|
الأغنية العراقية في خطى النجوم
رحيم الحلي قناة البغداية ببرنامجها الرائع على خطى النجوم، الذي يديره اساتذة الغناء العراقي من امثال الملحن الكبير محسن فرحان والناقد الفني عادل الهاشمي والفنان يحيى حمدي تذكرنا بالمرحلة الذهبية في تاريخ الأغنية العراقية وهي فترة السبعينات، التي كانت مرحلة الابداع والخصوبة، بعض الاستقرار النسبي في الواقع السياسي والاقتصادي ائنذاك، منح المبدعين فرصة لكتابة وتلحين أجمل ماقدمته الأغنية العراقية في كل تاريخها، كانت هذه الأغاني نجوماً زينت سماء الفن الموسيقي في العراق، رغم أن النظام العفلقي نظر إلى الأغنية العراقية نظرة دونية واعتبرها تمثل فناً قطرياً ومحليا، ولا تحمل سمات فنية راقية، ونظر بازدراء إلى الفنانين العراقيين من شعراء واعتبرهم اعداء للثورة والأمة لانتمائهم إلى التيار اليساري، واعتبر الملحنين العراقيين دون مستوى الملحنين العرب، واعتبر الفنانين المصريين هم قبلة العرب غناءاً وتلحيناً وشعراً مع حبنا وتقديرنا الكبير لهم، وحين نستمع إلى الإذاعة العراقية في ذلك الزمن ندرك بسرعة مظلومية الأغنية العراقية بسبب ضئالة مساحة البث للأغنية العراقية، حتى اصبحنا نستمع للأغنية العراقية من بعض الاذاعات العربية وخاصة الخليجية، ولايخفى على احد أن المؤسسات الاعلامية الصدامية كانت تنظر بازدراء إلى الأغنية الريفية العراقية لانتمائها إلى الريف في جنوب العراق . لكن الفترة الأخيرة من حياة النظام الصدامي وحيث ظهرت الحاجة لاستخدام الأغنية العراقية في الدعاية السياسية والعسكرية وخاصة في فترات حروبه الطويلة، استخدمت استخداماً بشعاً ومبتذلاً في هذا الميدان، وظهر الشعراء المداحون والذين غنوا للموت وكتبوا ورقصوا على ايقاعه اللئيم، وبرز جيل جديد في رموزالسلطة تمثل بظهور أبناء المسؤولين الذين أحبوا أغاني الردح الليلية في سهراتهم اليومية وظهر مطربوا الردح وراقصاته الغجريات، هذه الأغاني الرادحة اشتهرت ولمعت بشدة لفترة قصيرة وانطفئت بسرعة رغم إنها ساهمت في تقوية جمهور مستمعي ومحبي الأغنية العراقية خارج العراق فهي لم تستند على كلاما شعرياً عالياً وعلى عمل لحني مدروس، حيث ظهر المبتدئون على الصنعة الذين استسهلوا صناعة الأغنية واصيبوا بالاسهال . لفد كان أول سفير للاغنية العراقية الفنان الكبير ناظم الغزالي حين استخدم المفردة القريبة للفصحى والجمل الموسيقية البسيطة التي تحتوى على مقام واحد، ثم أكمل مشواره الفنان المبدع كاظم الساهر الذي استعان بموهبة الشاعر كريم العراقي وشعره الذي امتاز بالمفردة البسيطة الحلوة إضافة إلى عبقرية كاظم الساهر التلحينية فقد كان موفقاً في اختياره للنص، وكان فنانا مقرباً للاوساط الحاكمة مع ذلك كان فناناً رصيناً ومحترماً قدم كثير من الأغاني الرائعة، ولاننسى أغاني الفنانين الكبار داخل حسن وحضيري أبو عزيز وسعدون جابر وياس خضر ورياض احمد وحسين نعمة وسعدي الحلي وحميد منصور ومحمود انور واسماء أخرى كثيرة لم اتذكرها لكنها لاتقل اهمية عمَّن ذكرتهم، هذه الاغاني التي انتشرت انتشاراً كبيراً في البلدان العربية المجاورة للعراق . عانت الأغنية العراقية في فترة التسعينات كثيراً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها الفنان العراقي ومعاناته المادية بسبب انعدام الدعم الحكومي للفنان ولعطائه، سوى لمجموعة من مطربين ارتبطوا برموز السلطة وكانوا جزء من مطبخ الترفيه والسهر اليومي، وغادر الكثير من الفنانين ارض الوطن سعياً وراء لقمة العيش وعانوا الكثير من التشرد والعوز المادي، فقد عمل بعضهم في الملاهي الليلية التي قتلت ابداعهم وحتى إنسانيتهم، وعمل أخرون في احياء الحفلات الشعبية وتعرضوا لايذاء المسيئين من الجمهور، ومن بديهيات النجومية هي أن لاتكون النجوم قريبة جداً لعين ناظرها وعاشقها، وكان هناك حصاراً اعلامياً عربياً على الأغنية العراقية، وكما منع المواطن العراقي من دخول المطارات والمدن العربية منعت الأغنية العراقية في وسائل الإعلام العربية من اذاعات وتلفزيونات، ذلك ساهم في حرمانها من الوصول إلى إذن المستمع العربي وعينه، وجال المطربون الآخرون لوحدهم في الميدان وبرزت في هذه المرحلة الأغنية اللبنانية والمصرية والخليجية مع تقديرنا وحبنا لهذه الأغاني، وتراجعت شعبية الأغنية العراقية لولا جهود الفنان كاظم الساهر الذي حصل على دعم الاوساط الفنية العربية والاعلام الحكومي العربي وكانت اغانيه لا تحمل هوية أو ملامح عراقية رغم إنها كانت روائع غنائية . اما الفنانين الذين تعرضوا للاضطهاد وغادروا الوطن بسبب معارضتهم للديكتاتورية الصدامية، كالفنان قحطان العطار والفنان فؤاد سالم والفنانة أنوار عبد الوهاب والملحن الكبير الراحل كمال السيد والملحن الكبير كوكب حمزة والفنان سامي كمال والملحن حميد البصري والفنانة شوقية، فقد تعرضوا للاهمال والتهميش المتعمد من المؤسسات الاعلامية العربية، وتعرضت ملكاتهم الفنية للضياع بسبب تشردهم ومعاناتهم في الحصول على الاقامة أو الحصول على رغيف الخبز وقتلهم الإحساس بالاغتراب والحنين إلى وطنهم الذين حرموا منه سنوات طويلة، وقد منع نظام صدام ذويهم من الاتصال بهم وانقطعت بهم السبل، واضر ذلك كثيراً بهم وبعطائهم الفني . شكراً لقناة البغدادية ولكل قناة تساهم في دعم الأغنية العراقية ولكل القنوات الأخرى التي ساهمت في هذا المجال، فكثير من الفنانين من مغنين وشعراء غنائيين عاشوا حالة معاناة وخوف بسبب خشيتهم من القوى الظلامية التي هيمنت على الشارع بسبب ظروف انعدام الاستقرار الامني، تعرضت حياتهم للخطر وغادروا الوطن وكل المحبة لمن بقيَّ في الوطن وتحمَّل المخاطر ونتمنى لهم السلامة والعمر الطويل فهم شموع الفرح في ليلنا الطويل وهم الأمل في مستقبل الأغنية العراقية الاصيلة، فهناك من يريد أن يحولهم إلى بكائين وكتاب مراثي وندب، كي يضيفوا ندوباً أخرى إلى حياة الناس، فبعض القوى السياسية تعتبر الغناء عيباً رغم إنها لاتجرؤ على تحريمه رسمياً، لكنها لو استحكمت واستبدت في السلطة لحرَّمته وقتلت أصحابه أو شردتهم . ولا بد من توجيه اللوم والنقد للقنوات الفضائية التجارية التي تسيء إلى الأغنية العراقية ولا أريد أن اذكرها بالاسم، حين تبث الأغاني الهابطة فنياً، وحين تقدم بعض المغنين المبتدئين وتبتزهم مالياً وتسوق أغانيهم المتسرعة باضافة التوابل اليها باضافة الراقصات بطريقة مبتذلة رخيصة مسيئة للغناء العراقي، فتحرم المشاهد من الاستماع وهو الركن الاهم في الأغنية، لتعتمد فقط على عنصر الاثارة الرخيصة في حركة ارداف وسيقان تلك الراقصات، مما تساهم في تغجير الأغنية وتهبط بمستواها الفني، فالغناء هو صنعة فيها جهد وخبرة موروثة وفيه قواعد الصنعة وهوعمل فيه ذوق وإحساس وغايته نشر الفرح والسرور أو تخفيف الأوجاع وامتصاص الاحزان، وليس صنعة من لاصنعة له أو نزوة رقص انفعالية مثيرة للغرائز، وقد أَنشئت هذه المحطات الفضائية شراكة مقاولة مع بعض الملحنين والكتاب الصغار، ونست الفنانين الكبار الذين يعيشوا الغربة والتشرد والإهمال، لان هؤلاء يطالبوا بحقوقهم عندما يقدموا نتاجهم الفني فمن حقهم أن يعيشوا حياتهم مثل اقرانهم في بقية دول العالم ويحصلوا على حقوقهم المادية، ويبدو أن بلوة الفنان في العراق اكبر من بلوة المواطن فهي بلوة مضاعفة، حيث تنظر بعض الاوساط الاجتماعية المتخلفة بازدراء للغناء، وقد ابتلينا بحكومات تسمي الفنان شعَّاراً وتغجره . متى يعود زرياب إلى الوطن، فتقوم الناس لتغني معه جذلاً وفرحاً وترفع عوده فوق جذوع النخل الممتد في ارض العراق الطيب، أم لا زال لؤم الحجاج يحكمنا ويقتل الحياة باسم عمامته اللئيمة لينقل عورته وقبحه إلى حياتنا حزناً وتقتيلا، متى تعود البلابل إلى أغصان اشجارك ياوطني ليأكل البلبل من تمرك وتينك، وتغادر الغربان التي تأكل من لحم ابنائك القتلى، الغناء هو علامة الفرح، كما الطبل علامة الزفاف فمتى يعود الفرح وتموت الاحزان ؟ وقد قال السياب : بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق وكنت دورة أسطوانه
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |