|
ألوان السما السبعة... تنويعات إنسانية على حالة وجد صوفية
محمود الغيطاني هل من الممكن أن يصل الإنسان إلى حالة من حالات السمو والصفاء والوجد والخفة الروحية حتى انه ليشعر بنفسه قد تخلص من إسار جسده تماما ومن ثم تبدأ روحه- التي أفلتت من سجن الجسد- في الانطلاق إلى عوالم أخرى أكثر رحابة واتساعا؛ فيرى مالا يراه غيره، ويشعر بما لا يشعر به من حوله في رحلة نورانية أبدية لانهاية لها؟ علّ مثل هذا التساؤل هو التساؤل الرئيس والفرضية الأساسية التي افترضها المخرج" سعد هنداوي"، والسيناريست "زينب عزيز" من خلال فيلميهما الجديد "ألوان السما السبعة"، ومن ثم حاولا الإجابة عليه؛ ولذلك نرى المخرج "سعد هنداوي" يسوق هذين البيتين الشعريين من مثنوي مولانا "جلال الدين الرومي" في بداية تيترات الفيلم لقد سما الحب الترابي من العشق في الأفلاك وحتى الجبل بدأ في الرقص وخف هذين البيتين اللذين إذا ما تأملناهما عن كثب لوجدنا أنهما يمثلان المفتاح الرئيس للدخول إلى العالم الفيلمي الذي يرغب "سعد هنداوي" في إدخالنا إليه، وكأنه يرغب القول( انتبه إلى هذين البيتين ثم تأمل العالم الفيلمي التالي له؛ لأنك ستصل في النهاية إلى اليقين من تلك الحقيقة التي ساقها جلال الدين الرومي). ولذلك نرى "سعد هنداوي" يقدم لنا فيلمه بشيء غير قليل من التسلل والمهارة والحرفية- ساعده في ذلك الكثير من الخبرة المكتسبة التي رأيناها سابقا في أفلامه الروائية القصيرة- وكأنه يرغب في التسلل إلى ما تحت جلودنا لنتشبع بالعالم الذي يقدمه لنا ومن ثم نصبح مغيبين تماما، أو سكارى بحالة من حالات الوجد التي تصيب الكثيرين من المتصوفة في حالات كشفهم الروحية- التي يذهبون فيها إلى مالا ندري عنهم-؛ فنراه يقدم لنا "حنان"( ليلى علوي) وقد التقت متعجلة بصديقتيها على الإفطار؛ لرغبتها في لحاق عرض ما قبل بدايته، لنعرف فيما بعد أنه عرض لفرقة التنورة التي يرقص فيها الراقص مغيبا تماما عن الآخرين متوحدا مع ذاته، بل منفصلا عنهم في عالمه الخاص الذي يرى فيه سماوات وألوان وأكوان أخرى لا علاقة لها بالواقع المحيط به؛ ولذلك نراها جالسة في العرض متأملة "لبكر"( فاروق الفيشاوي) راقص التنورة الذي يرقص وكأنه خاشعا متعبدا، بعيدا تماما عن الآخرين في عالمه الخاص، بينما تقترب منها الكاميرا في لقطة "كلوز آب" close up لنرى وجهها شاردا تماما في حالة من حالات الوله الأقرب إلى العشق، حتى لكأنها تتسامى فتصل إلى حالة من حالات الحلم، ومن ثم تتلاشى من حولها الأصوات والصخب المحيط بها كي تصل في النهاية إلى حالة الانتشاء التام، ساعدها في ذلك المؤثرات الصوتية الدالة التي استخدمها "سعد هنداوي" حيث تتباعد الأصوات لنشعر أنها- ليلى علوي- سقطت وحدها في الفراغ، بينما الكاميرا في لقطات متقابلة تعرض لنا وجهها المتأمل له تارة، ورقصته التي يهيم فيها تارة أخرى، ومشهد للسماء وحركة السحب السريعة تارة ثالثة كي تسقط فجأة من هذا العلّ الشاهق الذي خفّت روحها للوصول إليه- نتيجة توحدها مع الراقص- إلى الواقع المثقل بأعباء المادة ومشاكله اليومية حينما تنتهي الرقصة ويتوقف كل شيء. هذه الحالة من حالات الوله والإعجاب الشديد بما يفعله "بكر"(فاروق الفيشاوي) نظن أنها تصيب ابنه أيضا "سعد"(شريف رمزي) الراغب في ترك الحياة مع أمه "توحيدة"(سوسن بدر) ليعيش مع والده "بكر"(فاروق الفيشاوي) كي يتعلم منه رقصة التنورة الشغوف بها والراغب في أن يكون راقصا لها؛ ولذلك نراه أثناء عرض والده يتأمله كالمسحور تماما وكأنه انجذب إلى فلكه، فظل يدور معه غير قادر على التحرر من قوة جذبه السحرية إليه، لكننا نكتشف فيما بعد أنه ليس مسحورا بما يفعله والده- نتيجة لأنه يوصله إلى حالة من حالات النقاء والسمو- بقدر ما هو مسحور بذلك لأنه كما يقول لحبيبته (منى هلا) ( أنا معنديش حاجة.. ولا حاجة.. لا أنا غني ومعايا فلوس.. ولا كملت تعليمي.. مبلط سيراميك.. إيه يعني؟) كما نسمعه يقول أن (الحكاية فلوس وشهرة وسفر في مصر وبرة مصر) مما يدل على أنه مسحور بالتنورة في حد ذاتها من أجل أسباب مادية بحتة، وان كان "امبابي"( حسن مصطفى)- دقاق الرق في فرقة التنورة- والذي تبنى "بكر"(فاروق الفيشاوي) منذ صغره معلما إياه تلك الرقصة الهامة نراه يقول "لسعد"( شريف رمزي) عن أبيه أنه (بيبقى طاير.. طاير في السما السابعة ورجله لامسة الأرض.. بيروح حتت تانية بعيدة خالص، وبلفّة واحدة بيفوقنا معاه). إذن فالجميع مبهور بما يفعله "بكر" ويعرفون أنه يصل ومن ثم يوصلهم معه إلى حالة كبيرة من حالات الانتشاء والصفاء والخفة التي تجعلهم جميعا متعلقين به، دائرين في فلكه وكأنهم لا يستطيعون الفكاك منه. لكننا لابد أن نتساءل ما هي حكاية جميع هذه الشخصيات المتعددة التي حرص المخرج "سعد هنداوي" على تقديمها لنا واحدة اثر أخرى- والتي تدور جميعها في فلك بكر-، وما هو تاريخها، وهل هي شخصيات نابعة من الفراغ كي تتعلق فقط "ببكر"(فاروق الفيشاوي)؟ علّ مثل هذا التساؤل هو التساؤل الرئيس الذي ظل يدور بذهني حتى قرابة منتصف الفيلم تقريبا؛ نظرا لأن المخرج "سعد هنداوي" حرص ببراعة- ساعده في ذلك السيناريو المحكم الذي كتبته السيناريست "زينب عزيز"- على تقديم الشخصيات وعلاقتها "ببكر" فقط- دون أي معلومات عنهم- ثم بدأ بعد ذلك يفصل لنا الأمور، ولذلك أيضا تساءلنا كثيرا (ما هو المبرر المقبول الذي يجعل "حنان"(ليلى علوي) متعلقة "ببكر"(فاروق الفيشاوي) مثل هذا التعلق وبمثل هذا الشغف، حتى أنها تحضر العرض يوميا لنراها من خلال لقطات "الكلوز آب" close up منبهرة، ذاهبة في رحلة بعيدة معه وكأنها لا تدري بكل ما حولها سوى "بكر"(فاروق الفيشاوي) الذي امتلك عليها زمام أمورها؟). ربما نستطيع من خلال ما تم تقديمه لنا تقبل مبرر حب "بكر"(فاروق الفيشاوي) لرقصة التنورة التي تنقله إلى سماوات وعوالم أخرى، كما نستطيع أيضا تقبل مبرر تعلق "سعد"(شريف رمزي) بهذه الرقصة؛ نظرا لأنها بالنسبة له الطريق نحو الشهرة والمال، أما تعلق "حنان"(ليلى علوي) بها فلقد حيرنا معه كثيرا حتى بدأ المخرج ببراعة توضيح الأمور لنا، ولعل مثل هذا الأسلوب السينمائي في التشويق وجعل المشاهد في حالة دائمة من الانتظار والتساؤل من الأساليب الناجحة كثيرا والتي تجعل للفيلم إيقاعه الخاص الذي يمتلك على المشاهد أمره فلا يستطيع الإفلات منه بسهولة ومن ثم لا تصيبه حالة من حالات الملل؛ لأن الأمور بالنسبة له مازالت غامضة وغير منكشفة. ولذلك أيضا تساءلنا من هي "مدام نادية" التي علمت "حنان"(ليلى علوي) من صديقتها "سوزي" بموتها، وما علاقة "حنان" بها خاصة أن مشاهد "الفلاش باك" flash back الغامضة التي حرص "سعد هنداوي" على سوقها اثر هذا الخبر زادت من حيرتنا، يتضافر مع ذلك أننا رأينا "حنان"(ليلى علوي) تحيا حياتين منفصلتين، تارة مع والدتها في شقة بسيطة، وتارة ثانية في شقة أخرى فخمة وخاصة بها وحدها، كما أن عزاء "مدام نادية" لم يكن به رجل واحد، بل هو مجموعة كبيرة جدا من النسوة المدخنات الذي أثار ضحك الكثير من الجمهور، كما أن الأمر زاد التباسا حينما عرفنا أن هناك شخص ما اسمه "سامح"(معتز بلبع) قد عاد من سفر طويل إلى لندن ويلحّ في الاتصال "بحنان"(ليلى علوي) التي تتذكر اثر الاتصال بها مجموعة كبيرة من مشاهد "الفلاش باك" flash back غير المترابطة التي توحي لنا بأنها كانت على علاقة حب سابق، أو علاقة جنسية ما، أو زواج سابق بهذا الشخص، إلا أن هذه الأمور تنكشف لنا دفعة واحدة في طقس اعترافي تطهري بين "بكر"(فاروق الفيشاوي)، و"حنان"(ليلى علوي) التي نعرف أنها كانت تسكن في شقة فقيرة ومن أسرة متواضعة ماديا بينما تدّعي دائما أنها تسكن في حي الهرم، حتى تعرفت على "مدام نادية" التي جرتها إلى عالم الدعارة وأطلقت عليها اسم "حنان" بدلا من اسمها الحقيقي "صباح" بينما أخبرت أهلها أنها تعمل تاجرة شنطة ولكنها تقول في طقس اعترافي "لبكر"( بقيت حنان، بس أنا في الحقيقة صباح) في تدليل هام على أنها لم تكن راضية بما تفعله وأنه أمر يثقل روحها ولكن ظروفها المادية القاسية التي تعيش فيها هي التي دفعتها للسقوط في مثل هذا المستنقع بينما هي راغبة دائما في التطهر والابتعاد عن مثل هذا الطريق. ولذلك نراها حينما تقابل "سامح"(معتز بلبع)- أحد زبائنها السابقين- تقول له (تتجوزني يا سامح؟) نراه ينظر إليها بدهشة ساخرة لينطلق ضاحكا وكأنها قالت نكتة مما جعلها تتظاهر بأنها كانت بالفعل تمزح لتشاركه الضحك بينما تقاسيم وجهها توحي بالألم الشديد والهوان الذي تستشعره داخلها. ولعل تلك الرغبة الدائمة في التطهر لدى "حنان"(ليلى علوي) نراها في تعلقها الدائم "ببكر"(فاروق الفيشاوي) أثناء رقصه؛ لأنه ينقلها إلى عالم آخر روحاني بعيدا تماما عن عالمها المثقل بأعباء المادة والجسد، كذلك نراها في المشهد البديع فنيا التالي لاعترافها "لبكر" والذي نجح فيه المخرج "سعد هنداوي" كثيرا، حتى أننا قد نستطيع اعتباره من أهم المشاهد الموحية في السينما المصرية حينما نراها تحاول غسيل أرضية المطبخ بالصابون الكثير الرغوة وكأنها ترغب في غسيل نفسها من حياتها ودنسها لاسيما أنها كلما انتهت من غسيل الأرضية يعود بنا المشهد من بدايته مرة أخرى، كذلك المشهد التالي له مباشرة الذي تحاول فيه الاغتسال في البحر لتعود مرة أخرى له كلما خرجت منه والإصرار على إعادته أكثر من مرة، فبدا لنا الأمر وكأنها تطهرت من حياتها السابقة بعدما اعترفت "لبكر" بكل شيء، ولعل "سعد هنداوي" أثبت من خلال فيلمه وهذين المشهدين البديعين قدرته وخبرته الهامة كمخرج قادر على تقديم ما يراه فنيا من خلال الصورة المرئية بفنية عالية. كذلك نعرف أن "بكر"(فاروق الفيشاوي) في طقس اعترافي تطهري مماثل حينما يذهب إليها ليعترف لها- وكأنه يتطهر- بأنه كان يرى والده بمدينة دسوق يذهب دائما إلى الحضرة ليغيب في حلقات الذكر عن الدنيا، إلا أنه حينما رأى "امبابي"(حسن مصطفى) ذات مرة يرقص التنورة في مولد سيدي إبراهيم الدسوقي انبهر به وأراد أن يتعلمها ومن ثم تبناه "امبابي"(حسن مصطفى) ليصبح من أهم راقصي التنورة فيما بعد، كما أنه يشعر بالهوان والخزي لأن هذه الرقصة قد جلبت عليه الكثيرات من النساء الشبقات من كل الطبقات اللاتي كن يرغبن في التغيير ومن ثم تجربته جنسيا أو تأجيره لمرة أو مرتين ثم يذهبن إلى حال سبيلهن بعد أن يغدقن عليه بالمال والهدايا، كذلك شعوره أثناء الرقص بأنه كالمرأة العارية تماما المصوبة تجاهها الكثير من العيون الجائعة؛ ولذلك رأيناه يعيد لإحدى النساء المتصابيات والراغبة فيه جنسيا جميع هداياها كي يعترف/يتطهر على يد "حنان"(ليلى علوي) ومن ثم يتخلص من رغبات الجسد التي تثقل روحه دائما وتشده نحو الأرض. ولعل المخرج "سعد هنداوي" كان حريصا تمام الحرص على تقديم ثنائية الروح والجسد على طول فيلمه فرأينا "توحيدة"(سوسن بدر) طليقة "بكر"(فاروق الفيشاوي) التي قدمها الفيلم في صورة امرأة باذخة الأنوثة، ملتهبة الرغبة، ولذلك يقول عنها "بكر" أنها كانت امرأة بحق، فيها من الأنوثة الطاغية ما يجعلها دائما إذا ما نظرت أو تحدثت إلى أحد توحي له وللآخرين أنها راغبة فيه أو على علاقة به؛ ومن ثم فلقد راقبها كثيرا وحينما لم يصل لشيء يسوء سلوكها قرر طلاقها حتى لا يعيش في جحيم الشك الدائم أو يجن بسبب شكه فيها، ونظرا لأنها ترغب في الحياة من أجل ولدها- الرغبة في التسامي والخفة الروحية- تمتنع عن الزواج بالرغم من رغبات جسدها اللاهبة، إلى أن يصرّ ولدها "سعد"(شريف رمزي) على تزويجها من "عناني"(أحمد راتب) المتيم بها والتابع لها دائما حينما يراهما معا ذات مرة يتحادثان في الفرن ويظن بهما الظنون، ولعل شك "سعد"(شريف رمزي) في أمه- الذي ورثه عن أبيه نتيجة أنوثتها الطاغية- يتضح في قوله لها حينما تقول له أنها لم ترغب في الزواج بعد طلاقها من أبيه حتى لا تجيء له بزوج أم فيقول (يا ريت كان ليا جوز أم واحد). إلا أن تلك الثنائية الروحية الجسدية يقع فيها "سعد"(شريف رمزي) نفسه مع حبيبته (منى هلا) تلك الفتاة المتعلق بها عاطفيا والتي يعرف على يديها الحب الجسدي ذات مرة ليقع أسيرا لها وله ولكنه في اللحظة التي تتزوج فيها أمه "توحيدة"(سوسن بدر) يشعر فيها بأن أمه قد خانته ومن ثم نزلت من المكانة الروحية العميقة التي يكنها لها إلى مكانة أخرى أكثر دنوا وكأنها قد خانته أو أن العالم كله قد تنكر له؛ فيسرع بالذهاب إلى بيته لينفرد بنفسه، إلا أنه يفاجأ بحبيبته (منى هلا) تخونه في بير السلم مع شخص آخر ليكتمل لديه الانهيار والشعور بالهوان. إنها الثنائية الروحانية الجسدية التي يحرص عليها "سعد هنداوي"، والممثلة لدى "سعد"(شريف رمزي) في متطلبات جسده الجائع دوما نحو حبيبته (منى هلا)، وشعوره الجارف تجاهها بالحب المتسامي عن رغبات الجسد، كذلك نرى تلك الثنائية لدى حبيبته (منى هلا) الشاعرة تجاهه بالحب، إلا أن رغبات جسدها المشتعلة دوما تجرها نحو إرضاء هذا الجسد المسيطر عليها؛ ولذلك لا نستطيع تكذيبها حينما تقول "لسعد"(شريف رمزي) حينما يفاجئها مع الشخص الآخر تحت بير السلم (والله ما كان قصدي)؛ فهي بالفعل لم تكن تقصد خيانته بقدر ما كانت تحاول إرضاء جسدها الجائع دوما. كذلك "امبابي"(حسن مصطفى) الذي بلغ من العمر مرحلة متأخرة تكاد تجعله راغبا في الانفراد بنفسه واعتزال الآخرين للتعبد وانتظار نهايته، نراه يرغب في ذات الوقت بالتمسك بأهداب الحياة المنفلتة منه، بل والحياة على الخيال مع الأخريات، والرغبة الدائمة في أن يبدو مازال بصحته وشبابه. إنها الحياة بكل ما فيها من تناقضات وشد وجذب، يحاول "سعد هنداوي" تقديمها لنا بشكل فيه الكثير من الحيادية والموضوعية بلا أي تدخل منه أو أية أحكام مسبقة سواء كانت أخلاقية أو غير أخلاقية، ولذلك رأيناه يقف معنا متفرجا حياديا، فلا هو يدين السقوط في رغبات الجسد لدى جميع شخصياته والانسياق خلف تلك الرغبات، ولا هو يحاول التنظير ومن ثم العلو والترحيب بلحظات الوجد والخفة الروحية والتسامي التي تنتابهم أحيانا، راغبين في التطهر مما يفعلونه. ولذلك رأينا أن "سعد هنداوي" قد برع كثيرا في اختيار شهر رمضان- عن عمدية وقصد- كخلفية لأحداث الفيلم ليدور فيه كل ما رأيناه؛ لأن هذا الشهر الكريم هو شهر التطهر والسمو الروحاني لدى جميع المسلمين ومن ثم يخفون بأرواحهم إلى آفاق رحبة لا ندري لها مددا- وكأنهم يرون ألوان السما السبعة بالفعل- نقول أن اختيار "سعد هنداوي" لهذا الشهر كخلفية لأحداث فيلمه فيه الكثير من الانتصار لهذه الرسالة الهامة التي يريد إيصالها من خلال فيلمه والتي تفيد بأن الإنسان بالرغم من رغبات جسده الدنيوية الدائمة إلا أنه في ذات الوقت راغب رغبة دائمة في التطهر والتسامي يستطيع الوصول إليها لاسيما في مثل هذا الشهر من خلال هذه التنويعات الإنسانية المختلفة التي تنحو دائما نحو التطهر. وربما لهذا نرى "بكر"(فاروق الفيشاوي) حينما يعترف بدوره "لحنان/صباح"(ليلى علوي) متطهرا من حياته السابقة يتواصل معها في مشهد بديع- من المشاهد الكثيرة التي ذخر بها الفيلم والتي برع فيها "سعد هنداوي"- تواصلا جنسيا في حالة امتزاج جسدي وروحي وكأنه التقاء لتلك الثنائية- الروح والجسد- كي تصبح معنى واحدا يستطيع ايصالهما معا إلى ألوان السما السبعة التي رأيناها كثيرا في هذا الفيلم حينما حرص المخرج "سعد هنداوي" عدة مرات على التركيز على مشهد السماء وحركة السحب السريعة فيها، سواء في لحظات رقص "بكر"(فاروق الفيشاوي) بالتنورة، أو في لحظات توحد "حنان"(ليلى علوي) معه أثناء الرقص، أو في هذا المشهد العشقي البديع الذي رأينا فيه قوس قزح يمر عبر السماء الصافية وكأنهما بالفعل استطاعا الوصول إلى حالة من حالات الخفة الروحية العميقة. إلا أنه بالرغم من تكرار هذا المشهد كثيرا على طول الفيلم لم نشعر على الإطلاق بكونه عائقا، بل كان من أهم المشاهد والرسائل البصرية التي قدمها "سعد هنداوي" كي يستطيع أن يخدم بها فيلمه وإيصال معناه، ساعده في ذلك الموسيقى الصوفية الطقوسية البديعة التي قدمها لنا الموسيقي (تامر كروان) والتي كانت من أهم مميزات الفيلم، والتي لولاها لما استطاع المخرج وحده إيصال رسالته الفيلمية؛ حيث كانت الموسيقى موحية دوما بحالات الوجد التي وصلنا نحن أيضا لها، كما لعبت كاميرا "رمسيس مرزوق" دورا عميقا في إيصال الصورة البصرية المدهشة التي أفادت كثيرا في مساعدة "سعد هنداوي" على إتمام فيلمه، كما لا ننسى المونتاج الهادئ الذي شعرنا به عذب الإيقاع للمونتير "رباب عبد اللطيف" والذي قد يبدو للوهلة الأولى- للمتفرج غير المدرب وغير العليم بفن الفرجة على الفيلم- بطئ الإيقاع أو داعيا للملل، إلا أنه بتأمل الفيلم جيدا سنجد أنه لم يكن مناسبا له على الإطلاق مونتاجا سريعا متلاحقا أو لاهثا لأنه سيؤدي إلى ضياع الحالة الفيلمية الصوفية التي يرغبها المخرج؛ فهذا البطء في الإيقاع كان لابد منه من أجل إعطاء فرصة للمشاهد كي يتأمل حالات الخفة الوجدية. ربما أفادنا "سعد هنداوي" كثيرا في فيلمه "ألوان السما السبعة" بتقديمه "منى هلا" التي أثبتت تواجدا حقيقيا وبديعا أمام الكاميرا، كما أنه قدم لنا "ليلى علوي" أكثر توهجا بعد غيابها فترة طويلة عن شاشة السينما، إلا أن الإفادة العظمى كانت في "سوسن بدر" التي توهجت تماما أمام الكاميرا لتقدم لنا خبرة تمثيلية ليست هينة، كذلك "فاروق الفيشاوي" في دور جديد عليه تماما استطاع تقديمه بمهارة واقتدار حتى أننا لا يمكن تخيل فنان آخر يستطيع أداء مثل هذا الدور. ولكن يبقى التساؤل الرئيس والهام الذي بدأ به الفيلم كي يظل معلقا وفي حاجة ماسة للإجابة عليه وهو، هل استطاع المخرج "سعد هنداوي" التأكيد على أن الإنسان قد يصل إلى حالة من حالات الخفة والسمو الروحي بعيدا عن أعباء المادة والجسد المثقل بالعديد من الأعباء؟ أعتقد أنه بالفعل قد نجح أيما نجاح في الوصول بنا نحن كمشاهدين إلى تلك الحالة؛ فشعرنا جميعا مع أبطال الفيلم أننا نتسامى ونرتفع ونتحد ونخف كثيرا حتى أننا نسينا وجودنا في دار عرض سينمائي ومن ثم رأينا بالفعل السماء وألوانها الزاهية الجميلة لنصل إلى حالة من التطهر الروحي العميق الذي سرعان مازال لنجد أنفسنا نهوى بقوة ونستمع إلى صوت ارتطامنا بأرض الواقع القاسي حينما أظلمت الشاشة بعد مشهد الفينالة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |