|
التقنية والقدرة النوويتين .. مفاهيم ذات تعاريف ورؤى احادية
د . محمد الموسوي .. فيما يختلف وتختلف الكثير من القوى والافراد على تعريف الكثير من المفاهيم وتستخدم اللغة كمخارج وحلول ووسائل للتهرب والتنصل عما قد صدر او يصدر منها من تصاريح واقوال .. الا انهم في النهاية وإن اتفقوا شكليا يحتفظون بتفاسيرهم ورؤاهم الاحادية ..، وفيما يختلفون نجد ان اغلب المتنورين في العالم يتفقون على ايجابية العلم والعلماء وكافة اكتشافاتهم التي كانت وانطلقت بدافع خدمة البشرية وحبا في ادامة مسيرة العلم وتتابعا بخطى الانسان الى الامام ومن اجل حياة أفضل ..الا ان سوء استخدام اهل السلطة والقدرة والسياسة للعلوم جعل من بعض الجوانب العلمية نعمة ونقمة في ذات الوقت ..فحين استخدم العلم لبناء القدرات العسكرية والجيوش وتعزيز القدرات مقابل الخصوم أو في صراع توازن القوى .. أو في حالات الحروب ولجوء احد الاطراف لانهاء آلام الحرب وفي متناول يده ما اوصله اليه العلم من وسائل ابادة كما حدث مع اليابان هنا جعلوا من علم الذرة نقمة في حين أن نعمتها اكثر من نقمتها وخصوصا في مجال الطب والطاقة والصحة والبحوث . - نعم عندما تكون العلوم وسائل للابادة فهي نقمة ومصدر خوف وقلق ورفض ونفور وخصوصا عندما تتوفر هذه القدرة بيد قادة انفعاليين متهورين يتبعون لغة العنف كلغة حوار فإن البشرية (شعبهم واصدقائهم وخصومهم )ستقع تحت طائلة الفعل ورد الفعل وتندرج هذه القدرات الابادية التسليحية في اطار مفاهيم القدرة التي بلغت مستويات عالية في قلة من البلدان كأمر واقع ويجب التسليم به الان للملكية التي تتمتع بها البلدان المالكة وجمعها بين القدرة والتقنية وتفاصيل المفهومين وبذلك تكون قادرة على المضي قدما في برامجها وقدراتها التسليحية وادامتها وتطويرها والحفاظ عليها وتفادي مساوئها والقدرة على التصرف بافرازات ونفايات تلك الاسلحة وخصوصا النووية منها وكل ذلك دون الحاجة الى عون من احد...وعليه لا يمكن للكثير من البلدان مثل ايران الخلط بين مفهومي القدرة والتقنية لعدم امكانية الجمع والادامة فيما بينهما بل يجب العزل بين المفهومين والملكيتين ان كانت هناك فرصة لامتلاك وحماية التقنية النووية لاغراضها السلمية إن كانت هناك حاجة لذلك في مجال الطاقة وهي الاهم إن لم يكن هناك مصدر طاقة بديل وأنقى علما ان الطاقة الشمسية خيارا افضل وانقى واقل كلفة ومضار جانبية وأكثر امانا ويمكن من خلالها ومصادر اخرى نقية وآمنة كالمياه والرياح للحفاظ على انفسنا والبيئة. - اليوم لغة القدرة والقوة هي اللغة السائدة في العالم ويعتبرها البعض لغة الوجود حتى قبل صناعة القنبلة الذرية فكانت قوى العالم الكبرى ولعدة قرون قبل بروز الولايات المتحدة الامريكية كقطب تتصارع وتتسابق فيما بينهما على المستعمرات وكانت الاساطيل البحرية لتلك البلدان إشارة ودليلا على حجم القدرة والقوة اما باقي صنوف الجيش فقوامها المشاة والمدفعية ..اما ابناء المستعمرات فكانوا جزءا من حطب تلك الصراعات .. فيما بعد اصبح حجم الملكية من المدافع والدروع وبعدها الطائرات كيفية وعددا العنصر الاول والاهم في صراع القدرة والهيمنة ولم يكن هناك من كان مهتما بما يسمى بمفاهيم الردع وفي ظل تعاظم القوى تتقدم الاطماع وتتعاظم الطموحات ومع وجود ايديلوجية متطرفة كقاعدة وارضية لهذه القدرة تكون النهاية مأساوية وهذا ماحدث في الحربين العالميتين الاولى والثانية عندما حصلت النازية على مبتغاها من القدرة وحاجتها من الوقت من خلال سياسة المساومة والمراوغة .. ولم يتوقف تقدم النازية وتسلطها الا بعدما ايقن الطرف الاخر في الصراع انه مخطىء وغير واقعي حيث وصل النازيون الى عقر دارهم.. وبعد الحرب العالمية الاولى ظهرت الحاجة الى قدرات استراتيجية واسلحة دمار شامل وتقدمت اهمية مفاهيم الردع وغدارة اصراع وتغيرت مفاهيم القوة وكذلك اصبحت هناك رؤية جديدة للفقه السياسي. - بعد مأساة الحرب العالمية الثانية ايقن المنتصرون فيها انهم بحاجة الى تقنين وتحديد مواطن القدرة وركائز القيادة العالمية والصورة الجديدة للعالم.. ومع أفول نجم قوى تاريخية عملاقة بعد قرون من الزهو وظهور قوى جديدة تفاقم صراع القوة والقدرة والنفوذ بينهما حتى مرحلة القطبين ومناصفة العالم وقطب واحد بعد وفاة القطب الاخر الذي تقاسم قدرته الورثة المتعددون وكان لنظام طهران نصيبا من ذلك الميراث المتناثر بيد القاصرين وما ناله نظام طهران من تلك التركة قل او كثر عظم او هان فهو ليس بالشيء الهين وخصوصا في ظل السعي لاثبات الوجود والظهور كقوة إقليمية كبرى وبلا منازع بعد مقتل العراق وفراغ القدرة الذي عبأته حكومة طهران من خلال الفرص التي تهادت اليها واغتنمتها وتتفاوض بها اليوم علنا. - صراع نظام طهران وقتاله من أجل فرض ايديلوجيته الشمولية المتطرفة لادامة وجوده جعلته يخلط بين المفاهيم ..وبين مفهومي التقنية والقدرة النوويتين وكبلد طارىء ومبتدأ في هذا المجال لا يمكن له ان يجمع بين المفهومين والتوفيق بينهما للمضي قدما في مشروعه هذا لعدة اسباب منها :- 1- حالة الاضطراب السياسي التي يعيشها النظام بسبب نهجه والتدهور الاقتصادي الناجم عن افراطه في توجهاته العسكرية داخل وخارج ايران. 2- عدم إمتلاكه للتقنية النووية والمواد الاولية اللازمة لتفعيل البرنامج النووي . 3- لا يعد امتلاكه لقنبلة ذرية نجاحا كاملا بل سيجعله في وسط الطريق لافتقاره للتقنية اللازمة لحماية وادامة ملكية هذا السلاح او لافتقاره لاحد العناصر الهامة اللازمة لمشروعه . 4- دليل اضطرابه وعدم توفيقه بين المفهومين عدم تمكنه ومنذ ما يقارب العقدين من الاستفادة من البرنامج النووي لاغراض الطاقة. 5- عدم شفافية حلفاؤه ووقوع بعضهم في ازمات داخلية ودولية وازمة كوريا إحدى تلك الازمات. 6- لا يمكن الاعتماد على ما يمكن الحصول عليه من المافيا لانجاز وانجاح برنامج نووي على المدى القريب. .. وعلى اية حال فإن امتلاك نظام طهران لقنبلة ذرية الان او قبل سنوات لا يعني امتلاكه للقدرة النووية ما لم يمتلك عناصر القدرة المفقودة .. لا نشك في امتلاكه لاسلحة دمار شامل كيميائية وبيولوجية ولا نستبعد امتلاكه سلاح ذري تم شراؤه من الورثة القصر بعد انشطار الاتحاد السوفياتي ولكننا نستبعد امتلاكه للقدرة النووية والتي من الممكن ان يصل اليها خلال عام او اقل العام او خلال ثلاثة جلسات تفاوض او أربع مع المجتمع الدولي وعندها ستتغير لغة الحوار ونغمته كليا .. ومن يدري فقد نرى الكثير من المفاجآت... - هذه هي القصة ولا يخلو الامر من اقتداء نظام طهران بتجارب دولية وببعض افعال وسلوك البلدان الكبرى فيما يتعلق بالقدرة والقوة كأسس للهيمنة والشموخ ..وما كان في مطلع القرن العشرين يتكرر اليوم. - نحن كعراقيين لا نستكثر على الشعب الايراني امتلاك برنامج نووي سلمي يرفع من شأنه ويحسن من مستوى حياته ولا يضر بمستوى معيشتهم وبالاخرين وإنما قلقين من البرنامج النووي العسكري .. كذلك فإننا لا نثق في قدرة نظام ضعيف كنظام طهران على حماية مفاعلات وقدرات نووية وهو ليس باقوى من روسيا والاتحاد السوفياتي عندما تسرب اشعاع نووي من تشيرنوبل وحوادث الغواصات النووية الروسية... والشعب الايراني وشعوب المنطقة ليست بحاجة الى طاقة ملوثة او قد تلوث مستقبلا خصوصا في ظل وجود بدائل اخرى للطاقة ومن يتولى نفاياتها النووية واين تدفن وكيف يمكن الخلاص منها .. وجزءا من القدرة النووية هو القدرة على الخلاص من نفاياتها دون الاضرار بالبيئة ..وجزءا كبيرا مما يقلقنا من نظام طهران هو نهجه ورؤاه الاحادية الجانب فنظرته متطرفة في فهم وتفسير وطرح وقراءة الامور وخصوصا تفسيره لمفهوم القدرة والهيمنة والوجود ويختلف في ذلك عن غيره سواء كان غيره شفافا او عديم الشفافية ..فكل يعرف القدرة انطلاقا من حجم كيانه ووضعه ومفهومه الخاص وقد يتجرد أو يصيب او يخطىء في ذلك او يناور.. والشرق الاوسط والعالم ليسوا بحاجة الى أزمة جديدة للتسلي بها وهذا هو الاهم... وكذلك على العالم الا يكيل بمكيالين وأن يكتفي بما كاله... وما تحتاجه البشرية اليوم وكل يوم هي تعاريف علمية غير سلطوية بعيدا عن الدمار ولغة الغاب .. والى عالم افضل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |