ عَزيزةُُ ُ بِرْءٌ لَها بَعْدَ القُدُومِ إِسارُ
رُدِّيْ إليهِ الوَجّدَ، فَهْوَ أَمانَةُُ ُ والوَجْدُ مِنْ فَرْطِ النَوى قَهّارُ
لأَنامَ مِلءَ العَينِ يُسْكُرُنِي الكَرى وَطَني وبَيْنَ العاشِقينَ مَنارُ
مَلِكاً وقَدْ زُفْتْ إليهِ شُمُوسُها دارَتْ لَهُ الأفْلاكُ وَهْيَ صُغارُ*
قَدْ خابَ مَنْ، غَنْى وزَمَّرَ شامِتاً: "إنَّ العِراقَ لِحَتْفِه سَيّارُ"
هذا .. عِراقُ الوَجْدِ وَهْوَ أنيسُنا مِنْ دونهِ.. ما للوِصالِ جِوارُ
نَبْغيه.. قَدْ حَفّتْ بِشَطّيهِ المُنى وعَلى النَخِيلِ تُغَرِدُ الأطْيارُ
سَيَدُبُ فيْ عِرْقِ العِظامِ لَهِيبُهُ فيَثُورُ مِنْ.. هَمْدِ الرُقادِ حَرارُ
وسَيَنْجَليْ.. ذاكَ الظَلامُ ومِثْلُهُ ما عَانَتِ الأَخْيارُ والأَحْرارُ
دَرْسُُ.. تَعَلَمَهُ العِراقُ وقَبْلَهُ مَرّتْ دُروسُُ، ما نَضُبْنَ غُزارُ
مِنْ قَبْلِ.. هُولاكو ومِنْ ما بَعْدَهُ للآخَرِينَ زُؤامُهُ القَهّارُ
شَمْسُُ تَحِفُ بهِ النُجُومُ كَأنَّهُ عَرْشُ السَماءِ وما لَهُ أسْوارُ
مِنْ طِيبهِ هاجَتْ عَليهِ كَواسِرُُ وقَسَتْ.. عَلَيهِ بِغَدّرِها الأَنْمارُ
وَسَعَتْ لَهُ، شَرُ الوَرى، فيْ غِلِها* فَأغاضَها، مِنْ بَأْسهِ إِسْتِكْبارُ
*****
أملُُُ..ُوأَيُُ بَعْدَهُ قَدْ يُرْتَجى جَبّْارُ في إِيوانِهِ صَبّارُ
الرافِدانِ لَهُ جَناحا مُنْفَرٍ فَزِعٍ يَلِيقُ بِمِثْلِهِ الإِنْفارُ*
وعَلى المُتُونِ تُحيطُهُنَ رَواسِيُُ صِلداءُ لَنْ يُبْلى لَهُنَ جِدارُ
إن مازَجَتْ ريحُ الجَنوبِ شَمالَهُ زانَتْ بِها مِنْ طيبِها الأَزْهارُ
والدَوحُ غَنْى والبَلابِلُ غَرَّدَتْ والمِسْكُ فاحَ وأَثْمَرَ الجُمّارُ*
وشَقائِقُ النُعْمانِ تُمْسِكُ ضِحْكَةً فالجُلَّنارُ غَدَا، مِنْ سُكّرِه مِخْمارُ
والنَرْجِسُ المُخْتالُ فيْ أَحْداقِهِ يَزْهو الرَبيعُ ورَوضُهُ المِعْطارُ
والحَبُ يَشْدُو فيْ الرِياضِ تَرَنُّماً رَقَصَتْ لَهُ فيْ زَهْوِها الأَنْوارُ
والنَخْلُ يَرْنُو شامِخاً مِنْ حُسْنِهِ والتِبْرُ فيْ أَعْلى الرُؤوسِ نُثارُ*
ولَكَمْ سَقَتْ فيهِ الرِياضَ روافِدُُ من فَيْضِها كانَتْ لهُ أَطْوارُ
تَحْنو عَليه حُنوَ أَيامِ الصِبا ليشُعَّ في أَعْراقِه الإِكْبارُ
*****
هذا عِراقُُُ ُ لَمْ نَزَلْ نَشْدُو لَهُ فَتََفِيضُ مِنْ وَجّدِ الِلقاءِ جِرارُ
ونَضُمّ في الصَدْرِ الكَبيرِ حَنانَهُ مِنْ صَبْرِ أَيُوبٍ عَليهِ نَغارُ
ما كانَ فيْ بُعْدِ الفِراقِ تَأَسياً بالبُعْدِ، بَلْ جاءَتْ بهِ الأَقْدَارُ
يا مَنْ سَعى مِنْ أَجْلِهِ عُشّاقُهُ ورَنَتْ إِلى عَلْيائِهِ الأَبّْصارُ
دُمْ سالِمَاً.. فَلَكَ الوَرى مِشْدُودَةً وعُيونُها.. في قَحْمِها مِسْبارُ
نَصَبَتْ.. إليكَ شِباكَها وتَمَسَحَتْ بالإِثمِ يَحْدُوها الشَقِيْ المِهْذارُ
وتَرَنَمَتْ عُشْقاً وَسَالَ لُعابُها فَتَفَجَرَتْ فيْ أَرْضِكَ الأَسْرارُ
مَفْضُوحَةً مَهْما يَطُولُ بَقاؤُها مَرْفُوضَةًً مَهْما بَدَتْ مِنْوُارُ
لاحَتْ.. ولاحَ الجَدْبُ في أَذْيالِها فإِذا بِها كَالعَصْفِ حِينَ يُثارُ
تَسْعى إِلى غَلْ اليَدَينِ وشَبْكِها شَبْكَ المَهِينِ إذا دَهَتْهُ سُعارُ
حَذِرَاً فَلَسْتَ بِقاصِرٍ فيْ هِمْةٍ أو غافلٍ يُغْري بِكَ المِزْمارُ
فأسْتَذْكِرْ الأيامَ لسْتَ أَسيرَها وأَسْتَعْذِبْ الذِكْرى بِها المِعْيارُ
*****
يا روحَ تَمْوزٍ ويا مِنْظارُهُ شَدَّتْ إليكَ رِحالَها الزُوارُ
لما حَرَثْتَ الأَرْضَ مِنْ أَدْرانِها صَرْحَاً أَشَدّتَ أَزالَهُ الأَغْرارُ
يوماً إذا.. ما جِيءَ فيكَ بِسِيرَةٍ تَرْنو إليكَ وتَسْمَعُ السُمّارُ
خَمْسُونَ مِنْ.. بِضْعٍ، وحِينَ تَعَثَّرَتْ وكَبَتْ خُيولُكَ، بَيْنَهُنَ مُهارُ
فأسْتَلْهِمْ الماضي عَليكَ نِثارُهُ فَالْقادِماتُ إِذا جَرينَ قِصارُ
وَانْشِدْ.. مِنَ الأَيّامِ، أَحْلامَ المُنى وَارْقَبْ.. دَبيبَ النَمْلِ، فيهِ إِزارُ
الصَبرَ أنْ تَلقى المَحَبَةَ مَسْلَكاً والعَقْلَ فيْ ما تَرْتَأيهِ فَنارُ
ولقد زَهَرْتَ وكانَ في أَيامِها آياتُ فَخْرٍ تَزْدَهِي وتُنارُ
كانت نُجُومَاً في سَماكَ فَأُطْفِئَتْ أَنْوارُهُا يَوْمَاً وَسادَ شَنارُ
وتَرَبْعَتْ.. عَرْشَ الصَفا قُطْعانُها فَبَدا لأمْرِكَ في المَدى مِشْوارُ
مِنْ عازِفينَ على الرَدى أَوْتارَها مِنْ ناقِمين يَقودُهُمْ عَيارُ
ثأراً مِنَ النَصْرِ الذي فَجَرْتَهُ وعًظيمُ نَصْرِكَ لا يَزالْ فَخَارُ
نُزْجي بهِ الأَيامَ حينَ نَسوسُها ويُثارُ للأَجْيالِ فيهِ مَثارُ
تموزُ.. فجراً صاغَهُ رُهْبانُهُ شُهْدُُ لهم.. صُلبانُهم تِذكارُ
*****
يا عِشْقَ أيّامٍ مَضَتْ أَتّراحُها فيها مِنَ الذِكّرى شَجىً وإيثارُ
كَمْ أُذْرِفَتْ مِنْ أَجْلِهِنَ مَدامِعُُ وعَلى النُجُوِم تَناثَرَتْ أَزْهارُ
مِْن كُلِ مَزْهِيٍ بَهِيٍ مُرْهَفٍ صَداحُ يَقْدَحُ مِنْ سَناهُ شَرارُ
مِنْ فَقْدِهِمْ.. حَتْى السَماءُ تَلَبَّدَتْ حُزْنَاً غشى.. فوق الوجوهَ غُبارُ
وسَما إلى.. فَوق السَماءِ رَفِيفُهُمْ وأَزْهَرَ كَالطيبِ الزَكيِّ بَهارُ
كانوا شُمُوعَاً أُشْعِلَتْ بعَزيمَةٍ ضاءََتْ بها الأَغْساقُ والأَسْحارُ
*****
صَدَحَتْ بِإِسْمِكَ يا عراقُ عَنادِلُُ ُ وعَلى النَخِيلِ تَلأْلأَ القِنْطارُ*
والكُلُّ يَشْدُو مازِحَاً مُتَرَنِحَاً مِنْ نَشْوَةٍ طالَتْ بِها الأَعْمارُ
إِياكَ أُهْديْ يا عِراقُ تَحِيَّتي الشوقُ يَحْدو نَبْضَها مِسْعارُ
ما شَحَ يوماً بأسُها مزهيةُ ُ رُوحِيْ ولا ضَنَّتْ عَلَيَّ الدارُ
أسْلَمْتُ ما عِنْدِي إِلَيكَ تَحَبُبَاً وإلَيكَ مِنْ قَلْبي هَوىً وعِذارُ
فَلَكَ القِيادُ وليسَ غَيْرَكَ قادِرُُ لَمَّ الشَتاتِ ومِثْلُكَ المُخْتارُ
إنْ غازلَتْ.. نَفْسِي الرضا، ملهوفةً فالغادِراتُ مِنَ الزَمانِ كِثارُ
وإذا رَجَعْتُ الى الأصولِ فإِنَّها عَينُ العراق ونَخْلُهُ المِنْثارُ*
تاللهِ ما قَدْ.. فارَقَتْ رُوحيْ، سَناكَ ولا غَفَتْ، عَيْنِيْ وفِيكَ مَرارُ _________________________ الذكرى الخمسون لثورة الرابع عشر من تموز/1958 (*) الجمار : لب النخلة، المقصود به تعبيراً عن (النخلة) (*) الإنفار : الفزع المشروع بحق (*) الصُغار : الإجبار أو الإرغام (*) التبر : الذهب؛ تعبيراً عن الرطب للونه الأصفر الشبيه بالذهب (*) الغِل : الحقد والكراهية والعداوة (*) القنطار : من أنواع التمور العراقية المشهورة ويكثر في جنوب العراق، وللكلمة معان أخرى. (*) المنثار : النخلة التي يتساقط بسرها بكثرة، المراد هنا التشبيه بالكرم
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |