من أجل حملة دفاع دولية .. لحماية المجموعات القومية والدينية القديمة في العراق
 

 

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

tayseer54@hotmail.com

تمضي الأيام والوضع العراقي العام بين هدوء نسبي حذر مشوب بتفاعلات متشنجة وآخر يعود القهقري بجملة الأمور بسبب من تحدد الوضع بعمليات ترقيعية لا تطال جوهر المشكلة.. في وقت تنشغل أجهزة الدولة والحكومة بظروف عدم جاهزيتها والانشغال باستكمال مؤسساتها ومحاولة إنضاج مفرداتها أو الدفاع عن المتحقق من تلك الأجهزة وتطويره في ظرف ينافس ويسابق هذه المسيرة فعل اختراق بعيد الأثر من أصابع أجنبية إقليمية ودولية متنوعة الأجندات والمطالب والأهداف فضلا عن عناصر في أطراف عراقية تحمل برامج مريضة...

وبعامة تلتهب الأوضاع، لتصبَّ جام غضبها على أولويات كما في تحمل أبناء المجموعات القومية والدينية لأكثر أشكال المعاناة وظروف الاستلاب والاستغلال بأبشع صوره.. والنكاية في الأمر هو أنَّ هذه المجموعات الأصيلة تاريخا وانتماءَ َ لا تعاني من أزمات واختناقات معيشية حادة كما كان الوضع قبيل السنوات الخمس الأخيرة حسب بل صارت تتعرض لمجزرة تدخل في باب الهولوكوست أو الإبادة الجماعية...

حيث يمكننا بقراءة مشهد التقتيل والأضاحي التي يدفعونها من دماء وحيوات بنتاتهم وأبنائهم، أن نكتشف حجم الكارثة المحيقة بهم... إذ أنَّ التصفيات الجسدية الدموية المهولة بالنسبة للحجم العددي لمن تبقى متمسكا ببيته وموئل حياته تشكل تهديدا جديا لوجود هذه المجموعات في العراق وعيشها فيه بأية طريقة...

فإذا قرأت إحصاءات جمعيات حقوق الإنسان المتخصصة فستجد أن نسبة النزوح الداخلي [لمن تبقى من هؤلاء] بلغت أكثر من 95% في بعض المحافظات الجنوبية كما في البصرة عند تعلق الأمر بالأرمن أو غيرهم من المسيحييين الكلدان الآشوريين وكما في العمارة أو ميسان عند تعلق الأمر بالصابئة المندائيين وهكذا بشأن محافظات مثل الناصرية (ذي قار) أو كما بشأن التطهير العرقي والطائفي في ضواحي وأحياء المدن المهمة كالعاصمة بغداد...

وفي الغالب لا يركز الإعلام [الرسمي وغير الرسمي] إلا على ما تركز عليه السياسة العامة بشأن الصراع الطائفي بين الغالبيتين من الشيعة والسنة ومجريات صراع الميليشيات التي تدعي تمثيل هاتين الطائفتين زورا وبهتانا... وهكذا يجري طمس حقيقة مجريات الأوضاع كما تدور رحى الطحن الهمجية بحق مئات ألوف هذه المجموعات التي ما زال يأبى مسؤولو الحكومة إلا أن يسموها الأقليات إمعانا في التهميش وفي استخدام اصطلاحات الاستغلال والاستلاب والمصادرة...

إنَّ عامل الوقت والإهمال أو التغافل أو حتى الانشغال بأولويات ملايين النازحين في الداخل والخارج في السنوات العجاف المأساوية هذه سيكون سيف جلاد بل ماكنة إبادة أخرى لن نصحو حتى نجد أنفسنا وقد ارتكبنا جريمة إبادة جديدة بحق عدد من المجموعات البشرية بلا ذنب لهؤلاء سوى كونهم من أبناء العراق الأصليين من المسيحيين من كل مجموعاتهم المذهبية والقومية ومن الصابئة المندائيين ومن الأيزيديين ومن اليهود ومن الشبك والبهائيين ومن كل الأطياف القومية والدينية المقهورة...!

ما بالنا ونحن الذين ندعي أن العراق لا يكون صحيحا معافى بلا أهله الموحدين بقلوبهم المؤتلفة بكل مشاربهم وتنوعاتهم وتعدد كينوناتهم القومية والدينية والمذهبية والطائفية...؟! ما بال الزعامات الدينية التي تدعي تمثيل [الأغلبية] المسلمة تتبرقع بقناع يزعم الدفاع عن جيرة المسيحي والمندائي والأيزيدي فيما تسكت غاضَّة َ َ الطرف عن جريمة الإبادة الأخيرة وهي تتغافل حتى عن واجب الجوار الديني المعلن مقابل الجزية المفروضة تاريخيا ويعيدونها اليوم بطرائق أخرى؟!

ما بال رجال دين الكهنوت الإسلاموي الجديد [السياسي] يتشدقون بفتاوى تاريخية ما أنزل الله بها من سلطان ففتوى تُعنى بحلاقة الشعر واللحية والشارب ومرورا بفتاوى أشكال اللباس مما للرجال من قصير القمصان وطويل الجلابيب للنسوان وليس انتهاء بفتاوى زواجات المتعة والمسيار والعرفي والمسفار والميسار بتقليب ما يأتينا به الأولئك...

وما بعد كل هذا الانشغال بالهامشي إلا براقع تخفي جرائم مهولة يُحظر الحديث عنها؛ ومن يتحدث فيها ليس مصيره إلا كمصير من صار في خبر كان بل يصير نسيا منسيا بلا ذكر ولا اسم ولا أثر لإنسان في زمان أو مكان...

ومن هنا فإنَّ دعوتي تنصبّ على الآتي:

1. تشكيل لجنة تنسيق تتابع كل تفاصيل أنشطة المنظمات والجمعيات والروابط والأحزاب بخصوص حقوق الإنسان ومصير أبناء هذه المجموعات القومية والدينية... على أن تتركب لجنة التنسيق من برلمان أو مؤتمر عام يضم ممثلين لجميع الأطراف المقصودة...

2. البدء بتدقيق الإحصاءات الرسمية والشعبية بشأن ما يجري من جرائم وتوثيقها مع كل تفاصيل الإجراءات القانونية القضائية والمتابعات السياسية والرسمية بشأنها...

3. على أن يجري حسم إحصاء رسمي شامل في داخل العراق وخارجه لهذه المجموعات القومية والدينية وتوزيعهم الديموغرافي السابق والحالي وأسباب التغيير وإمكانات المعالجة لحالات النزوح والتهجير وآلياتها والأسقف الزمنية المنطقية للتنفيذ...

4. وضع الخطط الشاملة لآليات الحماية بما يشمل المهاجرين والمهجرين والنازحين مؤقتا ويتابع شؤونهم في مهاجرهم وأماكن النزوح والعمل على صيانة حقوقهم المادية والأدبية المعنوية ومن ذلك حقهم في المسكن الأول بكل تفاصيل الأمر... وتستقبل الشكاوى وتفاصيل الأمور لجنة عمل رسمية تعلن عن عناوينها للجميع...

5. الطلب إلى المنظمة الدولية لتشكيل لجنة متابعة مخصوصة بالمجموعات القومية والدينية العراقية كلا على انفراد واستقلالية بشؤونه ومطالبه وحاجاته كاملة تامة مع التقاء تنسيقي لاحق.. والعمل على استصدار قرار أممي بالخصوص يشرّع لهذه اللجنة وأنشطتها..

6. البدء بحملة دولية ووطنية واسعة يشترك فيها ممثلو جميع المجموعات القومية والدينية والمذهبية ويحشدون له الجهود الوافية بهذا الاتجاه...

7. الالتفات إلى أنه بلا تجمع يرتقي لمستوى المسؤولية سيظل الأمر مجرد محاولات فردية أو متشظية لا يمكنها التصدي لجريمة الإبادة التي ستأتي على آخر مسيحي ومندائي ويهودي وأيزيدي وشبكي وبهائي في العراق وسيكون هذا المصير الكارثي هو الخطر الحقيقي الذي نجابهه حيث التصفية الدموية بلا رحمة... ومن هنا وجب البحث في مؤتمر للقاء تحت عنوان "مصير المجموعات القومية والدينية العراقية"...

8. إنَّ حق تقرير المصير والحقوق القومية والدينية والثقافية الروحية والمادية على أساس من المساواة والعدل والإنصاف لأمر لا يمكن المساومة عليه وحتى بشأن النكوص الدستوري عن القبول بالمساواة التامة بين جميع الشعوب والمجموعات القومية والدينية العراقية فإنَّ نضالنا يلزم أن يقف على أرضية القوانين والشرائع الإنسانية التي أقرت تلك الحقوق كاملة كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقوانين أممية للمنظمة الدولية ولمؤتمرات معنية...

وبغية التوصل لتشكيل لجنة التنسيق أدعو للآتي:

1. تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر تخصصي ينعقد في بروكسل بدعم البرلمان الأوروبي وأية جهة نصيرة لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير...

2. ينبثق عن المؤتمر لجنة التنسيق التي تعقد اتصالاتها الأممية والوطنية وتتكفل بمتابعة مقررات متوافق عليها ومتضمنة بشرعية أممية عبر قرار أممي بالخصوص..

3. تعمل اللجنة التحضيرية لحين انعقاد المؤتمر بوصفها لجنة تنسيق مؤقتة تعقد الاتصالات المؤملة وتنهض بمسؤولية الأنشطة المتاحة.. ويمكن بهذا الخصوص الالتفات إلى وجود منظمة للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية في العراق ولديها أمانة عامة يمكنها أن تفعّل الجهد وتتصل بالجهات المعنية في برنامج من مفردات وإجراءات عملية يتم الاتفاق على أولوياته...

هذه الدعوة يمكنها أن تتحول إلى واقع عملي مفيد لأبناء المجموعات القومية والدينية في العراق فقط عندما يتم التفاعل معها. وأول الأمر بإرسال عناوين كل منظمة وجمعية ورابطة ومنتدى وحزب وحركة بلا استثناء ممن يعنيهم أمر المساهمة في الحملة الدولية المشار إليها وممن يرى مسؤوليته في الدفاع عن حقوق الناس وحيواتهم ومصائرهم وكراماتهم..

ولن يكون هذا تنازلا من طرف أحد ومكانته وحجمه فليس من الصائب تقديم العربة على الحصان والأجدى أولا هو تجميع تلك العناوين بوصفها إعلانا عن اتفاق على حق الحياة لأبناء هذه المجموعات وواجب حماية وجود يكاد ينتهي بهذه المجزرة الدموية التصفوية وما من ضمير يرتقي لمستوى المسؤولية... وأعتقد أن كل من يتلكأ في إرسال عنوانه وتعريفا وإعلانا عن وجوده وموافقته المساهمة في الحملة سيكون مشاركا في الجريمة بسبب هذا التلكؤ أو التغافل لأي سبب أو ذريعة تدعوه لعدم التفاعل...

فإذا كانت الجريمة مستمرة وإذا كنا نتفق أن نهايتها تعني إبادة جماعية مطلقة ونهائية ينقرض بعدها كل وجود لهذه المجموعات بمعنى تصفية مطلقة لمجموعات بشرية كاملة وإذا كنا نتفق على أنه لا بد من عمل فوري وحاسم وشامل ولا مجال لأعمال ترقيعية مؤجلة فإن الصائب هو التنادي للقاء تحت مسمى "مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية" ..

إنَّ المصير العراقي هو مصير تعددي يقوم على احترام التنوع والمساواة والعدل بين جميع الفرقاء الذين يشكلون المشهد العراقي مذ كانت أول حضارة إنسانية في ربوع وادي الرافدين.. ولهذا سيكون مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية هو مؤتمر تنفيذي لا مجرد مؤتمر إعلان لاحترام التنوع والتعددية في إطار المشهد العراقي الوطني بجوهره الإنساني المشرق والمشرّف...

دعونا نضع البداية من هنا:

1. أن تُرسل عناوين المنظمات والجمعيات والأحزاب كبيرة وصغيرة قديمة وجديدة فاعلة حيوية أو تجابه مصاعب؛ جميعا يرسلون موجزا بالاسم والعنوان للاتصال والتفاعل... وفي مرحلة لاحقة لإبداء الآراء والمقترحات وأشكال التصورات المفيدة للتحرك... e-mail: info@babil-nl.org

وهذا هو إيميل مؤقت سيحيل ما يصله إلى ملف خاص بالمؤتمر والحملة الأممية والإيميل يعود لرابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر.

2. وحتى الشخصيات المعنوية والأدبية والحقيقية سيكون واجبا أن ترسل عناوينها وما يمكن أن تساهم به سواء في النهوض بمهام اتصال مع منظمات وجهات رسمية أو أوسع توزيع جماهيري للحملة...

3. المرحلة التالية تنهض اللجنة التحضيرية بمفردها أو بالتنسيق مع الأمانة العامة للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية [إذا تحققت الموافقة] بمهمة ترتيب خطة العمل باتجاه تفعيل الحملة بوضع مؤشرات محددة لها والتحضير للمؤتمر..

4. استكمال أوراق العمل للمؤتمر وإعلان يُسمى "الإعلان الأممي لحماية الشعوب العراقية" أو "الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة"...

5. سيكون مفيدا الاتصال بالحكومة العراقية لجهة التعرف إلى إجراءاتها الجدية المنتظرة وتعريفها بمطالب فعلية حقة لهذه المجموعات.. كما في مطلب تغيير الدستور بما يستجيب لتشكيل البرلمان العراقي من قسمين هما المجلس الوطني والمجلس الاتحادي وبشأن تشكيل وزارة للمجموعات القومية والدينية تستجيب لمتابعة القضايا المعقدة المطروحة...

من المفيد أن أشير هنا إلى أنه سيتم في مرحلة تالية تقديم صيغة مقترحة لــ "الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة".. بعد استكمال التداول مع أطراف القضية فضلا عن أية إجراءات تظهر بعد استكمال الاتصالات..

إنَّ العمل وحده هو الكفيل بضمان النجاح لأية حركة أو قضية ولأية مستهدفات موضوعية كما في حقوق الناس والمجموعات البشرية... ومقترح حملة دولية لا يتعارض وطرف وطني مسؤول بقدر ما يدعم الجهود ويحشدها من أجل خير الجميع وسلامتهم ومستقبلهم الواعد المشرق سويا وبروح الإخاء والعدل والمساواة...

 

بشأن ضرورة التأسيس لوزارة المجوعات القومية والدينية والمجلس الاتحادي؟

مع تقدم العملية السياسية واتخاذ بعض خطوات تطمينية في المجال الأمني، تتصاعد بالمقابل شراسة القوى العنفية وأفعالها الإجرامية لإيقاع أكبر الخسائر والآلام ببسطاء الناس وعامتهم. كما توغل تلك القوى الإرهابية في عشوائية واعتباطية مواقع الجريمة بسبب التقدم في محاصرة دائرة حركتها، وبسبب تنامي الوعي العام داخل أجهزة الدولة، الأمنية منها وغيرها... على أنَّ تلك القوى الدموية الشرهة ما تزال تتصييّد الفرص في اختيار أهدافها لتضرب القيادات الوطنية السياسية منها والأكاديمية العلمية والاجتماعية... وهذه القوى المنبوذة في أفكارها وتوجهاتها السياسية وخططها تجد ميدانها المفضل في الضرب على أهم سمة للكيان العراقي؛ ألا وهي سمة التعددية والتنوع محاوِلةَ َ اختراق عمق الوحدة الوطنية وإضعاف التفاعل بين مكونات الطيف العراقي وخلق شرخ في بنية نسيجه...

ومن هنا، يجابه المجتمع العراقي اليوم، إشكاليتين بشأن طبيعته التعددية هذه: أولاهما في تعقيدات الإرث المرضي البائس بالخصوص وثانيهما في الجريمة التي ما زالت تنتهك حقوق المجموعات القومية والدينية مستهدفة جذور وجود هذه المجموعات في جريمتها المستمرة المتصلة. وتستغل قوى التطرف والتشدد تلك الخطابَ الإعلامي المتشنج والمتبني لفلسفة العداء ودق أسفين الصراع وفي أفضل الأحوال تكرار استخدام مصطلح الأقليات "التابعة والمهمَّشة" من "دافعي الجزية" المكبلين بقيود وفروض من زمن القرون الوسطى..

لقد جاء الردّ أمميا عبر وثائق حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب صغيرها وكبيرها وعبر إلغاء استخدام المصطلحات التهميشية المذلّة كما في مصطلح "أقلية" القائم على جوهر استرقاقي استعبادي واستبداله بمصطلحات تنويرية تحترم مبدأ المساواة والعدل والإخاء وتؤكد على حقوق الآخر وتلغي فرص الاستغلال والتهميش والاستلاب... وفي العراق الجديد دفع الشعب العراقي ويدفع يوميا ضريبة خياره المتطلع للانعتاق وللوحدة الوطنية على أساس تعددي تداولي؛ وهذا ما يعني التزام الشعب العراقي وقواه الوطنية التقدمية بمبادئ العدل وإنصاف جميع أطيافه ومكوناته على أساس المساواة...

ولقد ثبَّتَ الشعب خياره في تصويته على دستوره. وكان من بين ما أشار إليه الدستور العراقي [خيارا شعبيا] توكيده على مساواة العراقيين وحقوقهم الإنسانية وتوكيده على حقوق مكوناته وأطيافه في الحياة الحرة الكريمة بلا إخلال لمكانة الجميع في وطنهم وأمام قوانين البلاد الدستورية.. وقد صيغ في الدستور نفسه وجوب تشكيل المؤسسات والهيآت الاتحادية التي تستجيب لمتابعة قضايا المجموعات القومية والدينية والتي يعبرون بها عن تطلعاتهم ورؤاهم ومعالجاتهم لمطالبهم ولشؤونهم عبرها [عبر تلك الهيآت]...

ومن هذا التأسيس الدستوري أجد أن ما نعانيه اليوم من جدل بشأن كثير من الأمور الجارية بحاجة على الصعيد الحكومي وأجهزة الدولة (التنفيذية منها) أن يُصار إلى تكوين وزارة للمجموعات القومية والدينية وهي ضرورة عاجلة للتعاطي مع عدد من المعضلات والمشكلات والمسائل المطروحة في المشهد السياسي الراهن.. ولابد من نقل هذه الفكرة للتداول في اللجان البرلمانية المختصة من جهة ولرسم الصيغة التنفيذية المناسبة في الحكومة العراقية الحالية ورفعه مجددا للبرلمان لإقراره وتطبيقه على وجه السرعة للأهمية...

وفي التأسيس نفسه ينبغي مراجعة النصوص الدستورية التي تتعلق بتشكيل مجلس اتحادي يمكن مبدئيا أن يتم حاليا [مرحليا] بالتوافق.. وبالعودة للأسس القانونية المناسبة لإعلانه في أقرب فرصة متاحة لأنه من دون هذا المجلس الاتحادي ستبقى الدولة في أشكال من الخلل في التعاطي مع المهام والصلاحيات دستوريا كما حصل مع قضية إقرار قانون مجلس المحافظات من أحد أوجهه المتعلقة بإقليم كوردستان الاتحادي على سبيل المثال. والأمر ينطبق على مسألة تعبير المجموعات القومية والدينية الأخرى من تلك التي لا تمتلك وجودا جغرافيا محددا الأمر الذي لا يتعارض مع حقها الدستوري في المشاركة بتقرير محددات المسيرة بكل تفاصيلها...

ومن الطبيعي أن يكون مطلب وجود المجلس الاتحادي من الأهمية بمكان ليتحول في الحقيقة من آلية الاختيار المقترحة استكمالا لهيآت الدولة دستوريا إلى ما ينبغي أن يسجل في الدستور نفسه بشأن تركيبة البرلمان العراقي كيما تكون متألفة من مجلسين هما المجلس الوطني الذي يُنتخب على المستوى الوطني وبدائرة واحدة مباشرة والمجلس الاتحادي الذي يتشكل من انتخابات ينجم عنها تمثيل المجموعات القومية والدينية المكونة للطيف العراقي على أساس من التساوي والعدل. ومن المجلسين يتركب البرلمان العراقي، ويستكمل تركيبه هذا صلاحيات الأداء التشريعي المعبر عن مجموع الأطياف العراقية بلا عراقيل ولا احتدامات وتوترات متجددة...

وفي ضوء هذا التوجه فقط سيمكننا أن نجسّد إرادة الدستور العراقي وفحوى تضمنّه إرادة العراقيين في مساواتهم ومساواة أطياف الشعب ومكوناته بتجسيد ذلك في الهيآت الدستورية المناسبة التي أشرنا إليها هنا على الصعيدين التشريعي والتنفيذي. إذ كيف يمكننا أن ندعي احترامنا للآخر وإعلاءنا لمكانته عندنا، من دون أن نعترف له بحق مشاركتنا في رسم السياسات وتقرير مجرياتها وتنفيذها؟ ومن دون إقرار ذلك في هيآت ومجالس تنظم تلك المشاركة على مبدأ الإخاء والمساواة...؟؟

وعود على بدء، وفي ضوء هذه الإشكالية الدستورية والوطنية، أجد أن ظهور التشنجات وردود الفعل المتشددة ستظل تظهر بين الفينة والأخرى كلما جابهت الأطياف العراقية معضلة توجب اتخاذ قرار مشترك بخصوصها.. ومن حق الأطياف العراقية من تلك المهمّشة والمزوية بعيدا عن مراكز اتخاذ القرار أن يعلو الصوت عندها في مثل هذه الحالات طالما تغافل من يسمون أنفسهم الأغلبية عن مبدأ المشاركة والمساواة وعن فكرة استكمال إنشاء الهيآت الدستورية التي تحقق فعل التشارك وعدل احترام رؤى جميع الأطراف بمنع التفرد و\أو الانفراد في رسم الأمور وتنفيذها.. دع عنك الحقوق الميدانية لهذه المجموعات ومشهدها الحقيقي على الأرض؛ حيث يصعب لجهة أو إنسان أن يتجرع اغتصاب حق له أو استلابه ويقعد متأسِ ِ بلا فعل يعيد حقه ويدافع عما استعاده من جزئيات ومفردات من ذاك الحق...

إشارة خاتمة هنا أعتقدها جديرة بالالتفات.. هي أنَّ ما يُكتب في مثل هذه الأمور ولا تتفاعل معه الجهات المسؤولة سيعني مزيدا من تعقيد تلك الأمور ولن يعني يوما تمريرا لها وإغفالا حتى تنتسى.. فذاكرة الناس لا تهمل ولا تغفل وحيواتهم المطحونة لا يمكنها أن تواصل تحمّل آثار الطحن وآلامه.. كما أنه حتى في حال رفض المعالجات الموضوعية التي تستند إلى حقوق الناس وحقوق المجموعات المكونة لأطياف الشعب وتستند إلى الدستور، فإنّه يمكن اللجوء إلى المحكمة الدستورية ولن يطول مشوار حال الانتقاص والتلكؤ في مسيرة استكمال الهيآت الدستورية المؤملة، لأنها ليست مطلبا هامشيا بل ضرورة تحتمها حيوات الجميع وتطمين حاجاتهم الواجبة الماسة وإلا فلات ساعة مندم من تداعيات الإهمال فدوام الحال من المحال...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com