|
الانتخاب والديمقراطية كونها "تـجربة"!!
سهيل أحمد بهجت نعم إنها حكومة جهلاء وجبناء ونائمين، وإذا كانت ثقافة حكومتنا ـ كأغلبية مسؤولين ـ لا تقتصر إلا على مبدأ: هذا لي وهذا لك .. هذا ربحي وهذا ربحك .. يجوز أن تقول كذا ولا يجوز أن تقول كذا وكذا.." فإن ذلك يُعد حقا مصيبة ووبالا على العراقيين أن يُبتلوا بحكام هم أبعد الناس عن الثقافة، وهذا طبيعي ما دمنا ننتخب على أساس الطائفة والقداسة والنضال القومي للبطل والزعيم الذي كان أبـــــوه يقاتل الأنظمة عبر الجبال، وكنت أتوقع أن أجد ولومسؤولا ونائبا برلمانيا يسألني عما أكتب وما أطرحه من مواضيع تمس الواقع العراقي، لكن يبدولي أن هناك هوة سحيقة بين المسؤول والثقافة والمثقفين. إن الخلل يعود إلى العقل الثقافي نفسه الذي يتحكم بالعراقيين، الذي أوصل هذه الحفنة من المغامرين إلى أعلى عليين، فهؤلاء لا ينظرون ـ وطبعا هناك استثناء ولكنه قليل ـ إلى المسؤولية كتكليف ثقيل وأمانة يجب أداؤها إلى المواطن الذي انتخب المسؤول وأوصله إلى دفة الحكم، بل إن مسؤولين كبارا وفي قمة الهرم لا يرون في منصبهم أي نوع من التكليف واستمداد شرعية من المواطنين، لهذا نجده دائم الحديث عن الشعب بصيغة التملك "شعبي" ويتجاهل كلمة "مواطن" و"فرد" كونها تحسسه بأن هناك مثيلا له بين الناس ولكنه يفضل عبارات كـ"الجماهير" و"أبناء شعبنا" لكي يشعرهم على الدوام بأنهم صغار بالنسبة إليه وأنهم "قطعان" وحفنة من ممتلكاته الشخصية، بالتالي فأقصى تواضع يظهر منه هوأن يتحدث عن "استفتاء"!! قد يشتم منه "عتابا" من الشعب، فمن الممكن أن لا يحصل بطلنا القومي هذا على 100% فيحصل على 97% فقط. من هنا نجد أن عقلية كهذه لا يمكن أن تقدم للشعب أي شيء وإنجاز وخدمة وستكون المصيبة كبرى لوتكرر انتخاب الأحزاب الطائفية والقومية ذاتها كونها أثبتت فشلها، وما يخشى هوأن أحزابا بعينها تجاهلت ولا تزال تتجاهل فتاوي المرجعية والرفض الواضح للنخبة العراقية المثقفة من استعمال صور ورموز الدين والمرجعية في العملية الانتخابية، بل إن قناة حزب من هذه الأحزاب تعلق دوما صورة المرجع الأعلى وراء كل مؤتمر خطابي لزعيمها. لا زلنا نربط بين الدين والمسؤول، والمصيبة أننا نقيس أهلية المسؤول وكفاءته عبر مسبحته ومظاهر التقوى ونقيس كفاءته بنضال أجداده وآباءه، ومن هنا كان تقييمي للتجربة السياسية في العراق سلبيا كون الديمقراطية تتيح لنا فرصة تصحيح المواقف، لكن آليات العمل سيئة وتفتقر إلى المنهج الذي ينبغي أن يكون مركزه هوالفرد وليس العشيرة والقومية والطائفية ولا حتى الأسرة، وكمثال فإنني لا أتوقع أن تنجح الأقاليم الكبيرة التي تتكون من أكثر من محافظة كون المدن في هذه الحالة تغرق في الروتين الإداري والبيروقراطية والشعارات، ولوكانت هذه المدينة وأقضيتها إقليما قائما بذاته لرأينا خطوات حقيقية نحوالأفضل وشعورا بالمواطنة والانتماء إلى المدينة. إن القومية والطائفية كأساسين لأي ثقافة كفيلان بهدم الدولة على رؤوس مواطنيها، فهاتان العقليتان قائمتان على "الصراع" ورؤية المواطن الآخر المختلف قوميا ومذهبيا على أنه امتداد لما هووراء الهوية الوطنية متجاوزا الحدود وبالتالي فهو"عميل" أكثر من كونه "مواطنا" ومعلوم كم سقط من ضحايا تحت شعار "العمالة" و"الخيانة" فكان البعث مثلا يقتل الشيعي على أساس أنه ينتمي إلى مذهب "فارسي" وهوعميل "الفرس المجوس" كما كان يسميهم البعث المجرم وموهما أيانا بأن "المجوس" هي صفة مشينة مع أن المجوس هم أحد أكثر الديانات الراقية وهادفا إلى مخاطبة العقل المتخلف ليقنعه بأن التشيع هو"مذهب إيراني عميل". علينا الآن أن نقنع العراقي بأن تغيير المرشح وتجربة أناس جدد في السلطة هوأفضل من الابقاء على هذه الطغمة الفاسدة وإن كان الذين سندخلهم إلى البرلمان أناسا لم نجربهم بعد، لكن هذه هي الديمقراطية، يصوت الشعب لأناس معينين فإن هم نجحوا فإن الأمور تسير بشكلها الطبيعي وإن فشلوا فإن الشعب يأتي بأناس آخرين لتنفيذ المهام المطلوبة منهم وهذا هوهدف الانتخاب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |