|
تحت أنظار لله: الدين والحريات الفردية ونظام الدولة في الإسلام، نظرة غربية للمسألة الإسلاموية د. جواد بشارة / باريس من الشائع عند المهتمين بالشؤون الدينية، والمتخصصين بالدين الإسلامي خاصة، أن الفرد في العالم الإسلامي خاضع، أو عليه أن يخضع، للقانون والتشريع الإلهي شاء أم أبى، وأن الإسلام يضع في المقام الأول، أو في الصدارة، الانتماء للأمة، فما هو موقع الفرد في هذا الدين؟ يعتقد الغربيون المطلعون على خفايا الدين الإسلامي وتاريخه وتطوره، أن المسألة قضائية بحتة تنظم حياة الفرد والجماعة داخل الكيان الإسلامي. ولكن هناك عدة مستويات للحقوق حسب نوع وموقع ومكانة الأفراد في المجتمع الإسلامي . فرجال الدين والفقهاء الكبار والمراجع والعلماء يتمتعون بامتيازات تفوق غيرهم من الأفراد العاديين ، فكلما كان المرء قريباً من الله خصه الخالق بامتيازات حسب ما يدعون هم . فبعد رجال الدين يأتي المحاربون من أجل الدين، وبعدهم الشيوخ والعجائز، ومن ثم الشباب والمراهقين، وبعدهم النساء، وأخيرا الأطفال، وللجميع حقوق مضمونة ضمن الجماعة. فهناك مواضيع تثير الحرج مثل موضوع المساواة بين الرجل والمرأة، وموضوع الديمقراطية، وموضوع الحريات الشخصية والفردية ومنها حرية الاعتقاد والارتداد الخ...إزاء ذلك يفكر الغربيون وفق عقليتهم العقلانية cartésien ،التي تبلورت بفضل عصر الأنوار، بينما يتصرف الإسلام ليس وفق صيغة المساواة الغربية بل وفق مبدأ التعادل بين المؤمنين. فلكل كائن بشري مؤمن نفس القدر من الكرامة والحق طالما يحترم ويطبق ويخضع للقانون الإلهي. فكل بشر يعيش ويتحرك ويتصرف تحت أنظار الله وفق الرؤية الإسلامية. فالله يعرف كل شيء ويراقب كل شيء وفي كل مكان وزمان وعن كل فرد. وهو الذي يمنحه ويضمن له حريته وبالتالي يحمله مسؤولية اختياراته، بينما في الغرب يمثل الكائن البشري القيمة المطلقة في الكون. والحال يرى الغربيون أن هناك مسيحيون ومسلمون متمردون على هذا المفهوم وينتقدوه داخل البلدان الإسلامية لذلك فهم يتعرضون للاضطهاد وخطر الموت بسبب مواقفهم النقدية المعارضة، ومن هنا يطرحون التساؤل التالي: هل يمكن التوفيق بين الحرية الدينية أو حرية اختيار المعتقد أو تغييره، والتشريع الإسلامي المتبع والمطبق اليوم في العالم الإسلامي؟ من حيث المبدأ لا يوجد تعارض بين المفهومين إذ هناك تشريع قرآني يقول " لا إكراه في الدينّ ولكن ، وفي نفس الوقت ، لا يمكن لأي مسلم أن يترك أو يتخلى أو يتنكر لدينه أو يرتد عنه حسب التعبير الشائع لأن مصير المرتد هو الموت كما هو معروف في حالة إمكانية تطبيق الحدود الإسلامية . تجدر الإشارة إلى أن الديانة المسيحية لم تكن متسامحة في هذا المجال في الماضي إلى أن أرغمت بالقوة على التطور وقبول الأمر الواقع بفعل ضربات الفلاسفة المعاصرين وتمكنهم من فرض فصل الدين عن الدولة وتجريد الأخير من السلطة الدنيوية. اضطر الدين الإسلامي للتكيف مع تطور الزمن والأخلاق ومتطلبات العصر الحديث وجمد ، دون أن يلغي، هذا النوع من الحد الشرعي، لذلك تمكن اليهود والمسيحيين من العيش بهدوء وسلام وطمأنينة داخل العالم الإسلامي في العقود العشرة المنصرمة دون أن يرغمهم أحد على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية كذميين. ومن هنا استغرب الغربيون من إعلان حقوق الإنسان في الإسلام الذي صدر سنة 1999 من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي ولم يستوعبوا مضمونه. يرد المسلمون بثقة أنه في حالة الإيمان بالقرآن ورسالة الإسلام فمن المنطقي التأكيد على الحقوق الجوهرية والحريات العمومية التي تصبح جزءاً رئيسياً من المعتقد الإسلامي . فحقوق وواجبات كل إنسان هي ذات جوهر إلهي وليس طبيعي أو بشري، ويجب أن تتواءم مع تعليمات الرب العادلة حتى لا ينسى المؤمن واجباته تجاه خالقه. هل يمكن لبلد مسلم أن يتخطى أو يتجاوز تطبيق الشريعة؟ الكثير من الدول الإسلامية أذعنت للضغوط الاجتماعية الداخلية والضرورات والاحتياجات الاقتصادية وأوقفت العمل بالحدود الإسلامية كقطع يد السارق وجلد ورجم الزناة واستبدلتها بعقوبات وضعية كالغرامات والسجن وأغلبها تبنى قانون عقوبات مدني وضعي كالمغرب والجزائر ومصر وإندونيسيا.. فيما عدا بعض الدول التي تعلن أنها تطبق الشريعة الإسلامية وتعتبرها بمثابة دستورها الرسمي كالعربية السعودية وإيران والسودان. في حين تقوم أغلبية البلدان الإسلامية بالالتفاف على التشيع الديني إذا كان غير مقبولاً من الناحية الحضارية ولكن بإمكان القضاة تأخير أو تأجيل أو تخفيف حكم شرعي ما إذا اقتضت الضرورة ذلك وبتخريجة فقهية مصطنعة عدا الأمور المتعلقة بالأخلاق والعلاقة بين الجنسين. العلمانية والدولة الدينية: يعتقد أغلب الزعماء السياسيين في العالم الإسلامي أن النبي محمد وضع الحجر الأساس أو الجذور التأسيسية لنظام دولة ثيوقراطية، رغم أن القرآن لم يشر على نحو صريح للسياسة ولا لطبيعة النظام السياسي ونوعه، عدا صيغة الشورى الفضفاضة.والحال أن هذا الموضوع وما تمخض عنه من خلافات تتعلق بالخلافة وقيادة الأمة بعد الرسول، هو السبب الرئيسي في انقسام المسلمين منذ ألف وخمسمائة عام. لم يخضع الإسلام كما خضعت المسيحية لضغوط فصل الدين عن الدولة والفصل بين قوانين الله وقوانين البشر . القرآن لم يتطرق للسياسة بمعناها الأكاديمي، ولم يرسم ملامح طبيعة الحكم واختيار القيادة السياسية ويعتقد أهل السنة أن الله ترك للبشر حرية اختيار وتحديد القواعد والأعراف للتعايش بين القوانين الدنيوية الوضعية والقوانين الدينية السماوية ويستندون في ذلك إلى الآية في السورة 42 " وأمرهم شورى بينهم" ، وبالتالي يرى الإصلاحيين في ذلك دليلاً على أن الديمقراطية ممكنة في عالم الإسلام ويقولون اليوم، كما قال بالأمس الشيخ علي عبد الرازق في كتابه " الإسلام وأصول الحكم"، إن الرسالة لم تشر لا إلى أصول الحكم ولا إلى نظرية الدولة ولا حتى إلى صيغة الخلافة وتداولها.علماً أن النبي محمد، كما ذكر أحد المؤرخين، كان قد وضع نواة دولة وبداية لتشريعات وقوانين وأعراف اقتصادية وضريبية ، وهيكلية لجيش محترف لتأمين الدفاع والتخطيط للهجوم وخوض الجهاد . بيد أنه لم يترك لأتباعه ، الذين انقسموا من بعده وانشقوا إلى شيع ومذاهب متناحرة، أي أنموذج دقيق وصريح يمكن إتباعه وإعادة إنتاجه من بعده. فلو كان هناك نمط سياسي أو نظام حكم واضح الملامح في حياته وطريقة واحد لإدارة الدولة والأمة وفق التقاليد النبوية لما ظهر هناك سنة وشيعة يختلفون فيما بينهم في التفسير والتأويل، ونظريات متناقضة للحكم والسلطة. في حين يقول الشيعة أنه ليس من المعقول أن يغادر الرسول الحياة دون أن يقوم بترتيب أوضاع أمته وأمور الحكم من بعده للحفاظ على كيان الأمة ومستقبل الدين، وهم يؤمنون بقوة أنه وقع اختيار النبي على أهل بيته من الأئمة المعصومين الإثني عشر بأمر من الله أي بنص منزل من السماء حالت الظروف آنذاك دون تقديمه. ولكن لاعتبارات وطموحات شخصية وتعطش لأخذ السلطة الدنيوية ولتهميش سلطة رجال الدين في فترة ما بعد عهد الصحابة والخلفاء الراشدين، عمد من تقلد أمور الخلافة، إلى التقليل من شأن الإيمان والعقيدة ورفعوا من شأن السياسة بمختلف الأشكال والصيغ، والمقصود بهؤلاء الخليفة والسلطان والأمير والجنرال والرئيس، الذين صاروا يمارسون سلطة تندرج في سياق المنطق الدنيوي والزمني المستند إلى حق الوراثة وتكوين السلالات الحاكمة والمؤامرات والانقلابات العسكرية وأحيانا الانتخابات " الحقيقية والمزورة" واكتفى الحكام بالتفاوض على شرعيتهم مع كيان علمائي مدجن ومطيع من رجال الدين الموظفين " من وعاظ السلاطين"، لم يعد بين أيديهم سوى قانون الأحوال المدنية والشخصية الذي يديروه وفق أحكام الشريعة بمختلف مدارسها الفقهية والمذهبية، بينما يدير الحكام أمور دولتهم وفق القانون الوضعي ويساعدهم في مهمتهم بعض الحكماء والفلاسفة والمستشارين كالفارابي الذي وضع كتاباً في هذا المجال سماه " المدينة الفاضلة" الذي نشره في القرن العاشر الميلادي . وبعد انصرام أكثر من ألف عام يأتي السلفيون والأصوليون المتشددون والمتطرفون ليرغموا عامة المسلمين تحت تهديد القتل والتكفير ، بالعودة إلى تقاليد السلف الصالح والتقيد بالكتاب المقدس حرفياً واتخاذه دستوراً كما طالب حسن البنا مؤسس حركة الأخوان المسلمين في عشرينات القرن المنصرم ومنذ ذلك الوقت ظهر مفهوم الدولة الإسلامية وتنامت حوله أطروحات الإسلام السياسي والحركات الإسلاموية التي تستخدم العنف والإرهاب لتحقيق مآربها.لقد أخذ المتشددون جماهير المسلمين رهائن، وأرغموهم بوسائل الترهيب والعنف والوعيد على تنفيذ رؤيتهم للمجتمع الإسلامي الذي تخيلوه وتمنوه مطابقا لمجتمع السلف الصالح حسب فهمهم، وتطبيق معاييرهم وتفسيرهم للشريعة، وبذلك أغرقوا العالم الإسلامي في حقبة مظلمة وبات على هذا العالم أن ينتفض من الممنوعات والمحرمات و يتخللص من أعباء وقيود هؤلاء المتطرفين والمتعصبين التكفيريين، وتنقية العقيدة من هذا الركام المتخلف من المفاهيم البائدة والبليدة. فالحرية والمساواة والإخاء، هي الدعامات الأساسية الثلاثة لبناء صرح الجمهورية الفرنسية والأساس الموحد لهذه الدعامات هو التسامح وقبول الآخر ، أي أجمل ما أفرزه عصر الأنوار الذي أنقذ فرنسا من وباء الحروب الأهلية والدينية ومسح من الذاكرة والقواميس كلمات الهرطقة والزندقة والكفر والارتداد والخروج عن طريق الله ورحمته. من هنا يمكننا أن نفهم ما تريده فرنسا من الإسلام الموجود فوق أراضيها . ألا وهو الامتناع عن النشاط التبشيري، وبذل الجهود للتكيف والتأقلم مع متطلبات وشروط العلمانية كما هي مطبقة من قبل الجمهورية، وتبني مبدأ التسامح، وتطبيق قوانين الدولة الوضعية وليس شريعة القرآن على الأراضي الفرنسية، أي أن يمارس المسلم دينه ومعتقداته في بيته ويتركه على عتبة البيت عند ولوجه إلى داخل المجتمع المدني، كالمدارس والبلديات ودوائر الحكومة والمستشفيات ... كغيره من أبناء الأديان الأخرى. أسوء ما تم تحريفه باسم الدين هو مفهوم الجهاد الذي أخرج من سياقه ومعناه الذي ورد في القرآن على يد الإرهابيين الإسلامويين. لم يكن هذا السلوك حكرا على الإسلام فالكتاب المقدس المعروف بالعهد القديم متخم بالمعارك والحروب المقدسة والدماء المراقة ، وكذلك المسيحية التي أحرقت الهراطقة وسفكت دماء المخالفين والملحدين وخاضت الحروب الصليبية وبذلك تكون قد خانت روح وجوهر الدين ورسالته السلمية . أدرج الإسلام في صلب عقيدته الحرب المقدسة أو الجهاد الأصغر، للدفاع عن النفس والعرض والدين وليس للهجوم والعدوان. فهذه الحرب عادلة ومشروعة كما يقول القرآن والموت فيها شهادة يثاب فيها الشهيد في الجنة وتمحى ذنوبه . ولا ننسى أن الإسلام دين تبشيري مرسل للإنسانية جمعاء، وأن القتال في سبيل الله هو من أجل نشر الدين وتوسعه ، وبالتالي فهو من واجبات المسلم و هذا ما يخيف البشرية من هذا الدين اليوم. فمصطلح الجهاد ورد في القرآن 22 مرة بمعناه العام، و ثلاث مرات في معناه الروحي أي جهاد النفس، وعشر مرات في معناه الحربي البحت.كما ورد في السورة الثانية، وفي الآية 91 في السورة الرابعة فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم وأقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبينا"، أو الآية التي تقول :" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". من المؤكد أن النص القرآني لا يحث على القتل المجاني بل يدعو للعفو والرحمة حيال العدو الذي يستسلم، لاسيما النساء والأطفال والشيوخ، و يدعو لمعاملة خاصة تجاه أهل الكتاب الذين يعبدون نفس الإله ولديهم رسالات سماوية وكتب مقدسة منزلة من الله، وبالتالي يمكنهم الاستمرار في ديانتهم وممارسة عبادتهم وطقوسهم بنوع من الكتمان واللاعلنية ودفع الجزية لحمايتهم، كما جاء في السورة الثالثة ، في حين لم يكن أمام الكفار والمشركين خيار آخر، سوى اعتناق الإسلام أو النفي أو الموت . واستمر هذا التسامح خلال الإمبراطوريات الإسلامية، الأموية والعباسية والعثمانية، بيد أنه في طريقه للاختفاء في أيامنا هذه مع الأسف. علينا أن نعترف أن هناك قراءتان للقرآن والسنة النبوية : الأولى مشروعة تقوم بانتخاب السور والآيات التي تدعو للتسامح تجاه المؤمنين الآخرين، والثانية لا تقل عن الأولى شرعية والتي تفضل السور والآيات التي تدعو للقتال والحرب، علما بأن آيات القتال مرتبطة بظروف تاريخية معينة ومعروفة. ومنذ الهجرة سنة 622 ميلادية، أعلن النبي الحرب على المشركين وشارك في 19 غزوة ومعركة خلال السنوات العشرة من عمر الرسالة في المدينة ، بيد أن الجهاد والفتح تضاعف بعد وفاة الرسول واستخدم القتال والسيف ضد المرتدين والمتمردين من المسلمين أيضاً، حيث وبالتدريج ساد مفهوم الجهادي الهجومي بدل الجهاد الدفاعي، وتسامت أهمية ومكانة وسمعة الشهيد في الإسلام، ويردد المسلمون اليوم بصورة آلية الآية التي تقول" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءاً عند ربهم يرزقون "، وفي جنات عدن يرفلون. تحدي الحداثة ومتطلبات العصر: من البديهي القول أن ثقل التقاليد لا يكبح المجتمعات العربية ـ الإسلامية ولا يمنعها من اللحاق بركب التقدم العلمي والتكنولوجي. فالتكنولوجيا المتطورة والهيكليات المالية العالمية الأكثر تطوراً واتقاناً وحرفية تتعايش مع البنى المجتمعية التقليدية رغم أن هذه الأخيرة لا تعمل على تطوير العقل والتفكير العقلي والعلمي، ولا تشجع على تحمل المسؤولية الفردية، ولا تتقبل حرية ممارسة الروح النقدية التي تشكل أسس الحداثة والعصرنة وذلك لأنها متخمة بالممنوعات والمحرمات والتابوات. السجال محتدم بين من يتبنون أطروحة هينتنغتون في صدام الحضارات ، والذين يعتقدون بأن تقدم ورقي كل بلد وشعب وأمة يقاس بمقدار تطابقها مع المعايير الغربية للتقدم ، مما يجعلهم يعتقدون بأن تخلف وتأخر المجتمعات الإسلامية لا يمكن تعويضه، وبالتالي عدم إمكانية اللحاق بمستوى التقدم والتطور الذي حققته وأنجزته المجتمعات الغربية ، من جهة ، وبين المفكرون الجدد في الإسلام الذين ما يزالون يبحثون عن " الطريق الآخر"، الذي من شأنه أن يتيح لثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم أن تتكهن بحصول مستقبل خاص لمجتمعاتهم الإسلامية دون الحاجة لنسخ الأنماط والنماذج الأمريكية ـ الأوروبية . وهذه أمنية طوباوية نبيلة لأن الطريق الإسلامية الخاصة عسيرة التحقيق إن لم نقل مستحيلة التحقيق في اتجاه التقدم في الظرف الراهن بالنظر الى أن التطور الحديث يستدعي إنجاز مؤشرات وأرضية تمهيدية لامناص منها كفصل الدين عن الدولة، وتوفير الحريات السياسية، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية بدرجة معينة لازمة وضرورية، وتأمين حقوق النساء وحرية المرأة، واحترام الحريات الفردية، وإتباع الممارسات الديمقراطية الخ.. وهي شروط غير متوفرة في العالم الإسلامي. فالحداثة لا تقر بمرسوم من فوق كما أظهرت ذلك التجارب العلمانية البائسة والناقصة في تركيا وتونس .فالحداثة تعني إحلال المستقبل محل الماضي، وتقبل فكرة تغيير قواعد اللعبة إجتماعياً، والانعتاق من مواصفات موروثة من الأجيال السابقة. والحال إن تمجيد الماضي واستحضاره الدائم هو الذي يحدد سبل قراءة الحاضر. ومع ذلك يصر عدد من المثقفين المسلمين بشدة على أن الإسلام لا يتعارض ولا يتناقض مع العصرنة والحداثة، ويستغيثون بالماضي العريق للحضارة الإسلامية ويستعينون لدعم أطروحتهم، بما حققته من إنجازات علمية وفكرية وحضارية حيث تطورت العلوم والتقنيات والفلسفة والرياضيات والجبر والهندسة والفلك والطب والمعمار، وكما أشارت الأحاديث النبوية التي حثت على طلب العلم ولو في الصين أو الحديث الذي يقول " مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء" .إضافة إلى أن القرآن ليس ضد المبادرة الشخصية كما يدل على ذلك الحديث النبوي" أنتم أدرى بشؤون دنياكم" أو كما جاء في مضمون السورة الخامسة الآية "105 يا أيها الذين آمنو عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون" أو السورة 17 الآية 15" ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"، بيد أن الحركات السياسية الدينية الإسلاموية ومعها السلطات الدينية المتعصبة والمتشددة تلجأ إلى سور وآيات مغايرة وتتوسل بأحاديث أخرى تلح على تطبيق الشريعة حرفياً وبحذافيرها وبدون أي تساهل واعتبارها ملزمة لكل مسلم حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة والعنف والبطش والاستبداد،كما كان الأمر في أفغانستان في عهد طالبان على سبيل المثال لا الحصر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |