|
(الشخصية العراقية) بين التفكيكية
والتحليلية(2)
سهيل أحمد بهجت (الشخصية العراقية) بين التفكيكية والتحليلية(2) سهيل أحمد بهجت في الحلقة السابقة تحدثنا عن الخطاب التفكيكي القومي ودوره في تشويه وتأخير بلوغ العقل العراقي إلى قمة الذاتية الفردية للوصول إلى حالة البلوغ العقلي في اللا شعور الغائب والذي يُنتظر ظهور كحتمية تاريخية، وهنا سنحاول كشف ذات الأمة "الفرد" وكيفية إيصاله إلى قمة الحقيقة التاريخية التي سيتمخض عنها ولادة أمة كان لها وجود ولكن كانت في غفلة عن ذاتها الذي هوهدف وجودها ووجودها هوالتبرير الموصل إليها، هذه الذات "الفرد" أصيبت من خلال آيديولوجيات القرن التاسع عشر والعشرين بمجموعة التباسات شوهت وضيعت ذاتها الحقيقية والتي كانت تفسر دوما بأمور طارئة على الذات العراقية. يحاول بعض الكتاب الآن ومن خلال عقل ذكوري عشائري قطع الطريق مثلا على حق المرأة العراقية أن تعطي أبنائها – الذين ولدوا من أب غير عراقي – الجنسية العراقية، منطلقين مرة أخرى من عقل طارئ إما قومي وديني، متناسين أن الهوية العراقية هي الأصل وأن كل ما عدى ذلك فهومحترم بالإضافة وليس كأصل، فالشيعي والسني والعربي والكردي والتركماني كلهم يتساوون في "عراقيتهم" وكونه ينتمي إلى هذا الطرف وذاك لا يمكن أن يكون امتيازا ونقطة قوة ما لم يكن هذا الانتماء في إطار عراقي بحت، وبالتالي لا بد للذات من جهة محايدة تستطيع إشعاره بذاته وهوما نعني به تجسد هذه الذات في نظام "دولـــة" ولا يتم الحياد ها هنا ما دامت السلطة تنتمي إلى طارئ على العراق (عرق قومي ومذهب وحزب). إن الفرد الحر هوأساس كل دولة حرة ولكي يكون الانسجام كاملا بين ذات الأمة الذي هوالفرد وتجسد هذه الذات من خلال المجموع الذي يبني الدولة، الانسجام بين هذين الطرفين لا يتم إلا بعلاقة ضمير مباشر بين الفرد ورؤيته للأمة التي تجسد ذاته من خلال علاقة مباشرة لا تربطه ربطا تفكيكيا بالتجسد وعبر مظاهر طارئة من الممكن تفكيكها في أي وقت كونها مفككة أصلا ولا تمثل الحتمية التاريخية لبروز الذات والأمة في علاقة منسجمة واضحة ونقية، فالأصل في الفعل الإنساني أنه حر وذوإرادة نافذة وإذا كان المنظور الديني يعتبر الإنسان أنه مقيد بالإرادة الإلهية وبالتالي فهومرتبط بسبب خارج إرادته، هذا الفهم نفسه قاصر عن النظر إلى كون الإنسان هوغاية إلهية وبالتالي فلا معنى لكل المصطلحات والمفاهيم والنبؤات الدينية في حال تجاوزت الإنسان، فالإنسان أعظم مخلوق حينما يدرك حريته والتي لا تقل قيمتها حتى لوربطت بأسباب طبيعية وسايكولوجية خارجة عن الشعور الظاهر للإنسان، فهذه الحرية ومن خلال تجسدها كطاعة عن اختيار هي سر عظمة الإنسان، لكن بمجرد أن يبدأ الإنسان ومن خلال حريته في إيجاد تبريرات للتشكيك في أثمن ما يملك (الحرية) فهوحينها سينحط ليصبح أحقر مخلوق على وجه الأرض، وعلى الإنسان أن يدرك أن تحقير الدين للشهوات وملذات الحياة لا يعني قط أنها قبيحة لكونها المعنى الواقعي للحياة، كاللذة التي يحصل عليها الطرفان الرجل والمرأة، لكن هذه الملذات تفقد معناها حينما يصبح الفرد مستعدا للتخلي عن حريته في سبيل الوصول إلى هذه الملذات، كون الحرية هي قيمة القيم وأنها بلا حدود لولا تعلق الإنسان بأفراد آخرين مثله يملكون نفس الحق وبالتالي لا بد من تنظيم هذه المتعلقات كون التنازل عن جزء بسيط من الحرية في سبيل حفظ هذه النعمة هوأفضل من الفوضى التي تصبح تبريرا للطغيان. إن الإنسان وارتباطه بمحيطه وأرضه – الارتباط هنا بالأرض يختلف كليا عما يروج له القوميون والإسلاميون من ارتباط غير مشروط – هوارتباط إيجابي بمعنى أن الفرد ينطلق نحوالطاعة عبر علاقة الحرية والحقوق، فكلما توفرت للذات "الفرد" حريات وحقوق كلما كانت العلاقة أقوى وأمتن وكلما تمسك الفرد بواجباته كلما حصل على حقوق أكثر وكلما قدمت الدولة وهي انعكاس شمولي لهذا الفرد كلما حصلت من هذا الفرد على مزيد من العطاء والعمل والإنجازات، من هنا فإن إدراك الفرد لذاته كعراقي هوإدراك الأمة العراقية كمجموع أفراد لذاتها كأمة منفصلة عن كل قومية ومذهب وعقيدة وحزب، فالعراقية كهوية هي تجسد للذات في الأمة وبعبارة أخرى تجسد حيادية الفرد – كونه عراقيا – في أمة عراقية محايدة. إن الانعكاس بين الفرد والأمة الحقيقية – الأمة الحقيقية هنا هي العراقية بينما الأمة المزيفة هي تلك الدينية والقومية – هذا الانعكاس لا متناهي التبادل في التأثير كون الفرد عبر وصوله إلى ذاته يمكن الأمة من تجسيد نفسها وهذا التجسيد يؤثر مرة أخرى على الذات الفردية. إن حركة التاريخ تتجه بشكل تصاعدي نحوارتقاء العقل البشري "والعقل العراقي جزء من هذا العقل" وهذا التصاعد الفلسفي المنطقي في معرفة الفرد لذاته في الأمة هوارتقاء حتمي يتكون من خلال الممارسة البشرية للحياة وكل متعلقاتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، فقد بحث الإنسان عن ذاته في الدولة "القومية" فانتهى إلى الفراغ والتناقض في تعريف القومية نفسها ومن ثم انشطارها مرة أخرى، كما أن الدولة الدينية وقعت في تناقض مع ذات الفرد كونه دوما على حافة أن يتهم بالخروج على الحقيقة الدينية ولرفضه عقيدة الدولة التي فرضها أفراد مناقضون له. إن الإنسان في ذاته كهدف إلهي أصيل هوغاية الدولة وهدفها، ونحن هنا حينما نربط هذا الإنسان بالغاية الإلهية فإننا نعني بذلك إله الفلسفة أكثر من كونه ذلك الإله الكهنوتي الديني الذي يبدولي شبيها بمسؤول متعصب في حزب قومي يتبع تعليمات السيد رئيس الحزب القومي، فحسب الإله الكهنوتي لا قيمة لعمل الإنسان خيرا كان وشرا بقدر ما يمتلكه من خضوع للطقوس والشعائر الدينية وتصنيفه على أساس الجنسية والوراثة، فالإله الفلسفي هنا والذي يتطابق مع العمق الإشراقي والصوفي للأديان هووحده الكفيل بإيصال الإنسان إلى غايته التاريخية في الانتماء إلى أمة "لا قومية ولا دينية" تتحقق من خلالها أحلامه في المساوات والعدالة والحرية، فكل الانتماءات الجانبية تجعل من الدولة أشبه بحزب كبير يبدأ في التعامل مع الفرد على أنه كائن غريب عن جسم الدولة. إن الإنسان هومحبوب للإله الذي خلقه في العالم ليكون انعكاس للكمال والفعل الحر ويدرك بالتالي أنه مطالب ذاتيا بأن يكون أرقى ما في الوجود باعتباره مختلفا عن كل محيطه المتحرك في جملة حتميات غير قابلة للتغيير، باستثناء الإنسان الذي هوحتمية الحتميات والقادر على التلاعب بالقوانين الكونية ويمدها ويقصر من عمرها، فالإنسان هوالحيوان الوحيد الذي يدرس أبعاد مشاكله الاقتصادية والاجتماعية وسبل حلها، بالتالي فإن الفرد العراقي لا بد وأنه سيدرك انتمائه كذات إلى غاية على هذه الأرض وعبثية الانتماءات الطارئة والتافهة التي لم تجلب له – والتجربة التاريخية أكبر برهان – إلا الحرب والدمار، بينما كان من الممكن بناء تجربة مختلفة إيجابيا عن كل ما مضى لوكان تمّ تعريف الهوية العراقية وتحولها إلى هوية مقدسة بفعل الانحدار الزمكاني الممتد في عمق التاريخ والمستقر في اللحظة الآنية الحالية، لوكان تم تعريف الهوية العراقية بذاتها لا بالطارئ القومي والديني لكان من الممكن بناء تجربة تختصر الزمن وصولا إلى معرفة الذات لنفسها كغاية للتاريخ المقيدة للفرد في الأمة اللا دينية واللا قومية، ونحن هنا لا نعني باللا دينية أنها إلحادية بقدر ما نعني أنها (محايدة) لتستطيع الموائمة بين الذات وتجسدها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |