|
الجنة تحت أقدام الامهات ... الرسول والمرأة
حميد الشاكر قصة طويلة هي قصة الرسول الاعظم الحبيب محمد ص مع الحياة والعالم والكون والانسان بصورة عامة ومع المرأة بصورة خاصة، فقد جاء هذا العظيم الى الدنيا والمرأة متاع ملقى على قارعة الطريق، تباع وتشترى، وتذل وتقبر تحت الارض بلا ادنى اي ضمانة قانونية او عرفية تنتفض لهذا الانسان المسمى (( انثى ))!. بل انها في احسن حالاتها الانسانية عندما تولد لعائلة فيها يسار واقتدار، او لقبيلة لها شوكة ورجال، فأنها حتى في مثل هذا الواقع الثري لاتتجاوز ان تكون رقما من الدرجة الثانية او الثالثة او العاشرة تراتبيا في الصف الانساني في العالم القديم بصورة عامة والعالم العربي بصورة خاصة ابّان ولادة العظيم محمد ص، ولكنّ ماهي الا سنون عجاف حتى بزغ نور الثورة الاسلامية العظيم ليصبح محمد الكريم ص رسول رب العالمين، وليلتفت بكل قوة الى واقع المرأة الحزين برؤية جديدة في عالم غربي وشرقي غريب كان يرى في المرأة أمّا شيطانا يجب التنزه والتطهّر منه في واقع الديانة اليهودية والمسيحية العربية وغير العربية، وأمّا عارٌ يستحق ان نخجل من ذكره اذا جاء الى الدنيا بصرخة طفل مظلوم في واقع الاعراف القبيلية العربية!. نعم محمد العظيم ص نظر للمرأة بشكل مختلف من خلال ماقننه من افكار واحكام اسلامية ارادت ان تضع المرأة في المكان الانساني الطبيعي لها، وهذا بغض النظر عن حياة محمد الرسول ص الشخصية التي كانت بأحتكاك دائم مع المرأة قبل الرسالة الاسلامية وبعدها، مما يدلل على ان رؤية الكريم محمد ص للمرأة كانت هي هي قبل الرسالة والنبوة وبعدها كذالك، فتأريخ محمد العظيم ص ماقبل الرسالة يحدثنا انه انسان لم تذكر له زلة خشونة مع المرأة او لفظة نابية مع الجنس الاخر او اعتداء جسدي لكيانه الشريف على امرأة مطلقا، كما ان تأريخه النظيف كان ينم عن أنسان له حالة من الرقي في النظر للمرأة بحيث ان زوجه الطيبة السيدة الكريمة خديجة عليها السلام كانت من اشدّ المعجبين بخلقه الراقي والحضاري مما دعاها او دفعها لعدم تفويت الفرصة بالاقتران بهذا الانسان الملفت للنظر، وبالفعل ماهي الا فترة حتى اصبح محمد الكريم ص زوجَ السيدة الاولى في قريش خديجة الطيبة، لتذكر لنا فيما بعد هذه الانسانة العالية الاناقة والتحضّر الشيئ العجيب عن حياة محمد العظيم ورؤيته للمرأة داخل البيت وخارجه ايضا الى ان اتى الاسلام ليصبح محمد العظيم ص نجم المجتمع الكبير الذي تسلط على كل كيان حياته الطاهرة الاضواء وبقوة، ولتصبح فيما بعد حروف فمه الشريف ص قانونا انسانيا ينير الدرب لباقي الانسانية في الماضي وحتى اليوم!. كنت فيما مضى من سنين وحتى اليوم اقرأ بعض الاحاديث الشريفة والتي تعتبر قوانين اسلامية واجبة الرعاية والتقيد بها تشير الى الانسان المرأة وهي مرةٌ أمّا واخرى زوجة وثالثة أختا ورابعة بنتا، وخامسة انسانا في المجتمع المنظم وصاحب الهدف في الحياة ...، واعجب الى تلك الرعاية الشديدة التي توليها مثل تلك الاحاديث النبوية الشريفة من مثل : عندما يسأل احدهم الرسول ص ايهما احق بالرعاية الاكبر الامّ ام الاب ؟. فيجيبه العظيم محمد ص : امّك ثم امك ثم امك ثم أباك!. او عندما يلقب بنته الزهراء القديسة عليها السلام بانها : أمّ ابيها، او: ان فاطمة بضعة منيّ!. وكذا عندما يرى احدهم قد اعتدى على زوجه في مشاجرة عائلية بقسوة وعنف، فأن محمد العظيم ص يتحرك ليشير من طرف جميل وبلا تدخل سافر في حياة الاسرة الى انه : خيركم خيركم لأهله!. وكذا عندما أقرأ للرسول محمد:((أكمل الناس ايمانا احسنهم خلقا وألطفهم بأهله)) ..... الخ فأتعجب فعلا من هذه اللطافة واللياقة والتحضّر الرسالي العظيم في الرؤية الى المرأة من جانب، وفي كيفية التعامل معها من جانب آخر!. نعم : واتساءل احيانا أخرى ما الذي اراده العظيم محمد من كل هذه الكمية العظيمة من (القوانين) المنظمة لوضعية المرأة داخل المجتمع ؟. الحقيقة لا اشعر بودّ لكلمة ((الوصايا)) التي يستخدمها الكثير عندما يريد ان يشير لاحاديث الرسول المبجلّ محمد ص عندما يتناول موضوع المرأة ((يسميها وصايا الرسول بالمرأة)) ولكننّي على قرب لكلمة ((قوانين)) التي تعطي لاحاديث الرسول الاعظم بعدا اكثر واقعية والزاما لامته المسلمة وكيفية تعامل هذه الامة مع ارشاداته الاسلامية في جميع مناحي الحياة، ولهذا دائما اتساءل عن : ماهية الغاية والمقصد لمحمد العظيم عندما يقنن الاوضاع التالية للمرأة عندما يقول : الجنة تحت اقدام الامهات، او عندما يذكر : الجنة تحت ارجلها، او في حديث اخر : الطفكم بأهله او حديث، أمك ثم امك ثم امك ثم اباك، او خيركم خيركم لنسائه، او عندما يعطي البنت شرف أمومة الاب ...... وهكذا ؟. مرّة سألت رجل للدين معروف فأجابني : ان كل وصايا الرسول بالنسوان لمعرفته بنقص العقل فيهن!. واخرى قرأت لداعية اسلامي يقول : ان الرسول اراد ان يقول ان من اسباب دخول الانسان الى الجنة هو بر الوالدين وحسن الخلق مع الزوجة واللطف مع الاهل!. وثالثة سمعت سلفيا يصدح بالقول : ان الرسول قال خيركم خيركم لاهله، باعتبار ان رجولة الرجل تكتمل عندما يكون الرجل خيّرا مع اهله!. والواقع اننّي لم ارتح بحياتي لمثل هذا الفهم للاحاديث النبوية الشريفة بخصوص المرأة بالذات، بسبب ان الفهم الاول فهم عنصري وجاهلي ضد المرأة واعتبار انها ناقصة بحاجة الى وصية للتجاوز عن نقصها الخلقي فقيل بنقص العقل فيهن على العموم!؟. والفهم الثاني : يحاول دخول الجنة اولا ليرى الاسباب الموصلة لهذه الجنة من خلال بر الوالدين والاحسان للفقير وكثرة العبادة ..، وكأنما البر بحد ذاته وسيلة لغاية اكبر، وليس البرّ غاية وسيلته التعامل، وبينما يصبح البرّ بالمرأة نفسها غاية عليا، اصبح الاحسان بها وسيلة وجسر ومرتقى للوصول الى الجنة!. أمّا الفهم الثالث: فلا أقل سوءا لفهم أحاديث المصطفى محمد ص بصورة عامة، فهو فهم لاتحركه للخيّرية الا ذكورية الرجل وضخامة شواربه أمام الانسان الضعيف المسمى أمرأة ؟!. وهكذا باقي الافهام التي لم تتناول القوانين الرسالية بصورة منطقية وعقلية واسلامية بالاساس، ونعم ربما يمكن تحريك الانسان الذكوري لاحترام المرأة من خلال اثارت ذكوريته الرجولية لنقول له : اذا انت اردت ان تحترم رجوليتك فعليك اكرام المرأة واحترام كينونتها الانثوية!. وكذا بالامكان استثمار تدين المتدين وطلبه للجنة بان نقول له : الجنة تحت اقدام الامهات، والجنة لاتنال الا بحسن الخلق ومن حسن الخلق اللطف مع المرأة هذه!. كما انه من المعقول ان نقنع شخصا ما عندما نقول له ان في بعض او معظم النساء عيب خلقي، يجب عليك اخذه بنظر الاعتبار عندما تتعامل معها وهو انها لاتملك ادراكا انسانيا كاملا للحياة!. كل هذا ممكن في اطار من يريد ان يفهم لعبة الرجل والمرأة داخل المجتمع، وليوصلها فيما بعد الى افراد هذا المجتمع كل حسب ادراكه وفهمه وعمق او ضحالة ثقافته في الحياة، أمّا ان يُراد لهذه الافهام القاصرة ان تمثل مقاصد واهداف وغايات الرسول الاعظم محمد ص ليكون هذا الفهم الذكوري او ذاك الجاهلي او هذا الديني الغيبوي هو هو مراد الرسول الاعظم محمد ص من مقالاته وقوانينه ورؤيته للمرأة في الحياة، فهذا شيئ لايقبله عقل واعي ولا اسلام منفتح اكثر بكثير من هذه الانغلاقات الاجتماعية البينة، وهذا ليس بسبب ان الفهم مستعصي تماما على ادراك مقاصد وكلمات وقوانين الرسول المعظم محمد ص على جميع الانسانية، .... لا ولكن بسبب ان هذا الفهم لكلام المصطفى محمد ص وهذا الادراك السقيم لاهداف وغايات العظيم محمد ص وقوانينه الاجتماعية بخصوص المرأة بالذات، هو فهم لايرتقي للمستوى الحضاري لرؤية العظيم محمد ص تجاه المرأة كأنسان من جهة، بل وهو يشكل فهما ينتقص من رؤية الرسول الاعظم محمد ص كنبي حول المرأة عندما نقول ان مراد محمد الرسول كان هو هذا!؟. أمّا ان قيل لنا ان هناك فهما انسانيا راقيا استطاع ان يدرك المقاصد الرسالية لمثل هذه القوانين الاسلامية النبوية ترتقي الى مستوى حضارية محمد كأنسان وتألقه المنقطع النظير كرسول ونبي صلى الله عليه واله وصحبه الكرام بأتجاه المرأة يقول : ان مثل هذه القوانين المحمدية الرسالية الاسلامية التي تقول باللطف للمرأة وبالبر للوالدين وبالخيّرية لجميع النساء ....... كل هذا وغيره هي قوانين ناظرة الى نفس المرأة ووضعيتها الانسانية في المجتمع، وليس هي ناظرة الى الجنة او نقص المرأة او ان خيريّة الرجال لاتكون الا من خلال ممارسة هذه الخيرية على النساء جميعا!. بمعنى اخر : ان العظيم محمد ص عندما انتخبه المولى عز وجل لأن يكون رسولا وبشيرا ونذيرا، كان من اهم مهامه الرسالية هو اعادة صياغة القانون الذي يحكم الاجتماع الاسلامي بشكل يهيئ للمرأة حقوقها القانونية الكاملة في حركة المجتمع، ومن هذا كانت الخطوة الاولى بأتجاه تعديل كفة الميزان التي كانت مائلة للجانب الذكوري في المجتمع العربي القبلي هي ان يكون هناك دعم قانوني لوجود المرأة نفسها داخل هذا المجتمع، فجاءت القوانين الرسالية الاسلامية بأتجاه التنظير الايدلوجي والديني والاجتماعي بشكل قانون مغطى فكريا بالعقيدة، فاصبحت الجنة تحت اقدام المرأة ليس لأن الرجال المسلمين لايرون الجنة او لايمكن لهم الوصول للجنة الا من خلال ارضاء الام والتزلف الى عطفها، بقدر مايريد القانون الاسلامي الرسالي ان يضع قانونا مفاده : ان الاجتماع الاسلامي برمته مجتمع قائم على فكرة حيوية وعقدية اساسية في وجوده هي فكرة اليوم الاخرة والجنة والنار، وهذه الجنة والنار اليوم هي تحت أمرة المرأة في المجتمع، لا بأعتبارها وسيلة ولكنّ باعتبار المرأة كيان انساني ارتقى انسانيا بحيث اصبحت الجنة تطلبه ولايطلب الجنة!. بمعنى اوضح : ارادت مثل هذه القوانين الاسلامية ان تنتشل المرأة من واقعها العربي القبلي في العصر الجاهلي فكريا وعمليا الذي كان يرى المرأة شخصية محتقرة واقل من ان تستحق الحياة فضلا عن الكرامة والاحترام، الى نقلها لمرتبة ان تكون المتحكمة فعلا بعقيدة وكرامة المجتمع الاسلامي لتصبح الجنة تحت ارجلها، وان من يحاول احتقار المرأة او النيل من كرامتها انسانيا داخل اي مجتمع فضلا عن الاسلامي انما هو بالفعل معتدي على عقيدة الامة المؤمنة باخروية الجنة وواقعية وجودها الغيبي والتي تمثلت بان كرامتها من كرامة المرأة الواقفة على تراب هذه الجنة ولك ان تفهم معنى ان تكون المرأة في المجتمع الاسلامي تمثل خطواتها الثابتة في الحياة مسيرة على جبهة الجنة الجميلة!؟ وهكذا عندما نقرأ القانون الرسالي المحمدي الاخر الذي يقرر العناية الكبرى والى مَن ينبغي ان تذهب للاب أم للأمّ ؟. فيأتي الجواب الرسالي : أمّك ثم امك ثم امك ثم اباك!. فعلينا ادراك ان الرسول الاعظم لم يقنن هذا القانون بسبب ان المرأة ضعيفة داخل المجتمع فحسب فاراد ان يوفر لها العناية والعطف من قبل الابناء فقط!. بل علينا وقبل كل شيئ أدراك ان العظيم محمد ص اراد ان يعيد هيكلة القوة داخل الاسرة العربية الاسلامية، فاطلق مشروع زرع القوة للمرأة من داخل الاسرة ليوازن بين قوة الاب الذكورية الطاغية في الاسرة العربية كرب ثاني، وبين قوة للمرأة ضعيفة بالقياس الى قوة الاب الذكورية داخل نفس الاسرة، ولهذا بدلا من ان تترك المرأة فريسة الذكورية الابوية داخل الاسرة قنن العظيم محمد ص مصادر قوة واقعية للمرأة داخل الاسرة كي تكون الكفة الراجحة للمرأة كمرأة اولا داخل الاسرة، ومن ثم يأتي دور الام داخل هذه الاسرة المسلمة، وعليه كان القانون يقول : أمك ثم امك ثم امك ثم اباك ...، لصناعة طابور عائلي داخلي يضبط من فعل وحركة الرجل داخل الاسرة، لتكون المرأة بهذا الاكثر احتراما وطاعة وتقديرا داخل الاسرة المسلمة من الرجل بثلاث مراحل قانونية!. ان مثل هذا الفهم لقوانين الرسول الاعظم محمد ص الرسالية في الحياة بصورة عامة وفي المرأة بصورة خاصة، تطرح علينا فكرا اولا يحترم حركة محمد العظيم في كيفية بناء المجتمع قانونيا، ويقدر عاليا محمدا الانسان ص ثانيا، ففي مثل هذا الفهم يكون فقه حركة الرسالة من جانب، وما اولته هذه الرسالة من اهمية لبناء المجتمع بصورة عامة من جانب آخر!. ونعم يجب فهم كل ما جاء عن الرسول الاعظم محمد بشأن المرأة على اساس انه خطة عمل قانونية واجتماعية كان همها الاول والاخير صناعة الانسان داخل هذا المجتمع الاسلامي بغض النظر تماما عن جنسه او لونه او انتماءه الفكري ايضا، وبغض النظر عن ادخال هذا العنصر او ذاك من عناصر الجنة والايمان والحسنات وباقي المصطلحات الاسلامية المحترمة، فالغاية والمقصد الحقيقي الاول والاخير هو كيفية بناء الانسان وايصال حقوقه له وضمان تمتعه بالقوة الكافية التي تجعله انسانا يشعر بالعدالة في حياته ويرضى بهذه الحياة التي تحترم وجوده!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |