الصعود الى الهاوية: ترديات ابو مصعب الزرقاوي .. الحلقة الخامسة (عمليات استجواب المعتقلين)

 

ميادة العسكري

 mayadaaskari@gmail.com

في شباط 2006، اعترف سجين بعلاقته مع (ألوية الغضب) وهي جماعه ذات إرتباط  ضعيف بالقاعدة. وجاء هذا الاعتراف بعد استجواب مايك لهذا السجين.

بعد سلسلة من جلسات الاستجواب التي نالت اعجاب المحققين الاخرين، توصل مايك الى وجود مساكن في اليوسفيه تم استخدامها في بعض الاحيان من قبل القياده العسكريه باعتبارها منازل آمنه. وقد وضعت تلك الاماكن تحت المراقبه المكثفه، وخلال سلسله من الهجمات التي قتل فيها عدد من الانتحاريين في منتصف نيسان تم القبض على مجموعه جديده من المشتبه بانتمائهم الى القاعده وتم تسليمهم الى الوحده في بلد.

وفي احدى تلك الهجمات، حصل افراد قوات  وحدة العمليات على شريط فيديو يحتوي على مقاطع لماده صحفيه صدرت مؤخرا عن الزرقاوي، حيث يظهر الزرقاوي مرتديا قميصا اسود وحزاما انتحاريا ويحمل بيده رشاشا اوتوماتيكيا. في هذا الشريط يظهر هذا الارهابي وهو يقلّب الرشاش بين يديه بينما يقوم رجل اخر بارشاد الزرقاوي حول كيفية استعمال السلاح وقد نشرت القوات العسكريه هذه الصور التي يظهر فيها الزرقاوي كالمبتدئ في استخدام الاسلحة، على امل التقليل من سطوته  أمام الناس. ولكن ما لم تكن تعرفه وحدة العمليات هو ان الزرقاوي كان في البناية المجاوره حين تم اكتشاف الشريط.

تم تسليم خمسه من الرجال الذين تم القبض عليهم أثناء الهجمات الى فرق الاستجواب في بلد. وظهر ان اثنين منهم كانوا مهمين. الرجل الاول الذي سندعوه هنا ( أبو رجاء) تم تسليمه الى مات ونيثان. اما السجين الاخر فهو رجل أكبر سنا واضخم بنية وسندعوه هنا (ابو حيدر) فقد تم تسليمه الى ماري وليني.

 كان ( ابو رجاء) رجل ذكي محنك في منتصف الثلاثينات، من اصحاب المهن ويتحدث الانكليزيه بطلاقة. كان رقيقا وممتلئا وأصلع الرأس وله شارب مميز، معروف بين السنه أيام صدام حسين. وينتمي (ابو رجاء) الى عائله ذات مكانه وعلاقات جيده اثناء حكم الطاغيه، وكان عمله مزدهرا اثناء الاحتلال الامريكي.

وقد قتل احد أقاربه في الحرب العراقيه – الايرانيه في الثمانينيات مما ولد لديه كره شديد للايرانيين.

 وكان (ابو رجاء) يؤمن بان الغزو الامريكي للعراق عبارة عن مؤامرة  بين ملالي ايران والولايات المتحدة الامريكيه للقضاء على السنّة في العراق.

ورغم ان (ابو رجاء) كان في البداية جريئا ليس من السهوله اخافته، الا ان اساليب مات ونيثان في الاستجواب نجحت في تحويله الى انسان خائف مرتبك ليس له انتماء او اخلاص ايديولوجي. كانت الاسئلة السريعة تنهال عليه كالمطر

من دون منحه  فرصة  للتفكير حتى، فتحطمت أعصابه   في يومين، ووافق على ان

يتحدث عن أي شخص في رتبة أعلى في القاعدة، ولكن ليس عن الذين في رتب أدنى واقل أهمية، وجاءت  هذه الأعترافات ملائمة تماما لأسلوب دائرة العمليات في شق طريقها من الأسفل إلى الأعلى.

 أما "أبو حيدر" فكان أصعب مراسا . كان ضخما، يكاد الكرسي البلاستيكي ينبعج تحت ثقل جسده في غرفة الأستجواب. كان في الثالثة والأربعين من عمره، ذو وجه عريض وملامح مميزة، وأذنين كبيرتين، ولحية مشذبة بشكل جيد، وبشرة  فاتحة وكان متزوجا وله أربعة أطفال، ويتحدث الأنكليزية بطلاقة.

وكان ابو حيدر ذو منصب مهم في الحكومة قبل الغزو الامريكي، مما وفر له حياة مرفهة. وكما قال، فإنه كان يكره صدام، ولكن حين سقط الطاغية، َفَقَدَ " أبو حيدر" كل شيء. وقد تميز الرجل بمظهره القوي، وكان يتباهى بالحزام الأسود الذي حصل عليه في الكراتيه. ورغم مظهره هذا، تميز الرجل بأخلاق مهذبة، وتحدث بطريقة مهنية مباشرة . درس القرآن، لكنه لم يكن متشددا . تعرض للاعتقال مرة من قبل، وقضى فترة في سجن " ابو غريب" كما اكد، وبالطبع  لم  تكن لديه رغبة في العودة الى هناك.

جاء في إعترافاته ان " أبو رجاء" طلب منه الحضور لأصلاح كاميرا فيديو عاطلة تعود لبعض الأشخاص، وبناءً على ذلك ذهب لأصلاح الكاميرا، وهناك ألقي القبض عليهما .  كان يكرر: "انا لا أعرف لماذا ذهبنا الى هناك."

إستمر إستجواب "أبو حيدر" مرتين يوميا  لمدة ثلاثة أسابيع، من منتصف نيسان إلى مطلع مايس دون أي نتيجة. ومما لاشك فيه أن مدة  ثلاثة أسابيع وقت طويل بالنسبة للمحققين مع شخص واحد. كانت ماري قوية ومتمكنة في مهمتها. أما أسلوب ليني فهو مواصلة  قرع الرجل بالأسئلة دون رحمة، والعودة به الى الأرضية نفسها المرة تلو الأخرى، والعمل على هز ثقته بنفسه أو إجهاده إلى أقصى حد ممكن. ورغم انها لم تكن وسيلة ذكية، لكنها أتت بنتائج جيدة في أغلب الأحيان، خصوصا حين تمارسها شخصية قوية مثل شخصية ليني. لكن "أبو حيدر" تحمل كل ذلك دون أن ينهار، وقبل تقديم أي إجابة، كان يسند ظهره القوي على ظهر الكرسي البلاستيكي، ويطوي يديه، ويستغرق في التأمل مثل عالم مستغرق في أفكاره.

أدرك الدكتور الذي كان يراقب مسار كلا  الأستجوابين  بصفته المسؤول، أن كل الجهود التي يبذلها ليني وماري تذهب أدراج الرياح. لذا طلب من الضابط المسؤول  عن مراقبة العملية  إستبدالهما . ولم يكن ذلك إجراء غير إعتيادي من محقق أقدم، فغالبا ما كان يتم تبديل المحققين حين يرى المسؤول ضرورة تجربة وسيلة أخرى في التعامل والأستجواب، وقد فعل الدكتور ذلك من قبل.

لكن طلبه قوبل بالرفض بناء على ظروف إعتقال "ابو حيدر " – وسنه وتجاربه.

والحقيقة فإن وحدة العمليات كان لديها تحفظات على الدكتور، وأخبروه  بأن المسؤولين الكبار يريدون ان  تبقى هذه القضية تحت مسؤولية ماري وليني حتى النهاية.

   لقد كانت هناك عدة أسباب لتجاهل قلق الدكتور في هذه القضية. كان الرجل معروفا بغطرسته، وكان هناك شعور قوي لدى عدد من المحققين بأن الدكتور "

يبالغ" في مراقبة عملهم والأشراف على أدائهم. وربما كان أثر ذلك مضاعفاً على ماري التي قضت في بلد فترة أطول من الدكتور، وكانت" وحدة العمليات"

تعتبرها من أفضل أعضاء الفريق. كان واضحا لزملائهما، بأن هناك نوع من التوتر والتصادم بين هاتين الشخصيتين . كان الدكتور أكبر سنا وأكثر تجربة، ولم يستطع إخفاء غضبه ورفضه لما تبديه  المؤسسة من إحترام لزميلته الأصغر سنا. وعند وصوله الى بلد لأول مرة، تم تكليفه بمراقبة ماري، وبعد بضعة ايام فقط، أخبر رئيسه بأنه غير مقتنع بالأداء، وطلب العمل مع شخص آخر. وحين تم تكليفه بمهمة المراقبة، وبخ ماري بشكل مباشر،  وكانت ملاحظاته عنها أنها تقضي وقتا طويلا في التحدث على الأنترنيت مع صديقها الذي كان هو الأخر يخدم في العراق. وكانت لا تحضر الأجتماعات في بعض الأحيان، وبينما كان المحققون الأخرون يقومون  بثلاث أو أربع جلسات تحقيق في اليوم الواحد، تمسكت ماري بجلستين في اليوم فقط. وكان الدكتور يؤكد أن أداءها بطيء، دون ان يكون لها عذر. وقد ابدى آخرون عدم إرتياحهم لطريقتها في اللبس، فقد كانت ترتدي في العادة سروال من الخاكي، وتي شيرت ذو فتحة واسعة تكشف عن صدرها، او بلوزة قصيرة بحيث تكشف عن جزئها الأوسط – ما يشكل إهانة للمعتقلين المسلمين. وقد لاحظ الجميع التوتر بينهما.  إلا أن إنتقادات الدكتور  لم تجد لها صدى لدى ماري، التي لم تغير من مركزها ولا من عاداتها. وعلى كل حال، ومهما كانت الأسباب، فقد باءت بالفشل جميع محاولات الدكتور في إبعادها عن المهمة.

 كان "أبو رجاء" في هذه الأثناء  قد تحول إلى حطام فبعد أسابيع من الأستجواب، أكد الرجل بأنه قدم كل المعلومات التي لديه. لكن المحققين لم يتوقفوا عن إستجوابه  ليلا ونهارا. وفي أحدى ألأيام  قام الدكتور بالأستجواب بنفسه . وبمقارنة القصة التي سردها  "أبو رجاء" مع القصة ذاتها في  وقت سابق، لاحظ الدكتور بأن "أبو رجاء" قد زل لسانه، وذكر أن "أبو حيدر " كان يجتمع أحيانا مع رئيس "أبو رجاء" لوحدهما .

كانت هذه معلومات مختلفة وغريبة . وظل الدكتور يتساءل: لماذا يجتمع "أبو حيدر" برئيس "أبو رجاء"، الذي يعمل لديه، وذهب لتصليح كاميرا الفيديو فقط؟ لم يقدم "أبو رجاء" تفسيرا مقنعا لمثل هذه اللقاءات، وهذا ما ترك إحساساً لدى الدكتور: الا يمكن أن يكون "أبو رجاء قد كذب طيلة الوقت  حول  مركز الرجل الأخر ودوره؟ ولماذا يفعل ذلك؟ هل كان يخاف من"أبو حيدر"؟ أم كان يحميه؟ كل هذه التساؤلات جعلت الدكتور ينظر إلى السجين الأكبر سنا والأقوى شخصية والأشد تأثيرا "أبو حيدر" نظرة جديدة .

ألا يمكن أن يكون هو مسؤول "أبو رجاء" في المنظمة؟ في هذه الحالة،  سيعني ذلك أنه  أكثر أهمية مما توقعوا جميعا.

المشكلة أن ماري وليني كانا في وضع حرج، والفريق كله يئس من الحصول على أي معلومات من "أبو حيدر" الذي قدم بيانات أخيرة، وتقرر تقديم ملابس جديدة له، ووضع على القائمة لنقله إلى "أبو غريب".

حصل الدكتور على الأذن للتحدث مع "أبو حيدر" لمرة واحدة قبل نقله إلى موقع آخر. وكان الدكتور يعرف  بأن ألرجل يرتعب من إحتمال العودة إلى سجن "أبو غريب".

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com