للنقد قواعده وأصوله .. ح (15)

 

 

عبد الرحمن آلوجي

Azadi.mall@gmail.com

إن البحث الذي يتناول بالنقد والتحليل أي ميدان من ميادين البحث والدراسة سواء كان ذلك البحث وتلك الدراسة ينخرطان في السيسيولوجيا والميثولوجيا والاستطيقا (علم الجمال)، والانتروبولوجيا، وسيكولوجيا الأعماق، وأية إيديولوجيا تتناول العلوم الإنسانية، وفلسفة الحياة، وتفسير مظاهر التاريخ وظواهره ويدخلان تحليلا ودراسة جوانب أدبية، ومدارس وضعت أصولها وقواعدها في الفكر والفلسفة والأدب .. مما يجعل للمنهجية والبحث المنظم أصولا وأسسا لا يمكن الاستغناء عنها وتجاوزها، للوصول إلى المعرفة ومكامنها، وصيغها وتطوراتها، وأساليب تمحورها وتبلورها، والثغرات المحيطة بها ليصار إلى تجاوزها، بأسلوب علمي، لا مجال فيه للأهواء والانفعالات والمواقف المسبقة ، والرؤى المصنوعة، والأخرى الضبابية والقاتمة، والتي تقوم على دوافع ذاتية مستكنة ومتراكمة، تعتمد منطق الكراهية والتشفي، ومآلهما من التشهير وتوتير الأجواء، وتسخين المواقف، وقيادتها إلى مهاوي التحدر والترهل والانكسار ...

وتلك من الأدواء الوبيلة، والأمراض الاجتماعية، والعقد النفسية المتراكمة، والتي تصحب المجتمعات في حالات التكون، وبداية الخروج من الأزمات والدخول في دهاليزها ومنعرجاتها والتواءاتها، مما لا يمكن اعتماده منطقا علميا متوازنا يمكن أن يفيد في معالجة أية حالة، وتقديم تشخيص ملائم ينسجم مع وضع المسألة المنتقدة، مهما كان باب الانتقاد ووجهه ونوعه وتوجهه ...

إن النقد الموضوعي في أصوله وقواعده، وما استقر عليه من منهجية واضحة، ورؤية علمية متجردة، ومنطق بحث متماسك، يستوجب مراجعة دقيقة للموضوع أولا، وفهما عميقا لملابساته ودقائقه ومتشابهه ومحكمه، وأصوله وفروعه ثانيا، وإدراكا عميقا لما ينبغي أن يكون عليه موضوع الانتقاد، وما يستلزمه ويمكن التطلع إليه بالبحث عن مكامن الضعف وثغراته ونواقصه، للولوج أخيرا إلى الصورة المتكاملة المراد رسمها وتوضيح أطرها ووضع معالمها في صورة مألوفة وغير مألوفة، مما هوفي نطاق المبدع والمشرق من الفكرة، وما يمكن أن يفيد ويجدي ويرقى بالعمل المنقود، وينقله إلى حيز جديد، وثوب أكثر جدّة وجمالا، وفكرة أكثر عمقا وجلالا ..

وما نشهده اليوم على الساحة السياسية عامة، وفي مستجدات الوضع السياسي وتعقيداته وسياقاته الدقيقة في المنطقة والعالم وما نشهده على الساحة الكردية، وما يطرح على الحركة الكردستانية عامة والكردية في سوريا خاصة، وما يثار حول ذلك كله من حديث ذي شجون، وجدل متواصل، وحوارات متعددة وآراء ناقدة، مختلفة المدارس والتوجهات، ما نشهد من كل ذلك ينبغي أن يراجع ويحلل وينتقد ويوجه الوجهة المنهجية الصحيحة، التي تخدم الفكرة في مصداقيتها وصوابها ودقة تعاملها مع الواقع، والعدالة وآفاقها، وتطلعات الشعوب وهمومها وطموحاتها الكبرى، مما يفترض في النقد التحليلي أن يرقى إلى السوية المطلوبة والأطر المرسومة، والقواعد التي سلف ذكرها وتفصيلها مما ينبغي أن يحدد الأفق المرسوم، والرؤية المرتقبة الناضجة والمعززة لكل ما هوعادل وصحيح ومشرق ومبشر بمستقبل واعد للمنطقة والعالم، بما يرسّخ مقومات السلام العالمي، ويرنوإلى ذلك النهج الإنساني في محاربة الاستغلال والقهر والعنصرية والإقناع بالقوة، ومنطق الاستبداد والجور وسحق الحريات العامة، ورعاية الإرهاب، واحتضان بؤر التوتر، ويرسي قواعد مجتمع إنساني رائد يتجلى في نبش كنوز المعرفة، وتسخير طاقات الكون وإمكاناته، وإبداعات الإنسان في تطويع ذلك الإعمار والبناء والتقدم والمعرفة الشاملة .

وما يهمنا أن نعرفه ونركز عليه أن نؤكد على منهجية النقد  ورؤيته الشفيفة، ووضوحه وإشراق توجهه وبعده عن التشفي والمزالق الذاتية في الحركة الكردية في سوريا، واعتماد منطق عقلاني هادئ، ولغة حوارية مريحة، وأسلوب يتسم بالمرونة وقوة الإقناع وجمال العرض وروعة الخطاب في مخاطبة للعقل والقلب والمشاعر وبعد عن اللغة الفجّة الساذجة والسطحية والمعتمدة في كثير من الأحيان منطق السباب والتشهير والوقيعة والشتم وما ينم عن ضغائن ومكائد وكوامن بغيضة غير منتجة ليكون من يتصدى لها بالنقد والتحليل وتوجيه الدفة مدركا عمق وحجم هذه المسؤولية، وليكون انصرافنا إلى هذا العمل الميداني منطلق بناء وأداة صياغة جديدة، بعيدا عمّا نشهده من صبّ الزيت على النار وإشاعة اليأس، والإمعان في تفتيت الجسد الجريح وإثخان جراحاته، في حرب إعلامية أشبه بحرب الوكالة عن الآخرين، الذين يتربصون بالحركة الدوائر، بدلا من محاولة لملمة شملها والبحث عن مخرج لأزماتها وإشاعة الثقة بينها وبين الشارع الكردي، بالبحث عن حلول ناجعة، وهموم مشتركة، وإشراك فعلي في صنع القرار السياسي الذي يشكل هما جماعيا شاملا ومسؤولية تاريخية كبيرة ومشتركة، حيث نجد بعض الأقلام على  الرغم من عثراتها وهفافتها وضعف خبرتها تتهاوى في مستنقع النيل من الحركة، والإمعان في التشهير بمثالبها وأخطائها وعثراتها، وركوب نقد متهاوٍ ضعيف الأداء بعيد عن المنهجية، غارق في الذاتية، مفتقر إلى الأصول والقواعد، مما يزري بالمنقود، ويودي بثمراته، ويؤول إلى التيئيس وإشاعة الأنفاق المعتمة، وزرع عوامل البلبلة والفوضى، وروح التشهير، وتبادل الاتهامات وعرقلة المشاريع المجدية والواعدة، والتي يمكن أن تشكل المرجعية ونواتها العملية قاعدة انطلاق لبناء محور وطني مبدئي يتكامل بالتلاقي والالتفاف، وتعاضد الأطراف والنخب الساعية إلى بناء حالة جديدة، تعتمد النقد المنهجي وقواعده وأصوله وسيلة وأداة نضالية للتطوير والإعداد والبناء، في وقت تشتد الحاجة إلى وقفة جادة ومسؤولة، ورؤية منهجية حاسمة، تتسم باليقظة والغيرة والتنبه إلى مخاطر ومنزلقات التشهير والتلويث، وأساليب التخوين ومنطق التآمر والطرق الملتوية التي لا يمكن أن تأتي بكبير فائدة، مع ما نلحظه من أشكال وألوان غريبة من التبجح والغرور والوقوع في تضخم الذاتية المفرطة في الانخراط في هذه اللعبة التي ينبغي أن تحترم فيها الشخصية الكردية الناقدة قواعد وأصول اللعبة ومقاييسها العلمية الدقيقة، وبخاصة في المنابر الالكترونية التي تشكل وجها حضاريا عظيما كأداة إعلامية تقرؤها الملايين، لتعكس مدى رقي وحضارة هذه الأمة وتلك، والتي تظهر في وجهها الإعلامي ورؤيتها المنهجية، وهي تتصدى لعمل إنساني هام يلبي طموحات الإنسان الكردي ليكون هذا المظهر الحضاري لائقا ومثمرا، نقدم فيه ثمرات عقولنا وإفهامنا للآخرين، وحسن أدبنا ومدى ترفعنا عن الترهات والمنزلقات والأضاليل والفحش، مما يبدي نقدا رفيعا وفهما دقيقا ورؤية سياسية وإعلامية ناضجة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com