متى يعاد الإعتبار لعالم الآثار الجليل (شاه محمد علي الصيواني)!؟

 

رياض جاسم محمد فيلي

riyadhjasim@yahoo.com

شاه محمد علي الصيواني ( أبو ريزان ) شخصية علمية وأكاديمية من مواليد بغداد / عام 1934، من عائلة كردية فيلية معروفة ( فأخيه الأستاذ المحامي حسين صيواني مدير المدرسة الفيلية " رحمه الله "، وأبن أخته النائب عامر ثامر علي عضو مجلس النواب الحالي )، وأكمل دراسته الجامعية في عام 1958 حيث تخرج من قسم الآثار / كلية الآداب – جامعة بغداد، وفي نفس السنة عين في دائرة الآثار، وتدرج في الوظيفة الحكومية ليصبح خبير أثاري مسجل لدى الأمم المتحدة، وعمل في مجال إختصاصه في جامعة أبو ظبي بدولة الأمارات العربية المتحدة، وأستاذاً محاضراً في جامعات المملكة العربية السعودية، وعاصر عدد من علماء الآثار الأجلاء أمثال الأساتذة المعرفين [طه باقر، وأحمد سوسة]، وعرف عنه إجادته وإتقانه للغة المسمارية السومرية وغيرها من لغات العراق القديمة، كما قام بإجراء العديد من التنقيبات والكشوفات على المواقع الآثرية الممتدة على أرض سومر وأكد وأور ولكش وآشور وبابل والوركاء والحضر عبر مسح ميداني دقيق معززاً بالأبحاث العلمية الدقيقة، وهذا ما تجلى بمؤلفه الكتاب الموسوم {أور بين الماضي والحاضر} المطبوع من قبل المديرية العامة للآثار سنة 1976، والذي أصبح من المناهج الدراسية المعتمدة على المستوى التعلمي والتربوي، ومن خلال بحثه وتحقيقه عن القطع الآثرية يكتشف بالدراسة والتحليل المنهجي والموضوعي واقع الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والأوضاع المعيشية (كالملبس، والمأكل، والعادات والتقاليد، والصلات المترسخة داخل المجتمع، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، ونظم الحكم والإدارة) التي كانت سائدة في الحقبة الزمنية من تأريخ العراق القديم، والمهجولة في معالمها وحضارتها وتراثها لمعظم الأكاديميين والمعتمين بهذا الشأن، وعلاوة على ذلك كانت مواقفه الوطنية المشرفة سواء على صعيد الإحزاب والحركات العراقية والكردية، إذ عرف بعدائه الشديد للبعث الفاشي وإعتقل من قبل الحرس اللاقومي في مؤامرة الثامن من شباط الأسود في عام 1963، وإحتجز في سجن السدة وتعرض للتعذيب الوحشي وقلع الأضافر والمعاملة القاسية على يد السلطة القمعية آنذاك، وبعد إطلاق سراحه لم يسلم من الملاحقات الإمنية والحزبية والمخابراتية، ولكن فجأة توقف عطائه الزاخر وإنقطع إبداعه المتفوق نتيجةً لتهجيره قسراً من قبل جلاوزة النظام المقبور وأجهزته القمعية بطريقة همجية لم تراعي مكانته العلمية وخبرته المتراكمة وإنسانيته الرفيعة، أذ جرى إقتياده وإعتقاله بشكل سافر ومهين وأمام مرأى الموظفين في دائرته (مفتشية آثار بابل) في مدينة الحلة عام 1980، وبحجة التبعية الإجنيبة وفقاً للقرار رقم (666) " السيء الصيت "، حيث إسقطت الجنسية العراقية عنه وصودرت ممتلكاته على نحو تعسفي مثل الآلاف من الكرد الفيليين، ومنها أبحاثه ودراساته النفيسة التي لا تقدر بثمن ... فضاع جهد الرجل هباءً منثوراً بين ليلة وضحاها التي سجل فيها تأريخ العراق الزاهر مهد الحضارات العريقة منذ فجر الإنسانية على يد هولاكو العصر وأزلامه الظالمين، ليعاني بعدها مرارة التهجير وشقاء الغربة والحياة القاسية في معسكرات اللأجئين العراقيين في إيران، وأشتغل هناك في مهنة بسيطة بسبب ظروفه الصعبة لا تتناسب مكانته العلمية المعروفة على المستوى الإقليمي والدولي ... وتوفي في المنفى الإجباري / عام 2000 نتيجة إستشراء المرض وفقر الحال وضنك العيش ومرارات القهر والظلم التي أرهقت قلبه وعقله وجسده ... فتوقف نبضه ورحل عن هذه الدنيا ودفنت معه أسراره عن آثار العراق العظيمة، وبالتالي فقدنا بحق شخصاً يمثل بحد ذاته ثروة وطنية وقومية لا يمكن تعويضها ... لم يذكره أحد ولو بكلمة طيبة ... لكونه كردي فيلي !! أو لأنه خدم وطنه العراق بكل إخلاص وتفاني ؟؟ فلقد مات في الغربة لم يمشي في جنازته أحد، ونقلاً عن الدكتور ( عز الدين مصطفى رسول ) رئيس إتحاد الأدباء الكرد الذي كان صديقاً متلازماً للمرحوم " طيب الله ثراه " وتحدث عنما لم يذكره التأريخ ... إذ قال بحرف أن شاه محمد كلف بالتنقيب في منطقة أثرية بالقرب من جبال حمرين مع الأستاذين طه باقر ورشيد صفر ومن خلال الحفريات أكتشفوا وجود حلقة وصل مهمة ومفصلية تربط بين حضارتي سومر وعيلام، مما حد بالطاغية المقبور خلال فترة السبعينات من القرن الماضي والمعروف في حينها بـ (( السيد النائب )) أن يأمر بأعلان المنطقة المكتشفة هي حضارة سامية كجزء من ماكنة الدعاية الفاشية الموجهة من قبل النظام المُباد، ولكن هؤلاء العلماء الأفاضل رفضوا ذلك بشدة ولم ينصاعوا لمشيئة السلطان الجائر ولم ينفذوا مبتغاه المريض ... حفاظاً منهم على حقيقة التأريخ بكل أمانة وأخلاص، وإستطرد رئيس إتحاد الأدباء الكرد قائلاً بعد قيام إنتفاضة آذار عام 1991، وإجراء إنتخابات برلمان كردستان العراق وتشكيل حكومة الإقليم ومؤسساتها ... ذهبت إلى وزير الثقافة (الأستاذ شيركو بيكس) وتحدث معه عن عالم الآثار شاه محمد ولا بد من إحتضانه وتوجيه دعوة له للعمل في الإقليم وتكريمه والإحتفاء به، ثم كررت الأمر أيضا على وزير الثقافة اللاحق ( الأستاذ جمال عبدون )، ولكن مع الأسف لم نجد آذان صاغية، وهكذا خسرنا قدرات هذا الرجل وطاقاته وإمكانياته من دون أن يثمنها أحد، واليوم في العراق الجديد بعد مضي خمس سنوات على سقوط الصنم في 9/4/2003، لم يعاد إليه إعتباره لحد الآن من قبل أية حكومة عراقية ... عبر تكريمه وإقامة حفل تأبني له وتخصيص راتب تقاعدي مجزي للعائلة المنكوبة مع تعويض مادي ومعنوي عن سنوات القهر والظلم وإعادة طبع مؤلفاته مجاناً على نفقة الدولة، إضافة إلى إطلاق أسمه على أحدى الشوارع والمرافق الثقافية المهمة لكونه من المعالم والرموز التي يجب أن يحتفى بها بعد زوال شبح الدكتاتورية المقيتة ( عدو الثقافة الأول ) .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com