كيفيات محنتنا...!

 

د-مراد الصوادقي

alsawadiqi@maktoob.com

إن أركان الضياع            بين تفكيرٍ وبحثٍ

وقراءات امتناعٍ                 وكتاباتٍ كنكثٍ

 على مدى قرن ونصف ولا زلنا نتساءل لماذا نحن نعيش محنة التأخر واضطراب التفاعل مع المتغيرات المعاصرة، ولماذا لا نواكب ونبتكر ونكون مثل الدول التي أحرقت المسافات وتصدرت المسيرة الدنيوية، رغم امتلاكنا لأرث حضاري كبير وقدرات تراثية ذات قيمة ميدانية في الحياة. وقد جاء رواد النهضة بما طرحوه من الأفكار والرؤى والتصورات التي تركزت على محور واحد وهو الاستعمار وإلقاء اللوم على الآخر. فأمضينا قرنا كاملا ونحن نئن من سراب الآخر وتداعيات هو, وما من أحدٍ فينا نظر إلى الذات العراقية والعربية وحاول أن يشير إلى الأسباب الرئيسية ويجد الحلول ويؤكد خارطة الطريق المثلى نحو الدخول في عالم المعاصرة والتفاعل الإيجابي مع الحياة, مثلما فعل أبناء الأمم والشعوب الأخرى .

ويمكن تلخيص عناصر المحنة العراقية والعربية بمفردات أربعة هي:

 أولا: كيف نفكر

إنما أنت بفكرٍ    دون فكرٍ لا تكون

وبعقلٍ فاعل تزهو الحياة كالغصون

ذهب العقل لبهت   فسقطنا بالظنون

 التفكير عندنا يستخدم لتسويغ الفعل المنفعل وتجهيل العقول وتصحير النفوس وإفراغ الأعماق من مفردات واقعها وحشوها بعناصر السراب والأوهام والضياع. فما هو منهج تفكيرنا، وما هي خارطة رؤانا؟ ويمكن القول بأننا نرى القدح نصف فارغٍ دوما ونهتدي بيأسنا وعجزنا وقنوطنا.

إن ما نفكر به يكون حولنا، وواقع حالنا ينبئ عن تفكيرنا ويقدمه واضحا للآخرين. وخلاصة القول أن الانفعال سيد تفكيرنا والدخول في معضلة الماضي هدفنا ونكراننا للواقع المعاصر والمستقبل هو شرعنا, أما البحث في آليات تفكيرنا فيحتاج إلى صفحات.

 ثانيا: كيف نبحث

ابحثوا فيها بعلمٍ     إنما البحث الحياة

أمم الأرض استطالت ببحوثٍ للسعاة

 هل نجيد مهارات البحث العلمي والتفكير العلمي؟

العالم بأسره ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين قد اتخذ المنهج العلمي أساسا لبناء المستقبل . وبسبب ذلك حصل التطور السريع في الحياة وعلى جميع المستويات. وقد قامت الأمم والشعوب بالعمل الجاد والحثيث على تعليم أجيالها مهارات البحث العلمي، وحضّرت عقولهم ونفوسهم لكي تكون متأهبة للابتكار والإتيان بالجديد الذي يمنح القوة والقدرة على التفوق والانتصار.

فهل نحن نعرف مبادئ البحث العلمي؟

مدارسنا تخلو من هذا السلوك الحضاري إلا فيما قل وندر, وعقولنا خالية من خارطة السعي نحو المعرفة والوصول إلى أجوبة ذات قيمة فكرية وعملية لمشاكلنا من أصغرها إلى أكبرها. وهذا يظهر واضحا في كتاباتنا وطرحنا المتواصل في الصحافة المتنوعة. فترانا نسعى نحو الضجيج وننأى عن الكتابات العلمية ذات القيمة البحثية والفكرية.

 ثالثا: كيف نقرأ

اقرؤوا فيها وكونوا       فالنداء جاء اقرأ

إن إشكال رؤانا    كيف نقرأ، كيف نقرأ

 القراءة مهارة وفن، والأمم والشعوب تعلم أبناءها أصول وقواعد القراءة منذ رياض الأطفال وعلى مدى المراحل الدراسية. لأن الذي لا يعرف كيف يقرأ الموضوع أو الكتاب فأنه لا يمكنه أن يفهم ما فيه وبهذا تكون مجالسته لأي كتاب عبارة عن مضيعة للوقت وتفاعل سلبي مع الكلمات. ولا يوجد في مدارسنا درسا واحدا يعلمنا كيف نقرأ.  ولا أذكر في دراستي الابتدائية والثانوية والجامعية والعليا أي درس بهذا الخصوص إلا مرة واحدة جاءنا أستاذ ونحن في الجامعة لسد شاغر فقدم لنا محاضرة بعنوان كيف نقرأ فاندهشنا من العنوان ومن الموضوعات التي طرحها، فوجدنا أنفسنا قياسا إلى ما قدمه من قواعد وأصول للتفاعل ما بين الكلمة والمكتوبة والعقول, بأننا لا نعرف القراءة! وأذكر أن أحد الطلبة الأجانب كان معنا في الكلية، وكنا جميعا نقضي وقتا طويلا في الصفحة الواحدة وكان هو يتصفح الكتاب بسرعة ويأخذ خلاصة أفكاره, وبرغم أننا كنا نبذل وقتا أطول منه في الدراسة لكنه كان متفوقا علينا، وكنت أحاول فهم طريقته في القراءة، ووجدتني عاجزا عن التفاعل مع الكتاب مثله، وعندما سألته كيف يقرأ، نظر إلي بدهشة وهو يقول : ألم يعلمونكم في الابتدائية كيف يكون فن القراءة وقواعدها, وأخذ يشرح لي أشياء لم أتعلمها في دراستي. إن معرفة مهارات القراءة تزيد الإنتاجية وتنمي العقل وتطلق الأفكار, وفي عالمنا العربي والعراقي، أجدنا في بعدٍ عنها, ولهذا ترانا لا نعير اهتماما للمكتوب سواءا في كتاب أو صحيفة، إن لم يكن مشحونا بالصراخ والغضب والانفعال لكي يشدنا إليه.

 رابعا: كيف نكتب

قد كتبنا بانفعالٍ         وبعقلٍ هل كتبنا

ليت أفكار حياةٍ          بيراعٍ قد وهبنا

 لا زلنا لا نمتلك المهارات الكتابية اللازمة لصب الأفكار على السطور بوضوح وخبرة عالية ذات قدرة على توصيل الفكرة إلى الآخرين. فما تعلمنا فنون الكتابة وأصولها ومهاراتها التي يتعلمها ويتقنها أبناء الدول المتقدمة في مراحل الدراسة المتوسطة والثانوية. وأصبح امتحان الدخول إلى الجامعات فيها مبنيا على ركنين أساسيين هما كيف تفكر وكيف تكتب، أي أن تضع أفكارك في كلمات مكتوبة وواضحة الدلالات. ولهذا صارت مادة الرياضيات واللغة الركنين اللذين يتم الاعتماد عليهما في امتحان الدخول للجامعات في الدول المتقدمة. فلا بد للطالب أن يكون متمكنا من مهارات التفكير والكتابة لكي يستطيع أن يتفاعل مع البرامج الجامعية المتواصلة من أجل تنمية قدراته الفكرية والتفكيرية والتعبيرية.

وبسبب عدم قدرتنا على توصيل أفكارنا إلى بعضنا ينتصر علينا الغضب والانفعال ويحتدم الصراع  بيننا ومع غيرنا.

هذه هي الأركان الأربعة الأساسية والرئيسية للمحنة العربية والعراقية، أما لأسباب الأخرى فأنها ناجمة عنها. ومن غير بناء الأعمدة الأربعة في وعي الأجيال وعقولهم ونفوسهم، فأننا سنبقى ندور في ذات المحنة ولن نخرج منها برغم تواكب العقود والقرون وتقدم الأمم والشعوب من حولنا، لأننا لا نملك مهارات تسخير مهاراتنا العقلية وبنائها من أجل أن نكون. فعقول الأجيال رأس مال الأمم والشعوب وعليها أن تتعلم كيفيات الاستثمار الأمثل لها لكي تتحقق وتبني حياتها العزيزية المقتدرة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com