|
العراق بين الناخِب والمُرشـح !؟؟
محمد حسين/ مدير مركز الإعلام العراقي – سيدني كثيرا مانسمع قيام إنتخابات في دول العالم الديمقراطي ، ونادرا ماتكون غير سليمة في إنتخاب أصحاب الكفاءات لمقاعد التمثيل في المجالس البرلمانية ، والعراق سيشهد عملية إنتخابات مجالس المحافظات قريـبا ، "هذا إذا لم تأجل الى وقت آخـر " فالعالم من جهة وشعوب وأنظمة الدول العربية من جهة أخرى يترقبون طريقة هذه العملية الإنتخابية . وهل ستعتمد على نظام القائمة المغلقة أم المفتوحة ؟ ونرى إن نظام القائمة الذي أستخدم عام 2005 أدى الى إيصال عناصر غير كفوءة الى مجلس النواب ، بسبب المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية ، وبالتالي تعالت الصيحات مطالبة بإعتماد نظام القائمة المفتوحة لتكون أكثر شفافية على الناخبين . في الحقيقة إنّ نظام الإنتخابات مغلقا كان أو مفتوحا ليس سببا كافيا لتبرير العجز عن إنتخابات المرشحين الأكثر كفاءة ، فان المسؤولية الفردية للمواطن هي العامل الاساسي والاهم في اختيار المرشحين ، بغض النظر عن طبيعة القانون الانتخابي الذي ياتي غالبا للتمثيل بالاغلبية أو للتمثيل النسبي ، ولكن هناك ولبعض بلدان نظما انتخابية تعتمد على دمج الاثنين معا في عملية الانتخابات ، وهي الاكثر شيوعا في العديد من دول العالم الديمقراطي المتحضّر ، وقد تم تطبيقه فعلا ي انتخابات عام 2005 في العراق ، وهو في الحقيقة اكثر عدالة من نظام الاغلبية ، لاسيما وجود الكثير من احزاب وتنظيمات الاقلية يرمون الحصول على تمثيل برلماني في أجهزة الدولة . ولكن لخصوصية الشعب العراقي في تباين مكوناته وعلاقته المتينة برجال الدين وبمختلف عقائدهم وقومياتهم ، تم إستبعاد إقرار نظام الاغلبية من الانتخابات في العراق ، لقد كان القائمون على العملية الانتخابية عام 2005 يخشون أن تسيطر الشخصيات الدينية والعشائرية على نتائج الانتخابات ، نظرا لمكانتم ولثقلهم الاجتماعي بين المواطنين ، وحجتهم في ذلك القرار هو إن الناخب سيجد صعوبة كبيرة في عملية التصويت لصالح أيّ مرشح مهما تكون كفاءته العلمية وحنكته السياسية في حال وجود رجل دين واحد أو شيخ عشيرة مثلا في نفس الدائرة الانتخابية . فالعالم الديني يمثل قداسة وهيبة قبلية لدى الناخب العراقي تفوق في بعض الاحيان قدرته الحرة في الاختيار الصائب ، وهكذا حال شيخ العشيرة له مكانته المرموقة في منطقته ، ولذلك إرتأى الحاكم المدني المدني السابق "بول بريمر" عندما أصدر أول قانون للأنتخابات في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري أن يصار الى نظام التمثيل النسبي ، أمـلاً في منح المرشحين من المستقلين أو الاحزاب العلمانية والدينية فرصا أكثر ومتساوية وعادلة قدر الامكان مع الآخرين من الأغلبية . ولكن شاهدنا إن نتائج هذه الطريقة من الانتخابات جائت غير مرضية وسلبية في نفس الوقت ، فأظهرت الاستقطاب الطائفي والقومي في البلاد ، فتم الألتفاف حول عباءة المفتي أو الحزب القومي أملاً في الحصول على أكثر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التمثيل البرلماني في أعلى مجلس حكومي ألا وهو مجلس النواب العراقي ، حتى ولو كان المرشحين غير مؤهلين أو كفوئين لخوض هذا المجال السياسي المهم . ولانرى أنّ السبب المنفي هذا يعود الى نظام الانتخابات الذي أعدته قوات التحالف ، فحتى مع تسليم السلطة الى العراقيين وإجراء تغيرات على النظام الانتخابي ، بقي النظام الاساسي في الانتخابات هو التمثيل النسبي أو بعبارة أخرى تمثيل القائمة السياسية والذي كان بموجبه إعتبار العراق دائرة إنتخابية واحدة ، مما يعني أن الاصوات يتم إحتسابها في جميع انحاء العراق لصالح قائمة مـا ، وهذا النظام معـقّد بالخصوص للأقليات إذا خاضت الاتنخابات المحلية . ولكن مقاطعة الاتنخابات من قبل بعض الاحزاب والتنظيمات صَـوَّر الاحداث والنتائج وكأنها حصيلة هذا النظام الانتخابي ، كما أن الناخب سعى الى التصديق للقائمة التي أوصته بها مرجعيته الدينية أو السياسية أو العشائرية دون النظر والتدقيق في برنامج القوائم كاملة أو معرفة مرشّحيها بصورة كافية . في النهاية تم تغيير نظام الدائرة الواحدة الى الدوائر المتعددة بحيث تكون لكل محافظة دائرة انتخابية في الانتخابات الثانية ، إلاّ انـه لـم يحدث فرق جوهري وملموس في نتائج الانتخابات بـل العكس تعمّـق الاستقطاب الطائفي والقومي وبالمقابل تراجع الآخرون من ليبراليون وعلمانيون ليحتلوا مواقع صغيرة غير مؤثرة في قرارات البنية السياسية . وقـد أظهرت التجربة السابقة بأن النظام النسبي في الحقيقة لايختلف عن نظام الاغلبية فقد فازت الاحزاب الدينية بمعظم او كل المقاعد المخصصة للمحافظة في مجلس النواب وكلٌ حسب موقعه الجغرافي وثقله الاجتماعي ، وهكذا باءت محاولات بريمر بالفشل في منع حصول الاغلبية على كل شيء . وقد صوِّبَ اليوم نظام القائمة المفتوحة ، ولاندري ماالمقصود من ذلك تحديدا ، هل المقصود أن يسمح للناخب بأن يختار من القائمة أو قوائم المرشحين الذي يعتقد أنهم الافضل والأجدر لتحمل هذه المسؤولية الانسانية ؟ إذا كان كذلك فشيء ممتاز وخطوة شجاعة في عالم الديمقراطية والانتخاب. الذي نريـد قوله هنا إن نظام القائمة المفتوحة أو حتى المغلقة هي ليست الطريقة المثلى لإنتخاب ممثلي الشعب الذين سيقع على عاتقهم إخراج البلاد من مصيبة الطائفية وشرك التعصب الجاهلي والقومية المقيتة الى فضاء الوطنية والانتماء الاشمل للتاريخ والحضارة المشتركة . والحق يُـقـال أنه ليس هناك نظام انتخابي ساحر قادر على فعل ذلك أليـاً ما لـم تتآصر جهود المواطنين بما فيهم المسؤولين في تحقيق الانتماء الوطني للوصول الى المصالحة الحقيقية والمرجوة ليس من أبناء العراق فحسب بل من كل دول الجوار والعالم طعنا بالجاهلية والارهاب اللعين البعيد عن الدين والانسانية . فلافائـدة من تغيرات النظام الانتخابي مفتوحا كان أم مغلقا، فإذا لم يتغير الوعي الانتخابي ولم تتغير أوليات المواطن العادي من أبناء العشيرة والطائفة والعرق الى الوطن الأم وحُـب الأرض، لايـمـكِـن أن يتم إنتاج نظام إنتخابي راقـي يرفع المسؤولية عن كاهل الناخب ويلغي عملية التلاعب به من قبل الاحزاب السياسية. "وتقع المسؤولية التأريخية هذه على الكتّاب والمثقفين ورجال الدين من كل مكونات الشعب العراقي ، كما ينبغي التوجه الكامل من قبل وزارة التربية والتعليم للمنهاج المدرسي في العراق ومن مراحل الابتدائية وصولا الى أعلى الجامعات في زرع حب الوطن والأرض في قلوب التلاميذ ، وتفهيم الطلبة بأنّ حب العراق هو قبل حب العرق أو الدين أو الحزب السياسي". فـإذا وعى المواطن العراقي مسؤوليته الحقيقة فـكـل نظام أنتخابي صالح وكل ماينتج عنه مفـيد. أما إذا إستمر تغييب المواطن كناخـب حُـر وتخلى هو نفسه عن المسؤولية الذاتية في التصويت، فـلـن يكون لتغيير النظام الانتخابي أيّ أثـرٍ على الناخب أو المرشح في عملية الانتخابات أصـلاً .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |