|
ومن أنا لأخيب ظن العدم؟ .. (محمود درويش يرحل دون اعتذار)
بسام مصطفى فلسطين أرض البرتقال والليمون وقصص الجدات الحزينة. فلسطين القصة الأكثر ألما التي تتجدد كلما تكاثرت الأيام والشهور والسنين. فلسطين الجميلة ببياراتها وبيادرها وبحرها وماءها وسماءها وجبالها وشهدائها ووديانها ونسائها وزيتونها وأشجارها و...شعرائها. هي أرض مباركة وترابها يحكي عن أثر الأنبياء والأولياء الصالحين والقديسين. قبل 63 عاماً حلت نكبتها المستمرة يوما بيوم. ومنذ ذلك الحين كان أبنائها المتيمون بحبها ورائحتها يغزلون الأمل وينظرون إلى جهتها بعيون ملئها الانكسار والحنين. منذ 63 عاماً ومليون جرح وألف ألف شهيد وقضية فلسطين كانت للبعض من الأقربين " هدية إلهية" غطوا بها عوراتهم ومارسوا تحت جناحها وباسمها موبقاتهم. لكن أبنائها الشهداء والأحياء عاشوا وماتوا لها وكان لها أن تثمر عن شعراء سموا بشعراء القضية والمقاومة والثورة غنوا لها بموت يشبه الحياة إلى الرمق الأخير من حياتهم. محمود درويش أو م ح م و د د ر و ي ش كما ينبغي كتابة الاسم كان واحدا من شعراء الأرض والقضية والمقاومة بل و أبرزهم.. وهو عايش الألم والجرح الفلسطيني حتى رحيله الذي غافلنا به وتركنا يتامى ووحيدين دون أن يعتذر ويكلف نفسه عناء توديعنا فهو لا يعتذر أبداً عما يفعله. وهذا النحيل الجميل كان شاعر الإنسان والروح كذلك فهذا الفلسطيني ذو القلب الرقيق وقد صادق الألم كأخ بات يرى ألم الإنسانية كلها والشعوب القريبة والبعيدة ومنها شعبنا الكردي وقصته الطويلة مع الأحزان والآلام. عاش الطفل محمود ذو السبعة وستين عاما ومات وحيدا دون أن يشرك أحداً في حياته سوى قهوته وتبغه وأنينه وأحلامه المتقافزة بين سطور قصائده ودواوينه. حمل فلسطين في قلبه أينما حل أو أرتحل. وحين تذكر البروة الصغيرة وبرتقالها وهو على سرير المرض لم يتمالك قلبه الرقيق طعنات الحنين والاشتياق فمات هادئا كما كان دائماً وهو يزرع بذور العاصفة. ترك محمود الجميل والأنيق كل شيء وراءه ورحل: فلسطين، الجليل، البروة، البرتقال، بحر عكا، المنافي، الأصدقاء، الحب، قهوته وتبغه ونظارته و...قصائده...لكنه أبقى لنا الأمل مشرعا جناحيه كسنونوة طائرة نحو الاتجاه الأخير. لكن هل صحيح أن محمود مات؟ هل تموت الآن الكلمات والمعاني والأحلام البسيطة البريئة الزاهية؟ لو لم يكن المرض بقلبه لما صدقت انه قد مات. لكن قلبه الصغير كان قد اخبره بموته والقلب لايكذب. محمود درويش الرشيق كغزال بقى وفيا للكرد حتى النهاية وقد أهدى إحدى قصائده إلى صديقه في الشعر والحنين والألم إلى" الفتى الكردي الخجول" سليم بركات بعنوان" ليس للكردي إلا الريح". وسليم الكردي كان قد كتب لمحمود واحدة من أجمل قصائده في مجموعته " البازيار" في عام 1989. القصيدة بعنوان" محمود درويش" وشيء ما يوجب قراءتها الآن وهنا: محمود درويش 1/ المكان بحسب انشغالاته أ-وصف الريح: غد يمضغ اللبان كصبي نزق، فاتحا أزرار قميصه الكشمير تحت شجرة الاكاسيا. وهو-كأي غد- نحيل وهادىء، وفي التفاتاته، بالناظور الذي يرفعه إلى عينيه مستجليا، رقة حوذي يسرح جياده. لكن القلم المعدني-الذي يسقط، فجاءة، من بين أنامله، إذ يدون كالمساح فتور المشهد، والزوايا المشتبكة بالقبل المشتبكة-يرتطم بالأقدار، مجلجلا بصدى يصل الأعماق بأدراجها، فتصعد الريح. ب-وصف الظلال: بيقين شاحب ترفع الظلال سراجها الشاحب في الأنفاق ذاتها التي تنتحل الحياة فيها أشكال المنتظرين، والحقيقة تختلس من خزائن الحقيقة عصا الأعمى وقفازي المهرج. فإذا تعثرت الأبدية بحقائبه المركومة على الادراج فلتعتذر، لأنه ينسج المشيئة على صورتها. وبتوقيت الأبدية الذاهل، الذي تتدلى منه أثداؤه النورانية، يضرب الموعد الأول مع المصائر، هناك، تحت الشجرة التي يعض النهار على حنينها بأنياب من الكافور. ج-وصف الشرفة: قضبان رقيقة من المعدن-مطلية دون مهارة-تقطع الطريق عرضا، لتسور الأرض بامتلاك لا نزاع فيه. وهي باردة قليلا ذلك النهار الممسك بلجام الساعات التي تمسح بالشحم عتلاتها الإلهية؛ وساهمة في الهبوب الخفي لأنفاس الاضاليا على نعاس الهواء. وثمت- في اقتراب مرح- عصافير تطحن الهواء ذرورا على ريشها، متفتحة كترف يبلل المعدن الصامت. أما القفل المتدلي من سلسلة تطوق القضبان، فالأرض وحدها تصغي إلى نبضه الدافىء، وإلى فتوره الذي تستعير الجذور منه مهاراتها. د-وصف المصعد: للمكعب الحي، في ردهة الاسمنت العمودية، دوائره المجلجلة، ومثلثاته التي تخمن الشهوة القادمة مع الزائرين؛ ولجدرانه نشيدها المرتل، صعودا وهبوطا، بأفواه من أنابيب وأسلاك. وهو يتكتم-بحسب فراغه المتكتم- على قاطنيه العابرين، تاركا لأنفاسهم وحدها أن تسرد الحمى، وللعطور الشريدة أن تموه الجهات. لكنه يرشد القلق إلى عتبات الأبواب، بجمال العبث الذي في خلجاته الآلية، فيقرع الثقل سكون الثقل، ويصغي الظلام- من الكوى- إلى الضوء الذي يترنح في سعاله الطويل. ه-وصف الردهة الخارجية: مدعستان، ونهاية درج. أعقاب لفافات تبغ قديمة نجت من مكنسة الخادم، التي تركل الورق الساقط من الأصص بخفيها المثقوبين. وتمتمات كثيرة نسيها الداخلون والخارجون. تتشاحن بلهجات تقضم أظافرها، في انتظار الخطى التي ستفتح الباب. و-وصف رواق البيت: طليقة رسوم السجاد. والتصاوير، على الجانبين، تتصيد بشصوصها رفاهة اللون، كأنما ناظر ما، وحيد في هموم ترتجل أناقتها، سيرفع قلبه محييا، وعيناه تتسلقان ستارة الأبدية. ز-وصف البيت: الغرف تتناظر. الأرواح تتناظر. الشبهات القوية تحوم حول أصص النبات في الزوايا. والرفوف الثقيلة تسهل، خلسة، عبور الكلمات من كتاب إلى آخر. أما الأصداف المنضدة، كزينة، قرب الأرائك، فهي فكرة الماء المتكتمة على لوعتها. وما من رماد لفافة يسقط في منفضة نحاس إلا يتبتل، كأنه ينكفىء على مذاهبه ليهيئ النحل. وثمت حقائب أيضا، وأشباح حقائب تتأمل خرائطها اللهبية، مفتعلة جدالها لتلفت الداخل إلى أن الممكن، وحده، هو الساهر على فتوحه الممكنة. 2/ مشيئة تؤلف المشهد أ-محبرته: أيتها الحمى الأكثر شرودا؛ أيتها الحمى ذات المكاييل التي يندلق منها الصعتر، ضعي ساقا على ساق في مقعدك العالي، فالواقف في الحلبة، بظله الذهبي، سيطيل الوقوف حتى تخرج الأعمدة عن طورها، وتنهض المدرجات إليه مهرولة بالجالسين عليها. والغبار سينفض عن قبعة الغبار، بفرشاة من الألق، سهر الأقفال، وستتماوج المراوح الأنيسة حيث تلتقط الفتنة من أيدي الأميرات زبيبها، لينشغل الموت الخفيف بالتقاط قطنه المتناثر، فالواقف في الحلبة يسند الأعالي المهدومة براحته الأكثر رقة بين الراحات، ويعذر الغد الذي يعتذر إليه كبستاني أهمل الحديقة. أما التواريخ التي تتعارك قرب محبرته، كرعاة تداخلت قطعانهم، فلا تلبث أن تعود إلى قيلولتها. ب–علبة تبغه: من سيعبث بالنشيد أكثر حتى تتعثر الريح، ويحضر الغمام أزاميله؟ من، لفافة لفافة، في الثقل الممسك ببوقه، يحرق الستارة ليرجع الممثلون إلى المقاعد التي سرقت؟ ذهب أثيري يتماوج صاعدا أعلى فأعلى، والدخان الذي يخرج ناعسا، بدفع خفيف من شفتين ناعستين، يصرف الملوك، كأنما-في خلوة الأقحوان-يوزع الواقف النحيل إماراتهِ. ج-قهوته: فليدخل النهار المزمجر برهبانه الجاحدين؛ بدلافينه، وبالحركة الحنونة لأذيال النمور. فيلدخل مشتتا يجر كرسيه النوراني، أو مذعورا كغزالات يقفزن عن السياج العالي للحقيقة العالية. فليدخل النهار مغلولا في سلاسل البن، يتقدمه المغيب إلى حصار النبوءة. د-كسله الصباحي: كتابا كتابا يفتح الجدار ذو الرفوف عينيه، والستارة التي تنزاح، في خفقات تؤججها يد كسولة، تحرر الشجر العالي، وتطلق سراح الأبنية. وثمت من يلم، بعد ذا، ما نسيه الليل على الأرائك من مجاهل، وحروب، وحلى، وفوانيس، وحبر، عائدا بها إلى سريره الذي تناهبته المجاهل، والحروب، والحلى، والفوانيس، وتمدد عليه الحبر في غلالته الشفيفة. ه-سيرة قلبه: تمالك، أيها الحريق، نفسك وأنت تنشج نشيجك العالي، إذ يجعلك الألم ممتنا للأليف الذي فيك، وللشفافة المحبوكةِ بقبل تسهر عليك سهرها الفاتن. واتسع في هدوء، فالمكان لك بطنافسه، وآجره، ومواثيقه، وسعاته، وكمائنه التي تلتمع كأسنان ذهبية. ولك الهواء المدحور في المعركة، وتراجع العاشق، والجرحى الذين يتوسلون الضربة الأخيرة من الجرحى؛ لك أيها الحريقُ؛ لك، أيها الحريق.. حين الأبعدُ يرتجل فراساته، مرسلا صقوره ذات الأطواق إلى المشهد، ليشير العائدون من القيامة بأناملهم هامسين: "يا للقيامة". و-نظارته: في كل ركن من خزانة الثياب نهار متنكر. وعلى المائدة- قرب قارورة الخل- شروح وبسالات خلفها الزائرون. وثمت مجاهل رشيقة تتأمل زينتها في المرآة، وسير ممتزجة برائحة دهان الباب، وعناقيد ثوم تلتقط فراشات الطهو الشاردة. وهو إذ يتلمس نظارته يتلمسها لا ليرى هذا كله، بل ليلقي نظرة على شبحه الباحث، فوق السرير، عن قمصانه التي تبعثرها الأناشيد. 3/هو، في الأكيد ذاته.. صخبه صخب الزيزفون. جهاته جهات الزيزفون، وحدته ما يعتذر الورد به إلى الورد، والمكان حجل في يديه. وحيث يتكىء بمرفقه على الوسادة تتكىء الفكرة أيضا، منشدهة بالرحيل الذي فيها. فإن أسرت إليه مصباته بالغمام المجلو تحت سيوف الرذاذ استشرى، دافعا بأقواس قزح إلى المنابع، وهو يطعم المدائح-المتزاحمة كالسمانى على حقلي منكبيه- من أقداره. وبانقضاض كالنعمة يأخذ الممرات إليه، كأنه-هو-من ستسرده الحديقة على مواجعها، ومن سيرفعُ الخفقة الأقوى إلى الجناح الأقوى. وبانقضاض كسكينة المعركة سيحرر الليل من ظنون الحقيقة، وهو يلف مئزره على الخنادق، كأن الخنادق أطفاله المستحمون. أما الفراشات، التي تسور الحبر بأسلاك من يقينها، فهي صفقته الأخيرة. وصخبه-بعد هذا-صخب الشعاب ينهبها المنهوبون، مسحورين في سطوعهم على الألم الساحر. وبالذي فيه من نايات الرخام، التي تتقدم السكينة إلى ميراثها، يطوق الخرائب المتألقة في غضبها. والألق ذاته الممسك بفرشاة الدهان ليرسم مآذن العشب وقباب الندى. ويدل الشهود، الذين يجرون الشهود من الأكتاف، على المشهد، ماسحاً زجاج نظارته من ضباب المكيدة، ليبتسم أكثر: فالمذابح تتأمل- مشدوهة- حنينه الضاحك. وما من خندق في خلجاته إلا يحمي المعجزة من فتنتها، كأنه سيذهب بالمكان أبعد مما يسع المكان، وبالدوي القادم إلى كل أكيد. وهو يشرف كنذر- من الحقيقة التي تتسلل إليها الحرائق ممسكة بمقصاتها القوية- على كمائن البعيدـ ملهما رقباءه الفرانين أن يخلطوا الحروف بالأرغفة، تاركا قلبه-الذي يلتهم البروق فاجعة فاجعة – للكمين الأكبر، حيث تكتم الأناشيد أنفاسها لئلا يجفل الحبر، ويتمزق المساء في دروعه. وحينا بعد آخر، إذ تتأمله الحدائق، يغضي، مصغياً إلى الحياة تحفر بأناملها المسلوخة خندقا لدهاتها المكشوفين. يا لشؤونه، إذاً- يالشؤون تعبث بالعاصفة، وتداعب الينابيع التي تتقافز كجراء سلوقي بين متاريسه- كم يجلسان متقابلين يرمي بنرده على المنضدة وترمي بنردها؛ كم تجلس التواريخ بينهما وهي تجفف بأنفاسه ذؤاباتها المبلولة! وهو إذ يميل في مجلسه ليداعب الفهود النائمة قرب يقينه، ويمسح بقميصه السلاسل المشدودة إلى المياه، يلتفت إلى المشيئة في قفطانها النيروزي هامساً:" عمي صباحاً". فلا تتأففن أيها الصباح إن زجك في الملهاة، لأن البطولة التي تتأبط برسيمها وخوصها ستحييك من المجازات الأسيرة في رئتيه، ومن الشفق النازف لوعة لوعة في الأكيد العالي، الذي يدحرج الشهداء فوق حريره خوذ الموت المكسورة. وهم شهداؤه، على أية حال. هم شهداؤه الأكثر اقتحاما للموت بمداحلِ الآجر. والبيوت التي يعبرون ساحاتها، شاردين في حنينهم، هي سلالمه الكبيرة إلى المديح. فلا تتأففن إن زجك في الورد، وقيد المساء على كرسيه، لأنه سيطلق الأمكنة من تعبه الشفيف حرة إلى هذيانها؛ حرة إلى آخر الألم، أنيسة، تتماوج كأعراف الديكة وهي تستعرض المغيب المتخبط كحنكليس في شباك الفجر.
يا لهُ؛ يا لشؤونه؛ يا لصرخة الكرز المكتومة في الفيء الذي يتقاسم قلبه سهلا سهلا، ومدارج مدارج؛ يا لنا، كم سنناديه في الحكاية التي تناديه وقد أثقلها العابرون برمادهم العابر. كم سنقاسمه النهب الذي يمسنا بأقراطه حينة ننحني مقبلين فم الحياة الأبعد، هامسين:" جر رداء الخواتيم إليك، وتلمس بأناملك الحرة هذا الألم المشدود كجلد فقمة، فربتما سهرت كسهركَ الخساراتُ، وحاكتك المصائر فبعثرت إوزات الخزف المنضدة على رفوف الغيب. واستدر رخيا من مكانك الطليق فللبحر قربك أنينه الطليقُ". يا لنا. إنه يجمع المغاليق في يديه كما يجمع القلق القرائن، ويخطو خطواته العنبية إلى بيانه، مقتفيا أثر الموت الذي يجازف بنفسه حين يلقي بها في الحقيقة. وهو لا يعبأ، في عبوره، بالمشهد المستعاد كبرهان، فالحروف تنكل-على أية حال-بالمواثيق. وفي وسعه أن يلتفت من المحكم إلى المحكم، حيث النهار كراء نوارج، والتماثيل تهيم على وجهها في شحوب الحدائق؛ حيث المعجزة تتسول أبدها من الغرقى، والطيور ترقد تحت الأقنعة. إيه، في وسعه أن يتقرى المفاتيح الكبيرة التي تذوب في الأيدي، وأن يجر الغبار المحتشم إلى لهو محتشم، فالمعادن خائبة، والضياء المسعور ضياء مسعور، والجعبة الخلقة تتساقط منها السهام والأحابيل. أما البقية التي من رجاء فهي، أيضا، هناك ببركة الصرخة، مبتلة بالحليب المندلق على اللحى، والنبيذ المهرق فوق الأحذية. وفي وسعه أن يطوق الساعات الرطبة من أثر الأنفاس، تلك المغزوة بفحولة تستقصي الثمرة المهملة، ويمسد الحمى الذهبية حيث الأساطير تدخل مرتعشة إلى نصرها البارد. إي ييي ييهِ، قسم المياه عليه، قسم الحظوظ عليه أن يهيىء البعيد لبطش البعيد، متكئا بمشاغله على الألق الذي يغور، عميقا، في جمال منكوب. قسم الملهاة عليه أن يرث الريح التي تتقاذف الكمال الموحش قلعا قلعاً كأنما- في الحنين الذي يتجرأ على كل شيء-لنحيل واحد، بأزر من السنابل، أن يضلل الريح.
..ومن كمثله سيدلل الفكاهة حتى لكأن الجهات درهم يتقاذفه الشحاذون؟ أنيس في الصخب الأنيس، ولاقترابه العيار دعابة السارق الذي لا يأخذ من الكنوز إلا تواريخها. وهو يُحصى قدرا، قدرا، بالحساب الفاتن للعنب، ويعد على الأصابع ذاتها التي توقظ الفروق. فلا تتبرجن له المواثيق، لأنه عاكف على هذيان الماء، مندفعا-بانسكاب لا يمس- بين الأغاني، ومن حوله حمائم الآجر التي يلتهمها اليقين؛ من حوله العظام المنسية تحت وسائد الملوك، والحقيقة المنصتة إلى صقورها العمياء. أما الملهاة، ذات الأوداج المتورمة من النفخ في الأبواق، فهي تقفز من محبرته كسرعوفة حين يحصى جمعا جمعا، بالحساب الفاتن للوحدة، كأنه استثنى نفسه حين عدته الأرض على أصابعها التي توقظ الفروق. كأنه، أين؟ ما الهبوب القيوم؟ إنها المسافة تأتيه مختبلةً لتتقوض في جَمَالها. 4/5-7/6/1989 ما المكان الأسير حين تأخذ في يدك الريح صوب مفاتيحها؟ ما الصدى؟ ما الحكاية، ما نزفها؟ ما الأنين الذي يتهادى بسلطانه في هوى الحبر؟ نهب صغير يخبىء للورد رائحة البن في سهر قاد هذي الحديقة إلى حيث يشكو الصباح انه لم ينم في يديك اللتين اغتلى فيهما ذهب لم ينم، فأعدت الحديقة إلى وردها، وسرقت من العتبات الرقيقة شعاعا له قسمات المكان، وأرخت للترف بالذي أسرتك البراعم في ظنها. أي ظن سيلقيك في شبهات من السعف كي يرى من أعاليه انك أشفقت أن تنثر الريح أكبادها في يديك فآويتها، والتجأت إليك؟ أي ظن سيأخذ وسعك؟ برق على زنبق أو عسل يتلمس إنشاده ويغير عليك بشقيقاته يتهتكن مثل القبل فأنتهب ما تشاء. المكائد من الق، والحريق الأمين يعيرك كتانه، والهبوب الذي أنت فيه هبوب السنونو.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |