|
الدعوة .. على
مفترق الطريق
سهيل أحمد بهجت إذا قلنا أن الأحزاب هي كالبشر من حيث أنها تولد وتعيش ردحا من الزمن ـ طال وقصر ـ ثم تموت، فإننا لن نجافي الحقيقة ونكون أيضا قد وضعنا أيدينا على جانب من الحقيقة، فالحزب إذا ما كان فعلا نظاما سياسيا يجمع فئة من الناس على فكرة يؤمنون بها ويريدون أن ينشروا فكرتهم هذه التي جعلت منهم ينشئون هذا الحزب فإن التسمية تكون مطابقة للواقع والحقيقة، ولكن حينما يكون هذا "الحزب" هومجرد واجهة لمجموعة من اللصوص والحرامية وطالبي العلووالتكبر على المواطنين، فإننا ندخل إلى عالم آخر، فالعنوان "حزب" كونه مؤسسة سياسية هونقيض لتطبيق المشروع على الأرض، أي جعل عنوان الحزب نفسه وسيلة للنهب والسلب والتحكم بأمور الناس والهيمنة على الخزينة الكبرى (الدولة)، وحينها يبدأ الحزب في أن يتحلل وينهار ويشيخ وينتهي إلى ما انتهى إليه البعث والشيوعيون والقوميون. من أولى المواقف الخاطئة هوأن الحزب رفض عملية تغيير النظام بالقوة العسكرية عام 2003 وكان الحزب يعول على التغيير من الداخل، وهوتغيير كان من الممكن أن يحدث قبيل قيام الساعة، وهوبنظري لم يكن موقفا قائما على دراسة سياسية بقدر ما كان موقفا عاطفيا منسجما مع سياسة إيران التي تتبع سياسة "وهابية" في دولة "شيعية"!! وكان من الممكن أن تحل الكارثة بالفعل بالعراقيين لوأن الرئيس بوش وإدارته قرروا الإبقاء على صدام في ظل معارضة ضحاياه، وهذه في رأيي من إحدى كبائر الحزب. الأمر الآخر هوأن الحزب لا يزال يحتوي في داخله برامج متناقضة قد تشوش على ممارسته السياسية في بلد ينتظر من أحزابه الوطنية الكثير، فلحد الآن يمتلك الحزب صورة مشوشة عن الدولة العراقية ونظامه الديمقراطي العلماني، فلا نعرف هل أن الحزب يقف مع تلوين الدولة العراقية بلون ديني قد يهدد وحدته بالتمزق، أم يفتح أبوابه أمام اللصوص القوميين ليفتتوا العراق وهويته القائمة بذاته؟ أسئلة لا نملك جوابا واضحا عليها ولكننا نحاول طرح هذه الأسئلة حتى يقوم هذا الحزب بدراستها فكريا ويعطينا برامج سياسية تلتزم بوحدة العراق وحرية مواطنه وبناء نظام علماني ـ بمعنى دولة حيادية وليست عدوة الدين كما يتوهم البعض ـ لأن حزبا كبيرا كالدعوة الذي نرى قوته رغم كل الانشقاقات الفكرية، وهذه الانشقاقات على خير تعطينا أملا بأن هذا الحزب لا يزال يؤمن بالفكرة والكلمة. نعود لنقول أن في الدعوة جانبا دينيا متزمتا لا بد من الانتباه له، فإذا كان عضوفي قمة الحزب يستشهد بكلمات السيد الخامنئي ـ الذي يتزعم دولة أخرى ـ فإن هذا يشكل أحد أسباب تحول الحزب من الحالة الوطنية إلى الحالة الطائفية، فكان يمكن لهذا العضوالبارز "المعمم" أن يستشهد بمراجع ورجال الدين آخرين من العراق ليجعلهم قدوة له بدلا من الاستشهاد والاستئناس بآراء الخامنئي الذي يحرض على العنف يوميا في العراق ويثير زوبعة من المشاكل للعراق الجديد بعد أن كان أخرس في عهد البعث. مطلوب من الدعوة ومن الأحزاب الأخرى أن تتخلى عن العقل الأيديولوجي الذي يريد بناء الدولة "المثالية" والتي تنتهي دوما إما بدكتاتورية الفكرة والمستبد الدكتاتور، وحزب قدم كل هذه التضحيات ينبغي عليه أن يتخلى عن التفكير بعقلية المعارضة بعد أن أصبح هوركيزة من ركائز السلطة وأن يتخذ قرارات شجاعة ومنسجمة مع بناء عراق قوي ديمقراطي مواطنه حر ومكرم وبالتالي عليه أن لا يعطي الأولوية للتحالفات السياسية على حساب العراق والمواطن العراقي، فلوضحى السيد المالكي بمنصب رئاسة الوزراء نفسه في سبيل إيصال العراقيين إلى شاطئ الأمان والدولة الديمقراطية فذلك أفضل من تحالف يبقيه في الحكم ولكن في بلد مــدمر ومليء بالصراعات الطائفية والقومية وفقدان الخدمات ومعانات المواطن من فقدان السكن والصحة والسعادة، فحين ينجح المالكي وحزب الدعوة في أن يحققوا اقتناع العراقيين بمواقفهم الوطنية فذلك هوالربح الحقيقي الذي سيجعل الشعب يقف إلى جانبهم وليس كما نرى ونشاهد الآن من معاناة المواطنين بينما المسؤولون في نعيم وبحبوحة ورغد العيش. أخيرا أدعوا وأقترح على الدعوة أن يتخلوا لا عن دينهم ولكن عن تسييس دينهم وأن يسموا حزبهم "الدعوة إلى الديمقراطية" كون اسم الحزب يمثل الخطوة الأولى نحوالتغيير الشامل وبالتالي يستوعب الحزب العراقي المسيحي واليزيدي والصابئي المندائي وحتى الملحد، فنحن نعيش في عراق هوأكبر مما تتصوره عقولنا الصغيرة، هذا الانطلاق سيكون الانطلاق الحقيقي نحوالدين الفلسفي الذي يتجاوز الطقوس نحوماهية الإنسان وإعطائه أجوبة على تساؤلاته المشروعة وأن أقدس المقدسات هوالإنسان.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |