|
الصراع الحزبي وأثره في فشل النقابات والجمعيات
محمد علي محيي الدين يبدو أن الإرث البغيض للنظام البائد لا يمكننا الفكاك والخلاص منه ولا يزال يلقي بظلاله على الحياة السياسية في العراق،فالأحزاب الوطنية الديمقراطية التي أفرزها التغيير السياسي في العراق استلهمت من النظام ألصدامي الكثير من منطلقاتها ومفاهيمها وتحاول التأسيس على ذات الأرضية القلقة التي كان يرتكز عليها النظام المذكور،فسياسة الإقصاء والتهميش وبسط السيطرة والنفوذ وإلغاء الآخر هي العلامة الفارقة والمميزة للجميع،وكل من يجد في نفسه القدرة والاستطاعة يسعى لإنهاء الآخر وإخراجه من ساحة الصراع باستعمال الأسلحة الجرثومية والنووية والهيدروجينية،وهذا من علامات الديمقراطية الجديدة التي ينادي بها الجميع ويعملون تحت ظلها ووفق برامجها . ومنظمات المجتمع المدني أصبحت ساحة الصراع لهذه الأحزاب ومركز استقطابها ومد نفوذها،ولو كانت الطرق الديمقراطية السليمة الأساس لهذا الصراع لهان الأمر ولكن الصراع أخذ مديات أوسع وسلك طرقا أدت أو ستؤدي إلى جعل المنظمات المجتمعية أداة للسيطرة وإنهاء الآخر،وبدلا من التعميم سنأتي بنماذج على هذا التشرذم الذي جعل من هذه المنظمات هياكل فارغة تنخرها العثة ويفتتها التناحر والصراع. تابع المراقبون في كل مكان ما جرى في انتخابات نقابة الصحفيين وما حدث فيها من تلاعب خطير جعل الأقوياء يهيمنون عليها باستعمالهم مختلف الأسلحة ،ولجوئهم إلى أرخص الوسائل في الهيمنة والسيطرة عليها وإعطائها صبغة واضحة تمثل جهات فاعلة لها تأثيرها المعروف في السلطة العراقية بالتعاون مع أطراف ليس لها لون معين وتتلون باللون الذي يفرضه عليها نوع الحكم في العراق،فلو راجعنا الأسماء التي هيمنت على مقدرات النقابة لوجدنا أن جلها أن لم يكن أكثرها له ارتباطاته بأحزاب السلطة أو حزب البعث الحاكم بل أن نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أعلن صراحة أنه يبارك هذا التغيير لأنه يمثل بعضا من توجهاته المعروفة في عودة البعث إلى الواجهة،وأن سكوت أطراف أخرى يعني أنها قد أخذت نصيبها في كعكة النقابة ،مما جعل اعتراضات التيارات الوطنية الأخرى غير ذات فائدة بعد أن اكتسبت الشرعية الحكومية والقضائية والعربية التي اتفقت أرادتها على الإبقاء على هذا الوليد المشوه لغاية في نفس يعقوب. وفي مجال الجمعيات ألفلاحيه أخذ كل حزب في العراق يشكل اتحاده الخاص به حتى أصبح في العراق عشرات الاتحادات التي تستمد قوتها وسلطتها من الحزب الذي أوجدها وبالتالي أصبح هذا التشرذم ضمانا لما آلت إليه أوضاع الفلاحين في تردي الإنتاج الزراعي تمهيدا لجعلها مرتعا للاستثمارات الأجنبية وشركاؤهم في سلطة القرار، وهذه السياسة مررت على الفلاحين البسطاء المفتقرين إلى الوعي والمعرفة والغارقين في الكسل واللامبالاة لعدم وجود القوى القادرة على العمل في أوساطهم وإفهامهم بمخاطر هذا التشرذم والضياع. وحال النقابات ألأخرى لا يختلف كثيرا ،والعمل مستمر لاحتوائها من الحيتان الكبيرة التي بدأت بتهديم أسسها ومقوماتها بإنشاء كيانات مبعثرة تمثل هذا الطرف أو ذاك وأتوقع أن تقوم هذه القوى وبشكل تدريجي بمد سلطتها على جميع النقابات والاتحادات والمنظمات المجتمعية بإتباعها الوسائل المختلفة ،لتكون هذه المنظمات واجهات لها في تمرير سياستها ،واليوم ليس ببعيد على ذلك والتحضيرات جارية على قدم وساق للسيطرة عليها وربطها بعجلتهم ،إذا لم تسارع القوى الوطنية للعمل يد واحدة لإيقاف هذا الاستلاب والوقوف بوجه هذا ألإخطبوط الذي سيحيلها إلى واجهات رسمية كما كانت عليه زمن النظام السابق،تسير بتوجيهات القيادات التي أوجدتها وبعثت فيها الحياة بما تتملك من قدرات مادية وحكومية لا يمكن للجهات ألأخرى مجاراتها أو الوقوف بوجهها. أن الواقع الموضوعي يدعوا الجهات ذات العلاقة لدرء الخطر المقبل قبل استفحال الأمور وسيرها بالطريق الخاطئ ،وتأسيسها لنظام جديد يجعل من المستحيل مستقبلا أجراء التغيير المناسب لأنها ستؤسس للبقاء دون أن تستطيع أي قوة أزاحتها أو الوقوف بوجهها .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |