|
طريق الاصلاح على هدي الحسين ع ... نهضة التغيير
حميد الشاكر الاصلاح مصطلح اخذ من حياة أمة الاسلام وقتا لابأس فيه من زمنها الماضي والمعاصر وهي تبحث عن المخرج من مأزقها الحضاري الميت، وأسباب هذا المأزق وكيفية الانعتاق من اغلاله الثقيلة؟ !. والحقيقة ان من يسمون برواد الاصلاح الحديث من علماء دين ومفكرين علمانيين واخرين غيرهم قد نظروا للمشروع الاصلاحي العربي والاسلامي من زواية مختلفة ومتعددة، وحسب كل صاحب رؤية منهم لصلب المشكلة الحضارية الاسلامية العربية التي كانت وماتزال قائمة، كما انهم وضعوا الحلول والمخارج المختلفة والمتعددة ايضا كنتيجة طبيعية لاختلاف الرؤى في تشخيص المرض الحضاري الذي اصيبت به هذه الامة ابّان الخلافة العثمانية للرجل المريض التركي ومابعدها، عندما تشظت الامة تحت الاستعمار الغربي الحديث لتجد هذه الامة نفسها نهبا لامم وشعوب الارض قاطبة !. وحتى هذا اليوم لم يزل هناك من ينادي بعملية الاصلاح كحتمية لابد منها للخلاص من واقع هذه الامة المضحك المبكي في الان معا، ولكن بصوت خفت كثيرا وانزوى اكثر، ولايكاد يرى اويسمع في احيان متعددة، فياترى هل مازلنا حقا بحاجة الى اصلاح وفكرة اصلاح تنهض من جديد لتجدد لنا الحياة؟. لماذا نحن بحاجة الى أصلاح أصلا؟. واذا كنا بحاجة فعلا لفكرة اصلاح انقاذية لواقعنا العربي والاسلامي المتردي الوجود فماهوالاصلاح المراد تبنيه كفكرة بامكانها صناعة المستحيل لأمة ماتت ولم تعد قادرة على التنفس في الهواء الطلق؟. وهل هونفس أصلاح جمال الدين الافغاني ومحمد عبده والطهطاوي والتونسي وقاسم امين وشميل على مافي كل توجه منهم من اختلافات جوهرية دينية وعلمانية، عروبية قومية واغترابية اوربية؟. أم انه اصلاح ولكن من وجهة نظر مختلفة تماما؟. هل نحن بحاجة الى أصلاح ديني اولا؟. أم اننا بحاجة الى أصلاح سياسي بالدرجة الاساس؟. وماهوالفرق بين الاول والثاني؟. وهل الاصلاح الديني ملقى على عاتق رجال العلم والثقافة والدين فحسب؟. وكذا الاصلاح السياسي ملقى على عاتق الحكم والساسة؟. أم اننا بحاجة الى لاهذا ولاذاك بقدر حاجتنا لاصلاح اجتماعي يبدأ في مناهج التعليم الدراسية اولا ليرتقي الى الاعلى عموديا، والى الاسفل افقيا على طول قاعدة المجتمع؟. ماهي الدوافع التي تجبرنا للبحث عن عملية تفكير في الاصلاح اساسا؟. وهل فقط لارادتنا التقريب من الفجوة بيننا وبين الاخر الاوربي المتقدم تكنلوجيا وحضاريا طالبنا بالاصلاح، وعلى هذا الاساس كان المفتاح لذالك هوعملية الاصلاح المطلوب ايجادها؟. أم لاننا بحاجة الى الاصلاح لشعورنا الداخلي وأيماننا المطلق ان الحياة نفسها تعني عملية أصلاح مستمرة؟. وهل عندما نفكر في الاصلاح يجب ان نغرق من جديد في مفاهيم المصطلحات ومدى قربها وبعدها من تاريخنا وديننا وفكرنا وقيمنا اولا؟. أم انه ليس هناك فائدة ترتجى من تفريقنا بين مصطلح الاصلاح أوالتجديد في الدين والنهضة والتحديث في الحياة والترقي والانبعاث ... وباقي المصطلحات القديمة والحديثة في الان معا، بل الفائدة الحقيقية تكمن في مضمون الفكرة وليس بأسمها؟. ولماذا لم تصلح فكرة الاصلاح النهضوية القديمة والحديثة في العالمين العربي والاسلامي من شأن هذا العالم المعقد؟. وهل هناك من يخشى حتى من مصطلح الاصلاح في عالمينا العربي والاسلامي؟. ومن؟. ووما هوالسبب الاصيل الذي اجهض فكر الاصلاح والنهضة لهذه الامة الذي بدأ قويا في النصف الثاني للقرن التاسع عشر الميلادي، لينتهي اليوم مجرد ملهاة في كتب ركنت على الرفوف كتراث صالح للمطالعة فحسب؟. هل هوالاستعمار الغربي والمؤامرة الصهيونية الحديثة هما اهم العوامل التي قتلت صحوة النهضة لهذه الامة؟. أم انها السياسة والحكم في العالمين العربي والاسلامي هما من ساهما بقتل المشروع برمته ونقله من اطاره الفكري الثقافي الى اطاره السياسي فحسب، وبدلا من ان يكون مشروع نهضة أمة تحول الى مشروع الاشتراكية والوحدة السياسية فقط؟. وماقصة دعاة السلفية واصحاب الردة الدينية الذين انتهكوا عظمة المشروع الاصلاحي، لابل وقتله لتحويله من التطلع للمستقبل الى الارتداد للماضي والجمود والتحجر؟. وهل حقا ان تأريخ الاصلاح في هذه الامة العربية والمسلمة بدأ التفكير به فقط عندما تلاقى الغرب المتقدم الحديث بقيادة نابليون، مع الشرق المحطم والمتخلف والمقسم والضعيف بقيادة الامبراطورية العثمانية المريضة انذاك؟. أم ان تأريخ الاصلاح في هذه الامة يملك تأريخا بعيدا جدا عن الحملة الفرنسية وغيرها ليزحف صاعدا حتى الوصول الى بدايات النهضة الاسلامية العربية الاولى بقيادة العظيم محمد ص رسول الله، ومن بعده حفيده السيد الشهيد الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام؟. ولكن اذا كانت عملية الاصلاح متحركة داخل اطار الامة منذ ذالك التاريخ العربي والاسلامي البعيد، فلماذا اهملت تلك اللبنة الاصلاحية الحسينية الاولى بحيث انها لم تذكر أساسا، مما اضطرنا لنشعر مؤخرا بحاجتنا الاصلاحية في الفراغ الغربي؟. ماهوذالك المشروع الاصلاحي الحسيني القديم الذي لم نسمع به مطلقا في ادبيات رواد النهضة العربية والاسلامية الحديثة؟. وماهي دلالة تسليط الاضواء عليه الان كمشروع جديد لانقاذ الامة من كارثية انحطاطها الشامل في حياتها الفكرية العقدية والسياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والانسانية ايضا؟.
***************
(2)
الحقيقة ان وجهة نظرنا الشخصية والذي يشاركنا فيها الكثير منكم للموضوع الاصلاحي برمته ينطلق من رؤية تقول : ان الاصلاح في هذه الامة يبدأ وينتهي عند نقطة رئيسية واحدة تختصر كل العملية النهضوية المراد اقامتها لحياة امة قد انتهى فعلها الواقعي ( فعلها الحضاري وليس السياسي فحسب ) منذ القديم من الازمان الغابرة وحتى اليوم، وهذه النقطة المركزية هي نقطة ((الاصلاح الديني اولا ))، والمقدم فكريا على جميع الجوانب الاجتماعية الاخرى، سواء كانت سياسية واقتصادية وتربوية وغير ذالك من الجوانب المهمة والحيوية ايضا في معركة الامة مع التخلف الحضاري القائم فيها !. ولعل هناك الكثير ممن اشاروا في القديم وفي الحديث الى ان هذه الامة لاتقوم لها قائمة حقيقية، ونهضة تغييرية واقعية اذا لم يسبق هذه القيامة وتلك النهضة اصلاح ينصب بكل ثقله على الجانب العقدي والفكري والديني باعتباره هوالعقبة الاساسية التي تمنع نهوض هذه الامة بافكاره التي تأسنت وغدت كحجارة في فم النهر الجاري من جهة، والذي هويعد من وجهة نظر اصحاب فكرة الاصلاح الديني اولا العمود الفقري الذي ستقوم عليه نهضة الشعب العربي بصورة خاصة والشعوب الاسلامية بصورة عامة من جهة ثانية !. والان ومن هذا المنطلق علينا السؤال : ماهوالاصلاح المراد التبشير به اسلاميا كجديد ينقذ هذه الامة من محنة الموت المتحققة؟. وماهي المبادئ الانسانية العامة التي ينبغي ان تتوفر في هذا الاصلاح المنشود؟. وبمعنى اخر بأي المبادئ والمفاهيم الانسانية تكون نهضة اي شعب من الشعوب الانسانية من كبوة التخلف؟. وكيف كان الدين عائقا في طريق الوصول الى هذه المبادئ فوجب المطالبة أمّا بعملية الاصلاح هذه وبعملية الاطاحة بالدين وبالكامل؟. ان الدين في القواميس والمصطلحات الفكرية الانسانية البشرية عامة مقدس من المقدسات الانسانية ( لاتسألني لماذا هومقدس؟.) صاحبة الاصالة التاريخية الطويلة في هذا الوجود البشري، اي وبمعنى مرادف ان الدين قانون ينظم من حركة المجتمع الانساني منذ القديم من التاريخ البشري، الا انه بالاضافة لكونه قانونا منظما للمجتمع هوايضا مقدسا محترما يخترق الشعور الانساني والعواطف الحارّة لاي انسان ليتربع على عرش هذه المشاعر وتلك العواطف الجياشة لاي امة من الامم الانسانية، ومن هذا كان ولم يزل للدين تاثيرا كبيرا جدا على رؤية الانسان للحياة وتفاعل مشاعره مع حركتها مضافا الى ثقة الانسان الفطرية بمقولات هذا الدين عن وجود الانسان ومسيرته في هذا العالم !. وعليه عندما تكون مبادئ الدين واصول فكرته المقدسة منسجمة مع مبادئ انسانية معينة، فاننا سنعلم ان هذه المبادئ وتلك الافكار وهذه القيم الانسانية .... حتما ستلاقي القبول السهل من قبل الانسان بصورة عامة، لالسبب ربما مقنع الا لكون المقدس الديني لهذا الانسان ولتلك الامة لايمانع من وجود مثل هذه الافكار وتلك المبادئ والقيم الانسانية في الحياة، وهنا لايكون الدين فحسب اشارة مرور لاي فكرة وقيمة ومبدأ انساني ..... ليتحرك في الحياة بسهولة فحسب، بل وسنجد ان هذه الاشارة الدينية التي سمحت لتلك وهذه من الافكار والمبادئ الانسانية بالعبور الى افكار الناس ومشاعرهم الوجدانية هي ايضا عامل مساعد على ايمان الناس بهذه المبادئ والافكار الانسانية ايضا، مما يعطي زخما عاطفيا وروحيا منقطع النظير لهذه الافكار والقيم الانسانية كذالك، وتحويلها من مجرد قيم انسانية الى مقدسات بشرية هذا !. والعكس من هذه الرؤية صحيح ايضا مئة بالمئة بالنسبة للمبادئ الانسانية من جهة والمقدسات الدينية من جهة اخرى، فاينما وجدت مبادئ انسانية وقيم بشرية وافكار آدمية .... لاتحظى بودّ المقدس الديني ولاتنال اشارة المرور من قبله لمشاعر الناس وافكارهم وارواحهم الطرّية، فحتما سنجد ان هناك ظاهرة الانقباض المباشرة من قبل الانسانية بصورة عامة تجاه هذه الافكار وتلك التصورات والقيم الانسانية العالية، بل والنظر اليها بريبة لايمكن تفسير وجودها بين اي انسان يؤمن بالمقدس وهذه الافكار والتصورات والمبادئ الانسانية التي لم تنل مباركة المقدس الديني هذا !. فمثلا عندما يكون المقدس الديني منسجما وراضيا عن مبدأ من مبادئ الانسانية الكبيرة ك(العلم )أنموذجا وبكل صوره الانسانية والعقلية والطبيعية والكونية، فحتما سوف نجد ان هناك ارضية اجتماعية ترحب بهذا الوافد الجديد والفكرة النّدية المسماة علّما، بل وسوف نرى كيفية تعامل هذا المجتمع بحفاوة مع الحركة العلمية والبحث عن السبل التي تطوّر من تقدم هذا العلم ونموه بشكل يوفر الكثير من الدفع للحياة لهذه البوتقة العلمية التي ُرحب بها من خلال المقدس الاجتماعي الديني، وهذا بالنقيض لما لوقررنا ان هناك اشكالية ما قائمة بين المقدس الاجتماعي من جهة وبين اي مبدأ من المبادئ الانسانية العامة ك (الحرية ) مثلا من جهة اخرى، فاننا سوف نلاحظ وبكل وضوح مدى صعوبة تقبل الاجتماع الديني المقدس لهذا المبدأ البشري الكبير، بل واعتباره شبيه بلص ومجرم يريد ان يخترق منظومة المجتمع ليفسد داخل منظومته الانسانية المتماسكة، وعليه تتبلور رؤية المجتمع وبصورة تلقائية الى عملية طرد غير قابلة لهذا المبدأ الانساني ومهما قيل في اهميته لتواجد هذا الاجتماع وسبل تطوره واخراجه من الظلمات الى النور، وكل هذا لالشيئ غامض في التبيين الا لكون الديني المقدس لم يهيئ الارضية الفكرية والنفسية والروحية المجتمعية لاستقبال هذا وذاك من المبادئ الانسانية الحيوية في الحياة !.
*********
(3)
للحياة الاجتماعية الانسانية قوانينها وسننها الطبيعية التي تختص بحركة حياة الاجتماع بعيدا عن اي شيئ آخر، كما ان لها مبادئها وافكارها وتصوراتها، وكذا قيمها البشرية الاصيلة التي تجعل من الحياة الاجتماعية شيئ قائم بذاته ومكتفي في حيثياته ايضا، وكذالك القول صحيح عندما يقال للدين برامجه وتصوراته، وكذا رؤاه ومخططاته التي تحاول الدخول على خط الحياة الاجتماعية الانسانية لتنظيم الحركة داخل اطار الحياة الانسانية، وكلما كان هناك انسجام بين قوانين الحياة من جهة وقوانين ورؤى الدين من جهة مقابلة يكون التكامل بابهى صوره ظاهرا في حركة الدين والحياة معا، أما لوفرض العكس في المعادلة لتكون قوانين الحياة في وادي ورؤى وتصورات وقوانين الدين في وادي اخر، فسوف يكون هناك كنتيجة طبيعية لتداخل الحياة والدين ارتباك شديد جدا لكلا حركتي الحياة الاجتماعية الانسانية والدين معا، لتلد اخيرا هذه الحالة من التناقضية مايسمى عملية الصراع الحتمية بين حركة الحياة وقوانينها الاجتماعية الطبيعية، ورؤى الدين وتصوراته وقوانينه العملية، والمحصلة النهائية والطبيعية لمثل هذه الصراعات الدينية الانسانية هواما انتصار الدين على الحياة بمبادئه وتصوراته وقوانينه الاجتماعية، وامّا انتصار الحياة بقيمها وقوانينها وسننها الاجتماعية على الدين !. والحقيقة انه ليس دائما تكون الحياة الاجتماعية بقوانينها الطبيعية هي دائمة الصلاحية ومتنزهة الاتجاهات من الوقوع بكل ماهومهلك للحياة الانسانية، فقوانين الحياة كما انها سنن ثابتة الا ان فيها مسارات متعددة الاتجاهات والنتائج، سلبية منها واخرى ايجابية، وكذا يقال في البرنامج الديني ايضا باعتباره قانون تنظيم الاجتماع الانساني، فمنه برامج الاصلاح والتطور والنهضة والانسجام مع كل ماهوجيد، ومنه ماهومعيق ورديئ ومنحرف وميت، وكل ماهوسيئ، ومن هنا قلنا بوجوب دراسة كلا النمطين الديني والاخر الاجتماعي الانساني على اساس انهما وجهان لعملة الحياة الواحدة، الا ان لكل وجه من الوجهين سماته وقسماته وملامحه المميزة عن الاخر، بالاضافة الى ان لكل وجه من الوجوه الاجتماعية الانسانية والاخرى الدينية قوانينه ومبادئه وقيمه وقواعده ....، التي تعطي الروح لكل جانب من الجوانب المذكورة المتعددة للدين والحياة !. وعلى هذا يأتي السؤال الحيوي الان في مربع الموضوع بالتمام وهواذا قلنا : ماهي القيم والمبادئ والافكار والقوانين والتصورات الانسانية والتي تعتبر وبلا ادنى شك القواعد الرئيسية لنهضة اي امة وشعب ومجتمع من رذيلة التخلف والانحطاط والتبعية ... الى عزّة الرقي والقوة والتقدم والبناء؟. وكيف يكون الدين هنا مرّة عامل نهضة وتقدم وانسجام ورفد لهذه المبادئ الانسانية، ومرّة عامل اعاقة ومناهضة وحرب وتدمير على هذه المبادئ الانسانية؟. ان من اهم القوانين والسنن والمبادئ الانسانية لتقدم ونهضة حياة اي شعب وامة في هذا الوجود، هي المبادئ الثلاثة الاتية : اولا : الحرية . ثانيا : العدالة . وثالثا : العلم . فالحرية باعتبار انها المميز الكبير للحياة الانسانية والسر الخطير في هذا الوجود البشري المعقد، مضافا الى انها المفتاح القانوني لصندوق الابداع البشري،... كل هذا وغيره جعل من الحرية ليس فحسب مبدأ من مبادئ الانسانية الراقية فقط، بل واكثر من ذالك جعل من هذه الحرية الانسانية قانونا من قوانين النهضة والتقدم والرقي البشرية، فبدون الحرية لايمكن الوصول لممارسة اي نوع من انواع الابداع والتقدم الانسانية لارتباط الحرية بجذر القانون الطبيعي والالهي ايضا لدفع الحياة نحوالابتكار والتغيير ايضا !. وكذا الحال اكثر وضوحا في سنة العدل وقانونه الانساني العام، بحيث تصبح العدالة ليس فقط مجرد مطالبة فطرية انسانية قائمة في كل زمان ومكان للانسانية هنا وهناك بغض النظر عن المعتقدات الايدلوجية والتوجهات السياسية الانسانية المختلفة، بل واكثر من ذالك عندما يكون العدل وتكون العدالة قانونا اروع ماقيل فيه على الاطلاق كتعريف عملي، ماجاء على لسان علي بن ابي طالب عليه السلام عندما وصف العدل بانه مقدس الامم في قوله :(( لن تقدس أمة مالم يؤخذ للضعيف حقه من القوي غير متتعتع )) !. فالعدل مع انه مطلب تندفع اليه الفطرة البشرية بكل تلقائية، فهوكذالك سنة وقانون من خلال ممارسته العملية تتوفر الارضية لسموالاجتماع ورقيه الحضاري ورفعته الانسانية من جميع الجوانب البشرية، وهذا من جانبه العملي الاجتماعي، امّا العدل في جوانبه العقائدية اللاهوتية فهواهم واعظم تأثيرا، باعتبار ان جانب العدالة العملية الاجتماعية لاتتوفر واقعيا ان لم تهيئ له الرؤية اللاهوتية للعدالة الربانية ايضا !. نعم، والعلم ثالث القوانين الانسانية البشرية بكلا شقيه الفكري الفلسفي العقدي باعتباره المقدمة الطبيعية للعلم الطبيعي والكوني والتكنلوجي والتجريبي ( حسب رؤية السيد الشهيد الصدر محمد باقر في كتابه فلسفتنا ) هوالاخر يعتبر وبلا ادنى ريبة الخط الثالث لمثلث القوانين الانسانية الكفيلة بنهضة وتقدم ونمواي امة من الامم والشعوب البشرية قاطبة، واي نقص في زاوية من زوايا هذا المثلث الانساني لايمكن قيام مايسمى حقيقة تكامل بشري في سبيل النهضة والتقدم والرقي الحياتي للانسان !. ان نظرتنا جميعا هذه لتلك المبادئ الانسانية العظيمة ( الحرية / العدل / العلم ) واطلاقنا لمسمى القانون على كل مبدأ من هذه المبادئ الانسانية لم يأتي عبثا وبلا مبرر، بل هومسمى جاء ليؤكد حقيقة واضحة تقول : ان الحياة الانسانية لايمكن لها ان تتخلف حركتها عن الضوابط القانونية التي تتحكم بمسيرتها البشرية، كما ان هذه القوانين والسنن الاجتماعية والتأريخية لاتؤتي ثمارها الواقعية والمرجوة منها ان لم تكن كل هذه القوانين عاملة جنبا الى جنب وبلا ادنى تخلف لقانون على اخر، فلوفرض وجود وعمل قانون ومبدأ الحرية من جهة والعلم من الجانب الاخر، بحيث نفقد عمل قانون العدالة معهما، فلاشك ان النتائج الاجتماعية والانسانية ستكون ناقصة الفعل وعاجزة القدرة عن انتاج مجتمع مقدس حسب رؤية علي بن ابي طالب ع المذكورة سابقا، وكذا الحال فيما تبقى من فرضيات تفترض غياب عنصر اوقانون من قوانين الاجتماع الانسانية المتكفلة بصناعة النهضة والتطور لهذا الاجتماع اوذاك من المجتمعات الانسانية الاخرى، فلافائدة على هذا من وجود عدالة بلا حرية، ولاحرية بلا علم، ولاعلم بلا عدالة ..... وهكذا حتى نصل لحقيقة تنهي الجدل القائم بالتقرير : انه لانهضة لأي امة بلا مثلث الحرية والعدالة والعلم وانتهى الحكاية !.
*************
(4)
للحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام، سيد شباب اهل الجنة وابن الرسول الاعظم محمد ص رؤية في مشروعه الاصلاحي الاسلامي تذهب الى المطالبة بكل تلك المبادئ الانسانية الراقية المذكورة سابقا، اي، الحرية، والعدل، والعلم، باعتبار ان كل هذه المبادئ والقوانين الاجتماعية المحترمة جاءت من ضمن المشروع الاصلاحي الاسلامي العام اولا في رسالة العظيم محمد صلى الله عليه واله وسلم، لأنقاذ المجتمع من خزي الذل والتردي والانحطاط الحضاري، الى عز الرقي والتقدم والنهضة وبناء الانسان، الا انه وبفعل بعض العوامل السياسية والاخرى العقدية كانت هناك انحرافة قوية جدا عن تلك المبادئ الاسلامية والانسانية العامة في زمن السيد العظيم الحسين بن علي ع، مما دفع بالحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام بالنهضة والمطالبة بمشروع اصلاحي شامل يعيد بوصلة الرؤية الاسلامية من مسارها المنحرف الى سكتها الاصيلة في احترام هذه المبادئ البشرية التي لوفقدت لفقد الاسلام نفسه شرعيته اللاهوتية من جهة، ولفقد الاسلام نهضته التقدمية لتطوير حياة الاجتماع من جانب آخر !. ولكن ومع يقيننا ان النهضة الحسينية الاصلاحية جاءت لاعادة مسار الحركة الاسلامية لجادتها القويمة، علينا ان نسأل من جانب آخر عن المحاور التالية لنستبين مشروع الاصلاح الحسيني من جميع جوانبه الفعلية، وهذه الاسألة هي : أولا: ماهي هوية النهضة الحسينية، وهل هي سياسية التوجه بامتياز كامل لنقول ان الحسين اول من طالب بالاصلاح السياسي داخل امة العرب والمسلمين جميعا؟. أم ان هوية الاصلاح الحسيني كان ديني التوجه والمسار بالتمام، لنقول ان الحسين بن علي ع اول من طالب بالاصلاح الديني في هذه الامة؟. ثانيا : لوفرض كون الاصلاح الحسيني كان أسلامي الطابع وديني الاتجاه بالكامل، ففي اي طريق من طرق الاصلاح الديني تحرك الامام الحسين ع وهل هي طرق الحرية والعدل والعلم؟. بمعنى آخر ما الذي وجده الحسين عليه السلام في الدين مزيفا فنهض أصلاحيا ليعلن الثورة على دين الخرافة والخداع وقتل الانسان والحرية والعدالة والعلم معا؟. ان فهم دوافع الثورة الحسينية الاصلاحية وكذا هوية هذا الاصلاح .... وغير ذالك ليس من الصعب ايجاده ووضع الاصبع بصورة جلية على كل معالم الانتفاضة الاصلاحية الحسينية، فكل ذالك موجود وواضح من خلال الطرح الحسيني نفسه، فأما اولا فالاصلاح الحسيني لم يكن منصبا بكليته على الاصلاح السياسي فحسب، مع انه اعتنى بهذا الجانب باعتباره من اسباب الانحرافة الكبرى لأمة فقدت بوصلة الهدف والحركة الاسلامية العامة، ولكن الحسين ع يصرح بكل وضوح ان حركته الاصلاحية حركة شملت الاصلاح الديني برمته، فأمَام وقدّام الحسين ع عقيدة تنتسب الى الدين الاسلامي زورا ترفع شعارات وعقائد الجبر اللاهوتي المطلق ( عقيدة الاشاعرة فيما بعد وهي نفسها عقيدة اهل السنة اليوم )، لتبرر هيمنة الظلم والطغيان السياسي المبرمج، ومن ثم لتلغي تماما مفهومة وقيمة وقانون الحرية الاجتماعية والانسانية، وهذا مابرز واضحا في شعار ( هيهات منا الذلة ) الحسيني، والذي هوفي وجه من وجوهه الانسانية تعبير عن رفض الظلم والمطالبة بالحرية، لاسيما ان الحسين بن علي ع من النماذج التي ترى الحرية قيمة فوق الطبيعية وفوق القانونية ايضا، لاسيما ان هذا الامام الكبير كان يرى الحرية واجبة حتى امام عبادة الله سبحانه وتعالى في رؤيته القائلة :(( ان قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار وهي افضل العبادة )) فمثل هذا الانسان الذي تشبع بروح الحرية والتحرر حتى في عبادته المقدسة لله سبحانه، لايمكنه قبول الغطاء العقائدي للظلم، وهويرى اسلاما غير اسلام الحرية والتحرر يزرع داخل ادمغة الامة المسلمة وباساليب شيطانية سياسية رهيبة تجعل من العقيدة الاسلامية رديفا قويا لحركة الظلم ورفع الحرية من فضاء الاجتماع الانساني، ولهذا كانت صرخات الحسين ع مدوية وعالية ضد عقيدة الظلم اللاهوتية المزيفة لتقول : لا ليس هذا هوالاسلام الحقيقي !. وليس هذه هي عقيدة الاسلام النظيفة من وسخ نسبة الظلم لله سبحانه !. وليس الله سبحانه الذي قي الاسلام الذي ادركه يقبل بظلم الناس ورفع ارادتهم من الحرية !. وليس الله سبحانه الذي بلغ عنه محمد رسول الله ص هومن يجبر الناس على الظلم ليتظالموا فيما بينهم بحجة ان الله هوالحاكم وهوالقاهر فوق عباده بالقوة !. هذه هي عقيدة الحسين ع الاصلاحية التي زاحمت عقيدة الظلم الطاغوتية، وهذه هي نهضة الحسين في سبيل الحرية، تدافع عقيدة الجبر اللاهوتية الموجودة لهذه اللحظة مع الاسف بين المسلمين وبشعارات مقدسة !. الحقيقة انه وعلى ضوء الرؤية الحسينية لمفهوم الاصلاح الديني يتبين لنا انه من الصعب اذا لم يكن من المستحيل انشاء حرية انسانية في مجتمع ما وهويؤمن عقديا بفكرة الجبر اللاهوتي بالامس في زمن الحسين واليوم ( عقيدة الاشاعرة من اخواني المسلمين السنة ) في زمننا المعاصر، وهذا لا لمعادلة صعبة الا لكون من يؤمن بمقدس ديني يقنعه ان الله سبحانه يجبر الخلق على افعالهم ويرغمهم على كل شيئ ويرفع حريتهم الانسانية من الفعل ......الخ، من صعب على انسان مثل هذا اقناعه ان الحرية مبدأ انساني سامي لاتقوم الامم من انحطاطها الحضاري الا به !. كما انه في مجتمع يؤمن بعقيدة الظلم الجبرية، كذالك من المستحيل ايقاف انتاج ماكنة التخلف من صناعة الطواغيت البشرية الواحد تلوالاخر، من منطلق ان هذا الطاغوت يرى في معتقده الديني ان الاهه قائم على جبر الانسان وسلبه ارادته وحريته في العمل، فلماذا لايتشبه هذا الطاغية السياسي وذاك الديني بهذا الاله الجبري الظالم ويسلب من جميع الناس ارادتهم وحريتهم في الحياة تشبها بالهته المقدسة !. من هنا نفهم خطورة ان تهيئ العقيدة الدينية الارضية لصناعة الظلم في الحياة، وانتاج طواغيت البشر في المجتمع، كما انه من هنا ندرك معنى ان نقول ان الحسين بن علي ع انتفض مصلحا عقيدة الامة المسلمة قبل اصلاحه لاي شيئ اخر !. ان الاصلاح الديني مقدما من المنظور الحسيني على اي اصلاح اخر من منطلق ان العقيدة الدينية هي الارضية التي تهيئ الانسان لقبول ورفض اي مبدأ من المبادئ الانسانية الكبيرة، لاسيما هذه المبادئ التي تعتبر قوانينا للحياة وبدونها لاتكون هناك نهضة للامة المسلمة على الاطلاق كقوانين الحرية والعدل والعلم، فالحسين ع هنا لايدافع من اجل الحق والاسلام فحسب، ولكنه ايضا رائد ثورة نهضوية تؤمن بالمبادئ الانسانية التي تحتاجها الامة لنهضتها الحضارية ايضا، ولهذا قيل عن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام انه ابوالاحرار بلا منازع !. كذا يقال في الرؤية الحسينية كمثل ماقيل في الحرية يقال بالنسبة للعدالة كمبدأ انساني في ثورة الاصلاح الحسينية ايضا، ولا اكثر من شعارات الحسين الاصلاحية في طلب العدالة ووجوب العمل بمقرراتها على الحاكم والمحكوم ايضا في الحياة الانسانية، فهوصاحب خطبة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي خاطب بها علماء السوء من هذه الامة وتجار الدين من ذاك وهذا من الزمان بقوله :((ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم وتسلمتم أمور الله في ايديهم .... فأسلمتم الضعفاء في ايديهم فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب ... والناس لهم خول لايدفعون يد لامس ..)) فمطالبة الحسين بمبدأ العدالة الانسانية اشهر من ان يغطى واعظم من ان يداهن، الا ان هناك بعدا عقائديا دينيا اخر لامسه الحسين بثورته الاصلاحية ليرفع جذور الظلم من الاساس ويرسي قواعد العدالة من المبدئ، وهونفس ما لامسه الحسين من عقيدة الجبر الطاغوتية في عقائد الامة ولكن من وجهها الاخر في المسألة، فهناك اكدنا انه من الصعب على امة تؤمن بعقيدة الجبر اللاهوتية ان تصنع امة من الاحرار، وقاعدة من الحرية تنشأ جيلا من المبدعين من البشر، وكذا الان نقول انه من الصعب على امة تؤمن بعقيدة الظلم ان ترى في العدالة قيمة اسمى من قيمة العبودية والقهر !. نعم المشكلة في ان هناك عقيدة واجهة الحسين بن علي ع باسم المقدس الديني تريد ان تثبت اركان وجذور وجوب الخضوع للظلم ووجوب رفع مفهوم المطالبة بالعدالة والحقوق من منطلق انه : لا ظلم بالامكان معرفته عقليا وانسانيا، ولاعدل هوحسن بحد ذاته وفكريا وبلا قيود !. ولعل المتابع معنا يدرك مغزى الموضوع الكلامي المشهور لدى المسلمين في الماضي وحتى اليوم يقول بضرورة الايمان بان العقل البشري لايملك اي مقياس محترم بامكانه ادراك الحسن والقبح العقليين، وان ليس هناك في الحقيقة اي مبدأ انساني يحمل قيمة واقعية وحقيقية امام واقعية الحياة، وكذا ربما هناك من هومطلع على نشأة المذهب الاعتزالي في الاسلام ولماذا هوكان ردة فعل طبيعية لضغط المذهب الجبري في الاسلام، وكيف ان مذهب الاعتزال اراد ان يقول في العدالة الالهية والحسن والقبح العقليين مافيه الرد الاسلامي على مقولات عقيدة الظلم الجبرية هذه !. المهم في الموضوع الحسيني هووصولنا الى نقطه النضال الاصلاحية التي استهدفها الامام الحسين دينيا عندما اراد فضح المؤامرة السياسية على الدين الاسلامي برمته، وكيفية ان هذه المؤامرة السياسية تريد رفع مفهوم العدالة الانسانية من الوجود الانساني، ولذالك هي اخترعت عقيدة دينية تناضل من اجل قتل العدالة الانسانية في المكان الذي تقوم به عقائد قتل العدل الالهي وقتل العقل والعلم معا، لتفرغ الساحة عقديا وانسانيا تماما لصولات وجولات الظلم البشري الغير خاضع لحدود معقولة !. أما العلم كمحور اصيل واخير من مبادء الاصلاح الحسيني، فلايخفى ان الاسلام والحسين ع فكرة موحدة في تقديس العلم والحث على الاخذ من مناهله المختلفة سواء كانت عقلية عقدية فلسفية، وكانت طبيعية تجريبية ميكانيكية، وكانت دينية قانونية اخلاقية، وحتى في الجانب الاخر من المذاهب الاسلامية غير الحسينية ايضا، فهي كذالك تؤمن بان العلم غاية مقدسة لفكرة الاسلام بصورة عامة، وفكرة اهل البيت بصورة خاصة، الا انه وكما ذكرنا سابقا : لافائدة واقعية من تفكيك المثلث الانساني الكامل ( الحرية العدل العلم ) فمهما اخذ باسباب العلم وقوته المتطورة فلاخطوة واقعية نحوالاصلاح والنهضة في الاسلام بلا عدالة وحرية، كما انه لانهضة بعدالة بلا علم وحرية، ولانهضة بحرية بلا عدل وعلم، وكل هذه المعادلة الثلاثية المتكاملة غير موجودة في مذاهب الاسلام وطوائفه باجمعها، الا بجمع الحسين لها في نهضته الاصلاحية الاسلامية المباركة !. نعم من اراد الاصلاح والنهضة لامة الاسلام من جديد فعليه الاخذ بخطوة الحسين ع وفكره وعقيدته وفهمه لمشروع الاصلاح الاسلامي الكبير، أما من اراد ان يبحث عن الاصلاح والنهضة في مكان اخر غير قبة الحسين ع فليجرب ساعيا وماشيا وراكظا .......، والحسين بن علي ع بالانتظار لاستقبال المتعبين من الظلم والطالبين للعدالة، والمتطلعين للعلم والحياة !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |