فجــأة.. العراقيون كلّهم بعثيون ..!!
 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

قدم الشعب العراقي أغلى وأثمن ما يملك، المال والأبناء والأرواح والدماء، في سبيل التخلص من نظام البعث المجرم الدكتاتوري الاستبدادي في ملحمة أستطيع وصفها بأنها لا مثيل لها في التاريخ القديم والمعاصر، وعظمة هذا العمل البطولي تكمن في أن ذلك كان يتم في ظل محيط كان يتعاون مع النظام المقبور ضد أبناء الشعب المنكوب والمسحوق، حتى إيران التي قتل صدام خيرة شبابها وبدد المليارات من أموالها في حرب مجنونة، أخذت تتعاون مع هذا السفاح بمجرد أن فارق الخميني الحياة لتبدأ مع الطاغية البعثي مسيرة مشينة من التعاون "البـنـّاء".

لكن وبعد أن قام التحالف الغربي بالإطاحة بنظام البعث وبدأ العراقيون يأملون في خلق تغيير حقيقي نحوالديمقراطية والتعددية وإنشاء دولة المواطن الذي لا يغار إلا على حريته كفرد قائم بذاته، إذ طلعت علينا الأحزاب القومية ونواب "انتخبوا بالغش" ليتهموا أغلبية البرلمان العراقي المنتخب بأنه "بعثي"!! وهذه التهمة التي أطلقها بعثي عريق يتظاهر بأنه "نائب مستقل" لا تعني إلا أن هؤلاء لديهم نية شر تجاه الديمقراطية في العراق، فهذا النائب لا يتكلم عن منطقته "الآمنة"!! التي تقتل المرأة رميا بالحجارة حتى الموت ولا عن أجهزة القمع الغير قانونية وتكميم الصحافة وقمع الحريات تحت شعار "الحقوق القومية".

ينبغي على العراقيين أن لا ينظروا باستخفاف إلى مثل هذه التصريحات التي تتهم غالبية الشعب العراقي وممثليه بأنه "متآمر" وأنه "بعثي" لأن مثل هذه التصريحات لا تعني إلا إعلان عداوة وكراهية، ترى هل كان أبناء السماوة الذين قاتلوا الطاغية "البعثي" ودفعوا حياتهم ثمنا لهذا العمل البطولي، هل كانوا "بعثيين"؟، والأمر ذاته عن ضحايا البصرة والحلة والديوانية والكوت وكربلاء والنجف وبغداد، هؤلاء الذين وقفوا بوجه صدام قائلين له لا وليس على طريقة النائب الذي هرّب غالبية ضباط الأمن والأجهزة القمعية "معززين" و"مكرّمين" لعله يحتاجهم يوما.

لا بد لمجلس النواب العراقي (البرلمان) أن يضع حدا للابتزاز والابتلاع الغير مشروع للدولة العراقية والحفاظ على المكتسبات الديمقراطية عبر ترسيخ حقوق المواطن وحريته كفرد وأن القوميات والطوائف لا يمكن أن تصبح "صاحبة حق نقض" مقابل حقوق المواطنين، حينما نتخلى عن القومية والطائفية سوف نرى كيف أن العراق لا يختلف ولوللحظة عن "سويسرا" و"السويد" و"الولايات المتحدة" وكيف أن هذا البلد سيصبح أحد أكثر البلدان رفاهية في العالم.

لكن في ظل الجدل المتواصل حول "هوية" هذه الأرض وتلك فإن العراق والمنطقة كلها معرضة لكوارث سياسية والمضحك أن كل المناطق "المتنازع عليها" ليست إلا أرضا كأي أرض أخرى وتربة كسائر التراب، لكن أحزابا قومية تأبى إلا أن تثير الفوضى وتحيل حياة المواطن إلى جحيم مستعر، وإذا كانت قوميته تحوي 40 مليونا فإن القوميات الأخرى هي بمئات الملايين، بمعنى أن هذا النائب المعجب بنظام صدام وعنجهيته القومية يريدنا جميعا أن نتخلى عن الديمقراطية ونتحول إلى الأسلوب القومي والطائفي فنظلم الآخرين بحجة أنهم ظلمونا وأنهم يظلموننا، وهذا لعمري عودة إلى عهد البعث ولكن عبر عناوين فرعية ومؤخرا لاحظت أن كاتبا مغمورا يحاول أن يثير الحقد القديم بين السنة والشيعة والأكراد وغيرهم متناسيا أن جميع هؤلاء هم عراقيون ولا معنى للعنوان القومي والطائفي حينما تكون الهوية الوطنية هي السائدة والمتمكنة.

إن الوطنية لا يمكن اختزالها في زعيم وقومية ومرجع ديني وبطل قومي ـ أيّا كان انتماؤه ـ لأن الوطنية ببساطة هي قمة الفلسفة السياسية كونها تهضم الجميع وبدون إكراه وإجبار فالكل "العراقي = الإنساني" يستطيع التعايش مع الآخرين ما دامت هويته الجانبية أصبحت شأنا من شؤون الفرد الخاصة فلا حق لأحد أن يتدخل في ثقافتي وإذا ما كنت أريد الفخر بجدي التركي أم الكردي والعربي، وكثير من العراقيين هم من هذا الصنف حيث تختلط في دمه دماء الأمم والشعوب، لكن هناك من يريد تحويل المسألة الشخصية إلى شأن سياسي ليبتز به العراق والعراقيين ويكونوا بالتالي رهائن لدى حرسه الخاص وليستمر كقائد وزعيم "حسب عضلاته وعدد أفخاذ عشيرته" فهوببساطة لا يملك أي فكر سياسي ينافس به الآخرين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com