حصاد العمر (7)  .. لمحات من سيرة المناضل عبد الجبار علي (أبو هادي)
 

محمد علي محيي الدين
abu.zahid@yahoo.com

بعد وصولنا إلى سجن نقرة السلمان واستقراري هناك،التقيت بالعديد من الرفاق الذين أعرفهم وآخرين سمعت بهم دون أن أراهم،وكان السجناء قد نظموا حياتهم بشكل رائع وشكلت لجان عديدة لإدارة أمور السجن ،وتفعيل النشاطات الفنية والأدبية،وكانت نقرة السلمان مدرسة تخرج منها آلاف المناضلين الأقوياء والمفكرين والمثقفين،وقد تعددت اللجان منها لجنة الأرزاق والمالية والثقافة والفنون والرياضة ،وكنا نقيم ألاحتفاليات في المناسبات الوطنية والأممية ونحيي الحفلات التي لن تغيب أصدائها من ذاكرتي ما حييت،وقد انتخبت للجنة الفنية لحفظي الكثير من الأناشيد منها نشيد الأممية وأناشيد أخرى خلقها النضال الدائب للشيوعيين العراقيين أتذكر منها نشيد السجن الذي ردده آلاف السجناء السياسيين طيلة العقود الماضية لإذكاء نار العزم في نفوسهم ومواصلتهم النضال:

 من السجون تهفو القلوب في حنين واشتياق

 للنضال للكفاح مع الرفاق

 السجن ليس لنا نحن الأباة السجن للمجرمين الطغاة

 ولكننا سنصمد..سنصمد وأن لنا مستقبلا مشرق

 لنا الغد...لنا الغد...لنا الغد

 وكان من أحب الأناشيد إلى قلوب السجناء الشيوعيين والتي نتلوها عندما يطلق سراح أحدهم لانتهاء محكوميته ،لإذكاء روح النضال في نفسه ،ودفعه لمعاودة الكفاح والالتحاق بالحزب للعمل في صفوفه:

 يلرايح للحزب خذني وبنار المعركة ذبني

 بركبتي دين أريد أوفي على أيام المضت مني

 ومنها نشيد الجبهة الذي يدعوا لوحدة الصف وتشديد الكفاح والنضال لتحقيق الحلم الموعود في بناء وطن حر وشعب سعيد:

 جبهة الشعب وحدي كادحيه ووطدي

 كادحيه والجموع

 في سبيل السلام والخبز والعمل

 قد كفا الشعب ما أحتمل

 جبهة الشعب وحدي كادحيه ووطدي

 أما أغنية عالهودلية التي تحولت إلى نشيد ثوري أقض مضاجع الطغاة وأرهب الخونة والمستعمرين فكانت تردد في جميع الاحتفاليات ليتفاعل معها الجميع فيتحول السجن إلى كورس يردد:

 عالهودليه الهودليه ما أحلا الفرحه النه بهاي المسيه

 يا مرحبا ومية هلا بأم الجفل والعارضيه

 وكان معنا في السجن عشرات الشعراء والكتاب والمفكرين والفنانين أتذكر منهم خالد الذكر عبد القادر البستاني ،وشاعر النضال والوطنية الصادقة مظفر النواب الذي كان قطب الرحى في الاحتفاليات السجنية وكان يطرب ويلهب حماسنا بقصائده الرائعة التي تقابل بالهتاف والتصفيق وطلبات الإعادة،وكان نجم السجون وبهجتها لما توفر عليه من صفات رائعة جعلته في القمة بين شعراء الشعب.

 ومن أناشيدنا الخالدة هذا النشيد:

 يا جموع الشعب يا جيش الجياع قد سئمنا العيش في ظل الطغاة

 هذه آخر أيام الصراع فأذلوا الموت كي تزهو الحياة

 الى الأمام الى الكفاح الى السلاح للانتقام

 سلب المستعمرون الطامعونا خيرنا وانتهكوا أوطاننا

 وأقاموا حفنة من خائنين نهبوا الأرض ومصو دمنا

 إلى الأمام الى الكفاح الى السلاح للانتقام

 أيها العمال يا قلب الحياة نابضا بالعزم خلاق الوجود

 نحن شيدنا القصور الشامخات هل سوى الموت جنينا والقيود

 الى الأمام الى الكفاح الى السلاح للانتقام

أزحفي للنصر يا خير الجيوش وأغذي السير للفجر الجديد

لطخي بالوحل تاريخ العروش وابني جمهورية الشعب السعيد

الى الأمام الى الكفاح الى السلاح للانتقام

وكانت هناك تحركات داخلية وخارجية ومساعي تبذل من الحزب والقوى الوطنية والمنظمات العالمية لإطلاق سراح السجناء الشيوعيين وسجناء الرأي والفكر،وقد أزداد الضغط على الحكومة لتضييقها على الحريات واعتقالها المعارضين ،وكانت الأخبار تأتينا بقرب صدور عفو أو إلغاء سجن النقرة الذي تجد عوائل السجناء صعوبة في الوصول إليه،وأغلب العائلات لا تستطيع مواجهة أبنائها لبعد الطريق وخطورته وقسوة السجانين الأشرار،وفعلا صدر الأمر بنقلنا الى سجون أخرى، وفي يوم ما بلغنا بضرورة التهيؤ للنقل من سجن نقرة السلمان فحملنا في سيارات مشبكه خاصة بالسجناء ترافقها سيارات الشرطة المحملة بالمسلحين،ونقلنا مع عفشنا الى السماوة ومنها الى سجن الحلة حيث ألقينا الرحال هناك،وكان سجن الحلة متميزا عن السجون الأخرى بوجود أدارة فيه أقل ما يقال عنها أنها قيادة حسنة تتعامل مع السجناء وفق أسس وقواعد راسخة وتقاليد ثابتة فرضها السناء الشيوعيين طيلة سنوات النضال فكان السجناء ممثلين في أدارة السجن من خلال سجين منتخب يقوم بالاتصال بالإدارة لرعاية شؤون السجناء وتوفير احتياجاتهم ،وكانت المواجهات منظمة وتجري باستمرار وسياقات ثابتة ،ولمنظمة السجن اتصالها بالحزب وتنظيمها الملتزم،وقد شكلت لجان عديدة لإدارة العمل اليومي في السجن مثل لجنة الأرزاق والمطبخ ولجنة النظافة واللجنة الفنية واللجنة الثقافية وغيرها من اللجان التي تناط بها أعمال ثابتة عليها الوفاء بها وانجازها وكنت حينها في اللجنة الفنية،وكان السجناء وجلهم من الشيوعيين من ذوي المواهب والكفاآت المثقفة لذلك كانت احتفالياتنا متميزة ونشاطاتنا كبيرة فالدروس اليومية لتعليم الأمية لغير المتعلمين ،والدراسات الأخرى في فنون المعرفة المختلفة بما فيها تعلم اللغات الأجنبية من قبل أساتذة أكفاء لهم شهرتهم في هذا المجال،أتذكر منهم رفاق عديدين أمثال الشاعر الكبير مظفر النواب والصحفي الكبير جاسم المطير ونصيف حجاج وعقيل حبش وحسين سلطان وحسين ياسين وحافظ رسن وكمال كمالة وجدو وفاضل حسين وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة باستذكارهم،وكانت لجنة السجن تعمل بجد ونشاط لتوفير الحياة الكريمة للسجناء،وكنا نصدر صحيفة في السجن يسهر الرفاق يوميا لالتقاط الأخبار ويقومون بكتابتها باليد وتوزيعها على القاعات ويسهم في تحريرها صحفيون متمرسون من رفاقنا السجناء،وكان لنشاطاتنا المستمرة أثرها في أعادة الأمل للسجناء في الخلاص من السجن والتطلع للغد الآتي بما يجعلهم مشدودين أكثر لعملهم النضالي وكفاحهم من أجل الوطن والشعب.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com