|
مع قدوم رمضان الأغر .. عوائل لا الت تنتظر المعيل بأكباد حرّى ودموع حائرة
حامد نصار بدأت تستحضر ذكريات من الماضي حينما عرفت أن رمضان الكريم على الأبواب، فشخصت أمامها سفرة الإفطار المملوءة بالبركة تحفها أصوات أطفالها وأدعية الإفطار الصادرة من التلفاز، كما طرق مسامعها صوت زوجها لكنها تخاف من مجرد أن تتخيل أنه سوف لن يكون موجودا معهم على مائدة الإفطار، لكنها أيقنت أنها تخيلت أو لم تتخيل فإن الحقيقة المُرّة هو أن الحكومة لم تفِ بوعودها في تنفيذ قانون العفو عن المعتقلين. مرّت عليها الساعات مريرة لا تُطاق ومهما حاولت استجماع قواها تبقى أعصابها مرتخية وكأنما يُغشى عليها من الموت وهي تُمعن النظر في عيون أطفال وعدتهم بأن أباهم سوف يأتي حاملا معه الألعاب والحلويات. أم سلام ليس وحدها التي تعاني مرارة العيش نتيجة اعتقال زوجها منذ عام تقريبا، بل هُن كثيرات فقدن الزوج والابن والأخ والمعيل إما بالقتل أو الاعتقال في العراق الذي مرت عليه أعوام تترمل في كل يوم مئة امرأة، أي ثلاثة آلاف امرأة تترمل في الشهر أما ذوات المعتقلين فهن عشرات الآلاف وربما اجتمع في بيت واحد ثلاثة شهداء ومعتقل واحد أو أكثر، هكذا هو العراق في عامي 2006 و 2007 حيث يُقتل الإنسان على الهوية ويُعتقل على الهوية على مرأى ومسمع من الأجهزة الحكومية. إن الله سيرى والتأريخ سيسجل لأصحاب المواقف الشريفة مواقفهم، وأُقسم على كل من يقرأ مقالي هذا من المسؤولين ومن يعنيهم الأمر أن لا يمر عليهم رمضان الا وقدموا بين يدي صيامهم قربانا بإطلاق سراح المعتقلين كي يُفطروا مع عوائلهم. ولقد كنت قبل عيد الأضحى الفائت قد وجهت رسالة إلى المسؤولين والمعنيين بأمر المعتقلين هذا نصها: سؤال موجه إلى المسؤولين العراقيين كافة والمعنيين بالأمر من غير العراقيين ... أين، وكيف، ومع من ستقضون عطلة العيد (السعيد)؟ أود أن أبدأ كلامي بما قاله الرئيس العراقي السيد جلال طالباني حول موضوع العفو العام عن المعتقلين في تعليقه على المطالب الختامية لمؤتمر الصحوات العشائري الذي عقد في مطلع الأسبوع الجاري ببغداد. يقول السيد طالباني: إن الذين لم تثبت إدانتهم الإفراج عنهم من حقهم الشرعي والقانوني بل ويجب أن يعوضوا عن المدة التي قضوها في السجن وهم أبرياء، إن العفو في الحقيقة يكون عن المذنبين والذين ارتكبوا جرما، كي يُعطوا فرصة يصححوا فيها مسارهم، فلفظة العفو لا تكون للبرئ. إن العفو عن المذنبين ليس كما يصوره البعض كأنه فعل شنيع، لأن العفو عن المذنب من صفاته سبحانه وتعالى، وقد أوصى به الإنسان "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"/199 الأعراف ، وحادثة الطلقاء الذين عفا عنهم الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام "اذهبوا فأنتم الطلقاء". أنا لا أعرف أي قلب بل أي حجر لا يتفطر عندما يسمع أو يرى أُمّاً تنتحب وتولول لأن صباح يوم العيد اقترب وابنها الذي خرج من أحشائها سوف لن تسمع صوته وهو يقول لها (عيدج مبارك يوم...إن شاء الله حجية) مقبلا يديها ، ولن يتناول إفطار العيد مع إخوته كحاله في الأعياد السابقة. ولا أعرف كيف ينام من في ذمته آلاف الأبرياء يقبعون خلف القضبان، وأطفالهم مشردون في برد الشتاء القارص وحر الصيف اللاهب، بعد أن باعت زوجاتهم أعز حليهن وأغراضهن كي لا يضطرهن الحال لطرق الأبواب. أنا لا أتخيل كيف لمسؤول يقضي ليلة العيد يخطط مع أسرته كيف وأين سيقضون أيام العيد (السعيد)، بعد أن اشترى لكل منهم هديته من ملابس جديدة وغيرها، في الوقت الذي تأكل فيه الحسرة صدر أب واضع يديه على وجهه يفكر بأطفاله من الذي سيشتري لهم ملابسهم هذا العيد وأين سيذهبون، كيف سيقضون العيد ومعيلهم في الزنزانة...ترى هل سيحلمون بي أطرق الباب صباح العيد لأعطيهم عيدية يشترون بها الحلوى التي يحبونها؟ ...هل سيبكون؟ ... هل سيغبطون أصدقاءهم الذين يلبسون الجديد حاملين بالوناتهم الملونة؟ ... لستُ مسؤولا عن كل ما يحصل لهؤلاء لكن والله سيقتلني الغم وأنا أفكر فيهم منذ اليوم الإثنين ولا أدري كيف سأقضي العيد وصور الحسرات والدموع على وجوه الحرائر لا تغيب عن خيالي... صور الأيتام وأبناء المعتقلين وهم ينظرون من النوافذ إلى الألعاب بأيدي أقرانهم . هذه دعوة إلى كل (إنسان) في العراق أو خارج العراق بيده شيء من الأمر أن يتدخل ويقدم ما لديه للمساهمة في إطلاق سراح المعتقلين، وتالله سيفوز بشرف الدنيا والآخرة أي مسؤول يغض البصر عن الخلافات الشخصية والحزبية والطائفية ويقدم على خطوة جبارة يرسم بها بسمة على وجوه مكتئبة، ويمسح بها دموعا لا تنفك جارية، ويُفاجئ أطفالا بأبيهم يطرق الباب صباح العيد. أحمل وسائل الإعلام كافة أمانة إيصال هذا النداء إلى من يستطيعون من المسؤولين داخل وخارج العراق، وهو عمل خير ستجدون أجره عند الله سبحانه وتعالى. واليوم أكرر وسأبقى أكرر إلى أن ينقطع النفس مني، أيها المسؤولون (إنكم مسؤولون) أي سوف تُسألون، حذارِ أن تعميكم الطائفية والحزبية والمذهبية وتجعل بينكم وبين العدل حاجزا فإن العدل أساس الملك وكلكم تعرفون أن 90% من المعتقيلن أُخذوا من الشوارع ومن البيوت أثناء المداهمات دون ذنب يُذكر وأن الأجهزة الأمنية التي كانت مُخترقة في حينها – ولا زال فيها شيء من الاختراق- اعتقلت وقتلت عشرات الآلاف هكذا جُزافا، أيها المسؤولون ستُسألون عن كل قطرة دم سالت وكل دمعة ثكلى أو ذات معتقل جرت، وكل وحشة زوجة أو خوف طفل، أو حسرته،وما أكثرها من قطرات وما أغزرها من دموع، غير أن الله سبحانه ترك لكم باب التوبة- رغم كل ذلك- مفتوحا، عسى أن يغفر لكم ببسمة تعود إلى مُحيّا، أو دمعة تُمسح، أو آلام تُنسى، أو شمل يجتمع ثانية، ولا تكونوا حجارة صماء فلقد مرّت علي شهور طوال أئنّ فيها لمشهد امرأة رأيتها تجرّ خلفها أطفال دون سن السادسة لا تشتري الا بقايا الخُضار كون سعره أقل من ذلك الذي بحالة جيدة، ولا تشتري من القصّاب الا العظام تطبخها فيحتسي أطفالها من ماء تلك العظام.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |