عبد السادة ....*
 

 

رشيد كَرمـة

rashid_karma@hotmail.com

لم يكن الرجل عبقريا ً, غير انه كان مبدعا ًفي مجال عمله , حريصا ً على صيانة أجهزته التي آلت اليه مسؤولية تشغيلها وتقنيتها الرادارية رغم انه أُبعِدَ من الأيفاد مع مجاميع َ الى الأتحاد السوفيتي بغية التدريب على أجهزة وأسلحة متطورة الصنع في مجال الدفاع الجوي وتحديدا صواريخ سام , السلاح الذي اراد الدكتاتور المقبور صدام حسين فحص صلاحيته ومن ثم شراءه ان تمكن هذا الصاروخ من تدمير الهدف في منطقة ( عدن ) حيث يجرب غريمه اليمني ( عبد الفتاح إسماعيل ) أفكاره في التغيرات الأجتماعية الضرورية !! كما لم يكن الرجل غبيا ً لدرجة انه لم يكره في حياته شيئا ً أكثر من كُتاب التقارير وصناع النميمة ومحرفي الكلام لذا فقد راوح ( عبد السادة ) في مكانه واحتفظ لنفسه بلقب ( مؤيد ) متقيا ً سوء العاقبة من جوقة الببغاوات من الحزبيين وجلهم سادة من الفرات الأوسط , يقودهم ( سيد قاسم )وهو رجل ذو شارب مميز من قضاء الحي يتصف بالصلف وبأفكارٍ عداونية ونزعة تسلطية .

وبإختصار شديد أيضا ً لم يكن ( عبد السادة ) ملحدا ًاو حتى كسولا ً في عدة مجالات فلقد حافظ هذا الرجل الكوفي ذو الأصول الفلاحية على مواقيت الصلاة وفروض الدين كما انه كان يلجأ وهذه من النوادر الى ( ملقط معدني ) يحتفظ به بعناية لإزالة شعر لحيته وهو السبب الذي كان يؤخر نمو شعرالوجه بالقياس الى زملائه الذين يعمدون الى شفرات الحلاقة وهذا ما يزيد من غزارة الشعر , كان الرجل مثيراً للعجب لصفاته التالية :انه لايعرف المجاملة ولا يتردد في كشف سلبيات الآخرين امامهم ويقول مايريد وجها لوجه , يعلن دون وجل او خوف ماتردد في آخر إجتماع لخليته , ويفضح من كتب التقرير على هذا وذاك , ويحذر أمام الملأ الشخص المنكوب أو المستهدَف , بل ويلجأ وهذا ما حدث للدفاع عمن يخالفه الرأي وبالخصوص ممن لم ( يتبعثوا ) و تحديدا ممن لهم رأي آخر لمعنى " التقية "والتي ثلبت شخصيته , وطبعتها [ بتشديد العين ],على عكس بعض من يعمل معه من المغامرين ومن هواة المشاكل الذين لايملون من القراءة , كان لطيف المعشر وذكيا ً وإجتماعيا ً بالفطرة ودَ ذات يوم التطفل دون إحراج لأحد إستعارة بعض ما يقرأه المشاكسون الذين وجدوا في الأنتماء الى حزب البعث وان بلقب ( مؤيد ) رذيلة .
كان ذلك مساء صيف حار بعد صلاة العصر , وحيث كان الكتاب الذي إستعاره بعناوين سلسه تنفذ الى العقل دون إستئذان , زد على ان اسم وكنية المؤلف تحظى بقبول شعبي وذو ملامح عامة وخاصة , بالنسبة لأهل الجنوب والفرات الأوسط وبعض مناطق الوسط , يومها كان شمران الياسري ( ابو كَاطع ) قد تواصل مع الناس روائيا ًمن خلال رباعيته مبتدءاً من الزناد وبلابوش دنيا وغنم الشيوخ وفلوس إحميد و ليس فقط مرة واحدة من كل اسبوع فــي جريدة طريق الشعب وعموده الصريح والشجاع والمتحدي بل والعمود الوحيد الثاقب النظرالذي حذر من القادم المعلوم لدى الفلاح ابو كاطع و( المجهول ) لدى الأفندية ! لذا لقد إشترط البعثيون تحت حجة المحافظة على اللغة العربية من منع الأدب الشعبي بما فيه الشعر , التي تنشره وتعتني به جريدة الشيوعيين العراقيين والتي يقودها فلاح من لواء الكوت محافظة واسط حاليا ًقضاء الحي وينحدر من اسرة علوية تضفي عليه صفة السيد بالحث الوراثي ان جاز التعبير لذا كان اسم ( شمران الياسري ) مهما ً ليس للحزب الشيوعي العراقي وانما على مستوى المجتمع العراقي .

ما ان أمسك ( عبد السادة ....) بتلافيف الحكايا وما تحويه حتى اقسم بالفروض الخمس ان يتابع السيد هذا ويفضح السيد ذاك .

وشتان بين السيدين فالسيد (شمران الياسري ) لم يكذب ولم يظلم بل انه عرى اللصوص كما انه تصدى للمنكر ليس بقلبه وانما بكل مايملك بل انه فضح عمارة الزقورة في آثار بابل وخطل فكرة عودة نبوخذ نصر بشخص الأهوج من الناس , مشددا على توفير المال وصرفها على عمارة سكنية تقي الناس ظروف الحر والبرد مما أثار حفيظة من هم في مضيف الشيخ ( سعدون بن مهلهل ) .

بقى (عبد السادة ....) يقتنص الأسماء في حكايا الياسري قنصا ً بل يطبق عن وعي ما يريده الراوي , حتى انه قلد يوما ً بشكل فاضح لالبس فيه ولا غموض (خلف الدواح ) محذرا ( رفاقه )من مغبة النوم , مخافة تسلق الرجل الواحد الأحد الذي سيصبح حجاجاً اكثر من الحجاج الثقفي .
قال ( عبد السادة .... ) للمحققين يوم حشروه في المعتقل مع مجموعة المشاكسين الرافضين لخيمة البعث : انا لست شيوعيا ً انا رفيق ( مؤيد ) لحزب البعث لكنني ارى في ما يقوله السيد ( ابو كاطع ) خيراً بل اكثر نفعا ًمن الخير ومما يفعله السيد ( قاسم ) وكلاهما فلاحان ومن قضاء الحي .

وتحت وحشية التعذيب انشد ما ردده أحد ابطال رواية الزناد :

ياحمد خيل الصبايا بالرهن

مايعرفن هورهن من برهن

ام العلا بالسيف ماهي بالرهن

غصب علباشا يودي كركنا ..........

ومن جميل ما أذكره ( لعبد السادة ) انه وقع في غرام فتاة من ( الطهمازية ) بفعل قوة الأدب الشعبي الروائي الذي سطره الراحل شمران الياسري من خلال ما كتب .

اتمنى ان تكون ايها الكوفي الطيب على قيد الحياة وتقرء ذكريات زمن ولى , زمن كان المسرح فيه سطح الدار حيث كنا نلعب ليلا مع الصبايا وسط أهل خلدوا للنوم وجيران طيبون ( طفيرك ياكَمر ) والسماء والطارق يتفرجان .

الهوامش

* بمناسبة ذكرى رحيل شمران الياسري ( ابو كَاطع )

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com