إتحاد الأقاليم الجنوبية لا "إقليم الجنوب"
 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

مؤخرا تردني مجموعة مقالات من الكاتب تقي جاسم صادق ولكن إن أراد الكاتب أن أدخل معه في نقاش علني فأنا أرحب بذلك، تدور غالبية مقالات الكاتب حول فكرة أساسية وهي إقامة ما يسميه بـ"إقليم الجنوب الشيعي" ورغم أنني أتفق مع كثير من أطروحاته السياسية وبعض آراءه حول الحكومة العراقية ومظلومية الغالبية الشيعية في العراق، إلا أن طرحه لا يخدم الشيعة خصوصا والعراقيين عموما، فأعداء العراق يسعون الآن إلى إثارة النعرتين الطائفية والقومية، وحين يخسر العراق روحه الوطنية التي تتجسد في الديمقراطية، فإن البعث ومن لف لفهم ممن يريد إشعال حرب أهلية سيكونون أول من يستفيد.

والمقال الذي يعنيني ها هنا هوموضوع كتبه الكاتب ردا على مقال للكاتب فاضل المياحي الذي رفض ربط 9 محافظات جنوبية ببعضها في فدرالية واحدة ولأسباب مختلفة، لا أريد أن أتهم الكاتب تقي جاسم صادق بنفس المنطق الرجعي القديم الذي يوزع تهم التخوين والتضليل ولكن خطابه طائفي عرقي بلا شك ويهدد فعلا بتحويل العراق إلى جهنم حقيقية، فهويطرح أشياء متناقضة ويتعامل مع فكرة الوحدة "الطائفية والعرقية القومية بدلا من الوطنية" بمنظور العقل القديم الذي ينظر إلى البشر كمجموع قطعان.

الكاتب ينتقد أحزابا شيعية إسلامية بل ويتهجم عليها سواء بالقول أنها فاشلة ولا تنتمي إلى العراق وتارة بأنها موغلة في الفساد الحكومي، لكن الكاتب يروج في الوقت ذاته لمبدأ "الإقليم الجنوبي" وهوذات الطرح الذي تطرحه تلك الأحزاب التي اتهمها بالفساد قبل قليل، وهذا التنظير المتناقض هوالذي يدفعنا للقول بأن كل النقد الموجه إلى هذه الأحزاب هومجرد تحضير لذهن القارئ العراقي "شيعيا كان أم سنيا" لما يحضر له من أفكار تصب لمصلحة جهة بعينها ولكي لا يحكم القارئ على الكاتب سلفا بأنه تابع للحزب والتيار الفلاني، فكلنا يعلم أن "إتحاد أقاليم الجنوب" لوتحقق فسيكون أقوى من "إقليم الجنوب" الذي سيبقى خاضعا لمركز آخر، ربما النجف، بدلا من التبعية إلى بغداد وبالتالي تكون الفرصة مواتية لعوائل معينة للهيمنة وفرض طابع واحد للإقليم ورئيس "دكتاتور" آخر يمُنّ على المحافظات بالمنح والهبات.

إن إقليم البصرة إذا ما قدر له أن يولد ويصبح حقيقة فإنه ولعدة أسباب سيكون خطوة مهمة باتجاه التقوية الاقتصادية والسياسية للعراق ككل وللجنوب على وجه الخصوص، فإقليم البصرة لن يكون طائفيا ولا قوميا عنصريا يتعامل مع العراقيين بمنطق "الغرباء" و"الوافدين"، وإذا ما كان الكاتب تقي جاسم صادق يصف شخصية وطنية كالدكتور وائل عبد اللطيف بأنه يعرض مخططا مشبوها هوإقليم البصرة المستقل، فإن الاستنتاج الواقعي والعقلي يقول أن إقليم الجنوب الذي نرفضه لأسباب وطنية وآخرون يرفضونه لأسباب "طائفية"، هذا الإقليم سيكون سببا وحجة لآخرين ليقيموا دكتاتورية أخرى وبأعذار أخرى.

إن إدارة مجموعة فدراليات ديمقراطية قائمة على أساس الهوية الوطنية سيعزز لكل محافظة "إقليم" بما يتبعها من أقضية ونواحي بأن تدافع عن حقوقها ضمن الإطار العراقي الديمقراطي وهذا النموذج الفدرالي هوالمطبق في جميع أنحاء العالم في الولايات المتحدة وسويسرا والبرازيل وغيرها من بلدان تطبق الفدرالية الإدارية، وإذا ما كان شيعة العراق سينظرون إلى أنفسهم من خلال ثقب الباب الطائفي، كما هوسائد في البلدان العربية القائمة على الطائفية لا على بناء الدولة الحديثة، فإن هذا سيعني أنهم يختارون المضي في التجارب الطائفية والفئوية الضيقة وخسارة انتماءهم العراقي، هذا الانتماء الوطني الذي اختارته جميع دول الرفاه الاقتصادي والتطور من حيث النظم السياسية والاجتماعية.

كما أن إقليم الجنوب لوقام كبديل عن فدراليات الجنوب التي ستكون أقوى كونها مجموعة إدارات ديمقراطية، فإن هذا الإقليم سيهيء ظروفا مناسبة لحرب أهلية شيعية ـ شيعية، للهيمنة على الإقليم، كما حصل مع الحرب الأهلية الكردية التي أزهقت أرواح الآلاف عدا المعاقين والخسائر المادية والاجتماعية، إذن فإن إقليم الجنوب الكبير سيكون هوالاختيار الأسهل للدكتاتور الذي سيقيم بين الحين والآخر حفلات استقبال لمحافظيه الـ 9 مرحبا بهم بالبذخ والترفيه بينما المواطنون يعانون الفقر والحرمان والتهميش وربما تصلهم صدقة من صدقات العائلة الأموية الحاكمة، لكن حينما تكون هناك إدارة تنظر إلى مصلحة مواطنيها وتطالب بحقوقهم أمام المركز فإن من الصعب جدا أن تستطيع فئة ويستطيع حزب اللعب بالورقة الطائفية كون المواطنين ينتمون للعراق وللاتحاد الفدرالي الجغرافي اللا ديني واللا قومي، فمع الطائفة والقومية يكون القهر والظلم والصراع، ومن يُنظر للإقليم الطائفي والقومي لا يختلف عن صدام حسين المجرم ونظامه البعثي وعن ذلك الإرهابي الزرقاوي والمصري، فكل هؤلاء هم نافخون في النار التي تحصد أرواح أبناء العراق وبناته.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com