|
حصاد العمر(4) .. لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي(أبو هادي)
محمد علي محيي الدين أقيم في تلك الأيام مهرجان طلابي كبير شارك فيه ممثلين عن الطلبة من مختلف المراحل الدراسية،وقمنا باستضافة الطلبة في كلية الزراعة،وكان الأستاذ يوسف العاني الطالب في أحدى الكليات آنذاك لولب المهرجان ومن أبرز الناشطين،وقد ألقيت كلمات وقصائد تناولت دور الطلبة والمهام الموكلة إليهم في العمل الوطني وضرورة أسهامهم في النشاط الجماهيري وبناء الوحدة الطلابية على أسس قوية وراسخة،وفي اليوم التالي فوجئنا باستدعاء من مركز شرطة أبو غريب للتحقيق عن كيفية أقامة المهرجان وما تطرق له من شؤون سياسية يجب أن يكون الطلبة بمنأى عنها والانصراف للدراسات البحتة،وبعد المسائلات من قبل المحققين صدر قرار بفصل الطلبة المشاركين وحرمانهم من الدراسة وكان من بين المفصولين هادي عبد الصاحب،وماجد عبد الرضا وإبراهيم الحاج علي،وقام حينها الطلبة بنشاط كبير من أجل أعادتهم وإلغاء القرار التعسفي بفصلهم وقمنا بمقابلة الشخصيات الوطنية والاجتماعية المؤثرة وزيارة مقرات الصحف الوطنية التي أخذت على عاتقها المطالبة بإلغاء قرار الفصل،و من جملة الشخصيات التي تم مقبلتها الشخصية الوطنية الأستاذ الشيخ محمد رضا الشبيبي وآخرين للتوسط في أعادة الطلبة المفصولين ولكن جهودنا لم تفلح. وحدث في ذلك العام فيضان دجلة وذلك في ربيع 1953 وشارك الطلبة بحملة مكافحة الفيضان حيث شكلنا دوريات لمساعدة الجيش ومراقبة السدود التي وضعت لحماية العاصمة من الغرق،وبدأت المجموعات الطلابية المنظمة تمارس عملها الوطني بتفان وإخلاص وكنا نستعمل المشاحيف في نقل المؤن والأرزاق إلى العوائل المنكوبة وإيصال المساعدات اليهم،وبعد انتهاء الفيضان شكل بشكل رسمي اتحاد الطلبة العام وقد فزنا أنا والرفيق مجيد بعضويته وكنا نمثل مرحلتنا في الاتحاد وبقيت في الإتحاد حتى تخرجي عام 1954. بعد تخرجي من إعدادية الزراعة عينت بوظيفة مرشد زراعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية،في برنامج مشترك بين هيئة اليونسكو والنقطة الأمريكية الرابعة وكان راتبي حينها (12) دينار ومخصصات أخرى فأصبح راتبي الشهري أربعة وعشرون دينارا وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت قياسا لصرف الدينار والقوة الشرائية له، وكنت أرسل إلى أهلي نصف المبلغ فيما يكون النصف الآخر لمصروفاتي واحتياجاتي الخاصة حيث استأجرت أنا والأخ حميد غرفة في منطقة السكك وبعدها انتقلنا إلى محلة العوينة،في دار يسكنها الطلبة أتذكر من جملتهم الدكتور ماجد عبد الرضا وكان آنذاك طالبا مفصولا من إعدادية الزراعة،وبقيت أواصل نشاطي في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي،واعمل في أحدى خلاياه،وفي تلك الفترة خضعت لدراسة مكثفة للأدبيات الماركسية فكنت أطالع الكثير منها وأحاول فهمها واستيعابها من خلال رفاقي الآخرين الذين كانوا يسكنون معي في نفس الدار،,كانت أجتماعاتنا تعقد في دارنا ذاتها لأن جميع سكانها من المنتظمين رسميا في الحزب الشيوعي العراقي،وفي ذات يوم علمنا عن طريق حزبي أن الأخ ماجد عبد الرضا قد القي القبض عليه وهو في طريقه إلى الدار،وقام باستغفال القوى الأمنية بعدم دخوله الدار التي يسكنها بل عرج على دار أخرى ليعطينا الفرصة للهروب،وفعلا قمنا بأخلاء الدار من الكتب والأدبيات والمناشير الشيوعية،وتركنا الدار متوجهين كل إلى من يعرف أو يرتبط به بقرابة،وكانت لي قرابة بسيطة بامرأة لديها ثلاثة أطفال وزوجها قعيد الدار،وكانت دارهم تتألف من غرفة واحدة وسرداب ومطبخ،فأنزلوني في المطبخ ووضعت فراشي وحاجياتي هناك وشاركت العائلة في حياتها وكنت أدفع لهم مبلغا من المال عن أجار الغرفة وأحاول مساعدتهم وأعانتهم على متطلبات الحياة،وكانت تلك الدار قريبة من الدار التي أسكنها سابقا،فخفت أن يوشى بي وتمسك الكتب في البيت الذي أسكنه فقمت بنقلها من مكانها وأخفيتها في مكان أمين على سطح الدار،وبعد مضي شهرين أو أكثر ،وبالصدفة عثرت العائلة التي أقطن عندها على الأوراق والكتب المخفية،وعلمت قريبتي باني أسكن في الدار التي داهمتها الشرطة قبل شهرين،وعندما عدت مساء وجدت أن الكتب قد أخرجت من مكانها وان الأسرة قامت بإحراقها،وقد تغيرت الأمور وأصبحت غير مرغوبا بي حيث طلبت مني تلك المرأة مغادرة الدار فورا وعدم العودة إليهم نهائيا،فخرجت من الدار وبت ليلتي في أحدى الفنادق وفي اليوم التالي بدأت بالبحث عن سكن جديد في نفس المحلة وعثرت على دار في شارع الكيلاني،كانت فيها غرفة مؤجرة من قبل الأخ ناظم البكري الذي كان حينها يعمل في القوات المسلحة وقد نقل إلى خارج بغداد ،فاستأجرت الغرفة وأوصى بي صاحب الدار الذي يرتبط معه بعلاقة قوية،وسكنا أنا والأخ حميد فيها،وبقيت في تلك الغرفة لأكثر من سنة ونصف أواصل نشاطي الحزبي،وأصبحت لي علاقة قوية بصاحب الدار الذي يعمل سائقا وقد أعجب بي وبأخلاقي وأصبحت من أقرب المقربين إليه. كانت وظيفتي في مديرية الخدمات الاجتماعية التي مقرها في باب المعظم،وكنا نذهب يوميا إلى مراكز عملنا حيث تقلن السيارات المديرية، وكان عملي في منطقة الناظري التابعة إلى ناحية الطارمية،وفي بعض الأحيان نأتي بالقطار أنا ومجموعة من الناظرين من جملتهم صديق عزيز أسمه خالد شويخ،ومعنا الباحثة الاجتماعية العاملة في المركز،وكنت جديا في عملي لا أجامل أحدا على حساب المصلحة العامة أو إضاعة الوقت في أمور خارج عمل الدائرة،ولوجود فراغ في عملنا والكثير من الوقت الخالي من العمل قمت بتنظيم حديقة مركز ألإنعاش الريفي وزراعتها بالورود والأزهار والخضرة فأصبحت نزهة للناظرين نقضي فيها أجمل الأوقات وأعذبها،وفي هذه الأثناء جرى تتويج الملك فيصل الثاني ملكا على العراق،وأراد الذهاب بالقطار من بغداد إلى الناصرية،فبلغنا من قبل الدائرة بضرورة استقبال القطار في المحطة التي سيمر بها،وكانت لا تبعد عنا سوى كم واحد،وعارض بعض الموظفين ذلك وخصوصا الأخ خالد شويخ،ولكن بعض الموظفين جمعوا مجموعة من الفلاحين وذهبوا إلى المحطة لاستقبال الملك. وكنت في تلك الفترة لصيقا بالحزب عاكفا على النشاط في منظماته ،وملتزما بالأوامر الحزبية الى أقصى حدود الالتزام،وأتمتع بانضباط حزبي كبير وأنفذ كل ما يصدر من الحزب دون مناقشة أو اعتراض،مما أهلني للحصول على شرف العضوية التي كان الحصول عليها صعبا تلك الأيام،بسبب المواصفات الصعبة التي يجب أن يتوفر عليها العضو الحزبي ،وذلك بعد الخضوع للتجربة والعمل في المنظمات والنشاط المتزايد في العمل الحزبي وقد يسجن الرفيق لسنوات أو يبعد أو يعتقل دون أن يحصل على شرف العضوية وعليه المرور بمنعطفات نضالية صعبة حتى يكون أهلا لذلك الشرف الكبير،لذلك قرر الحزب لنشاطي واندفاعي في تنفيذ الأوامر منحي هذا الشرف فبلغت أنا والرفيق حميد مجيد بالذهاب الى منطقة السدة حيث سنلتقي هناك بشخص يرتدي ملابس عامل ،ويعتمر يشماغا ملفوفا على رأسه وإذا سألني أين هي سيارات العلاوي أجيبه هاي سيارات باب الشرقي،وارتديت للمناسبة ملابس نظيفة ورباط عنق أحمر،وفعلا التقيت بالرفيق الذي عرفته من خلال كلمة السر،وعندما رآني أرتدي الرباط الأحمر قال لي رفيق نحن حزب الطبقة العاملة وعلينا ارتداء الملابس التي تتناسب وطبقتنا حتى نكون بمستوى قواعدنا العمالية وأن الملابس العمالية تجعلك حر الحركة قادر على الفرار والهروب عند المداهمة أو الاعتقال،ثم جلسنا في أحد المقاهي الشعبية حيث بلغنا بنيل شرف العضوية فعاهدنا الحزب مجددا على أن نكون أوفياء للمبادئ التي نناضل من أجل تحقيقها بعدها ودعنا الرفيق المذكور دون أن نعرف من هو وما هي درجته الحزبية ،بل لم نتعرف على أسمه حتى اليوم. وبعد شهر أو أكثر رشحت أنا والأخ حميد وموظفين آخرين للاشتراك بدورة في مصر في مركز التدريب الأساسي بكفر الميال التابعة لمحافظة المنوفية،وجاء موفد من المركز لمقابلتنا،وكنت مرشحا من الدائرة،وكان الأخ فلاح المسئول عن المركز هو الذي زكاني والأخ حميد للاشتراك بهذه الدورة،،لما يعرفه عنا من جدية في العمل وتفان وإخلاص،وفعلا زودنا بالكتب الرسمية لإكمال جواز السفر وتذاكر الطائرة،وأكملنا الأوراق المطلوبة وتهيئنا للسفر الى هناك،عندها ذهبنا الى الرفيق المسئول لإبلاغه باشتراكنا في الدورة وأن يكون اتصالنا ،فأخبرنا أنه لا يوجد لدينا اتصال في مصر وعلينا السفر وبعد العودة يعاد ارتباطنا بالحزب، وبذلك أقطعت صلتنا بالحزب طيلة فترة السفر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |