المالكي.. وأنتاج "الثقافة"!!
 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

كان لإعلان السيد رئيس الوزراء نوري المالكي عن انطلاق مشروع "المجلس الأعلى للثقافة" فرصة لنا كمثقفين ولي شخصيا كمهتم بالشأن الثقافي والسياسي وإبداء الملاحظات حول سياسيات الحكومة العراقية المتعلقة بالشأن الثقافي والفني والعلمي وترابط هذه المجالات الثلاث مع بعضها البعض بحيث يصعب الفصل بينها، وإذا ما كنا سننتقد جوانب من سياسات الحكومة فإنني أود ها هنا أن أقول أن أطروحات الأستاذ المالكي ينطبق عليها المثل العراقي الذي يقول:

"أسمع كلامك يعجبني، أشوف فعلك أتعجب.."!!

فالخطاب السياسي للمالكي كرئيس لأعلى سلطة تنفيذية هوخطاب ممتاز ويغطي كافة الجوانب التي يعاني منها العراقيون كحاجتهم إلى الثقافة الوطنية وبناء دولة الإنسان والمواطن وترسيخ الحرية والديمقراطية كبديل واضح عن الطــائفية والقومية اللتين تهددان سلامة البناء القانوني للدولة، لكن ما يطبق على الأرض هوعكس كل هذا الخطاب، واللوم هنا لا يمكن أن يقع كليا على ذمة رئيس الوزراء ولكنه يتحمل جزءا من هذا الوزر والخطأ، فالثقافة العراقية الآن تشهد ما يشبه الانتكاسة بسبب سياسات الحكومة التي تشجب البعث والنعرة القومية "إعلاميا"

لكنها على أرض الواقع تتيح للبعثي سواء كان فنانا ودكتورا ـ وصل إلى الدراسات العليا عبر تزكيات البعث ـ وأن هناك فعلا الآن أحزابا قومية في الحكومة تنتهج ذات النهج القومي البعثي، بالمقابل هناك غالبية من المثقفين الوطنيين الذين تم تجميدهم من أيام صدام وإلى الآن.
لا أريد هنا أن أسبق الأحداث وأحكم بفشل المجلس الأعلى للثقافة رجما بالغيب، لكن من خلال سياق أداء الحكومة نستطيع أن نتوقع نوعية ما سيتم إنتاجه، فالجميع يعرف أن الحكومة العراقية باتت بلا معارضين تقريبا، فالكل يكاد يأكل من الغنيمة، حتى البعثيون تسللوا إلى الحكم بوساطات قومية محلية عربية وغير عربية، ومؤسسات الدولة الثقافية سواء وزارة الثقافة والتعليم العالي ودار الشؤون الثقافية وغيرها أصبحت أشبه بالملك الخاص ومن يملك وساطة وقرابة من مسؤول فإنه بالتالي يصبح صاحب إمكانيات إعلامية و"ثقافية"!! وإن كان هذا الشخص من النمط "الطلفاحي ـ نسبة إلى خير الله طلفاح خال صدام" الذي لا يتقن إلا التملق والارتزاق وتمجيد الماضي المليء بالتخبط والفشل.

ومن الطبيعي أن يكون غالبية حاملي الشهادات الكبيرة في العراق من البعثيين فقد كان هؤلاء يمنعون حتى أكبر العقول العراقية من الوصول إلى التحصيل العلمي ما لم يكن بعثيا ومن هنا كان الخطر الذي يهدد الثقافة والسياسة العراقيتين، يبدولي أن الحكومة الآن تردد شعارات "المرحلة" بينما هي على أرض الواقع تعيد إنتاج أنماط شبيهة ومستنسخة من العقلية البعثية، فلحد الآن لا نرى ديمقراطيتنا تنتج أي نوع من "الثقافة الإنسانية" وأن يكون العراقي ابن بلده لا غير، بدلا من هذه الثقافة نجد المزيد والمزيد من المكتسبات للفئات العنصرية والقومية والطائفية وفي اللقاء الذي أجراه رئيس الوزراء مع لفيف من المثقفين العراقيين طالب أحدهم بمزيد من الإمكانيات المادية والأعمال لفئته "القومية" بعد أن مجد نفاقا بالعراق وتحريره ـ مع أنه لا يؤمن إلا بوطنه القومي المزعوم ـ وبالتالي فأنا متأكد أن ما سيكون سمة للمجلس الأعلى الثقافي المزمع إنشاءه سيكون تكرارا للأسطوانة المشروخة عن التعايش "القومي الطائفي" و"الثقافة القومية" التي ستعيدنا إلى القرون الوسطى وأيام البعث الغاشم.

المؤكد أننا لن نستطيع أن نتجاوز الثقافة والعقلية البعثية التي ربت أجيالا بأكملها على ثقافة الحرب والعزة القومية وتقسيم العراقيين بين أصلاء وغير أصلاء عبر الولاء الحزبي والعرق والدم والطائفة والمذهب، لكن بدلا من الشروع فعلا في محوهذه الثقافة وبالأحرى "النعرة" فإن المنافقين المنتمين لهذه الثقافة ومن يشبههم في النعرات القومية غير العربية أصبحوا يشكلون تهديدا فعليا لهذه الدولة وقد يتسببون بانهيار الدولة فيما إذا لم يردعهم أحد، والمثير هوأن المالكي رغم كل تصريحاته عن "محاسبة المفسدين" واللصوص الموجودين في السلطة إلا أنه لم يقم بمحاسبة أي مسؤول لحد الآن على الأقل رغم أنه وعد أن عام 2008 سيكون عام محاربة الفساد، فإذا كان أعلى السلطة يريد أن يستغفلنا بالخطابات الرنانة ـ على طريقة عـــــلاوي ـ فمن الطبيعي والمؤكد أن الوزراء سيسرقون وينهبون كما يشاؤون.

وإذا ما قال قائل أن كاتب هذه السطور إنما يتهجم على رئيس الوزراء لأمر شخصي وبمعنى أنني أتعامل معه انطلاقا من شخصي ومعاناتي، نجيب وبكل وضوح أنني يمكنني أن أجعل معاناتي الشخصية تجربة فردية عانيتها وبالتالي يمكنني أن أشعر بكل الضحايا والمثقفين الذين كانوا ولا زالوا يعانون، فنجد الأحزاب المشاركة في الحكم تعطي لشخص ما 6 و7 رواتب بعنوان "خبير" و"مهندس" و"مستشار" وإلى غير ذلك ـ حتى أن أحدهم يتسلم شهريا 60 ألف دولار أمريكي ـ بينما يترك آخرون العديد من ذوي الخبرات والعقول المبدعة يجوبون الشوارع والأزقة عاطلين عن العمل، أستطيع أن أقول أن لا أمل في حكومة المالكي البالية والفاشلة والفاسدة، وإذا ما قرر المالكي أن يستمر في في التبرير وتقديم الوعود الكاذبة وشتم البعث إعلاميا ومحاباته سريا فإن على الشعب العراقي أن يقف بوجه هذه الحكومة الفاسدة التي أصبحت تبريرا للأمر الواقع.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com