|
هوامش على مذكرات حسين سلطان (2)
محمد علي محيي الدين وكان يتحلى بالجرأة الثورية والصلابة المبدئية التي ليس لها مثيل،فلم يؤثر عنه أنه أعترف أو أفشى سرا لجلاديه، أو أنه هان واستهان تحت ضغط التعذيب البشع الذي تعرض له،ولم يسجل عليه في حياته النضالية أنه استخذى أو لان في أحدى المواجهات،فكان المحققين ورجال الأمن يحسبون له ألف حساب،ويعلمون فشل مسعاهم في أجبارة على الإقرار أو الاعتراف،لذلك كان يقابل بالاحترام والتقدير والمهابة العالية،حتى يخال للرائي أن من يحقق معه يبدو قزما ضئيلا اتجاهه،لذلك بعد أن أخذ شهرته في هذا المجال وعجزوا عن الوقوف على أسراره،كانوا يتحاشون التحقيق معه أو إجباره على الاعتراف لعلمهم بقوة شكيمته وعجزهم عن الحصول على أقراره،ولا يتعرض إلى ما يتعرض له الآخرين من تعذيب أو إرهاب لعلمهم بأنهم عاجزين عن الوصول إلى ما يريدون (كان الرفيق مهدي عبد الكريم يحمل بعض الرسائل في جيبه ولم يعثروا عليها أثناء تفتيشه ، لذلك ذهب إلى المرافق الصحية وأخرج الرسائل ورماها هناك ، ووجد أحد أفراد الأمن تلك الرسائل ونقلها إلى مدير أمن بغداد وهو قاضي لا أتذكر اسمه ، لذلك نادى علينا وأوقفنا بانتظام أنا كنت في المنتصف وأبني سلام بالأخير ، فسألني عن الرسائل هل هي لك فقلت له لا ، وسأل أبو كسرى ( مهدي عبد الكريم ) والبقية فقالوا له لا فثارت أعصابه وقال سوف أسَلِمَكم بأيدي رجال يجعلونكم تتسابقون للقول إن تلك الرسائل لي ، فأجبته قائلاً : السيد المدير افعل بنا ما تشاء وينبغي أن تعرف إننا شيوعيون وكل واحد منا رأى الموت أكثر من مرة وتجاوزه ، بعدها نظر ألينا من خلف نظاراته والتزم الصمت . . . ثم قال اخرجوا ، فأخرجونا وجلسنا في الخارج ). وفي السجون له مكانته المحترمة بين السجانين ويتحاشون الإساءة له أو الاصطدام به لما له من ماض معروف في هذا المجال،فهو قادر على أثارة المشاكل لإدارة السجن وتأليب السجناء عليهم،من خلال الإضراب عن الطعام أو المواجهات المسلحة وله مواقف كثيرة في ها المجال مبثوثة في ثنايا مذكراته. وله نظرته الخاصة وتعامله الإنساني مع المنهارين والضعفاء ،وقد يجد العذر لهم،فالنفس الإنسانية عجيبة في تكوينها،غريبة في أسرارها،فترى مناضلين أشداء لهم البلاء الحسن والموقف الرصين في الكثير من المواقف ،إلا أنهم يضعفون في ساعات الشدة،وينهارون تحت وطأة التعذيب،لا لضعف في أيمانهم ولكن لعدم قدرتهم على التحمل والصبر والجلد على العذاب،فيحاول ما وسعه الجهد أن لا يقابلهم بالنبذ والأبعاد والاحتقار،وقد يجد عذرا للضعف الإنساني ويحاول تبرير انهيارهم في بعض المواقف،فتراه ينظر إليهم نظرة تختلف عن الآخرين،ويعاملهم معاملة لا تجعلهم في مصاف الأعداء أو المنبوذين ولقد أشار إلى ذلك في مذكراته عند الحديث عن عباس كربل ص25. وكان وهو في السجن رغم مسئوليته الكبيرة ،وكونه المسئول الأول بصفته من أكبر الكوادر الموجودة في السجن يعمل أسوة بالسجناء الآخرين ولا يميزه عنهم أي شيء رغم مكانته وسمعته،بعكس البعض ممن أشار إلى حادثتهم في ص26 ،الذين ميزوا أنفسهم عن الآخرين بالطعام والتسيد عليهم،وجعلوا أنفسهم بعيدين عن أي عمل في السجن. ويرى أن القائد يجب أن يكون مثالا للآخرين في عمله ويكون قدوة صالحة يتميز بها عنهم بما يقدم من عمل يجعله مثلا أعلا لرفاقه الآخرين. ولا يستهين بالآخرين حتى أذا أختلف معهم،ويعطي لكل ذي حق حقه وأن كان من أعدائه،ويقول الحقيقة التي يؤمن بها ، فيقول عن حسين ياسين (ورغم كل انطباعاتي عن حسين ياسين إلا انه في ذلك اليوم بانت شجاعته ورباطة جأشه وكان حقاً متماسكاً ومتميزاً عن بعض جماعته . وانتقلنا إلى غرفة النفق ونزل الجماعة لفتح النفق وبقينا السبعة واقفين على فتحة النفق). ويؤمن أن المناضل يجب أن يكون في صميم العمل النضالي وأن لا يستكين للسجن،لأنه وجد للنضال والكفاح والسجن محطة استراحة على الشيوعي الحقيقي العمل للخلاص منها ،لذلك حاول مرات عديدة الهرب ألا أن محاولاته لم تنجح لأسباب كثيرة منها محاولته أغراء الحارس بعمل نسخة من المفتاح للهروب في وقت الظهيرة الذي ينصرف فيه السجانين للنوم،ومنها محاولته الهروب من سجن السماوة إلا أن المحاولة لم تنجح لوجود سجناء عاديين لا يمكن الثقة بهم،ومنها في طريق عودته من نقرة السلمان ،وآخرها عملية الهروب من سجن الحلة التي كما يقول فكر فيها قبل نقله وقرء عن محاولات للهروب قام بها بريطاني للهروب إلى الاتحاد السوفيتي ،وسماعه من أحد سجناء النقرة عن محاولتهم الهروب من سجن الحلة بحفر نفق من غرفة الصيدلية ،وفعلا بعد نقله للحلة نسق مع آخرين للهروب ونجحت المحاولة وكانت أكبر عملية هروب في تاريخ العراق الحديث وأن كان هناك اختلافات في القائمين بها ،حيث يدعي الكثيرون قيامهم بها وأشرافهم عليها وهو موضوع يطول، ذكر عنه الأخ جاسم المطير الكثير وتناوله نعيم الزهيري وعلي عرمش شوكت وصباح كنجي وعقيل حبش وكل له رأي يختلف في الجهة المنفذة ويتفق على الطريقة،ويقول في ذلك(إن جميع هذه المحاولات كانت تعكس شيئاً واحداً . هو إن موضوع الهروب كان الحلقة الرئيسية في تفكير العديد من المناضلين من أجل الالتحاق بركب الحزب والمساهمة في سوح النضال مع المناضلين من جماهير الشعب وكانت تعكس أيضاً إن تركيز الاهتمام على شيء ما لدى المناضل لابد أن يحققه إذا كان واقعيا ومع توفر الإمكانات ولان استمرار التفكير بذلك الشيء قد يساهم إلى حد كبير بتذليل الصعاب ، وتوفير الإمكانات كلما ارتفعت الهمم.) وكان له موقفه الرافض لأي انشقاق أو تكتل يهدف إلى شق وحدة الحزب وبعثرة جهوده في عمله النضالي لذلك كان موقفه من انشقاق عزيز الحاج أكثر قوة ومتانة من الآخرين فقد ذكر(وأخذت اللجنة تمارس مهماتها السياسية والتنظيمية في داخل السجن بعد الانشقاق ويبدو إن المنشقين أصابهم الغرور من إن كل كوادر الحزب والقاعدة معهم . والأمر الذي ساعدهم على هذا التصور إن بعض الرفاق أعطيت لهم مسؤوليات في إدارة شؤون السجناء قبل الانشقاق مثلا مظفر النواب ورفيق آخر لا أتذكر اسمه ـ وهو قائد نقابي ـ هو الآخر مسئول أرزاق السجن في الإدارة والتحق معهم أغلبية أبناء الموصل عدا عدد قليل بقى مع الحزب وهكذا أوحى لهم هذا الوضع إن جميع الأمور أصبحت بأيديهم وسوف يخضعون البقية إلى ما يريدون ولكن الحقيقة غير ذلك . وفي اليوم الرابع أو الخامس لإعلان بيان الحزب في السجن وجهت دعوة إلى جميع الكوادر الحزبية لعقد اجتماع لهم على أن يكون جدول العمل نقطتين فقط : الأولى منها كل واحد منا يدلي بما عنده في المجالات الفكرية والـسياسية والتنظيمية والأحداث الجارية بصورة حرة . والنقطة الثانية : بعد الاستماع إلى ما يقدم يقرر كل واحد منا موقفه مع الحزب أو مع الانشقاق وبصورة حرة أيضاً وأما القاعدة الحزبية وبقية السجناء وهم الأغلبية كل واحد منهم يقرر موقفه دون إكراه مع هذا الجانب أو ذاك . إن هذه الدعوة استجاب لها الجميع عدا نـفر قليل حاولوا أن يعرقلوا مثل هذه الدعوة إلا إن تلك المساعي باءت بالفشل وانعقد الاجتماع فعلاً وحضره جميع الرفاق بما فيهم أولئك الذين كانوا يسعون لعدم عقده وفتحت النقاش بكلمة مطولة تحدثت فيها عن أهمية وحدة الحزب وقلت إن الخطأ في السياسة يمكن إصلاحه بالنضـال الهادئ الصبور وتكلمت عن تجربتي في انشقاق راية الشغيلة وختمت كلمتي أنا مع وحدة الحزب ومع صيانة مبادئه التنظيمية والتي بواسطتها نعدل إن كان هناك خطأ في السياسة أو الفكر وعلينا أن ندرك إن الانـشقاق لا يؤدي إلا إلى خدمة أعداء الشعب والطبقة العاملة مهما كانت النوايا . وتعاقب المتكلمون مع التشديد على الشرط المسبق ، هو عدم السماح بالمقاطعة والمتكلم حر باختيار الجمل التي يعبر بها عن أفكاره وتكلم الجميع ومنهم من أطنب ومنهم من أخذ بقاعدة خير الكلام ما قل ودل . وبعد انـتـهاء الـنقاش اتفقنا على أن ينادى بالأسماء وكل من يرد اسمه يعلن انه مع هذه الجهة أو تلك وكانت النتيجة (8) مع الحزب و (8) مع المنشقين . واثنين رفضا إعطاء أي رأي بحجة لا نستطيع تحديد موقف في هذه الساعة وكان مجموعنا ثمانية عشر رفيقاً وبعد ذلك انتهى الاجتماع في ساعة متأخرة من تلك الليلة . ومع هذا الوضوح في الفرز خاصة في الكوادر إلا إن المنشقين بقوا يدعون إن معهم الأكثرية من القاعدة الحزبية وينبغي أن يبقى كل شيء من الأعمال الإدارية بيدهم وأسمعونا بعض التهديدات . وكان رد الفعل عندنا عنيفا قلنا لهم نحن مستعدون لكل طارئ ونرجو أن لا تحملونا على الانفصال عنكم مكانياً ومعاشيها وفي كل شيء وهذا ما يفرح أعداءنا وأكدنا لهم في الحديث : لا تستطيع قوة في الكون إخضاعنا ونحن أحياء فكيف بوضعكم الهزيل . وأنتم منشقون تطمحون بذلك ، وبعد هذا اللقاء ببضعة ساعات جاء حافظ رسن وتحدث معي حديثا لطيفاً وليناً وقال : أن افترقنا الآن ولكن لا بد أن نلتقي ويجب علينا أن نبقى موحدين أمام إدارة السجن وكل أعداءنا . وحصة كل منا نصف واتفـقـنا على ذلك وشكلنا لجنة من الطرفين لبحث القضايا تفصيلياً وخلال أسبوع من الإرهاصات ليل نهار . إلا إن بعد هذا الاتفاق أخذت الأمور تهدأ تدريجيا وتعود إلى وضعها الطبيعي عدا إن التنظيم الموحد صار تنظيمين منفصلين) ورغم أنه كان من ضمن القيادة التي أقرت التحالف مع البعث ووافقت على المشاركة في الجبهة الوطنية إلا أنه على ما أعتقد كان عارفا بنوايا البعثيين ومحاولتهم إضعاف الحزب وإنهائه من خلال التحالف معه وإنهاء قواعده الجماهيرية وإبقائه (قيادة بدون قواعد )وليس لها تأثيرها الشعبي وقوتها الجماهيرية ،فيتحدث عن المظاهرة التي هيئ لها أن تخرج تأييدا لبيان 11 آذار(في شهر آذار عام 1970صدر بيان رقم 11 لحل المسألة الكردية لذلك تقرر أن تحشد الجماهير في مظاهرة سلمية تأييدا وابتهاجا بهذا القانون وذلك في يوم 21 آذار والذي يعتبر عطلة رسمية ، حيث كانت الجماهير مستبشرة بحل القضية الكردية حلا سلميا وعادلا والتي أرغم البعثيين عليه ، وكان حزبنا والحزب الديمقراطي الكردستاني متهيئون للمظاهرة لذلك في يوم 20 آذار اتفقت مع أحد الرفاق أن نلتقي يوم غد صباحا في مكان قرب منطقة ساحة الميدان حيث يوجد جامع على شارع الجمهورية ، فذهبت على الموعد المقرر ووجدت صاحبي وبقينا ننتظر الرفيق محمد الخضري والذي له أيضا نفس الموعد هنا وذلك لتكليفنا بقيادة المظاهرة ، وكنا كذلك في انتظار وصول بعض الرفاق من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للمشاركة في المسيرة ، ثم بدأت الجماهير بالانتظام بصفين أحدهما للحزب الديمقراطي الكردستاني والصف الآخر لنا في ساحة الميدان الكبيرة ، ولم يحضر رفيقنا محمد الخضري لذلك توجهت أنا إلى المسيرة لترتيبها والوقوف أمامها إلى أن يكتمل حضور بقية الرفاق ، وكانت مضايقات البعثيين ( أي مخابراتهم ) لنا مستمرة وأنا كنت أقرر الموقف حيث أي شعار يطلبون إنزاله ، ننزله وكنت أنتظر وصول الجماعة حتى نفهم الموقف ، بعد ربع ساعة تقريبا ونحن على هذا الحال حيث أنزلنا شعارين وصلوا الرفاق : زكي خيري ، باقر إبراهيم ، عامر عبد ألله ، مكرم الطالباني ، رحيم عجينه وبشرى برتو حيث وقفنا أمام الشعار الرئيسي ، ولكن البعثيين أوقفوا أمامنا قوات ومنعونا من السير ، بينما سار الحزب الديمقراطي الكردستاني أما نحن فيعيقوننا كلما تحركنا ، وكان يقف على رأس هذه الجماعة من البعثيين خالد طبرة ، فطلب مني الرفيق باقر إبراهيم أن أذهب إليه وأتفاوض معه : هل نحن ممنوعون من المشاركة في المسيرة ، فتقدمت إليه وسألته فقال : لا...لا غير ممنوعين ، ولكنه لم يركز معي في الكلام حيث كان يَسْتَلمْ إشارات من بعيد ونظره كان نحو مصدر الإشارات باتجاه وزارة الدفاع والتي كانت قريبة من الميـدان ، وبعد لحظات جاءت قوه أمنيه واسعة دخلت بين الشعار الرئيسي والجماهير أي عزلت القيادة عن الجماهير وابتدأت عصاباتهم تلك بالهجوم على رفاقنا المتظاهرين وهم قادمون لمظاهرة سلمية وابتهاجية ، وقد ضربت تلك العصابات عدد غير قليل من رفاقنا وجرحوا بعضاً منهم بالسكاكين والهراوات وفرَّقت المظاهرة على أثر الاعتداء الوحشي ، وقد لاحظت أحد رفاقنا مضروب في مقدمة رأسه ضربة قوية أدت إلى نزول جزء من جلد مقدمة الرأس على وَجْهه ، وبقينا واقفين نراقب الوضع وأثناء ذلك سألت الرفيق زكي خيري قائلاً : رفيق زكـي ( بَعَدْ شَكُوا ) لماذا لم تذهب هل تنتظر الحصول على ضربة ، فأجابني وبمرارة : ( وَينهَة الضَربَة هَسـة ).وإشارته واضحة إلى أهداف البعثيين من عقد التحالف هو إنهاء الثقل الجماهيري للحزب الشيوعي و(عزلت القيادة عن الجماهير) ولكن لنا أن نتساءل كيف له وبعد سنوات من إنهاء التحالف والضربة الموجعة التي وجهت للحزب أن يعيد الكرة ثانية ويحاول أعادت التحالف وهو من الموقعين على البيان الصادر سنة 1992, ولكن للأسف الشديد فأن هذا الماضي الزاهر العابق بنسائم الصمود الأسطوري والنضال المرير لنصف قرن ،انتهى نهاية مؤسفة لا نرتضيها للمناضلين،فالمعروف عن الفقيد أنه كان ضد أي انشقاق أو عمل تخريبي ومواقفه التي ذكرناها من انشقاق القيادة المركزية كانت مثالا واضحا لحقيقة الشيوعي الأصيل الذي يرفض أي تكتل أو انشقاق يحاول أضعاف وحدة الحزب وضمور قوته وبعثرة نضاله فكيف له وهو الذي له تجارب وتجارب مريرة مع البعث أن يعتقد أن أبن أوى سيكون عابدا ورعا في يوم ما،وكيف له أن يشد الرحال إلى بغداد ويعلن عن استعداده للتعاون مع القيادة البعثية في جبهة جديدة،لو كان الأمر أثناء الحرب العراقية الإيرانية(رغم عدم أحقيته) لقلنا أنه شعور وطني دفعه للوقوف مع بلده فأضطر إلى العودة والمشاركة في حماية الوطن ،ولكن الأمر جاء في فترة كان فيها النظام يعاني من أزمة خانقة،وكان توقيعه على البيان المشترك الداعي لتكوين جبهة مع النظام ألصدامي الصادر سنة1992 موقف غير محمود لا يمكن لمناضلين متمرسين لهم خبرتهم النضالية وتاريخهم الوضاء أن ينجروا إلى هذا الطريق الملتوي لأن النظام ألبعثي في تلك الفترة لم يكن له مؤيد أو صديق وقد ظهرت حقيقته الفجة للعالم كنظام لا يرعى عهدا أو يخفر ذمة وينقلب على أصدقائه وحلفائه ويصبح عدو مبين،فما قدمته الدول الخليجية لصدام في حربه المجنونة على إيران كان جزاءه احتلال لبلد شقيق كان له أسهامه الفاعل في دعم صدام وحكمه المتهاوي ،ومحاولته العبور للسعودية التي كانت معينه الأول في تلك الحرب،أن نظاما من هذا النوع لا يمكن الركون له أو التحالف معه وخصوصا للشيوعيين الذين يعرفون البعث ورجاله قتلة وخونة وسفاكين ولنا في رقابهم دماء لا يمكن نسيانها على مدى السنين والأحقاب،هذا الموقف زعزع من الصورة الرائعة لهذا المناضل القدير. والأمر الآخر الذي لنا أن نلومه عليه أنه في جميع مواقفه كان مع الحزب ،ومن أشد المؤيدين له في أكثر المواقف أثارة للخلافات وسياسته الثابتة أنه مع الحزب ظاهرا وباطنا، لن يختلف ومعه حتى وأن وجد ما لا يتفق ورؤيته ،بل كان من أكثر الرفاق مسايرة للحزب والتزاما بقراراته رغم تحفظاته عليها ،فكيف له أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى عدو لحزب له العمل الطويل في صفوفه والإسهام في بنائه،وهو من المؤمنين بالإصلاح الداخلي كما ورد في مذكراته ،فكيف له أن يختلف معه ويصرح ضده،أعتقد أن لذلك أسبابا تتعدى التوجه الفكري والاختلاف العقائدي وربما كان مدفوعا لذلك بحالة نفسية جعلته يقف هذا الموقف أو كان ضحية لإرادات أخرى فرضت عليه الانجرار إلى مواقف لا تنسجم وتاريخه النضالي الرائع. أن من يختلف مع الحزب أو يتعارض مع مواقفه أو يضطر لترك النضال أو يتجه اتجاه آخر عليه في أردأ الحالات أن لا يحاول الهدم والتخريب والإساءة إلى الحزب الذي عمل فيه لعقود،ومثل الفقيد أبو على الذي أمضى أكثر من خمسة عقود في صفوف الحزب الشيوعي لا يمكن له أن يقف هذا الموقف ويحاول الإساءة إلى حزبه ،ولنا أن نتساءل هل أنه كان لخمسة عقود يسير في الطريق الخاطئ وعاد الآن إلى صوابه،وهل يرتضي الإنسان إضاعة خمسة عقود في حزب تكون نظرته إليه هذه النظرة العدائية،وهل أنه أستمر على خطأه هذه السنوات الخمسون ،وعاد إلى تصحيح أعماله في سنتين أو ثلاثة،وعندما يخطئ قيادة الحزب ،أليست هي القيادة التي عمل معها هذا العمر الطويل فكيف تكون بين ليلة وضحاها قيادة مرفوضة،أن الأمر لا يتعدى خلاف عولج بشكل خاطئ،ولو تهيأ للفقيد كتابة مذكراته هذه الأيام لكانت نظرته إلى الأمور غير ما ظهر في هذا الكتاب وأن الكثير مما سطر هو نقل لأراء لا ندري هل أن الفقيد يحبذ نشرها أو لا ،فرسالته التي قدمها للحزب عن هيمنة الأكراد على مقدرات الحزب شأن داخلي أخذ طريقه الرسمي داخل الحزب ،ولا أعتقد أنه لو كان حيا سيورده بالصورة التي أقحم بها ،وأن الكثير من الآراء الواردة في الكتاب وفيها توضيح لأسباب الخلاف لم تكن مما كتبه الفقيد وإنما كانت رأي لأبنه أو رفاقه لا يمكن لنا نسبته إليه بأي حال من الأحوال ،نعم أنه أختلف وخرج وأرتبط بأطراف أخرى لها وجهة نظرها فيما يجري ،ولكن ليس من الصحيح تقويله ما لم يقله،ولو كان في نيته كتابة مذكرات لكان له الوقت الكافي لكتابتها عند عودته إلى بغداد ،والذي يمكن أن يقال أن مذكراته ما كتبه عن الانشقاق وعملية الهروب من سجن الحلة، ختاما لا يسعني إلا الإشارة إلى أن الخلل الذي واكب العمل الحزبي في الثمانينيات والإرهاصات التي ألقت بضلالها على التعامل اليومي كانت وراء هذه الأخطاء وأن المواقف المختلفة أدت إلى هذا التقاطع ولابد لمن كان له تأريخ أو صفحات بيضاء في الحزب أن لا يتنكر لتلك الصفحات ويحاول إلغائها بعمل لا يجدي نفعا،فها هو الحزب باق رغم جميع الاختلافات والانشقاقات والإرباكات التي صاحبت مسيرته وأن نظرته الإصلاحية البعيدة عن الجمود الفكري والانعزالية والطفولية اليسارية كفيلة ببقائه على الساحة رمزا للشيوعيين العراقيين ،وأن بقاءه مرهون بمواقفه الوطنية التي لا يمكن أن يزايد عليها أحد وأن مصير الانشقاقيين والخارجين هو الضياع والتلاشي بمرور الزمن والدليل أن جميع التكتلات والانشقاقات انتهت دون أن تخلف أثرا وظل الحزب باقيا رافعا رايته بين الرايات بانتظار القيادة التي ستقوده يوما إلى شواطئ النصر والأمان.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |