العراق والعرب

 

علـي المالكي

Ali.almaleky@yahoo.com

منذ فترة بعيدة، وبالتحديد منذ سقوط النظام السابق عام (2003), تراوحت العلاقة العراقية العربية، بين مد وجزر، وابدي العرب اهتمام متفاوت بالتغيير السياسي الذي طرا على العراق، والذي أطاح بنظام دكتاتوري شمولي مزق العراق شر تمزيق، وذاق بسببه العراقيين الآهات والويلات، كما لم يسلم منه ومن شره العرب أنفسهم، وكنتيجة لذلك ساهموا بشكل مباشر في إسقاطه، وفتحوا حدودهم على مصراعيها أمام القوات الأجنبية التي شاركت في الحرب عليه، وقدموا كل أنواع الدعم المعنوي واللوجستي من اجل ذلك، للتخلص منه، ومن شره المحدق عليهم، وكان من المفترض أن يتعامل العرب، وخصوصا دول الجوار، مع النظام الجديد في عراق مابعد صدام حسين، بكل شفافية وحيادية، وكان المنتظر منهم أن يقدموا للعراق كل أشكال الدعم المالي والاقتصادي والسياسي والأمني، لان النظام الجديد في العراق، نظام ديمقراطي، أو على الأقل منتخب، ولا يشكل أدنى خطر على جواره وغيرهم كما كان يشكله نظام صدام حسين، وكان عليهم أن يسارعوا لاحتضان العراق المتحرر للتو من سلطة الدكتاتورية، والمتاطر داخل إطار الاحتلال، من اجل مساعدته في نيل حريته واستقلاله وعزته وكرامته، ولكن للأسف لم يقدم العرب ماعليهم، ولم يتركوا العراق لحاله، بل العكس، عملوا كل ما من شانه تدمير وتمزيق العراق، وحاولوا بكل الطرق وأد تجربته الديمقراطية الحديثة، وادخلوا العراق في عزلة سياسية كبيرة، سعيا منهم للضغط عليه سياسيا، وتمرير أجنداتهم الطائفية المبيتة، والتي قلبت في العراق رأسا على عقب، وقد اثبت العرب من خلال مقاطعتهم للعراق سياسيا وتهميش دوره في كل الأصعدة مايلي :

1- إن العرب وباعتراف البعض منهم، اعتراف رسمي أو غير رسمي، فضلوا نظام صدام حسين على نظام العراق الجديد، رغم كل المساوئ التي يحملها صدام، وأثاره السلبية التي انعكست على العرب أنفسهم في يوم من الأيام، لأسباب عديدة منها، الدوافع الطائفية التي يتقوقع بها العرب من جهة، ومن جهة أخرى، مخاوف هؤلاء من أن تعم تجربة العراق الديمقراطية بلدانهم، لان الأنظمة العربية على الإطلاق، أنظمة دكتاتورية شمولية، لاتقل سوءا عن نظام صدام، وبالتالي ربما يفقد هؤلاء امتيازاتهم السياسية الموروثة بقوة الحديد والنار.

2- ازدواجية المواقف، الازدواجية التي انتهجها العرب، بدت واضحة، من خلال سير الأحداث التي جرت في العراق، ودارت فصولها خلال السنوات الماضية، رغم إن العرب كان لهم دور كبير في مساعدة القوات الأجنبية لإسقاط نظام صدام، وقدموا كل أشكال الدعم لهذه القوات كما قلنا، ألا إنهم عادوا من جديد، خونوا العراقيين ونعتوهم بأنهم عملاء للاحتلال، ووصفوا قياداتهم بانهم جاءوا على ظهر الدبابة، وأنهم هم من ساهم باحتلال العراق، والعديد من هذه الخزعبلات الفارغة،  ناسين أو متناسين، من أين دخلت القوات الأجنبية العراق ؟ ومن أي البلدان جاءت ؟ والأشد من ذلك، إنهم ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر، بقتل العراقيين، تحت ذريعة مقاومة الاحتلال وماشابه ذلك .

3- عدائهم للعراق أو فلنقل خلافهم، كان طائفيا بالدرجة الأولى، لان الموروث الطائفي، والنزعة العنصرية، هي التي جعلت من العرب، الوقوف مع العراق هكذا موقف، ودليل على ذلك تلك  التصريحات التي أدلى بها البعض منهم، والتي تتهم شيعة العراق، بأنهم إيرانيين مرة، ومرة أخرى تحذر من هلال شيعي قد يمتد في المنطقة، إضافة إلى ذلك أنهم لم يقفوا على مسافة واحدة مع جميع مكونات الشعب العراقي، وراحوا يبكوا ويتباكوا على  سنة العراق، ولا ادري هل هم احرص على شعب العراق من العراقيين، وهل يعلموا، إن الكلاب السائبة التي تفجر أجسامها النتنة بين العراقيين، لم تفرق بين السنة أو الشيعة .

4- حاولوا من خلال القطيعة المتعمدة، إفشال تجربة العراق العتيدة، وجعله يدور في دوامة من الفوضى والعزلة، والتي قد تجعله في يوم من الأيام  يقف على أعتاب الدول العربية طالبا العطف والاسترحام، وبالتالي يتمكن هؤلاء من فرض أجنداتهم على العراق، مقابل احتضانه  ودعمه، وإرجاعه إلى محيطه العربي .

ورغم كل هذا، ضل العراق مكابرا، لم تؤثر فيه رياح البغي، ولم تهزه موجة الإرهاب القادمة من وراء الحدود، وتمكن من إقامة أفضل العلاقات، مع الدول الإسلامية والأخرى الأجنبية، ولم يكن بحاجة إلى العرب إطلاقا، خصوصا بعد النجاحات التي حقها على صعيد السياسة الخارجية، والتي تمكن من خلالها بناء أفضل العلاقات مع الاتحاد الأوربي ودول أمريكا وبعض الدول الأسيوية،  وبعد مباحثات ونقاشات، أسقطت اغلب هذه الدول ديونها عن العراق، وبادرت لفتح سفاراتها في بغداد، الأمر الذي أحرج العرب كثيرا، وجعلهم يتخذوا مواقف مثيلة لأنهم شعروا:

1- إن العراق بإمكانه العيش دون الحاجة لأي دولة عربية، وتمكن من بناء نظامه الحديث بالاعتماد على أبناء الشعب، وبعض الأصدقاء، والمجتمع الدولي .

2- تمكن العراق، بحكمة وحنكة البعض من قياداته الدينية والسياسية، من مختلف الأديان والقوميات والمذاهب، وأد الفتنة القادمة من وراء الحدود بمكانها، وتعزيز روح المواطنة، لدى العراقيين، بما ينسجم مع طبيعة العراق، وتركيبته الديموغرافية المتنوعة، الأمر الذي افسد مخططات البعض، وأحبط مراهناتهم الخبيثة تجاه العراق .

3- اظهر العراق حسن نية، تجاه العرب جميعا، وكان أول المبادرين للم الشمل العربي، وذلك من خلال الزيارات التي قام بها ارفع المسؤولين العراقيين، لعدد من هذه الدول، ولأكثر من مرة .

4- حاجة العرب إلى العراق، أدركوها مؤخرا، لذلك بادروا هم , بعد تلك القطيعة، وجاءوا لتصحيح أخطاء الماضي، وطبعا الاعتراف بالخطأ فضيلة، في المقابل، ورغم الجفاء، بادر العراق لمساعدتهم اقتصاديا، وذلك من خلال تزويد البعض منهم بالنفط، مقابل أسعار تنافسية،  وتم التوقيع فعليا على هذا الأمر، مع الأردن ولبنان .

وفعلا نلاحظ تغيير نسبي، في طبيعة العلاقة مع العراق، مقارنة مع السنوات الماضية، وأنهى العرب قطيعة سياسية ودبلوماسية، استمرت لأكثر من أربع سنوات، بزيارة ملك الأردن ورئيس وزراء لبنان وبعض المسؤولين، فضلا عن بعض المواقف التي يمكن أن تسمى ايجابية، كإعادة بعض الدول فتح سفاراتها في العراق وتخفيف الديون من قبل دول أخرى، وطبعا نتمنى من الجميع اتخاذ مثل هكذا مواقف مع العراق، لان العراق  وبشهادة الجميع رقم صعب في المعادلة العربية، وليس من مصلحة الدول العربية، الاستغناء أو عزل العراق عن محيطه العربي، لان عزة العرب من عزة العراق والعكس صحيح .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com