|
الديمقراطيون ومهمة اشراك المواطن في الانتخابات
جاسم الحلفي تعد مشاركة المواطن في الشأن العام، قاعدة الديمقراطية واساسها منذ ابتكارها في بلاد الاغريق. وكانت لها، اي المشاركة، الدور الهام في حكم دولة المدنية في اثينا انذاك، وارست، تبعا لذلك، الاساس القويم لديمومتها في المجتمع الديمقراطي، حتى اصبحت مساهمة المواطنيين بصنع المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدهم هي المقياس الوحيد لنجاح الديمقراطية. ومع التطور التاريخي للديمقراطية، وتعدد آلياتها، وتنوع طرق ممارستها، بقى الرهان على اصوات الناخبين طريقاً وحيدا امام وصول هذا الحزب السياسي او ذاك الى سدة الحكم. لذا تشهد الانتخابات الحقيقية في البلدان الديمقراطية، تنافسا شديدا على اصوات الناخبين، لان مقياس قوة اي حزب برلماني هو الاصوات التي يحصل عليها في الانتخابات، هذا ان كانت للناس قناعة بان اصواتهم ستؤثر في العملية الديمقراطية. ومن هنا يمكن ملاحظة ان معدلات اشتراك المواطنين في الانتخابات تجري صعودا وهبوطا تبعا لقناعتهم بجدية الاحزاب ومصداقية ممثليها في تحقيق وعودهم. كما يعد معيار تقديم الخدمات للمواطن بمثابة الحكم على اداء الحكومة. فحينما تحرص الحكومة على تقديم الخدمات، كما ونوعا، لمواطنيها وتحسن من طرق تقديمها لهم، تكون قد حققت رضاهم عنها، وبهذا تنال تأييدهم، ويترسخ في ضوء ذلك الاستقرار السياسي. اما حين تفشل الحكومة في تقديم الخدمات، وتتلكأ في ايصالها الى المواطنيين، عندها سيتولد عدم رضا المواطنين، ويبدأون في التعبير عن ذلك بوسائل شتى، حسب طبيعة النظام السياسي. انطلاقا من مما تقدم يمكن اعتبار إحجام المواطنين عن مراجعة مراكز تسجيل الناخبين، بمثابة موقف سلبي تجاه الذين حصدوا الاصوات في الانتخابات السابقة، واحتجاج، في نفس الوقت، على ضعف الخدمات التي حصل عليها المواطن، الامر الذي يتطلب من السياسيين التمعن في ذلك وتقييمه ليس من الزوايا الفنية وحسب، رغم اهمية القضايا الفنية، ودور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في توعية المواطنين باهمية سجل الناخبين، واستعداها في ادارة العملية ابتداء من تدريب الموظفين وتأهيلهم، واختيار مواقع مراكز التسجيل كي تكون قريبة من التحشدات السكنية, وتوفر ادوات التسجيل من سجلات وصناديق واقفال، الى غير ذلك من قضايا فنية ضرورية. لقد وفرت المفوضية ما بوسعها من امور فينة وادارية، واستمعت الى الملاحظات بشان تمديد فترة التسجيل، وتشكيل فرق التسجيل الجوالة، واستثمرت وكلاء البطاقة التموينة، من اجل زيادة عدد المراجعين، لكن رغم ذلك لم تبلغ الاستجابة رقما يوازي الجهد المبذول. وهذا ما يؤكد الاستنتاج بان اسباب العزوف ليست فنية بحت بل سياسية بشكل اساسي. ولامر لا يتعلق فقط بعدم اقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات، وانما بفكرة عدم جدوى الانتخابات وترسخها عند الكثير. وهذا يعكسه ما حصل لفرقة التسجيل الجوالة لمركز الحيدرية رقم 722 في محافظة النجف اثناء زيارتها للمواطنين في منازلهم من اجل حثهم على التسجيل، والموقف السلبي الذي تمت مجابهتم به، حين قال لهم المواطنون هناك: " نحن لا نذهب للتسجيل ولا ننتخب، لم تقدم لنا الحكومة الحالية شيئا فماذا ستقدم لنا الحكومة القادمة؟ ". وهذا السؤال الكبير لازال برسم الاجابة ليس من الحكومة وحسب بل من قبل الديمقراطيين ومدى قدرتهم على تحويل هذا الموقف من موقف سلبي رافض وحسب الى موقف ايجابي مشارك بوعي لاختيار المرشحين على اساس برامجهم وامتحان مصداقيتهم في تقديم الخدمات للمواطنيين وتحسين احولهم المعيشية، وبناء وتعمير كل ما تم تخريبه، سواء عبر الحرب والاحتلال والارهاب، أو سوء الادارة والفساد. كما ينبغي القول ان عدم اشتراك المواطنين في الانتخابات، هو خسارة للعملية الديمقراطية واضعاف للجهد الذي يبذل من اجل ترسيخها في المجتمع، وتراجع كبير عن اشرك المواطن في الشان العام ومساهمته فيه. كما لا بد من الاشارة الى عدم صحة الاستنتاج القائل: ان اصوات الساخطين على الوضع القائم ستكون مضمونه للقوى الديمقراطية! فليس كل المحتجين والناقمين على الوضع الحالي سيشتركون في الانتخابات، ويجدون طريقهم بسهوله نحو ممثليهم الحقيقين. فأحتمال عدم مشاركة هؤلاء يبدو كبيرا، هذا من جانب. ومن جانب اخر لا بد من الاشارة الى ان الاخرين لازالوا يمتلكون امكانيات كبيرة جدا في التاثير على القناعات وتغييرها، ومن المؤكد انهم سيستخدمون كل امكانياتهم من اجل ذلك، وسختارون الوقت المناسب . لذا فالحرص يجب ان ينصب على تكثيف الاتصال بالناس وحثهم على ان يختاروا البرامج الواقعية والمرشحين الذي يحققون وعدودهم بصدق وبنزاهة. وهذا أمر ممكن التحقيق رغم ما يكتنفه من صعوبات، فالعمل الجاد والمثابر والدؤوب واختيار مرشحين قريبين من الناس، معروفين منهم، يمتازن بالنزاهة والصدقية والشجاعة، هو السبيل لتحقيق انعطافة في المواقف نحو البرامج التي تضع الانسان وتوفير احتياجاته الاساسية هدفا لها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |