|
إحتلال العراق ليس قضّية فنّية..
كمال القيسي أصبح العديد من "النخب العراقية" هذه الأيام، ينظرون إلى الأحتلال وكأنه قدرسرمدي محتوم على العراقيين لايمكنهم الخروج منه إلا بمباركة الأمريكان أنفسهم .. كما أصبحوا ينظرون إلى كوارث وتداعيات الأحتلال على أنها في جوهرها، أزمات فنيّة تحتاج إلى بعض من التصحيحات والتعديلات في الجوانب العسكرية والسياسية والأقتصادية والمالية.. أصبح العديد من نخبنا ينظرون إلى المحتل بأنه صادق جاد في رغبته وإجراءاته بقيام دولة عراقية ديمقراطية ذات حكومة منتخبة نزيهة يرأسها سياسيون وطنيون أحرار. أصبح العديد من النخب لايرون في الأحتلال القائم إستباحة لوطن حر وتدمير دولة وإستعباد شعب. إن غزو وإحتلال العراق وتدميره وإستعباد شعبه يعتبر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية قضية فنية تتلخص في:السيطرة على إلأحتياطيات النفطية للعراق والشرق الأوسط من أجل إسناد نفوذها في الهيمنة على العالم.. ولتحقيق ذلك إعتمدت أمريكا الوسائل العسكرية ونشر القوة خارج حدود المسارات التأريخية للدول وقواعد الأخلاق وشرعية المباديء السياسية والأقتصادية والأنسانية المعيارية المتعارف عليها دوليا. أعدّت الأدارة الأمريكية قبل الغزو وبعده وبشكل فنّي، شبكة من الخطط والبرامج العسكرية والسياسية والأقتصادية والمالية للسيطرة على العراق وإلحاقه كليا بها . ومن العناصر الرئيسية في مكوّن هذه الشبكة:إستغلالها للموارد النفطية وإفساد الفئات الحاكمة المنصّبة من قبلها "لصوص النهار " الموكل إليهم تفكيك المنظومات السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأنسانية التي أنشأها العراقيون عبر تأريخهم المعاصر. أوجدت خطط وبرامج أمريكا في العراق شبكات من مخابرات إسرائيلية وشركات قتل و"متعاقدين سياسيين" وأمراء حرب ومليشيات ومستشارين تآمرت ونفّذت وفرضت دستورا طائفيا عرقيا تفكيكيا بغيضا وقوانين إستعبادية مذلّة(قوانين بريمر،قانون النفط والموارد،قانون إنتخاب مجالس المحافظات ،إلأتفاقية بعيدة الأمد...). كما أوجدت أمريكا مدراء تنفيذيين ومتعهدي وظائف وعقود حكومية ومفاوضين ورجال أعمال لهم خطط وبرامج إقتصادية ومالية طائفية وفئويّة وشخصية بعيدة كل البعد عن معالجة كوارث التدمير والموت والفقر والجوع والبطالة والتشريد والنزوح والهجرة التي أوجدتها منظومات المحتل وتابعيه.. أوجد المحتل منظومات لحماية النفوذ الأمريكي تمثّلت في الشركات المتعددة الجنسية والمصارف المعولمة والأجهزة الدفاعية والأمنية والوكالات الدولية والنخب الصغيرة التي تم شرائها وإعدادها. إن إحتلال العراق بالنسبة للأدارة الأمريكية مشروع فنّي تطلب تنسيق وتعاون مجموعات مصالح عمل أمريكية ومعارضين من مرتزقة ومنشقِين مقيمين في لندن (أسماهم الجنرال الأمريكي زيني بخليج الماعز) مع دوائر الأستخبارات المركزية والبنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية والموساد الأسرائيلي وبعض من الدول الخائبة. ولّد احتلال العراق مصالح آنيّة ومستقبلية للقوى الأمبريالية- الرأسمالية الأمريكية في مجال الأستراتيجية والدفاع والأمن والنفط والبنى التحتية اللازمة لنشر الهيمنة الأمريكية. في العراق ولّد الأحتلال شبكة من السياسيين المتعاقدين والعملاء والجواسيس الذين لايحمل لهم الأمريكان أي إحترام وليس لهم أية قيمة تذكر خارج دائرة خدماتهم السياسية و التجسسّية والعملياتية. يساهم هؤلاء في إدامة زخم برامج الأحتلال والأكاذيب والأفتراءات التي تحتاجها الأدارة الأمريكية في تصوير المستنقع العراقي الذي وقعت فيه بأنه إنتصاروأن تكاليف الحرب الحالية والمستقبلية المتصاعدة سيجري تغطيتها من السيطرة على النفط العراقي وقيام الشركات الأمريكية بالحصول على العقود العسكرية والنفطية والأقتصادية عن طريق قاعدة "الأختيارالمباشر" وليس على أساس المنافسة الدولية من أجل إختيار أفضل العروض . يمكننا أن نتصوّر حدود حجم الموارد المالية العراقية التي تروم الأدارة الأمريكية الأستيلاء عليها (بغية تغطية تكاليف حربها) عند معرفتنا بأن كلفة العمليات العسكرية المباشرة في العراق فاقت كلفة الحرب الفيتنامية التي دامت إثنى عشر سنة. وأنها ضعف كلفة الحرب الأمريكية- الكورية من غيرإحتساب الكلف الأنسانية والأجتماعية المباشرة وغير المباشرة . تحاول الأدارة الأمريكية من خلال مؤسساتها ومنظوماتها ورموزالحكومة المنصبة في العراق أن تقنع العالم والعراقيين خاصة بأن عدم إستقرار وأمن وإزدهار العراق سببه فقط إحتراب داخلي بين أطراف لاترتضي الأتفاق والتوافق والعيش المشترك وأن بإمكانها إحتواء ذلك الأحتراب عن طريق إستكمال بعض "الأجراءات التصحيحية" المطلوبة في الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية والأقتصادية. ففي الجانب العسكري ترى الأدارة الأمريكية أن التصحيح المرغوب يتحقق عند تعيين عدد منتخب محدود من القيادات السابقة للجيش العراقي الأصيل كمستشارين فنيين لايملكون أية مهام وصلاحيات حقيقية تتيح إعادة هيكلة وبناء جيش وطني قوي يدافع عن العراق وأهله ضد أي غزو أو إحتلال أوإنتهاك أو تمكين لنفوذ أجنبي يعصف بمصالح الوطن العليا. يحاول المحتل أن يقنع العقول الغائبة بأن تلك الأجراءات الشكلية قادرة على إصلاح القوات العسكرية والأمنية التي جعلها المحتل خليط غير متجانس من قوات وميليشيات عرقية وطائفية تفتقر إلى الولاء والوعي الوطني والأنضباط العسكري الحرفي. لقد إستحدث المحتل تلك القوات لتكون درعا يصد بها غضب المقاومه الشعبية الوطنية العراقية . وأوجد المحتل "الصحوة" لأحتواء وتهميش دور المقاومة تحت حجة ضرورة أن يكون للطائفة السنيّة من يحميها؟!. في الجانب الأمني.. تتابع الأدارة الأمريكية بخوف وحرص شديد عدد القتلى والجرحى من قواتها على ساحة العمليات لأسباب تتعلق بأنتخاباتها الرئاسية القادمة تاركة في الوقت نفسه شركات القتل الخاصة( بلاك ووتر ) وأجهزة إستخباراتها المركزية ومنظومات البنتاجون والموساد الأسرائيلي وبيشمركة القيادات الكردية، أن تتقاسم الأدوار والمهام في قتل وسجن وترويع العراقيين المدنيين من أجل إستكمال تفكيك الوطن وتقسيمه إلى ولايات بائسة..كل ذلك يجري من دون أية مسائلة حكومية قانونية عراقية أو دولية. في الجانب الأقتصادي.. تقاتل الأدارة الأمريكية ومتعهديها من أجل فرض قوانينها "الليبرالية الجديدة" المصممّة والموجّهة لأستغلال موارد العراق النفطية وإخضاع إقتصاده الكلّي لسيطرة وإبتزازشركاتها العملاقة. تستخدم أمريكا حبس عوائدنا النفطية المتحققة للعراق وتجميد البرامج الأنسانية الملحّة كورقة ضغط يراد من ورائها تجويع الشعب وتركيعه وقبوله القوانين والبرامج الأستعمارية- الأمبريالية- الرأسمالية المستغلة المجحفة. من المحزن أن يلحق بالعراق كل ذلك الضيم والعالم العربي لايرى ولايسمع ولا ينطق.. لكن الحزن كل الحزن أن يكون موقف البعض من "النخب" تجاه ذلك الكم الهائل من الكوارث الأنسانية، على أنها قدر يستوجب منا نحن العراقيين قبوله والتفاعل معه في حدود الممكن الذي يرسمه لنا المحتل و قوانينه وبرامجه وإجراءاته المفروضة علينا. وأن على النخب أن تجتهد من "أجل الوطن" لكي يتحقق التعديل والتصحيح والتوافق المطلوب والمرغوب من قبل الأدارة الأمريكية.. أيها الناس إن العراق بلد محتل .. وأن المحتل غزى وإستعبد وأستعمر ودمّر وقتل وشرّد ورمّل وهجّر وقسّم ومزّق وأغتصب وقبر وأدان وسجن ورهن وأحتقر وأذلّ وركّع وأستباح.... أفبعد ذلك كله يراد بنا أن نهادن ونقبل ونجتهد ونبرّر ونبارك ونفتخر ونضحك ونفرح... لا لن يكون.. لا لن يكون.. سنقاتل ونصلّي ونصرخ ونلطم ونشق الجيوب ونكتب ونغنّي وسنخرج أثقال أرض العراق بأضافرنا لكي ندكّ بها صروح الغزاة الطغاة المارقين...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |