|
بشأن ضرورة التأسيس لوزارة المجوعات القومية والدينية والمجلس الاتحادي؟
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي مع تقدم العملية السياسية واتخاذ بعض خطوات تطمينية في المجال الأمني، تتصاعد بالمقابل شراسة القوى العنفية وأفعالها الإجرامية لإيقاع أكبر الخسائر والآلام ببسطاء الناس وعامتهم. كما توغل تلك القوى الإرهابية في عشوائية واعتباطية مواقع الجريمة بسبب التقدم في محاصرة دائرة حركتها، وبسبب تنامي الوعي العام داخل أجهزة الدولة، الأمنية منها وغيرها... على أنَّ تلك القوى الدموية الشرهة ما تزال تتصييّد الفرص في اختيار أهدافها لتضرب القيادات الوطنية السياسية منها والأكاديمية العلمية والاجتماعية... وهذه القوى المنبوذة في أفكارها وتوجهاتها السياسية وخططها تجد ميدانها المفضل في الضرب على أهم سمة للكيان العراقي؛ ألا وهي سمة التعددية والتنوع محاوِلةَ َ اختراق عمق الوحدة الوطنية وإضعاف التفاعل بين مكونات الطيف العراقي وخلق شرخ في بنية نسيجه... ومن هنا، يجابه المجتمع العراقي اليوم، إشكاليتين بشأن طبيعته التعددية هذه: أولاهما في تعقيدات الإرث المرضي البائس بالخصوص وثانيهما في الجريمة التي ما زالت تنتهك حقوق المجموعات القومية والدينية مستهدفة جذور وجود هذه المجموعات في جريمتها المستمرة المتصلة. وتستغل قوى التطرف والتشدد تلك الخطابَ الإعلامي المتشنج والمتبني لفلسفة العداء ودق أسفين الصراع وفي أفضل الأحوال تكرار استخدام مصطلح الأقليات "التابعة والمهمَّشة" من "دافعي الجزية" المكبلين بقيود وفروض من زمن القرون الوسطى.. لقد جاء الردّ أمميا عبر وثائق حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب صغيرها وكبيرها وعبر إلغاء استخدام المصطلحات التهميشية المذلّة كما في مصطلح "أقلية" القائم على جوهر استرقاقي استعبادي واستبداله بمصطلحات تنويرية تحترم مبدأ المساواة والعدل والإخاء وتؤكد على حقوق الآخر وتلغي فرص الاستغلال والتهميش والاستلاب... وفي العراق الجديد دفع الشعب العراقي ويدفع يوميا ضريبة خياره المتطلع للانعتاق وللوحدة الوطنية على أساس تعددي تداولي؛ وهذا ما يعني التزام الشعب العراقي وقواه الوطنية التقدمية بمبادئ العدل وإنصاف جميع أطيافه ومكوناته على أساس المساواة... ولقد ثبَّتَ الشعب خياره في تصويته على دستوره. وكان من بين ما أشار إليه الدستور العراقي [خيارا شعبيا] توكيده على مساواة العراقيين وحقوقهم الإنسانية وتوكيده على حقوق مكوناته وأطيافه في الحياة الحرة الكريمة بلا إخلال لمكانة الجميع في وطنهم وأمام قوانين البلاد الدستورية.. وقد صيغ في الدستور نفسه وجوب تشكيل المؤسسات والهيآت الاتحادية التي تستجيب لمتابعة قضايا المجموعات القومية والدينية والتي يعبرون بها عن تطلعاتهم ورؤاهم ومعالجاتهم لمطالبهم ولشؤونهم عبرها [عبر تلك الهيآت]... ومن هذا التأسيس الدستوري أجد أن ما نعانيه اليوم من جدل بشأن كثير من الأمور الجارية بحاجة على الصعيد الحكومي وأجهزة الدولة (التنفيذية منها) أن يُصار إلى تكوين وزارة للمجموعات القومية والدينية وهي ضرورة عاجلة للتعاطي مع عدد من المعضلات والمشكلات والمسائل المطروحة في المشهد السياسي الراهن.. ولابد من نقل هذه الفكرة للتداول في اللجان البرلمانية المختصة من جهة ولرسم الصيغة التنفيذية المناسبة في الحكومة العراقية الحالية ورفعه مجددا للبرلمان لإقراره وتطبيقه على وجه السرعة للأهمية... وفي التأسيس نفسه ينبغي مراجعة النصوص الدستورية التي تتعلق بتشكيل مجلس اتحادي يمكن مبدئيا أن يتم حاليا [مرحليا] بالتوافق.. وبالعودة للأسس القانونية المناسبة لإعلانه في أقرب فرصة متاحة لأنه من دون هذا المجلس الاتحادي ستبقى الدولة في أشكال من الخلل في التعاطي مع المهام والصلاحيات دستوريا كما حصل مع قضية إقرار قانون مجلس المحافظات من أحد أوجهه المتعلقة بإقليم كوردستان الاتحادي على سبيل المثال. والأمر ينطبق على مسألة تعبير المجموعات القومية والدينية الأخرى من تلك التي لا تمتلك وجودا جغرافيا محددا الأمر الذي لا يتعارض مع حقها الدستوري في المشاركة بتقرير محددات المسيرة بكل تفاصيلها... ومن الطبيعي أن يكون مطلب وجود المجلس الاتحادي من الأهمية بمكان ليتحول في الحقيقة من آلية الاختيار المقترحة استكمالا لهيآت الدولة دستوريا إلى ما ينبغي أن يسجل في الدستور نفسه بشأن تركيبة البرلمان العراقي كيما تكون متألفة من مجلسين هما المجلس الوطني الذي يُنتخب على المستوى الوطني وبدائرة واحدة مباشرة والمجلس الاتحادي الذي يتشكل من انتخابات ينجم عنها تمثيل المجموعات القومية والدينية المكونة للطيف العراقي على أساس من التساوي والعدل. ومن المجلسين يتركب البرلمان العراقي، ويستكمل تركيبه هذا صلاحيات الأداء التشريعي المعبر عن مجموع الأطياف العراقية بلا عراقيل ولا احتدامات وتوترات متجددة... وفي ضوء هذا التوجه فقط سيمكننا أن نجسّد إرادة الدستور العراقي وفحوى تضمنّه إرادة العراقيين في مساواتهم ومساواة أطياف الشعب ومكوناته بتجسيد ذلك في الهيآت الدستورية المناسبة التي أشرنا إليها هنا على الصعيدين التشريعي والتنفيذي. إذ كيف يمكننا أن ندعي احترامنا للآخر وإعلاءنا لمكانته عندنا، من دون أن نعترف له بحق مشاركتنا في رسم السياسات وتقرير مجرياتها وتنفيذها؟ ومن دون إقرار ذلك في هيآت ومجالس تنظم تلك المشاركة على مبدأ الإخاء والمساواة...؟؟ وعود على بدء، وفي ضوء هذه الإشكالية الدستورية والوطنية، أجد أن ظهور التشنجات وردود الفعل المتشددة ستظل تظهر بين الفينة والأخرى كلما جابهت الأطياف العراقية معضلة توجب اتخاذ قرار مشترك بخصوصها.. ومن حق الأطياف العراقية من تلك المهمّشة والمزوية بعيدا عن مراكز اتخاذ القرار أن يعلو الصوت عندها في مثل هذه الحالات طالما تغافل من يسمون أنفسهم الأغلبية عن مبدأ المشاركة والمساواة وعن فكرة استكمال إنشاء الهيآت الدستورية التي تحقق فعل التشارك وعدل احترام رؤى جميع الأطراف بمنع التفرد و\أو الانفراد في رسم الأمور وتنفيذها.. دع عنك الحقوق الميدانية لهذه المجموعات ومشهدها الحقيقي على الأرض؛ حيث يصعب لجهة أو إنسان أن يتجرع اغتصاب حق له أو استلابه ويقعد متأسِ ِ بلا فعل يعيد حقه ويدافع عما استعاده من جزئيات ومفردات من ذاك الحق... إشارة خاتمة هنا أعتقدها جديرة بالالتفات.. هي أنَّ ما يُكتب في مثل هذه الأمور ولا تتفاعل معه الجهات المسؤولة سيعني مزيدا من تعقيد تلك الأمور ولن يعني يوما تمريرا لها وإغفالا حتى تنتسى.. فذاكرة الناس لا تهمل ولا تغفل وحيواتهم المطحونة لا يمكنها أن تواصل تحمّل آثار الطحن وآلامه.. كما أنه حتى في حال رفض المعالجات الموضوعية التي تستند إلى حقوق الناس وحقوق المجموعات المكونة لأطياف الشعب وتستند إلى الدستور، فإنّه يمكن اللجوء إلى المحكمة الدستورية ولن يطول مشوار حال الانتقاص والتلكؤ في مسيرة استكمال الهيآت الدستورية المؤملة، لأنها ليست مطلبا هامشيا بل ضرورة تحتمها حيوات الجميع وتطمين حاجاتهم الواجبة الماسة وإلا فلات ساعة مندم من تداعيات الإهمال فدوام الحال من المحال...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |