من حكم المـركز.. إلى المركزيات.. نظرة إلى الفدرالية في العراق!!
 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

لا أريد أن أحكم على التجربة العراقية متسرعا بأنها "فشلت" كديمقراطية وكمحاولة لخلق عراق جديد، ولا ننسى أن نؤشر على نقطة مفادها أننا نحن العراقيين خرجنا من دكتاتورية المركز إلى صراع الدكتاتوريات الجانبية التي تحاول الآن ابتلاع ما تستطيع ابتلاعه مدعومة بعمائم من شتى الألوان والانتماءات والتي ستؤدي في المستقبل إلى نشوء دكتاتورية جديدة في بغداد كرد فعل على "تمرد" و"عصيان" الفدراليات المستقلة ـ التي ينقصها إعلان هذا الاستقلال ـ وهوعودة طبعا إلى عصر ما قبل 9 نيسان 2003.

والمؤسف أن السيد رايان كروكر سفير الولايات المتحدة التي لا ينكر تضحيات أبناءها ومساهمتها الأساسية في تغيير المعادلة العراقية لصالح الشعب العراقي، هذا السفير وبعد أن كان يتفضل يوميا بتصريحات توضح موقف الولايات المتحدة من كل مستجد على الساحة العراقية، أصبح صامتا لا يتكلم ومثيرا بهذا الصمت زوبعة من الإشاعات التي يستغلها هذا الطرف وذاك، وهوما قد يؤدي ـ في حال حصل انهيار للعراق بسبب صراعات النفوذ القومي ـ إلى ضياع وهدر لدماء طاهرة قدمها عراقيون وأمريكيون في سبيل إنقاذ الإنسان على هذه الأرض، وبالتالي فإن هذه الدماء الطاهرة ليست ملكا لإدارة الحكومتين العراقية والأمريكية المتغيرتين لأن الشعبين العراقي والأمريكي هما من يقدم التضحيات لإقامة وطن الإنسان والإنسان وحده.

من المؤسف حقا أن ما سعينا لأجله ـ وهوعراق يتوازن بين فدرالياته ومركزه ـ أصبح مهددا الآن بأن ينهار لصالح الأطراف والفدراليات وهذا الانهيار وإن كان على المدى القصير لصالح الفدراليات إلا أنه في النهاية سيضر بها لأن مركز العراق "بغداد" غالبا، وهوما نملك له شواهد تاريخية امتدادا من العصور العباسية وحتى قيام العراق كدولة، ما يعود ليهيمن ولوبالقوة والحرب على أراضيه شمالا وجنوبا، إن الفدرالية كنظام ديمقراطي لا يمكن أن يكون هوهذا المسخ الذي نشهده الآن، لأن أي فدرالية لا بد أن تقوم على أساس جغرافي لا يدخل فيه أي وصف قومي وطائفي.

كمثال على كلامنا فإن إقليم الجنوب لووجد طريقه إلى الوجود فسيكون الخطوة الأولى لفرض دكتاتورية "معممة" طائفية لا تختلف عن الدكتاتورية القومية، لأن تسعة محافظات جنوبية لوامتلكت كل منها إدارتها الذاتية هوما سيمثل الفدرالية الحقيقية، أما لودمجنا الجنوب المترامي الأطراف في "إقليم" واحد أحد موحد، فهولن يختلف عن "المركزية" البائدة على عهد البعث المقبور، لأن هذا الإقليم الجنوبي سيكون مرتبطا مرة أخرى بعاصمة "إقليمية" تحتكر الثروة والقرار والتعيينات والتوظيف وخطط البناء وما إلى ذلك، ولن يكون لهذه المحافظات الغنية جدا كالبصرة والعمارة أي فرصة لإبداء اعتراض وتململ.

الأكيد أن الإدارة تكون أسهل كلما كانت منطقة الإدارة أصغر وأكثر تركيزا على نفسها بحيث أن البصرة كإقليم مستقل سيكون أسهل في التوجيه والبناء مما لوربطناه بمسخ نطلق عليه كلمة "إقليم" و"فدرالية، فعلى أهالي كل مدينة أن يبدأوا بالاهتمام بمدينتهم "لن أقول بالغيرة على مدينتهم كون الغيرة كلمة ماتت مع العصر القبلي ولأن مردودها سيء في الذهن العراقي" وبأن لا يتركوا مجالا مجالا للمدن الأخرى أن تتدخل في شؤونهم بغير قانون ينظم هذه العملية.

إن الفدرالية الجغرافية ـ التي تتيح لكل مدينة وأقضيتها أن تحكم نفسها بنفسها ـ هي نعمة لوتم تطبيقها بعيدا عن أهواء الزعماء ومافيا النفط والفساد الإداري، وكلما ضاقت الفدرالية كلما كان الإعلام والنزاهة وكشف المفسدين أسهل خصوصا حينما يكون هناك أيضا مركز قوي ذونفوذ قوي "واضح عبر صلاحياته القانونية"، وإذا كنا نريد إقامة نظام إداري مثالي فهووإن كان مستحيلا إلا أن لنا الحق في أن نحلم بنظام إداري قانوني ممتاز يكون هوأفضل الموجود، مثل الديمقراطية تماما، فالديمقراطية رغم كل عيوبها هي أفضل من الدكتاتورية.

العراق الآن وهوعلى أعتاب الانتقال من النظام المركزي إلى مركزية أخرى "مقنعة" ولنقل "مركزيات" ستكون أشبه بأنظمة أسبارطية "نسبة إلى أسبارطة اليونانية التي عُرفت بنظامها العسكري الصارم" تركز الثروة والسلطة في يدها وتكون مرة أخرى مرحلة طويلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولربما تكون مواجهة مجموعة الدكتاتوريات هذه أصعب من مواجهة دكتاتور واحد شمولي كان يحكم العراق وكان باستطاعة المرء أن يخدع هذا النظام عبر معرفته لأساليبه الخبيثة، لكن دكتاتوريات متعددة مختلفة الطرق والحيل "الشرعية والقانونية"

سيكون كارثة الكوارث على العراق.

النقطة المهمة ولنقل أنها الأهمّ من كلّ ما ذكرناه، هوأن لا تقوم هذه الفدراليات على أي هوية جانبية كون أي هوية (غير الانتماء العراقي) سيعرض البلد إلى تهديد مستمر بالتدخلات الإقليمية والدولية وتسيير العراق حسب رغبة هذه الدولة وتلك وتعرض مصالحه الجيوسياسية لخطر دائم وسيبقى العراق كجسم عديم المناعة سهل الاختراق وبالتالي تختلط مصالحه مع مصالح الجوار الإقليمي سلبيا ويكون العراق هوالطفل الذي سيدعي كل "عمّ ٍ" أنه الأحق بالوصاية عليه، وحينها سنكتشف أن كل حديثنا عن السيدة والاستقلال هومحض لغوٍ وهراء وعبث، لن أدفع باتجاه التشائم ولكن ينبغي للعراقيين أن لا ينخدعوا بعد الآن بشعارات بعض المعمّمين الذين يرددون شعارات آل البيت (ع) بينما هم يتوارثون الرئاسة على طريقة بني أمية، هم ومن يتعاطف ويتعاون معهم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com